الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالمسلم يتقلب في عبوديته لله -عز وجل- في ليله ونهاره، وفي يقظته ومنامه، وفي صيفه وشتائه، يرى عزَّه وشرفه، وسموه في خضوعه وانقياده، وله في كل ما يحيط به فكر ونظر، ويأخذ مما يمر به الآيات والعبر؛ ليندفع بزادها إلى الطاعات، ويمتنع بزواجرها عن المحرمات.
وقد جُعلت الدنيا مرآة نرى فيها الآخرة، فكل ما فيها من سعادة ولذة ونعيم يذكر بنعيم الجنة، وكل ما فيها من ألم وشقاء وبؤس يذكر بعذاب النار، وفي فصل الصيف -ونحن على مشارفه- آيات يراها القريب والبعيد، وعظات تلوح {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]
- إذا اشتد عليك الحر، فلم تقوَ عليه، فاسأل الله أن يقيك حر شمس الآخرة وحر النار، وقل يا نفس: بينك وبين الشمس مسافات بعيدة، وأنت لا تطيقين، فكيف إذا دنت الشمس من الرؤوس يوم القيامة؟ ألا يذكرك حر الدنيا بحر الآخرة؟!
فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: «كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَبْرِدْ. ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ» [متفق عليه].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» [متفق عليه]، فأشد ما نجد من حر في دنيانا، إنما هو نفس من أنفاسها، فكيف بها، أكل بعضها بعضًا، تكاد تميز من الغيظ، أوقد عليها ثلاثة آلاف سنة، أقل أهلها عذابًا من توضع تحت أخمصه جمرتان يغلي منهما دماغه، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]
- إذا بلغ العرق منك مبلغة، فقل: يا نفس أرشح قطرات من العرق يضايقك؟ مع ما تجدين من وسائل تجفيفه؟ وإزالة رائحته؟ فكيف بك إذا عرق الجبين في سكرات الموت؟! كيف بك إذا غرق الناس في عرقهم يوم القيامة كل بحسب عمله؟ إلي أين سيبلغ عرقك يوم القيامة؟ إلي كعبيك، أم ركبتيك، أم حقويك، أم سيلجمك العرق؟!
فمن حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في أهوال يوم القيامة قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «نَعَمْ عُرِضَ عَلِىَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَأَمْرِ الآخِرَةِ فَجُمِعَ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ بِصِعَيْدٍ وَاحِدٍ فَفَزِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ حَتَّى انْطَلَقُوا إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَالْعَرَقُ يَكَادُ يُلْجِمُهُمْ...» [رواه الإمام أحمد، وحسنه الألباني].
- إذا هربت من لفح الشمس ولهيبها إلى ظل الدور والقصور، وظل الأشجار والبساتين، فسل نفسك تحت أي ظل ستكون يوم القيامة؟؟
أهل الجنة في ظل ممدود؛ قال الله -تعالى-: {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:28-33]، وقال -تعالى-: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [المرسلات:41ـ43]. وهؤلاء في ظل العرش، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» [متفق عليه]
وكذلك هؤلاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلاَلِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي» [رواه مسلم]
أما هؤلاء فلهم ظل أيضًا قال -تعالى-: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة:41-46].
رأى عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- قومًا في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار فبكى، ثم أنشد:
من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبار يخـاف الشيـن والشعثــا
ويألف الظل يبقى في بشاشتـــــــــه *** فسوف يسكن يومًا راغـمًا جـدثــا
فـي ظــل مـقــفــرة غبراء مـظـلـمـة *** يطيل تحت الثرى في غمها اللبثـا
تـجــهــزي بـجـهــاز تـبـلغـيـن بــــه *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
فأضح اليوم لتستظل غدًا، إن قومًا آثروا الفانية، وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقالوا: {لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ}، فأجابهم القرآن: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81].
- إذا ألهب الحر جوفك، واشتد ظمؤك، وطلبت ماءً باردًا، فاشرب هنيئًا، ثم سل نفسك من يسقيك يوم القيامة؟ ومن أي الموارد تشرب؟ فقد كان ابن عمر -رضي الله عنهما- وغيره من السلف إذا شربوا ماء باردًا، بكوا وذكروا أمنية أهل النار، وأنهم يشتهون الماء البارد، وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، ويقولون لأهل الجنة: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50]. {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:5ـ6] {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا} [الإنسان:17ـ18]. {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:25-28].
أما أهل النار فإذا أحرقت النار أجوافهم استغاثوا فيغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29]، وقال -تعالى-: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15]، وقال -تعالى-: {لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا* إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ:24ـ26]، وقال -تعالى-: {هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:57ـ 58].
ومن هنا كان علي اللبيب أن يعمل ليوم الظمأ عسى أن يكون ظمأ الدنيا زادًا لريِّ الآخرة، قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ» [متفق عليه].
وكان أبو موسى الأشعري في سفينة فسمع هاتفًا يهتف: يا أهل المركب: قفوا. يقولها ثلاثًا، فقال أبو موسى: يا هذا كيف نقف؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ كيف نستطيع وقوفًا؟ فقال الهاتف: أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه؟ قال: بلى، أخبرنا قال: فإن الله قضى على نفسه أنه من عطـَّش نفسه لله في يوم حار، كان حقـًا على الله أن يرويه يوم القيامة، فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ منه فيصومه.
وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "صوموا يومًا شديدًا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في الليل لظلمة القبور".
قيل لأحدهم: أتصوم في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم، صمتُ ليوم أشد منه حرًّا، قيل له: فأفطر وصم غدًا، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد، قال: ليس ذلك لي. قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه؟! وقيل لآخر: أتصوم في هذا الحر شديد؟ قال: أفأدع أيامي تذهب باطلا؟
- إذا تخففت من ثيابك من شده الحر، ألا تذكر أن أهل النار {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:19-21]؟ ألا تذكر أن {مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50]؟ أما أهل الجنة {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:21].
- إذا متعك الله ببيت في الدنيا تفتح نوافذه، وتجدد هواءه، ونعمك بأجهزة تلطف لك الهواء، وتبرد لك الماء، فاحمد الله، وارم ببصرك إلى حفره ضيقة سيفتح لها باب إما إلي الجنة وإما إلى النار، واعمل لدار {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} [ص:50-51]، واحذر دارًا على أهلها {مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} [الهمزة:8-9].
هذا وكثير من الناس لا تزال قلوبهم لاهية، وعن الآيات غافلة، فلا يرون في الصيف ما يراه أصحاب القلوب الحية، ولا يجدون فيه إلا مرتعًا لشهواتهم المحرمة، ولذاتهم الآثمة، فصيفهم كله آفات، توجب يوم القيامة الندم والحسرات منها:
1- في الصيف تشد الرحال إلي الشواطئ والمصايف، ويأتي الناس من كل فج عميق، زرافات ووحدانـًا، رجالاً وركبانـًا؛ ليحملوا أوزارهم وأوزارًا مع أوزارهم، حيث يختلط الرجال والنساء عرايا، في صورة بهيمية، يمجها كل ذي فطرة سليمة، إذ لا غيرة على الأعراض، وإنما هي الدياثة التي لا يقبلها الحيوان، وهذا لا مبرر له إلا أنه الصيف، تهدر الكرامات، وتهتك الحرمات، ويختلط الرجال بالنساء، والشباب بالفتيات، أجساد عارية، وعورات بادية، وتتلاطم أمواج الفتن الظاهرة والباطنة، ويرجع من يرجع منهم إلي بلاده مأزورًا غير مأجور، ومنهم من تختم له بخاتمة سوء غريقـًا في وسط النساء، والمرء يبعث على ما مات عليه.
2- وشدة الحر قد تدفع بعض النساء إلي التخفف من الثياب، فتلبس الخفيف الشفاف، أو القصير الضيق، فتبدو عورتها، وإن سألتها، نطقت بما أفتاها به الشيطان: "الدنيا حر". وجهلت أن حر الدنيا أهون من حر الآخرة، وغفلت عن المصير الذي ينتظر المتبرجات؛ ففي الحديث: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» [رواه مسلم]، وأن الحجاب فرض علي المرأة في صيفها وشتاها، في حرها وبردها، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59].
3- في الصيف لا تخلو الطرقات وبخاصة القريبة من البحر من رجال يلبسون ثياب البحر وهي تظهر العورة المخففة، بل المغلظة، في صورة من صور التخلف اللاإنساني، حتى أنك لتستح وأنت الرجل من هيئته، فما بالك بالعفيفات من النساء؟
4- سهر طويل قلب ليلهم نهارًا، ونهارهم ليلاً، فهم يقيمون الليل بالأفلام والمسلسلات، لا بالسور والآيات، ويضيعون أفضل الساعات في اللهو والعبث والمحرمات، وليت سهرهم هذا في مؤانسة أهل، أو إكرام ضيف، أو طلب علم لكان من الجائز إذا لم يفوّت واجبًا كصلاة الفجر؛ بل الواقع يحكي أنهم يسهرون طويلاً حتى إذا جاء وقت السحر -أشرف الأوقات- انصرفوا من لهوهم إلي نومهم، فأين القوم من أسلافهم، قال علي -رضي الله عنه-: "لقد رأيت أصحاب رسول الله وما أحد يشبههم، يبيتون سجدًا وقيامًا، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، بين عيونهم كركب المعز، حتى إذا فاجأهم السحر، هطلت عيونهم، كأن القوم باتوا غافلين". وقد كُرِه السهر بعد العشاء خوفـًا من أن تضيع صلاة الفجر؛ فعن أبى برزة الأسلمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلي الله عليه وسلم-: «كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» [متفق عليه]
فآهٍ لذي عقل ويتبع الهوى *** وآهٍ لأعمى القلب وهو بصير
هذا ومن فتش وجد أكثر، وما خفي كان أعظم، والمعصوم من عصمه الله -تعالى-، فاللهم اعصمنا من الزلل، وجنبنا الفتن، ونجنا من المحن، واجعل عمرنا شتاءه وصيفه ربيعه وخريفه خالصًا لك. والله حسبنا ونعم الوكيل.
تعليق