الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
لقد اعتاد كثير من الناس في حر الصيف اللافح أن يقضوا إجازتهم في رحلات إلى شواطئ الأنهار وإلى شواطئ البحار في بلاد الكفار أو في بلاد تشبهها، وقد يصطحب أولئك الناس عوائلهم من نساء ومراهقين ومراهقات، أو يذهبون وحدهم، وبعضهم يصل به الأمر إلى إرسال أولاده أو بناته إما بدعوى السياحة أو النزهة أو بدعوى أخرى مماثلة، وينفقون في سبيل ذلك كله أموالا طائلة مما أنعم الله عليهم.
ولك أن تتعجب أخي القارئ من أن عددا ضخما من الذين فقدوا الحياة وأسرفوا في الاستهتار من أغنياء ومترفين يضربون أسوأ الأمثال، فلا يعملون لأوطانهم، ولا يشتركون في النعماء والبأساء مع إخوانهم، بل يفرون من ديارهم إلى ديار الكفر في رحلات عابثة كلها إسراف وتبذير. ومن الغريب أن السائح المسلم يساوي ضعفه من السياح من أي دين آخر لماذا؟ لأنه ميال للبذخ والتبذير، ويقيم في أرقى الفنادق ويأكل في أرقى المطاعم، وينثر المال ذات اليمين وذات الشمال في كل قطر، وهو لذلك صيد ثمين جدا.
أخي الكريم..أختي الكريمة..
هل تعلم أنه في تلك البلاد والمصائف تتعرى الأجساد المحرمة وتشرب الخمور كالماء وينتشر الزنا كانتشار النار في الهشيم، هذا كله فضلا عن الجو المادي الذي تقسو فيه القلوب فتصبح شغوفة بالشهوات والملذات، ناهيك عن الشبهات العقدية والانحرافات، فيأنس أولئك المصطافون لتلك المناظر ويعتادونها، وربما يواقعها البعض منهم، ثم ينطلق المراهقون والمراهقات من الصغار والكبار غير مصدقين ما هم فيه من فوضى وإباحية لاسيما وقد اعتادوا في بلادهم جو المحاصرة وقطع الشهوات إلى حد ما، فيألفون هذه المناظر وتتهيأ نفوسهم لقبولها فيقعون فيما لا يحمد عقباه ولا يرضي المولى عز وجل.
أخي الكريم..أختي الكريمة..
لقد ابتدأ موسم السفر عند الكثير من الناس، وقد قسم العلماء السفر إلى ثلاثة أنواع: سفر مذموم، وسفر محمود، وسفر مباح.
فأما السفر المذموم:
فهو السفر إلى معصية الله، يشد المسافر رحاله إلى بلاد يعصي فيها الرب عز وجل، فهذا السفر محرم لا يجوز وعواقبه في الدنيا والآخرة وخيمة لا يعلمها إلا الله.
وأما السفر المحمود:
فمنه السفر للحج والعمرة، ومنه السفر لزيارة المساجد الثلاثة، ومنه السفر لطلب العلم وزيارة العلماء وأهل الخير.
وأما السفر المباح :
فهو السفر في طلب المعاش، والسفر بقصد الاستجمام والترويح عن النفس في حدود ما أباح الله. أما التعود على السياحة المجردة ففيها تضييع الأعمار والإسراف في الأموال وتشتيت القلب وإجهاد البدن مالا يخفى على أولي الألباب.
أخي الكريم..أختي الكريمة..
لقد ذكر العلماء للسفر آدابا كثيرة نذكر بعضاً منها على سبيل الاختصار:
1 - فمنها التوبة من المعاصي والذنوب، ورد المظالم وقضاء الديون الواجبة، وإعداد النفقة لمن تلزمه، ثم أخذ المال الحلال الطيب، ومن العجيب أن تجد بعض الناس يسافر بالأقساط كما تفعله بعض السفريات، فيذهب فرحا مسرورا بإجازته ويرجع وإذا الديون عليه متراكمة قد أفسدت فرحته في سفره.
2 - ومنها الحرص على طيب الكلام وإطعام الطعام وإظهار مكارم الأخلاق، لأن السفر فيه تعب شديد ومشقة بالغة وضيق نفس فلابد من التخلق والتحلي بالصبر ومكارم الأخلاق.
3 - ومنها الاستخارة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم ..» [رواه البخاري من حديث جابر].
4 - ومنها أن يستأذن الشاب والديه وتستأذن المرأة زوجها بشرط أن تسافر مع محرم، قال صلى الله عليه وسلم: « لا تسافـــر الـمـرأة إلا مـــع ذي مَحرم» [متفق عليه].
5 - ومنها أن يطلب الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتذكره إذا نسي، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119], وثبت عند أبي داود من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي».
6 - ومنها ألا يسافر لوحده بل في رفقة ثلاث فأكثر ويؤمرون عليهم أحدهم، ثبت في صحيح البخاري عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده » وثبت عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» وذلك لكي لا يقع الخلاف والشقاق بينهم.
7 - ومنها أن يقول عند الخروج من بيته دعاء الخروج من المنزل، ثبت عند أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يخرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله, يقال له هديت وكفيت ووفيت، فيقول شيطان لآخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» ثم يقول دعاء السفر :«اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصــاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللـــــهـــــم إني أعوذ بــــك مــــن وعـثاء السفر، وكآبة الـمـنـظر، وسوء المنقلب في المال والأهــــل» وإذا رجع قالهن وزاد فيهن «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» [رواه مسلم].
8 - ومنها أن يقول ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر فيكبر الله عند كل مرتفع ويسبح الله عند كل واد، كما ثبت عند أبي داود (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا علو الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا).
9 - ومنها السفر يوم الخميس. قال كعب رضي الله عنه: «لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس» [رواه البخاري].
10 - ومنها أن يغتنم السفر في الليل فإن الأرض تطوى بالليل وتقصر المسافة، فعن أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالدُّلجة، فإن الأرض تطوى بالليل» [رواه ابن خزيمة].
11 - ومنها أنه إذا أراد الراحة فليجتنب الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل، لقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوي الهوام بالليل» [أخرجه مسلم].
والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.
12 - ومنها أنه إذا نزل منزلا فليقل دعاء المنزل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق". ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نزل أحدكم منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه» .
13 - ومنها أن يعجل العودة إذا قضى حاجته من السفر. ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل الرجوع إلى أهله».
14 - ومنها إنه إذا رجع إلى أهله فلا يدخل عليهم في غفلة بل يخبرهم قبلها كما في الصحيحين قال أنس رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية".
15 - ومنها أن يحضر لأهل بيته ما يفرح به الأهل والأولاد لأن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به.
أخي القارئ الكريم..هناك منكرات كثيرة تقع في الأسفار ينبغي على المسلم الحذر منها:
1 - فمنها السفر إلى بلاد الكفار والمشركين، أتعلم أخي الكريم ماذا في تلك البلاد؟ إنه الكفر والإلحاد، إنه الإباحية والفساد، إنه الأمراض المعدية الفتاكة، إنه إضاعة المال وتبذيره، مفاسد خطيرة تكفي واحدة منها لقوم يعقلون. ولذلك حرم الإسلام على المسلم أن يقيم في بلد لا سلطان للإسلام فيه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً } [النساء: 97].
وثبت عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين»، وقد استثنى العلماء من ذلك من يسافر إلى بلاد الكفر للجهاد في سبيل الله أو السفر للعلاج أو لدراسة ما ينفع المسلمين أو للتجارة المباحة، كل ذلك مشروط بأن يكون مظهرا لدينه عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله قادرا على إقامته شعائره.
2 - ومنها ارتياد أماكن الفساد والمحرمات والملاهي وما يصاحبها من الفواحش والرذائل، فيحذر المسلم أن يقع فيما يغضب ربه وسخطه، وليعلم أن ربه مطلع عليه تام الإطلاع، وليستح من نظر ربه إليه، وليحذر من بعض شركات السفريات التي لا تقيم للدين وزناً فتسهل السكن في بعض الفنادق المشبوهة جريا وراء العادة، وفي بلاد المسلمين ولله الحمد ما هو خير من ذلك كله.
3 - ومنها ما يقوم به بعض الجهلة والجاهلات، من ترك الصلاة المفروضة ونزع الحجاب حين الصعود إلى الطائرة وكأن الدين والعفة لا وزن لها في السفر.
4 - ومنها الإسراف في شراء البضائع ومتابعة أحدث الموديلات وبذل الأموال الطائلة في ذلك.
أخي القارئ الكريم..
لا يعني ما سبق ذكره أن يكون المسلم نشازا مع أهله فلا يرفههم ولا يدخل السعادة في قلوبهم، فقد صح عند الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». فباستطاعة المسلم أن يرفه أهله وأولاده ويسلك بهم السبل المباحة من عمرة إلى بيت الله الحرام أو إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أو إلى ربوع البلاد الإسلامية المأمونة في نزهة بريئة ومصائف مباحة يأمن فيها المسلم على أهله وأولاده مع تحقيق رغبتهم في الترفه واللهو البريء المباح مع حفظ الدين والصلاح. واعلم أخي المسلم أنك بذلك ترضي ربك عز وجل فتكون مستسلما لشرعه وأمره، وهو شأن المسلم، يرضي ربه ولو شق ذلك على نفسه، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [النور: 51،] وقال عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 36].
أما الذين يتبعون شهواتهم ورغباتهم ولا يعنيهم أيرضي الله شيئا أم يسخط منه فلا حديث معهم لأنهم في حاجة إلى تصحيح أصل الإيمان في قلوبهم.
والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه وأن يهدينا سواء السبيل وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لقد اعتاد كثير من الناس في حر الصيف اللافح أن يقضوا إجازتهم في رحلات إلى شواطئ الأنهار وإلى شواطئ البحار في بلاد الكفار أو في بلاد تشبهها، وقد يصطحب أولئك الناس عوائلهم من نساء ومراهقين ومراهقات، أو يذهبون وحدهم، وبعضهم يصل به الأمر إلى إرسال أولاده أو بناته إما بدعوى السياحة أو النزهة أو بدعوى أخرى مماثلة، وينفقون في سبيل ذلك كله أموالا طائلة مما أنعم الله عليهم.
ولك أن تتعجب أخي القارئ من أن عددا ضخما من الذين فقدوا الحياة وأسرفوا في الاستهتار من أغنياء ومترفين يضربون أسوأ الأمثال، فلا يعملون لأوطانهم، ولا يشتركون في النعماء والبأساء مع إخوانهم، بل يفرون من ديارهم إلى ديار الكفر في رحلات عابثة كلها إسراف وتبذير. ومن الغريب أن السائح المسلم يساوي ضعفه من السياح من أي دين آخر لماذا؟ لأنه ميال للبذخ والتبذير، ويقيم في أرقى الفنادق ويأكل في أرقى المطاعم، وينثر المال ذات اليمين وذات الشمال في كل قطر، وهو لذلك صيد ثمين جدا.
أخي الكريم..أختي الكريمة..
هل تعلم أنه في تلك البلاد والمصائف تتعرى الأجساد المحرمة وتشرب الخمور كالماء وينتشر الزنا كانتشار النار في الهشيم، هذا كله فضلا عن الجو المادي الذي تقسو فيه القلوب فتصبح شغوفة بالشهوات والملذات، ناهيك عن الشبهات العقدية والانحرافات، فيأنس أولئك المصطافون لتلك المناظر ويعتادونها، وربما يواقعها البعض منهم، ثم ينطلق المراهقون والمراهقات من الصغار والكبار غير مصدقين ما هم فيه من فوضى وإباحية لاسيما وقد اعتادوا في بلادهم جو المحاصرة وقطع الشهوات إلى حد ما، فيألفون هذه المناظر وتتهيأ نفوسهم لقبولها فيقعون فيما لا يحمد عقباه ولا يرضي المولى عز وجل.
أخي الكريم..أختي الكريمة..
لقد ابتدأ موسم السفر عند الكثير من الناس، وقد قسم العلماء السفر إلى ثلاثة أنواع: سفر مذموم، وسفر محمود، وسفر مباح.
فأما السفر المذموم:
فهو السفر إلى معصية الله، يشد المسافر رحاله إلى بلاد يعصي فيها الرب عز وجل، فهذا السفر محرم لا يجوز وعواقبه في الدنيا والآخرة وخيمة لا يعلمها إلا الله.
وأما السفر المحمود:
فمنه السفر للحج والعمرة، ومنه السفر لزيارة المساجد الثلاثة، ومنه السفر لطلب العلم وزيارة العلماء وأهل الخير.
وأما السفر المباح :
فهو السفر في طلب المعاش، والسفر بقصد الاستجمام والترويح عن النفس في حدود ما أباح الله. أما التعود على السياحة المجردة ففيها تضييع الأعمار والإسراف في الأموال وتشتيت القلب وإجهاد البدن مالا يخفى على أولي الألباب.
أخي الكريم..أختي الكريمة..
لقد ذكر العلماء للسفر آدابا كثيرة نذكر بعضاً منها على سبيل الاختصار:
1 - فمنها التوبة من المعاصي والذنوب، ورد المظالم وقضاء الديون الواجبة، وإعداد النفقة لمن تلزمه، ثم أخذ المال الحلال الطيب، ومن العجيب أن تجد بعض الناس يسافر بالأقساط كما تفعله بعض السفريات، فيذهب فرحا مسرورا بإجازته ويرجع وإذا الديون عليه متراكمة قد أفسدت فرحته في سفره.
2 - ومنها الحرص على طيب الكلام وإطعام الطعام وإظهار مكارم الأخلاق، لأن السفر فيه تعب شديد ومشقة بالغة وضيق نفس فلابد من التخلق والتحلي بالصبر ومكارم الأخلاق.
3 - ومنها الاستخارة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم ..» [رواه البخاري من حديث جابر].
4 - ومنها أن يستأذن الشاب والديه وتستأذن المرأة زوجها بشرط أن تسافر مع محرم، قال صلى الله عليه وسلم: « لا تسافـــر الـمـرأة إلا مـــع ذي مَحرم» [متفق عليه].
5 - ومنها أن يطلب الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتذكره إذا نسي، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119], وثبت عند أبي داود من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي».
6 - ومنها ألا يسافر لوحده بل في رفقة ثلاث فأكثر ويؤمرون عليهم أحدهم، ثبت في صحيح البخاري عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده » وثبت عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» وذلك لكي لا يقع الخلاف والشقاق بينهم.
7 - ومنها أن يقول عند الخروج من بيته دعاء الخروج من المنزل، ثبت عند أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يخرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله, يقال له هديت وكفيت ووفيت، فيقول شيطان لآخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» ثم يقول دعاء السفر :«اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصــاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللـــــهـــــم إني أعوذ بــــك مــــن وعـثاء السفر، وكآبة الـمـنـظر، وسوء المنقلب في المال والأهــــل» وإذا رجع قالهن وزاد فيهن «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» [رواه مسلم].
8 - ومنها أن يقول ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر فيكبر الله عند كل مرتفع ويسبح الله عند كل واد، كما ثبت عند أبي داود (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا علو الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا).
9 - ومنها السفر يوم الخميس. قال كعب رضي الله عنه: «لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس» [رواه البخاري].
10 - ومنها أن يغتنم السفر في الليل فإن الأرض تطوى بالليل وتقصر المسافة، فعن أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بالدُّلجة، فإن الأرض تطوى بالليل» [رواه ابن خزيمة].
11 - ومنها أنه إذا أراد الراحة فليجتنب الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل، لقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوي الهوام بالليل» [أخرجه مسلم].
والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.
12 - ومنها أنه إذا نزل منزلا فليقل دعاء المنزل: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق". ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نزل أحدكم منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه» .
13 - ومنها أن يعجل العودة إذا قضى حاجته من السفر. ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل الرجوع إلى أهله».
14 - ومنها إنه إذا رجع إلى أهله فلا يدخل عليهم في غفلة بل يخبرهم قبلها كما في الصحيحين قال أنس رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية".
15 - ومنها أن يحضر لأهل بيته ما يفرح به الأهل والأولاد لأن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به.
أخي القارئ الكريم..هناك منكرات كثيرة تقع في الأسفار ينبغي على المسلم الحذر منها:
1 - فمنها السفر إلى بلاد الكفار والمشركين، أتعلم أخي الكريم ماذا في تلك البلاد؟ إنه الكفر والإلحاد، إنه الإباحية والفساد، إنه الأمراض المعدية الفتاكة، إنه إضاعة المال وتبذيره، مفاسد خطيرة تكفي واحدة منها لقوم يعقلون. ولذلك حرم الإسلام على المسلم أن يقيم في بلد لا سلطان للإسلام فيه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً } [النساء: 97].
وثبت عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين»، وقد استثنى العلماء من ذلك من يسافر إلى بلاد الكفر للجهاد في سبيل الله أو السفر للعلاج أو لدراسة ما ينفع المسلمين أو للتجارة المباحة، كل ذلك مشروط بأن يكون مظهرا لدينه عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله قادرا على إقامته شعائره.
2 - ومنها ارتياد أماكن الفساد والمحرمات والملاهي وما يصاحبها من الفواحش والرذائل، فيحذر المسلم أن يقع فيما يغضب ربه وسخطه، وليعلم أن ربه مطلع عليه تام الإطلاع، وليستح من نظر ربه إليه، وليحذر من بعض شركات السفريات التي لا تقيم للدين وزناً فتسهل السكن في بعض الفنادق المشبوهة جريا وراء العادة، وفي بلاد المسلمين ولله الحمد ما هو خير من ذلك كله.
3 - ومنها ما يقوم به بعض الجهلة والجاهلات، من ترك الصلاة المفروضة ونزع الحجاب حين الصعود إلى الطائرة وكأن الدين والعفة لا وزن لها في السفر.
4 - ومنها الإسراف في شراء البضائع ومتابعة أحدث الموديلات وبذل الأموال الطائلة في ذلك.
أخي القارئ الكريم..
لا يعني ما سبق ذكره أن يكون المسلم نشازا مع أهله فلا يرفههم ولا يدخل السعادة في قلوبهم، فقد صح عند الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». فباستطاعة المسلم أن يرفه أهله وأولاده ويسلك بهم السبل المباحة من عمرة إلى بيت الله الحرام أو إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أو إلى ربوع البلاد الإسلامية المأمونة في نزهة بريئة ومصائف مباحة يأمن فيها المسلم على أهله وأولاده مع تحقيق رغبتهم في الترفه واللهو البريء المباح مع حفظ الدين والصلاح. واعلم أخي المسلم أنك بذلك ترضي ربك عز وجل فتكون مستسلما لشرعه وأمره، وهو شأن المسلم، يرضي ربه ولو شق ذلك على نفسه، قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [النور: 51،] وقال عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 36].
أما الذين يتبعون شهواتهم ورغباتهم ولا يعنيهم أيرضي الله شيئا أم يسخط منه فلا حديث معهم لأنهم في حاجة إلى تصحيح أصل الإيمان في قلوبهم.
والله أسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه وأن يهدينا سواء السبيل وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تعليق