الغرباء
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1991-04-08
أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثاني عشر من دروس مدارج السالكين .
الآية الأولى :
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :
﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾
[سورة هود الآية: 116]
هذه الآية تدل دلالةً قطعيةً على أنَّ الناجينَ قِلة ، وعلى أنَّ المستقيمين قِلة ، وعلى أنَّ الطائعينَ قِلة ، فإذا وجدتَ نفسكَ في عصرٍ ما مع القِلة الطائعة بعيداً عن الكثرة العاصية ، مع القِلة المنيبة بعيداً عن الكثرة المعرضة ، مع القِلة المتبّعة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام بعيداً عن الكثرة التائهة والضالة , فهذه علامة طيبة , لأنَّ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وبدلالةٍ قطعية , يؤكد أنَّ أكثرَ من في الأرضِ مجرمين .
الآية الثانية :
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 116]
هناك شعور ينتاب المؤمن , يا رب كلُّ هؤلاء الناس على خِلاف الحق ، أكثرُ هؤلاء الناس ليسوا على الطريق المستقيم ، أيهما على حق : أنا أم هم ؟.
لِئلا تقعَ في هذا الصِراع ، لِئلا تشعرَ بالوحشة ، لِئلا تشعرَ بأنكَ وحيدٌ في هذا المجتمع التائه ، لِئلا تُحس أن الحقَّ مع هؤلاء الأكثرية , فتقول : لعلي على ضلال أنا وحدي ، لِئلا تقع في هذه المشاعر التي لا ترتاح لها , جاءت الآية الكريمة تؤكدُ :
﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾
بقيةٌ قليلةٌ ينهونَ عن الفسادِ في الأرض ، معنى ذلك :
أنَّ الفسادَ ظهرَ وعمّ ، وأنَّ هذه القِلةَ القليلة تنهى عن الفساد في الأرض .
لو عرضتَ أمرها على الناس لرأوها فِئةً تائهةً .
لو أُتيحَ لكَ أن تقبضَ مالاً كثيراً من شُبُهةٍ ورفضته تُتهمُ في عقلك .
لو أُتيحَ أن تكونَ في نزهةٍ مع أًصحابك , النزهة مختلطة , ورفضتَ هذه النزهة , لاتهمت في عقلك .
لو جاءكَ خاطِبٌ لابنتكَ من مستوىً رفيع في ماله وفي جاهه وفي عمله , ورفضتَ هذا الخاطب لرِقةٍ في دينه تُتهمُ بعقلك , فلِئلا تقعَ في هذه المشاعر ، جاءت الأحاديث الشريفة تؤكد فحوى هذه الآية .
أحاديث شريفة تؤكد فحوى الآيات :
الحديث الأول :
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنَّةَ , أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( بَدَأَ الإسْلامُ غَرِيبًا , ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ , فَطُوبَى للغُرَبَاءِ ))
قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَنِ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ :
(( الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لينحازن الإيمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَحُوزُ السَّيْلُ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَيَأْرِزَنَّ الإسْلامُ إِلَى مَا بَيْنَ هذين الْمَسْجِدَيْنِ , كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا ))
[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, وعبد الله بن أحمد في المسند]
الناس خرجوا في الطرقات بلا احتشام , وبلا وقار , وبلا تستر , وبلا انضباط , تَبِعوا الأجانب في أزيائهم ، لو أنَّ ثيابَ المرأةِ الأجنبيّة تبذلّت , لتبذلّت المرأة المسلمة معها اتباعاً لها ، لو دخلوا جُحرَ ضبِّ خَرِبٍ لدخلتموه ، فحينما ترى أنَّ الكثرة الكثيرة خرجوا في الطرقات بلا حجاب , بلا احتشام , بلا وقار ، تتبعوا عادات الأجانب عادةً عادة ، قلّدوهم في كلِّ شيء ، قلّدوهم في احتفالاتهم المُختلطة ، قلّدوهم في إنفاقهم المُترف ، قلّدوهم في أكلهم المالَ الحرام ، قلّدوهم في العلاقات الربوية ، قلّدوهم في تفلت الناس من منهج الله عزّ وجل ، إنَّ رأيتَ مجتمعاً هكذا صِفته , وأنتَ غريبٌ عنه , لا ترضى به , تُنكر ما فيه ، فهذه بِشارةٌ طيبةٌ على أنك من الغرباء ، يعني أيها المؤمن لا تشعر بالوحشة ، وحشتك طبيعية جداً , وحشتك من الناس طبيعية ، بل هيَ شعورٌ صحيّ للمؤمن .
يقول عليه الصلاة والسلام:
(( بدأ الإسلام غريباً , وسيعود غريباً كما بدأ , فطوبى للغرباء , قيلَ : يا رسول الله ! ومن الغرباء ؟ الذين يصلحون إذا فَسَدَ الناس ))
البطولة :
أن تُتاح لكَ الدنيا من أوسع أبوابها .
أن يُتاح لكَ أن تكونَ في أعلى المراتب .
لكنَّ هذه المرتبة التي يطمحُ لها الناس , أساسها إيقاع الأذى بالناس ، أو إضلال الناس ، أو إفساد العلاقات ، فمهما كانت هذه المرتبةُ مغريّةً , لوجود شُبهةٍ فيها تبتعدُ عنها .
إذاً :
(( يصلحون إذا فَسَدَ الناس ))
حينما يَعمُّ الفسادُ في الأرض .
أكثر الناس لا يبالون أكانَ كسبهم حلالاً أم حراماً ؟؟؟
أكثرُ الناس لا يبالون أكانت علاقاتهم مع بعضهم مشروعةً أو غيرَ مشروعة ؟؟؟
أكثرُ الناس لا يبالون إذا كانت أعمالهم أساسها طاعة أو معصية ؟؟؟
جاءته وظيفةٌ دخلها كبير ولكن في ممارسة هذا العمل بعضُ المعاصي فرفضها !!
لو عرضتَ قصته على الناس لاتهموه بالجنون ، يشعر بغربة ، حتى أهله , حتى أمه , حتى أبوه .
أعرف رجلاً آخر , جاءه عرضٌ لِبضاعةٍ لا تُرضي الله عزّ وجل , عشرة آلاف قطعة صنّعها وخذ ثمنها , ولكن إذا صنّعتَ هذه القِطع , فقد أعنت على الإثم والعدوان , ثيابٌ ترتديها النساء في المسابح لا تُرضي الله عزّ وجل , وهو في أشدِ حالات الضيق فرفضها .
الإيمان ليسَ كما يظنُ الناس .
الإيمان ليسَ صلاةً وصياماً فقط .
ليسَ عبادات شكلية جوفاء كما هيَ عندَ الناس .
الإسلام مواقف ، الإسلام منهج متكامل ، الإسلام يدخل في دقائق عملك اليومية ، يدخل في مهنتك ، في حرفتك، في بيتك ، في نزهتك ، في لهوك ، في جِدّك ، في سفرك ، في حَضرِك ، الإسلام يعني تقريباً مئة ألف بند ، عندما المسلمون اختصروه إلى أربع خمس عبادات شكليّة , وفيما سِوى هذه العبادات , هم على أهوائهم , وفقَ نزواتهم ، وفقَ ما يحلو لهم ، وفقَ مصالحهم ، وفقَ طموحاتهم الدنيوية ، فصلوا الدينَ عن الدنيا , وجعلوا الدنيا في واد والدينَ في واد ، لذلك بلغوا ألف مليون في العالم وليست كلمتهم هي العليا , لا أقول سفلى ؛ لكن ليست هي العليا , مع أنَّ الله يقول :
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
[سورة النور الآية: 55]
والحديث الصحيح : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ:
((يَا أَكْثَمُ , اغْزُ مَعَ غَيْرِ قَوْمِكَ , يَحْسُنْ خُلُقُكَ , وَتَكْرُمْ عَلَى رُفَقَائِكَ , يَا أَكْثَمُ , خَيْرُ الرُّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ , وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ , وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلافٍ , وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه]
لو أنَّ عددَ المؤمنين الصادقينَ في الأرض اثنا عشر ألف رجل ما غُلِبوا , فكيفَ إذا كانوا ألفَ مليون ؟ ماذا يعني ذلك ؟
القضية عندَ الله ليست بالمظاهر ، المظاهر الإسلامية الصارخة , والمصاحف , والأشرطة , والخُطب ، والجوامع ملأىَ بالمُصلين ، هذه مظاهر ، تُبشر بالخير ، ولكن ليست كذلك عِندَ الله ، عِندَ الله عدد المسلمين هو عدد الطائعين ، عدد المُلتزمين .
من وليُّ الله : أهو الذي يطير في الهواء ؟
قال : لا .
أهو الذي يمشي على وجه الماء ؟
قال : لا .
الوليُّ كلُّ الوليّ الذي تجده عِندَ الحلالِ والحرام .
فيا أخي الكريم ؛ إسلامك في معملك ، إسلامك في دكانك ، إسلامك في وظيفتك ، إسلامك في بيعك وشرائك ، إسلامك في تعاملك ، إسلامك في جوارحك ، في مهنتك ، هذا هو الإسلام .
أول حديث :
((طوبى للغرباء , قيلَ : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فَسَدَ الناس))
الحديث الثاني :
حديثٌ آخر يقول عليه الصلاة والسلام :
(( طوبى للغرباء , قيلَ : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يزيدون إذا نقصَ الناس ))
ما معنى يزيدون إذا نَقَصَ الناس ؟ يعني إذا قلَّ أهلُ الخير زادَ خيرهم , وإذا قلَّ أهل المعروف زادَ معروفهم ، وإذا قلَّ أهلُ الورع زادَ ورعهم ، وإذا قلَّ أهلُ الالتزام زادَ التزامهم ، الذين يزيدون في المعروف , وفي الورع , وفي الطاعة , وفي القربات , وفي البذل , وفي التضحية إذا نَقَصَ الناس .
الحديث الثالث :
عَنِ الأعْمَشِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي الأحْوَصِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ الإسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا , وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ , فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ , قِيلَ : وَمَنِ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ : النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ ))
قبيلة خرجَ منها واحدٌ أو اثنان , تعرّفا إلى الله عزّ وجل , وطبقّا أمرَ النبي , وجاهدا في سبيله , وبذلا الغالي والرخيص , والنفسَ والنفيس , فهذا نَزَعَ من القبيلة ، الأكثرية مُقيمةٌ على أكلِ الرِبا ، وعلى لَعِب الميسر ، وعلى متابعة الأعمال الفنية الساقطة ، صارَ الناسُ موحدين بنزعاتهم التي لا تُرضي الله عزّ وجل .
الإنسان وعاء , أخطر ما في الوعاء , ماذا يُصبُّ فيه ؟ أنت ما الذي يغذيك ثقافيّاً ؟ الغذاء المعروف معروف الطعام والشراب , أما هذه النفس هي وعاء , ماذا يُصبُّ فيها ؟ أخبار الفنانين ، أخبار أهل الدنيا ، أخبار الساقطين والساقطات ، ما الذي تقرؤهُ ؟ ما الذي تستمعُ إليه ؟ ما الذي تُشاهده ؟ هذا الوعاء ماذا يُصبُّ فيه ؟ لن يخرجَ منه إلا مثلَ الذي يصبُّ فيه ، فإذا ملأتَ وعاءك من أخبار الفنانين فلن تتكلّمَ إلا عنهم ، وإن ملأتَ وعاءكَ من أخبار أهل الدنيا , وكيف سافروا ؟ وكيف تزوجوا ؟ وكم بذلوا ؟ والمُتع التي مارسوها ؟ والشهوات التي غَرِقوا فيها ؟ والأفعال الخسيسة التي فعلوها ؟ لن تستطيع أن تتحدثَ إلا عن هؤلاء ، أما إذا ملأتَ وعاءكَ من كتاب الله , ومن سُنّة النبي عليه الصلاة والسلام , ومن بطولات أصحاب رسول الله , راقب نفسك ؛ إذا أردتَ الحديث لن تتحدثَ إلا عن هؤلاء , هذا الذي قاله الأجداد : كلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ .
أخطر ما في الأمر أن تُراقب من الذي يُغذيك؟ عندك مصادر مسموعة، وعندك مصادر مقروءة، وعندك مصادر مشاهدة, هذه المصادر, فلن تتكلم إلا من هذا الذي تستمعُ إليه، ما يخرج منك من جنس ما تُغذى به، قل لي: ماذا تقرأ, أقل لك: من أنت؟ قل لي: ماذا تُشاهد, أقل لك: من أنت؟ قل لي: ماذا تسمع, أقل لك: من أنت؟ .
قال :
((فطوبى للغرباء, قيلَ: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: النُزّاعُ من القبائل))
تجد أسرة كبيرة في علاقاتها ، اختلاط ، مع احتفالات ، تجد مطاعم كلها إكراماً لشهر رمضان المبارك , تقدّم وجبات نفيسة وطيبة , ونساء ورجال بأبهى زينة , وبلا صلاة ، يقول لك : سهرنا للساعة الثانية ونمنا , أين السَحور بقي ؟ وأين الفجر ؟ هكذا الناس .
الحديث الرابع :
حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مِلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا , وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ , إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا , فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ , الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي ))
((الذين يُحيون سٌنّتي ويعلمونها الناس))
النبي له سُنّة :
كلٌّ يدعي أنه يحبُ رسول الله , وقد قالَ الله عزّ وجل :
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 31]
لا أصدّق أن تدّعي حُبَّ رسول الله أو حُبَّ الله عزّ وجل وأنتَ مُخالفٌ سُنّته، علامة حُبكَ للهِ عزّ وجل : اتباع سُنّة نبيه .
يحيون السنة بالتطبيق , وينشرونها بالتعليم ، يحيونها بالتطبيق , وينشرونها بالتعليم .
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
[ سورة الأنفال الآية: 33]
أجمعَ المفسرون على أنَّ هذه الآية تعني: أنه إذا كانَ النبي عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم, بينَ أصحابه, لن يُعذبوا، وأنه إذا كانت سُنّته مُطبقةً في من بعده لن يُعذبوا، فأنتَ متى لا تُعذب؟ في حالتين؛ إما أن تكونَ مع النبي الكريم شخصيّاً، وإما أن تكونَ سُنّته معك مُطبقةً في بيتك, نعم لا تُعذب .
الحديث الخامس :
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَاعِدًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي , فَقَالَ :
مَا يُبْكِيكَ ؟
قَالَ :
يُبْكِينِي شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ , وَإِنَّ مَنْ عَادَى لِلَّهِ وَلِيًّا , فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ , إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الأبْرَارَ الأتْقِيَاءَ الأخْفِيَاءَ , الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا , وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا , قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى , يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ ))
[أخرجه ابن ماجه في سننه]
تأتي الفِتن كقطع الليل المُظلم , إلا من رَحِمَ ربك ، إلا من نجاه الله عزّ وجل ، بعيدٌ عن هذه الفِتنة , هناكَ فِتنٌ تدعُ الحليمَ حيران ، المؤمن الصادق يُنجيه الله عزّ وجل , من هذه الفِتن .
أخفياء لا يُحبون الشُهرة ، أتقياء لا يحبون المعصية ، أبرياء ليسوا متهمين ، إذا غابوا لم يُفتقدوا ، وإذا حضروا لم يُعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ، يخرجون من كل فِتنةٍ عمياء مظلمة كما قال عليه الصلاة والسلام :
((ابتغوا الرِفعةَ عِندَ الله))
هم لا يسعونَ إلى رِفعةٍ بين الناس , إلى رِفعةٍ عِندَ الله عزّ وجل .
البطولة : أن تحجز مكانةً عِندَ الله :
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾
[ سورة القمر الآية: 54-55]
لك مكان عِندَ الله ، لكَ مكانة عِندَ الله، تشعر أنَّ الله يُحبك ، تشعر أنكَ على المنهج الصحيح ، تشعر أنكَ في الطريق الصحيح ، تشعر أنتَ متجهٌ إلى الهدفِ الصحيح ، هذا الشعور يُغنيكَ عن مدحِ الناس ، وعن الرِفعةِ بينَ الناس ، وعن تسليط الأضواء ، وعن الشُهرة ، وعن الشأن ، وعن الجاه ، هذه كلها تستغني عنها بشعوركَ أنَّ الله يُحبك .
من هم الغرباء .
يقول مؤلفُ هذا الكتاب :
هؤلاءِ هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ، لِقلّتهم في الناس ، لِقلتهم سُـموا غُرباء ، مدينة فيها خمسـة ملايين , أيام تجد فيها حوالي 100 سـائح , 200 سـائح , سُـميَّ هؤلاء السـياح غرباء , لأنهم قِلةٌ ، قال : سُموا غرباء لِقلتهم , فإنَّ أكثرَ الناسِ على غيرِ هذه الصفات .
قال :
أهلُ الإسلام غرباءٌ في الناس , المسلمون إذا وضعتهم مع عامّةِ الشعوب ، 450 مليون في الهند يعبدون البقر - أعوذ بالله - تمشي البقرة في الطريق , تقطع الطريق ، يبقى الطريق مُعطّلاً ساعات طويلة , تدخل البقرة إلى بائع الفاكهة , فتأكل من هذه الفاكهة ما لذَّ وطاب , وصاحب البقالية مغتبطٌ أشدَ الاغتباط ، في الأعياد يضعون روثَ البقر على أثاثِ بيوتهم , أرقى أنواع العطورات ، 350 مليون يقولون : لا إله , ما في إله في الشمال , عقيدتهم الإلحاد ، تذهب للغرب 30 % من الزِنا زِنا المحارم , الأب مع ابنته ، والأخ مع أخته ، والابن مع أمه ، 30% إحصاء دقيق جداً , هذا كلام علمي , 30% من الزِنا زِنا المحارم ، والأمراض الجنسية بأعداد وبائية ، كذا مليون يُمارسون الشذوذ الجنسي مع بطاقات , مع هويات يفتخرون بها ، معناها المسلمون المقصّرون غرباء أمام هؤلاء ، الزواج في أمريكا عياره سنة أو سنة ونصف فقط , لأتفه سبب تنفصم العلاقة الزوجية ، يعني أن يكون للزوجة عِدة أصدقاء , تغيب أياماً عن البيت , أسبوع , أسبوعين , وضع طبيعي جداً .
كان أحد الخبراء عِندنا في بلدنا, فعَمِلَ احتفالاً لطيفاً, بقيَّ عندنا أكثر من عام ونصف, قال: جاءني مولود, أنت أين كنت؟ أنتَ في الشام مقيم, وزوجتكَ هناك, جاءه مولود, فعمل احتفال بمجيئه، والله المسلمون غرباء أمام هذه المجتمعات, طبعاً في أمثلة كثيرة جداً .
فقال: أهلُ الإسلام في الناسِ غرباء، والمؤمنونَ في أهلِ الإسلامِ غرباء، المؤمن الصادق مع عامة المسلمين غريب.
قال: أهلُ العِلمِ في المؤمنين غرباء, المُتبحر في العِلم, الذي عرَفَ سِرَّ وجوده, والهدفَ فيه، وعَرَفَ حقيقةَ الدنيا، وعَرَفَ عِظَمَ المسؤولية، ورأىَ أنَّ الكونَ كله مُسخرٌ للإنسان، يرى أنَّ الوقتَ ثمين جداً, وأنه لا يُمضي وقته إلا في عملٍ صالح, فإذا وازنَ نفسه مع المؤمنين, يرى نفسه غريباً عنهم .
قال: وأهلُ السُنّة الذين يميزونها من الأهواء والبِدع، يعني أصحاب العقائد الصحيحة, وأصحاب التحقيق العلمي في السُنّة، الحديث موضوع, وهذا الحديث ضعيف, وهذه بِدعة النبي لم يقلها, يوجد عِنده صحوة, هؤلاء أيضاً غرباء عِندَ عامةِ أهلِ العِلم .
هذه القضية، قضية كل ما ارتفع مستوى الإنسان تقلّ الدائرة, مثل الهرم تماماً, إذا أنت مع أول قاعدة واسعة جداً, صعدت درجة القاعدة قلّت، كلما صَعِدتَ في هذا الهرم ضاقت القاعدة, لذلك لو جاء النبي, أيُّ نبي, وجلسَ مع مؤمنين, لا أُبالغ: يرى نفسه غريباً عنهم .
((أبيتُ عِندَ ربي يطعمني ويسقيني))
((لو علمتم ما أعلم, لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً))
الأنبياء لو وزِنوا بالمؤمنين يصبحوا غرباء, قال تعالى:
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾
[ سورة الأنعام الآية: 116]
فأنت افتخر وكُن مع الأقليّة، كُن واحداً كألف لا ألفاً كأُف, الله عزّ وجل قال:
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً﴾
[ سورة الكهف الآية: 105]
حدثني شخص قال لي: كنت في بلد أجنبي, إقلاع الطائرة الساعة الثانية بعد منتصف الليل, طلبت سيارة أجرة, جاءتني إلى الفندق, قال لي: في الطريق أيام شتاء, أيام الثلج والأمطار, وبرد شديد, وجدتُ صفاً من الناس, أقسمَ لي وهو تلميذٌ لي سابقاً, أقسمَ لي أنَّ هذا الصف يزيد طوله عن ثلاثة كيلو مترات, فسأل السائق: ما هذا؟ والساعة الثانية بعد منتصف الليل, قال له: أُذيع الليلة أنه سيوزعُ اللحم الساعة الثامنة صباحاً, قلت: يا الله! قال: في هذا المجتمع, الزِنا ثمنه قِطعة من الحلوى, قطعة واحدة تأخذ أجمل فتاة, قلت هذه الكلمة وصِرت أُكررها: هانَ الله عليهم فهانوا على الله، هانَ الله عليهم فهانوا على الله .
يعني في مجتمعٍ المعصية, بلا تحرش، بلا قلق, بلا وجل، بلا خوف، بلا شعور بالمسؤولية، ما دامَ الله قد هانَ عليهم إلى هذه الدرجة، إذاً: هم هانوا على الله، ما دامَ لحم النساء قد رَخصَ إلى هذا المستوى, إذاً: غلا لحم الضأن إلى هذا المستوى، وكلما قلَّ ماءُ الحياء قلَّ ماء السماء, فالبطولة: أن يكون الإنسان مع القِلة المؤمنة، أن يكونَ مع الغرباء, كي ينجو من عذاب الله عزّ وجل .
تعقيب صغير ...
قال: هذه الغُربة تكون في مكان دون مكان، يعني إذا كنتَ في بلدة كدمشق, أدامها الله علينا، المساجد ممتلئة، أُناسٌ صالحون كثيرون، قلوبهم فيها رحمة, والله وفي صحوة دينية طيبة جداً، المساجد ممتلئة في كلِّ الأوقات، في التراويح، في الفجر، يعني أُناسٌ طيبون مقبلون على الدين, ربما لا تحس أنكَ هنا غريب، لكن لو ذهبت إلى بلدٍ أجنبي, ورأيتَ الزِنا على قارعة الطريق، لا تحتمل .
شخص ذهبت إلى فرنسا، وقفت على نهر السين، شاهدت شاباً كئيباً, ولغتي الفرنسية ضعيفة، قلت: أتمرن فيه، فاقتربت وسألته, فقال له: أنا أريد أن أنتحر، قلت له: لماذا ؟ قال: الحياة لا معنى لها عندي، قلت له: ما الذي يزعجك؟ قال: أحبُ فتاة فأخذها مني أبي, الأب عندنا مُقدّس, الأب كل هدفه ابنه، هدفه أن يزوجه، هدفه أن يأخذ له بيتاً، عندنا العلاقات طيبة, إذا اطمأنَ على مستقبلهم يرتاح الأب، هذا الأب, أما ذلكَ الأب: نافسَ ابنه على فتاة, فيجوز أنت في دمشق لا تكون غريباً تُحس بارتياح، أينما كنت؛ مساجد وآذان وقرآن, هذه نعمةٌ كبرى.
قال: قد تكون في مكان دون مكان، وفي وقت دون وقت، وبين قومٍ دون قوم، يجوز بالشام نفسها حي مُحافظ وحي غير مُحافظ، أيام رمضان غير بعد رمضان, على كلٍ؛ هناك تفاوت في هذه النسبة .
قال: أهلُ الله عزّ وجل لا يأوون إلا إلى الله, ولا ينتسبون إلا إلى رسول الله, ولا يدعو له إلا إلى الله, هذه الغُربة اسم على غير مُسمى، صاحب هذه الغُربة لا يُحس بالغُربة، يُحس بالأُنس, لأنه مع الله عزّ وجل، هو عِندَ الناس غريب، عِندَ الناس كأنه شاذ, لكن هوَ عِندَ الله مُقرّب، الله عزّ وجل يؤنسه, يتجلى على قلبه .
قال: هذه الغُربةُ لا وحشةَ على صاحبها, بل هو آنسُ ما يكون إذا استوحشَ الناس, إذا الناس خافوا وقلقوا, بوادر زلزال ارتعدت فرائص الناس، المؤمن ماذا يقول؟ يتلو قوله تعالى:
﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 158]
إلى أينَ الذهاب؟ إلى الله عزّ وجل:
﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 157]
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾
[ سورة يس الآية: 26]
الإنسان يُحب الحياة, هذا كلام واقعي، لكن لو فرضنا: لاحَ شبحُ الموت لمؤمن ومستقيم, وعمله طيب, وحياته في طاعة الله، أتظن أنه يخاف من الموت؟ يتمنى أن يعيش أطول عُمر, حتى أكون معك واقعياً, خيركم من طالَ عُمره وحَسُنَ عمله، لكن لو لاحَ له شبحُ الموت فمرحباً به .
قصص غريبة جداً :
أحد تجار البلد, أصابه سرطان بالدم, بقدرة قادر, وقضية المستشفى, اتصلت بالمنزل لتُعلمهم بالنتيجة, في هاتف بجانبه, فرفع السماعة، ابنه رد على الهاتف, قال له: أبوك منته, ثلاثة أيام ويموت, سَمِعها بأذنه, زاره أصحابه, فقال لهم: انتهى الفيلم, في صفقة ألغاها, وصفقة أوصى بها, وجمع أولاده, وودعهم, وتغسّل, وأحد العلماء زاره الساعة الواحدة, وقرؤوا له الأوراد والتهاليل, والساعة الثانية كان توفي، لكن الشيء الذي لفت النظر: أنه لم يكن جزعان، كان إذا دخل شخص يطلب منه مساعدة, يفتح الصندوق, ويقول له: خذ قدر ما تحتاج, ولا تقل لي: قدر الكمية .
واحد دخل المستشفى, معه سرطان بالأمعاء، كلما دخلَ عليه زائر يقول: يا رب اشهد أنني راضٍ عن الله, يا ربي لكَ الحمد, إلى أن توفاه الله, الإنسان يتمنى أن يعيش أطول عمر, أما لو لاحَ له شبح الموت, لا يوجد عنده هذا الجزع, إلى أين ذاهب؟ كلُّ هذه الحياة لهذه الساعة مهيأة.
هذه غُربةٌ لا وحشةَ فيها, بل هو آنسُ ما يكون إذا استوحش الناس, وأشدُّ ما تكونُ وحشته إذا استأنسوا, فوليه الله ورسوله والذين آمنوا, وإن عاداه أكثرَ الناس وجَفوه .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ, لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأبَرَّهُ, مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ))
[أخرجه الترمذي في سننه]
هذا غريب معناها .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ أَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ: فَكُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ, أَشْعَثَ ذِي طِمْرَيْنِ, لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأبَرَّهُ, وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ: فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ, جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ, ذِي تَبَعٍ))
أنت إذا شاهدت مؤمناً مستقيماً, ولو كانت مرتبته الدنيوية وسط, فلا تتطاول عليه, لأنَّ الله كبير، لو كان ضارب آلة كاتبة بدائرة, وأنتَ مدير عام, لا تقل: أنا ربكم الأعلى, لو كان مستخدم, انتبه.
((رُبَّ أشعثَ أغبر ذي طمرين مدفوعٍ بالأبواب, لو أقسمَ على الله لأبرّه))
قَالَ :
((سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا, فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ))
معنى البطولة :
أن تكون أنت متواضع, وتعرف أن المراتب عِندَ الله, ليست كما هيَ عِندَ الناس، الناس يحترمون الغني, ويحترمون القوي, ويحترمون صاحب الشهادات العليا, يحترمون الوسيم الجميل, ويحترمون الصحيح, ويحترمون المُتكلَم, ويحترمون الذكي، أما ربنا عزّ وجل يُحب الطائعين.
((أحبُّ الطائعين وحُبي للشابِ الطائعِ أشد ، أحبُّ المتواضعين وحُبي للغني المتواضع أشد ، أحبُّ الكرماء وحُبي للفقير الكريم أشد))
(( ألا أُخبركم عن ملوك أهلِ الجنة؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: كلُّ ضعيفٍ أغبرَ ذي طمرين لا يُؤبه له, لو أقسم على الله لأبرّه ))
صفات الغرباء :
قال صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم :
أول صِفةٍ لهم : هيَ التمسك بالسُنّة إذا رَغِبَ الناسُ عنها ، صلاته مهمة جداً ، غضُّ بصره مهمٌ جداً ، لا يكون في اختلاط مهمٌ جداً ، ما يكون في شُبُهة بالدخل مُهمٌ جداً .
في حديث فيه بِشارة لكم جميعاً إن شاء الله تعالى ، قال: جُعِلَ للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسكَ بدينه, أجرَ خمسينَ من الصحابة .
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ , فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ ؟
قَالَ : أَيَّةُ آيَةٍ ؟
قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾
قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا , سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ :
(( بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ , حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا , وَهَوًى مُتَّبَعًا , وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً , وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ , وَدَعِ الْعَوَامَّ , فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا , الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ , لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ))
قَالَ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَة ,َ قِيل :َ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ , قَالَ :
(( بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ))
في بعض الروايات : قالوا :
((لِم ؟ قالَ : لأنكم تجدونَ على الخير مِعواناً ولا يجدون))
إذا الإنسان استقام, أهله أقرب الناس إليه يرفضونه, زوجته أحياناً ترفضه، شريكه لا يرضى, يقول لك: نبيع خمراً الزبائن تخف، يصبح درجة رابعة، المطعم أخذناه خمس نجوم ينزل إلى مستوى أربع نجوم .
في بعض المدن السورية, بائع من أهل الصلاح, بائع لحم, كتب على باب دكانه: ممنوع شرب الخمر بأمر الرب, والرزق على الله, فأقبل الناس عليه، أما سمعت بمصر, من عادات المحلات التجارية عِند افتتاحها, يأتي قارئ قرآن ويقرأ قرآن, فيوجد محل بجانبه محل غير مُسلم، فأحضرَ القارئ, وقال له: اقرأ, فالقارئ قرأ: والتين والزيتون, وقال له: قل لهم: عِندنا أيضاً حُمُّص ....
القصد: أنَّ الغُربة نِعمة وليست نِقمة، إذا كنتَ غريباً, فهذه بِشارةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله رب العالمين
تعليق