كيفَ لنا أنْ نُحقِّقَ النَصَر؟ ونصنعَ جيل النصر؟
قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) ) ( 1-4 الانفال)
إنَّ شهوةَ النصرِ والظَفَرِ مجردةً عن الأهدافِ والقيمِ والمشاريعِ الإصلاحيّةِ شهوةٌ لا قيمةَ لها.
ماذا سنجني من تحريرِ القُدْسِ وتحريرِ الأندلسِ وممتلكاتِنا المفقودةِ إنْ لم يكنْ بالأيدي مشروعٌ نقدمُه, وماذا سنجني من تحريرِ هذه المقدساتِ إنْ سَلَّمنا مفاتيحها كَرهًا اليوم التالي ؟!
وماذا سنجني منْ هذهِ الفتوحاتِ إنْ لمْ يكنْ لدينا جيلٌ للنصرِ قادرٌ أنْ يقودَ هذا العالمَ ؟
ولذلكَ التفتَ السياقُ القرآنيُّ البليغُ إلى هذه النُّكتةِ في سورةِ الأنفالِ في حديثٍ مفصَّلٍ عن الإيمانِ و غرسِه في النُّفوسِ غرسًا عميقًا بدءًا بالتَّحفيزِ {إنْ كنتم مؤمنين} ثم بتجليةِ مفهومِ الإيمانِ {إنَّما المؤمنونَ} ثم بمُلاحظة دقيقةٍ لثمرتِه {زادتهم إيمانًا} ثم بالظَفَرِ بالنتيجةِ {أولئكَ هم المؤمنون حقًا}.
عندَ تأملنا لسياقِ الآياتِ السابقةِ نجدُ أنَّ القرآنَ ابتدأَ بالحديثِ عن المعركةِ الأُولى في ميدانها العميقِ, إنَّها معركةُ النفسِ, لأنَّ عمليةَ النصرِ عمليةٌ تراكميَّةٌ يتحققُ فيها النصرُ الجمعيُّ بالنصرِ الفرديِّ أولًا, وهكذا يَعُدُّ السياقُ جيلَ النصرِ المؤمنِ الذي يصلحُ أنْ يقودَ العالمَ, ويبتدئُ النَّصُّ من أعمقِ نقطةٍ في دفائنِ النفوسِ {إذا ذكر الله وَجِلَت قلوبُهم} {وإذا تُليت عليهم آياتُه زادتهم إيمانًا} إنَّها تبدأُ من نُقطةِ المعتقدِ, نقطةِ الأحاسيسِ والمشاعرِ المهذبةِ, والقلوبِ المرهفةِ ؛ وتبقى القضيّةُ معلقةً بمسألةِ الإيمانِ {زادتهم إيمانا} فهو المقياسُ الصحيحُ و كذلك {على ربهم يتوكلون} إنَّها أفعالٌ قلبيةٌ خفيّةٌ,وكذلك جيلُ النصرِ أنقياء أخفياء أتقياء.
وفي سياقِ جهادِ النفسِ ينتقلُ من دفائنِ النفوسِ, إلى أفعالِ الجوارحِ الظاهرةِ - سواءً قلنا بجزئيّةِ العملِ أو لزوميّتهِ للإيمانِ على الخلافِ المشهورِ - خروجًا من الخفاءِ إلى العَلَنِ فهم يقيمونَ الصَّلاةَ ولا يؤدونَ الصلاةَ وبونٌ شاسعٌ بينَ إقامةِ الصلاةِ وأَدَائِها, ثمَّ إنَّ هذه الأفعالَ تربيهم على البذْلِ, فتبتدئُ ببذلِ المالِ لتنقلهم بعد ذلك إلى الميدانِ الأكبرِ إلى بذل النفوسِ {ومما رزقناهم ينفقون}.
إنَّ تلكَ الأماراتِ وإنْ لمْ تكنْ هي الإيمانَ كلَّه إلّا أنَّها دليلٌ قاطعٌ على وجودِه. وهكذا نلحظُ في السياقِ كيفَ كانتْ العنايةُ بجيل النصر ابتداءً من القلبِ وانتهاءً بالبذلِ.
وبهذا الاستعدادْ يكونُ المرءُ إنسانًا صالحًا لأنْ يكونَ في جُملةِ المنتصرين, ليبدأ السياقُ بعد ذلك في الحديثِ عن ميدانِ الجهادِ الأكبرِ.. في أرضِ المعركةِ وتلك قصةٌ أخرى للنصرِ.
تعليق