من نعم الله على أمة الإسلام أنها أمة محفوفة بالعناية
متوجة بالهدى والنور الذي أنزله الله للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور بعد التبليغ والإنذار والتذكير: {هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52]، وقد جعل الله لحمل هذا البلاغ والقيام بمهمته {رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [النساء: 165]، ثم أورث الله البلاغ أكثر الناس أهلية لإبلاغه، وأعظمهم زكاة وتقوى لله سبحانه وتعالى، وهم العلماء الربانيون، الذين أضاءوا الأمة بنور بصائرهم، وأرشدوها بفطنة أفهامهم.
وبفضل الله وكرمه لم يخلُ عصر من العصور إلا وفيه نسمة من أرواح هؤلاء الأخيار، على أنه من المؤسف أن نقرأ في كتب التراجم والسير ما حصل لهم من الإعراض والتنفير عن مجالستهم، والتزهيد في علمهم، والتقليل من شأنهم، وهذا هو دأب الصالحين المصلحين، فالأذى ألصق ما يكون بأمثالهم، تمحيصاً واختباراً، ورفعة واعتباراً، ومن أولئك العمالقة العظماء إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، الذي كابد من المشاق والأحوال العصيبة ما إن قراطيس عصره لتنوء عن حمل وتسطير ما حصل له من العناء والنكد جراء تصدره للإبلاغ والدفاع عن رسالة هذا الدين الخالدة، ودعوته للسير وفق السيرة المحمدية المحمودة.
قبل ثلاث ساعات[1] من كتابة هذا المقال كنت في مجلس علمي يضم كوكبة من طلبة العلم المباركين، نتدارس فيه بين يدي أحد مشايخنا الأجلاء[2] كتاب «القواعد الأصولية» للإمام ابن اللحام[3]، ولما وصلنا للقاعدة السادسة التي تقضي بأن «المكرَه المحمول كالآلة، غير مكلف، وهو تكليف بما لا يطاق»[4] بدأ المؤلف رحمه الله يسوق الفروع المتعلقة بهذه القاعدة، وكان من جملة تلك المسائل التي ساقها مسألة إكراه الأسير، وذكر أن المنصوص عند الإمام أحمد في الأسير إذا خير بين القتل وشرب الخمر أنه «إن صبر فله الشرف، وإن لم فله الرخصة»[5]، وهنا بدأت الإشكالات ترد على هذا النص المشكل في كلام الإمام أحمد رحمه الله وبالأخص قوله: «إن صبر فله الشرف»، وبدأ الحاضرون يسألون شيخنا عما أشكل عليهم، وكيف أن الإمام أحمد دعا للصبر مع وجود نصوص تقضي بالحفاظ على النفس عند وجود ما يوجب إتلافها إكراهاً أو غير ذلك؟ ثم ما المقصود بالشرف الذي نص عليه الإمام أحمد: هل هو شرف الصبرِ نفسه؟ أم الشرف الأجر والثواب؟ أم إن الشرف شيء آخر لم يقصد به ما سبق؟
كنت أثناء دورة النقاش أفكر خارج المكان الذي أنا فيه، أحاول أن أبحث عن مخرج يختلف عن كل المخارج الفقهية البدهية التي قد أسمعها تلك اللحظات، كنت أتمنى تلك اللحظة أن يسأل أحد الحاضرين: لم لا يقصد بالشرف الثبات عند الأسر على المبدأ والقيمة التي يحاول العدو الكافر تحطيمها من نفوس معتنقيها؟ لا أدري ما الذي منعني من السؤال، لكنني أشعر الساعة لو أنني طرحت تساؤلي في خضم تلك المناقشة لما كان لهذه السطور أي وجود، كالعادة عندما تجد النفس ما يشبع رغبتها. عموماً ذاك الذي دار في خلدي عند قراءة النص الحنبلي المذكور، وهو الذي جعلني أفكر في تلك العبارة بصورة أعمق، ومن زاوية أخرى تتناسب مع حال الإمام الفقيه المحدث المجاهد أحمد بن حنبل رحمه الله.
متوجة بالهدى والنور الذي أنزله الله للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور بعد التبليغ والإنذار والتذكير: {هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52]، وقد جعل الله لحمل هذا البلاغ والقيام بمهمته {رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [النساء: 165]، ثم أورث الله البلاغ أكثر الناس أهلية لإبلاغه، وأعظمهم زكاة وتقوى لله سبحانه وتعالى، وهم العلماء الربانيون، الذين أضاءوا الأمة بنور بصائرهم، وأرشدوها بفطنة أفهامهم.
وبفضل الله وكرمه لم يخلُ عصر من العصور إلا وفيه نسمة من أرواح هؤلاء الأخيار، على أنه من المؤسف أن نقرأ في كتب التراجم والسير ما حصل لهم من الإعراض والتنفير عن مجالستهم، والتزهيد في علمهم، والتقليل من شأنهم، وهذا هو دأب الصالحين المصلحين، فالأذى ألصق ما يكون بأمثالهم، تمحيصاً واختباراً، ورفعة واعتباراً، ومن أولئك العمالقة العظماء إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، الذي كابد من المشاق والأحوال العصيبة ما إن قراطيس عصره لتنوء عن حمل وتسطير ما حصل له من العناء والنكد جراء تصدره للإبلاغ والدفاع عن رسالة هذا الدين الخالدة، ودعوته للسير وفق السيرة المحمدية المحمودة.
قبل ثلاث ساعات[1] من كتابة هذا المقال كنت في مجلس علمي يضم كوكبة من طلبة العلم المباركين، نتدارس فيه بين يدي أحد مشايخنا الأجلاء[2] كتاب «القواعد الأصولية» للإمام ابن اللحام[3]، ولما وصلنا للقاعدة السادسة التي تقضي بأن «المكرَه المحمول كالآلة، غير مكلف، وهو تكليف بما لا يطاق»[4] بدأ المؤلف رحمه الله يسوق الفروع المتعلقة بهذه القاعدة، وكان من جملة تلك المسائل التي ساقها مسألة إكراه الأسير، وذكر أن المنصوص عند الإمام أحمد في الأسير إذا خير بين القتل وشرب الخمر أنه «إن صبر فله الشرف، وإن لم فله الرخصة»[5]، وهنا بدأت الإشكالات ترد على هذا النص المشكل في كلام الإمام أحمد رحمه الله وبالأخص قوله: «إن صبر فله الشرف»، وبدأ الحاضرون يسألون شيخنا عما أشكل عليهم، وكيف أن الإمام أحمد دعا للصبر مع وجود نصوص تقضي بالحفاظ على النفس عند وجود ما يوجب إتلافها إكراهاً أو غير ذلك؟ ثم ما المقصود بالشرف الذي نص عليه الإمام أحمد: هل هو شرف الصبرِ نفسه؟ أم الشرف الأجر والثواب؟ أم إن الشرف شيء آخر لم يقصد به ما سبق؟
كنت أثناء دورة النقاش أفكر خارج المكان الذي أنا فيه، أحاول أن أبحث عن مخرج يختلف عن كل المخارج الفقهية البدهية التي قد أسمعها تلك اللحظات، كنت أتمنى تلك اللحظة أن يسأل أحد الحاضرين: لم لا يقصد بالشرف الثبات عند الأسر على المبدأ والقيمة التي يحاول العدو الكافر تحطيمها من نفوس معتنقيها؟ لا أدري ما الذي منعني من السؤال، لكنني أشعر الساعة لو أنني طرحت تساؤلي في خضم تلك المناقشة لما كان لهذه السطور أي وجود، كالعادة عندما تجد النفس ما يشبع رغبتها. عموماً ذاك الذي دار في خلدي عند قراءة النص الحنبلي المذكور، وهو الذي جعلني أفكر في تلك العبارة بصورة أعمق، ومن زاوية أخرى تتناسب مع حال الإمام الفقيه المحدث المجاهد أحمد بن حنبل رحمه الله.
تعليق