اكتشاف موقع سد ذي القرنين ووصفه...جولة استكشافيه بأمر الخليفة العباسي واستمرت 28 شهرا... منقول للأمانه....
رحلة سلام الترجمان... بحثا عن سد ذي القرنين.
قال تعالى (( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا.إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا )) الكهف 83-98اختلف المؤرخون والرواة والمفسرون في شأن ذي القرنين على أقوال عديدة يصعب الجمع بينها كما يصعب القطع بصحتها لتباعد تفسيراتها وتعليلاتها ونقل ابن كثير في تاريخه ( البداية والنهاية ) بعضا من هذه الأقوال عن ذي القرنين.. قيل ملكا من الملوك العادلين وقيل نبيا وقيل رسولا وقيل انه ملك فارس والروم وقيل الاسكندر المقدوني وقيل انه كان من حمير وأمه رومية......
وقد خرج بعض المفسرين بمحاولة للجمع بين الروايات فقالوا " ملك صالح نصح الله فأيده"...
نقل القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) عن ابن إسحاق انه أوتى مالم يؤت غيره, فمدت له الأسباب حتى انتهى إلى مشارق الأرض ومغاربها. لا يطأ أرضا إلاسلط على أهلها...
قال بعض العلماء ليس المراد انه انتهى إلى الشمس مشرقا ومغربا حتى وصل إلى جرمها فمسه لأنها تدور مع السماء حول الأرض ولكن المراد انه انتهى إلى آخر العمارة من جهتي المشرق والمغرب....
ونقل ابن جرير الطبري في تفسيره ( جامع البيان ) إن الجبلين اللذين بنى عليهما السد هما : أرمينيه وأذربيجان وفيما ذو القرنين يسير إذ وجد امة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون , يقسمون بالسوية ويحكمون بالعدل ويتأسون ويتراحمون , حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم متشابهة قلوبهم متآلفة سيرتهم حسنة قبورهم على أبوابهم وليس لبيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء وليس بينهم قضاة وليس بينهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف , لا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يختلفون ولا يتنازعون ولا يستبون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولايحردون ولا تصيبهم الآفات وهم أطول الناس أعمارا ليس فيهم مسكين ولا فقير ولا فظ ولا غليظ وجدوا إباءهم يواسون فقراءهم ويرحمونهم ....الخ ونقل الفخر الرازيفي تفسيره الكبير عن أبى الريحان الهروى : إن السد في ناحية الشمال لابين الصين ولا بين أذربيجان ...
ويرى الحافظ ابن كثير في تاريخه : إن ذا القرنين بنى السد من الحديد والنحاس وساوى بين الجبال الصم الشامخات الطوال فلا يعرف بناء على وجه الأرض اجل منه ولا انفع للخلق في دنياهم ....
ويرى الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحريروالتنوير) إن اليهود الذين كانوا منفردين بمعرفة أهل الكهف وذي القرنين والروح : أرادوا اختبار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فجعلوا مشركى قريش يسألونه صلى الله عليه وسلم عنها فأذن الله لنبيه بأن يبين منها ماهو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل وفى عجيب صنع الله تعالى في اختلاف أحوال الخلق ولم يتجاوز القرآن ذكر ذي القرنين بغير ما اشتهر به إلى تعيين اسمه وبلاده وقومه لان ذلك من شؤون أهل القصص والتاريخ وليس من أغراض القرآن .........
وعرض المفسر الجليل الاختلاف بين المفسرين في تعيين من هو ذا القرنين ويستبعد ابن عاشور أن يكون هو الاسكندرالمقدوني لأنه لم يكن ملكا صالحا... ولا الملك الفارسي أفريدون.
والذي يظهر لي إن ذا القرنين ملك من ملوك الصين هو( تسين شي هوا نق تى ) لأسباب منها أن أعظم السدود موجود في الصين اليوم يفصل بينها وبين المغول ... وبلاد الصين في عهد هذا الملك كانت تدين بالكونفوشيسية فلا جرم أن كان أهلها قوما صالحين نعود الآن إلى "سلام الترجمان" الذي اشتهرت رحلته إلى الأصقاع الشمالية من قارة آسيا بحثا عن سد ذي القرنين .....
فقد اعتبرالمستشرق " دي خويه " رحلته واقعة تاريخيه لاشك فيها وإنها جديرة بالاهتمام وأيده في هذا الراى خبير ثقة في الجغرافيا التاريخية هو " توما شك " وفى الآونة الأخيرة يرى عالم البيزنطيات " فاسيلييف " أن سلاما نقل ما شاهده في رحلته للخليفة العباسي الذي أوفده لهذه المهمة... وبعد أن نقل المستشرق الروسي " كراتشكوفسكى " هذه الآراء مع آراء المشككين في الرحلة قال : ويلوح لي إن رأى _ فاسيلييف _ هذا لا يخلو من وجاهة رغما من إن وصف الرحلة لايمكن اعتباره رسالة جغرافية بل مصنف ادبى يحفل بعناصر نقليه من جهة وانطباعات شخصية صيغت في قالب ادبى من جهة أخرى ...
بداية قصة الرحلة وبدأت قصة الرحلة عندما رأى الخليفة العباسي الواثق بالله ( 232 هـ _ 722 م ) في المنام حلما تراءى له فيه أن السد الذي بناه الاسكندر ذو القرنين ليحول دون تسرب يأجوج ومأجوج قد انفتح فأفزعه ذلك فكلف سلام الترجمان بالقيام برحلة ليستكشف له مكان سد ذي القرنين.
ويروى لنا المسعودي في كتابه ( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ) وابن خرداذيه في كتابه ( المسلك والممالك) قصة هذه الرحلة على النحو التالي :
إن الواثق بالله لما رأى في المنام إن السد الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين ياجوج وماجوج مفتوحا احضر سلاما الترجمان الذي كان يتكلم ثلاثين لسانا وقال له : اذهب وانظر إلى هذا السد وجئنى بخبره وحاله وماهو عليه .
ثم أمر له بأصحاب يسيرون معه وعددهم 60 رجلا ووصله بخمسة آلاف دينار وأعطاه ديته عشرة آلاف درهم وأمر لكل واحدمن أصحابه بخمسين ألف درهم ومؤونة سنة ومئة بغل تحمل الماء والزاد, وأمر للرجال باللبابيد وهى أكسية من صوف وشعر...
وحمل سلام رسالة من الخليفة إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينيه بتفليس وكتب صاحب أرمينية توصية لهم إلى صاحب السرير وكتب لهم إلى صاحب اللان وهكذا إلى فيلا شاه وطرخان ملك الخزر الذي وجه معهم خمسة أدلاء ساروا معهم 25 يوما حتى انتهوا إلى ارض سوداء منتنة الرائحة, " فسرنا فيها عشرةأيام ثم وصلنا إلى مدن خراب فسرنا فيها عشرين يوما وسألنا عن خبرها فقيل لنا هي المدن التي خربها باجوج وماجوج ثم صرنا إلى حصون بالقرب من الجبل الذي في شعبة منه السد وفى تلك الحصون قوم يتكلمون العربية والفارسية مسلمون يقرؤون القرآن ولهم كتاتيب ومساجد وبين كل حصن وآخر فرسخان ثم صرنا إلى مدينة يقال لها (أيكة) لها أبواب من حديد وفيها مزارع وهى التي كان ينزلها ذو القرنين بعسكره بينها وبين السد مسيرة ثلاثة أيام ثم صرنا إلى جبل عال عليه حصن والسد الذي بناه ذو القرنين هو فج بين جبلين عرضه 200 ذراع وهو الطريق الذي يخرجون منه فيتفرقون في الأرض فحفر أساسه 30 ذراعا وبناه بالحديد والنحاس ثم رفع عضادتين مما يلي الجبل من جنبتى الفج عرض كل منهما 25 ذراعا في سمك 50 ذراعا وكله بناء بلبن مغيب في نحاس وعلى العضادتين عتبة عليا من حديد طولها 120 ذراعا وفوقها بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل وارتفاعه مد البصر...
فيكون البناء فوق العتبة 60 ذراعا وفوق ذلك شرف من حديد في كل شرفة فرنتان تنثني كل واحدة على الأخرى طول كل شرفة خمسة اذرع في أربعة وعليه سبع وثلاثون شرفة وباب من حديد بمصراعين معلقين عرض كل مصراع 50 ذراعا في 75 ذراعا في ثخن خمسة اذرع. وقائمتان في دوارة على قدر العتبة لا يدخل من الباب ولا الجبل ريح وعلى الباب قفل طوله 7 اذرع في غلظ باع في الاستدارة والقفل لا يحتضنه رجلان وارتفاع القفل من الأرض 25 ذراعا وفوق القفل بخمسة اذرع غلق طوله أكثر من طول القفل وقفيزاه كل واحد ذراعان وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف وله 12 سنا من الأسنان واستدارة المفتاح 4 أشبار معلق في سلسلة ملحومة بالباب طولها 8 اذرع في 4أشبار والحلقة التي فيها السلسلة مثل المنجنيق وعتبة الباب عرضها 10 اذرع في بسط مائة ذراع ومع الباب حصنان يكون كل منهما 200 ذراع...
وفى احد الحصنين آلة البناء التي بنى بها السد من قدور الحديد ومغارف حديد وهناك بقية من اللبن الذي التصق ببعضه بسبب الصدأ..
ورئيس تلك الحصون يركب في كل يومي اثنين وخميس وهم يتوارثون ذلك الباب كما يتوارث الخلفاء الخلافة يقرع الباب قرعا له دوى والهدف منه أن يسمعه من وراء الباب فيعلموا أن هناك حفظة وان الباب مازال سليما وعلى مصراع الباب الأيمن مكتوب:
( فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا ) ....
والجبل من الخارج ليس له متن ولا سفح ولا عليه نبات ولا حشيش ولا غير ذلك وهو جبل مسطح متسع قائم أملس ابيض.......
وبعد تفقد سلام الترجمان للسد انصرف نحو خراسان ومنها إلى طبانوين ومنها إلى سمرقند في ثمانية اشهر ومنها إلى اسبيشاب وعبر نهر بلخ ثم صار إلى شروسنة فبخارى وترمذ ثم إلى نيسابور ومات من الرجال في الذهاب 22 رجلا وفى العودة 24 رجلاً وورد نيسابور وبقى معه من الرجال 14 ومن البغال 22 بغلا وعاد إلى (سر من رأى) فاخبرالخليفة بما شاهد.... بعد رحلة استمرت 16 شهرا ذهابا و12 شهرا في الإياب.
المراجع / - البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير
-تاريخالأدب الجغرافي العربي: كراتشكوفسكى
- المسالك والممالك: لابن خرداذبه
- الشريف الادريسى ودور رحلته وجغرافيته: للدكتور محمد مرسى الحريري
رحلة سلام الترجمان... بحثا عن سد ذي القرنين.
قال تعالى (( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا.إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا )) الكهف 83-98اختلف المؤرخون والرواة والمفسرون في شأن ذي القرنين على أقوال عديدة يصعب الجمع بينها كما يصعب القطع بصحتها لتباعد تفسيراتها وتعليلاتها ونقل ابن كثير في تاريخه ( البداية والنهاية ) بعضا من هذه الأقوال عن ذي القرنين.. قيل ملكا من الملوك العادلين وقيل نبيا وقيل رسولا وقيل انه ملك فارس والروم وقيل الاسكندر المقدوني وقيل انه كان من حمير وأمه رومية......
وقد خرج بعض المفسرين بمحاولة للجمع بين الروايات فقالوا " ملك صالح نصح الله فأيده"...
نقل القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) عن ابن إسحاق انه أوتى مالم يؤت غيره, فمدت له الأسباب حتى انتهى إلى مشارق الأرض ومغاربها. لا يطأ أرضا إلاسلط على أهلها...
قال بعض العلماء ليس المراد انه انتهى إلى الشمس مشرقا ومغربا حتى وصل إلى جرمها فمسه لأنها تدور مع السماء حول الأرض ولكن المراد انه انتهى إلى آخر العمارة من جهتي المشرق والمغرب....
ونقل ابن جرير الطبري في تفسيره ( جامع البيان ) إن الجبلين اللذين بنى عليهما السد هما : أرمينيه وأذربيجان وفيما ذو القرنين يسير إذ وجد امة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون , يقسمون بالسوية ويحكمون بالعدل ويتأسون ويتراحمون , حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم متشابهة قلوبهم متآلفة سيرتهم حسنة قبورهم على أبوابهم وليس لبيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء وليس بينهم قضاة وليس بينهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف , لا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يختلفون ولا يتنازعون ولا يستبون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولايحردون ولا تصيبهم الآفات وهم أطول الناس أعمارا ليس فيهم مسكين ولا فقير ولا فظ ولا غليظ وجدوا إباءهم يواسون فقراءهم ويرحمونهم ....الخ ونقل الفخر الرازيفي تفسيره الكبير عن أبى الريحان الهروى : إن السد في ناحية الشمال لابين الصين ولا بين أذربيجان ...
ويرى الحافظ ابن كثير في تاريخه : إن ذا القرنين بنى السد من الحديد والنحاس وساوى بين الجبال الصم الشامخات الطوال فلا يعرف بناء على وجه الأرض اجل منه ولا انفع للخلق في دنياهم ....
ويرى الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحريروالتنوير) إن اليهود الذين كانوا منفردين بمعرفة أهل الكهف وذي القرنين والروح : أرادوا اختبار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فجعلوا مشركى قريش يسألونه صلى الله عليه وسلم عنها فأذن الله لنبيه بأن يبين منها ماهو موضع العبرة للناس في شؤون الصلاح والعدل وفى عجيب صنع الله تعالى في اختلاف أحوال الخلق ولم يتجاوز القرآن ذكر ذي القرنين بغير ما اشتهر به إلى تعيين اسمه وبلاده وقومه لان ذلك من شؤون أهل القصص والتاريخ وليس من أغراض القرآن .........
وعرض المفسر الجليل الاختلاف بين المفسرين في تعيين من هو ذا القرنين ويستبعد ابن عاشور أن يكون هو الاسكندرالمقدوني لأنه لم يكن ملكا صالحا... ولا الملك الفارسي أفريدون.
والذي يظهر لي إن ذا القرنين ملك من ملوك الصين هو( تسين شي هوا نق تى ) لأسباب منها أن أعظم السدود موجود في الصين اليوم يفصل بينها وبين المغول ... وبلاد الصين في عهد هذا الملك كانت تدين بالكونفوشيسية فلا جرم أن كان أهلها قوما صالحين نعود الآن إلى "سلام الترجمان" الذي اشتهرت رحلته إلى الأصقاع الشمالية من قارة آسيا بحثا عن سد ذي القرنين .....
فقد اعتبرالمستشرق " دي خويه " رحلته واقعة تاريخيه لاشك فيها وإنها جديرة بالاهتمام وأيده في هذا الراى خبير ثقة في الجغرافيا التاريخية هو " توما شك " وفى الآونة الأخيرة يرى عالم البيزنطيات " فاسيلييف " أن سلاما نقل ما شاهده في رحلته للخليفة العباسي الذي أوفده لهذه المهمة... وبعد أن نقل المستشرق الروسي " كراتشكوفسكى " هذه الآراء مع آراء المشككين في الرحلة قال : ويلوح لي إن رأى _ فاسيلييف _ هذا لا يخلو من وجاهة رغما من إن وصف الرحلة لايمكن اعتباره رسالة جغرافية بل مصنف ادبى يحفل بعناصر نقليه من جهة وانطباعات شخصية صيغت في قالب ادبى من جهة أخرى ...
بداية قصة الرحلة وبدأت قصة الرحلة عندما رأى الخليفة العباسي الواثق بالله ( 232 هـ _ 722 م ) في المنام حلما تراءى له فيه أن السد الذي بناه الاسكندر ذو القرنين ليحول دون تسرب يأجوج ومأجوج قد انفتح فأفزعه ذلك فكلف سلام الترجمان بالقيام برحلة ليستكشف له مكان سد ذي القرنين.
ويروى لنا المسعودي في كتابه ( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ) وابن خرداذيه في كتابه ( المسلك والممالك) قصة هذه الرحلة على النحو التالي :
إن الواثق بالله لما رأى في المنام إن السد الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين ياجوج وماجوج مفتوحا احضر سلاما الترجمان الذي كان يتكلم ثلاثين لسانا وقال له : اذهب وانظر إلى هذا السد وجئنى بخبره وحاله وماهو عليه .
ثم أمر له بأصحاب يسيرون معه وعددهم 60 رجلا ووصله بخمسة آلاف دينار وأعطاه ديته عشرة آلاف درهم وأمر لكل واحدمن أصحابه بخمسين ألف درهم ومؤونة سنة ومئة بغل تحمل الماء والزاد, وأمر للرجال باللبابيد وهى أكسية من صوف وشعر...
وحمل سلام رسالة من الخليفة إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينيه بتفليس وكتب صاحب أرمينية توصية لهم إلى صاحب السرير وكتب لهم إلى صاحب اللان وهكذا إلى فيلا شاه وطرخان ملك الخزر الذي وجه معهم خمسة أدلاء ساروا معهم 25 يوما حتى انتهوا إلى ارض سوداء منتنة الرائحة, " فسرنا فيها عشرةأيام ثم وصلنا إلى مدن خراب فسرنا فيها عشرين يوما وسألنا عن خبرها فقيل لنا هي المدن التي خربها باجوج وماجوج ثم صرنا إلى حصون بالقرب من الجبل الذي في شعبة منه السد وفى تلك الحصون قوم يتكلمون العربية والفارسية مسلمون يقرؤون القرآن ولهم كتاتيب ومساجد وبين كل حصن وآخر فرسخان ثم صرنا إلى مدينة يقال لها (أيكة) لها أبواب من حديد وفيها مزارع وهى التي كان ينزلها ذو القرنين بعسكره بينها وبين السد مسيرة ثلاثة أيام ثم صرنا إلى جبل عال عليه حصن والسد الذي بناه ذو القرنين هو فج بين جبلين عرضه 200 ذراع وهو الطريق الذي يخرجون منه فيتفرقون في الأرض فحفر أساسه 30 ذراعا وبناه بالحديد والنحاس ثم رفع عضادتين مما يلي الجبل من جنبتى الفج عرض كل منهما 25 ذراعا في سمك 50 ذراعا وكله بناء بلبن مغيب في نحاس وعلى العضادتين عتبة عليا من حديد طولها 120 ذراعا وفوقها بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل وارتفاعه مد البصر...
فيكون البناء فوق العتبة 60 ذراعا وفوق ذلك شرف من حديد في كل شرفة فرنتان تنثني كل واحدة على الأخرى طول كل شرفة خمسة اذرع في أربعة وعليه سبع وثلاثون شرفة وباب من حديد بمصراعين معلقين عرض كل مصراع 50 ذراعا في 75 ذراعا في ثخن خمسة اذرع. وقائمتان في دوارة على قدر العتبة لا يدخل من الباب ولا الجبل ريح وعلى الباب قفل طوله 7 اذرع في غلظ باع في الاستدارة والقفل لا يحتضنه رجلان وارتفاع القفل من الأرض 25 ذراعا وفوق القفل بخمسة اذرع غلق طوله أكثر من طول القفل وقفيزاه كل واحد ذراعان وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف وله 12 سنا من الأسنان واستدارة المفتاح 4 أشبار معلق في سلسلة ملحومة بالباب طولها 8 اذرع في 4أشبار والحلقة التي فيها السلسلة مثل المنجنيق وعتبة الباب عرضها 10 اذرع في بسط مائة ذراع ومع الباب حصنان يكون كل منهما 200 ذراع...
وفى احد الحصنين آلة البناء التي بنى بها السد من قدور الحديد ومغارف حديد وهناك بقية من اللبن الذي التصق ببعضه بسبب الصدأ..
ورئيس تلك الحصون يركب في كل يومي اثنين وخميس وهم يتوارثون ذلك الباب كما يتوارث الخلفاء الخلافة يقرع الباب قرعا له دوى والهدف منه أن يسمعه من وراء الباب فيعلموا أن هناك حفظة وان الباب مازال سليما وعلى مصراع الباب الأيمن مكتوب:
( فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء وكان وعد ربى حقا ) ....
والجبل من الخارج ليس له متن ولا سفح ولا عليه نبات ولا حشيش ولا غير ذلك وهو جبل مسطح متسع قائم أملس ابيض.......
وبعد تفقد سلام الترجمان للسد انصرف نحو خراسان ومنها إلى طبانوين ومنها إلى سمرقند في ثمانية اشهر ومنها إلى اسبيشاب وعبر نهر بلخ ثم صار إلى شروسنة فبخارى وترمذ ثم إلى نيسابور ومات من الرجال في الذهاب 22 رجلا وفى العودة 24 رجلاً وورد نيسابور وبقى معه من الرجال 14 ومن البغال 22 بغلا وعاد إلى (سر من رأى) فاخبرالخليفة بما شاهد.... بعد رحلة استمرت 16 شهرا ذهابا و12 شهرا في الإياب.
المراجع / - البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير
-تاريخالأدب الجغرافي العربي: كراتشكوفسكى
- المسالك والممالك: لابن خرداذبه
- الشريف الادريسى ودور رحلته وجغرافيته: للدكتور محمد مرسى الحريري
تعليق