السلامُ عليكم
كانَ يجلسُ في زنزانتهِ وحيدا...
تُحيطُه الجُدارنُ التي صارتْ كَكتابٍ يُدَّونُ كلُّ سجينٍ دخلها قصَصَ حياتِهِ...
و نظراتُ الرجلِ تُريدُ أنْ تجريَ مِن جدارٍ لآخرَ لتقرأَ ما جرى لسُكانِ هذه الزنزانة...
لكنَّهُ صرفها و دفعها حتى لا تتنغَصَ حياتُه...
و المُصيبة... أن صاحبنا غداً إعدامهُ... فعلى أيِّ حياةٍ يحكي؟
حانَ موعدُ الغذاء... فهرولَ البطلُ المسجون إليهِ و انشغلَ بالأكلِ... بل و طلبَ المزيد منهُ...
فتعجَّبَ منه السجَّانُ قائلا: أمجنونٌ أنت؟!!!
غداً يومُ إعدامك... فلمَ هذا النَّهم؟
و ما سيُفيدكَ أصلا؟ فلربما لن تتمكنَ معدتُك من هضمه حتى...
فلربما يتمُ إعدامك و هو ما زالَ في بطنكَ يا هذا...
فأنكرَ المسجونُ عليه قولَه... و طالبَهُ بالمزيدِ...
بل و طلبَ منهُ قِصَصأً يقرؤها و أن يزيدَ القنواتِ الفضائيةِ عندهُ حتى يُشاهدَ الأفلامَ الشيقة...
فصارَ السجَّانُ يضربُ كفَّا على كفٍّ عجبا...
و بالليل و هو ينظرُ للتلفازِ بلهفة حصلَ عطلٌ كهربائي...
و سُمِعَ صُراخٌ مُدَّوي ألما...
لكنَّ صديقنا لم تأخذْهُ رهبة... فهذا صوتُ صُراخ أحد المساجين حيثُ تم إعدامُه على الكرسي الكهربائي...
و كانَ بطلُنا منزعجاً جدا... يصرخُ و يهيجُ...
فجاءَهُ السَّجَّانُ مُسرعا قائلا:
ما بالك؟ هل خشيتَ من الإعدامِ و أنَّبَكَ ضميرك؟
فقال له: أبداً لا... فأنا تعودّتُ على هذا... لا يمرُّ يومٌ إلا و يصرخُ سجينٌ آخرَ صرخة...
لكني منزعجٌ لانقطاعِ الكهرباءِ عني...
أُريدُ متابعةَ الفيلم الذي كنتُ أُشاهده فرجااااءاً أشعلوا الأنوار...
فانصدمَ السجَّان منْ حالِ هذا السجين...
و بينما هو بالصباح يأكلُ و يلعبُ و يُشاهدُ التلفاز...
فتحَ البابَ رجلٌ مُقنَّع... فصرخ به يا هذا قُم للإعدام...
فارتعبتْ أركانُ الرجل و ارتجفَ قلبُه رُعبا... و نسيَ ما بين يديه من اللهو و المرح...
و قال راجياً أمهلني لحظة واحدة... حتى أتوضأَ و أُصلي...
فشدَّهُ المُقنَّعُ مِن قميصه بقوة قائلا له:
أبداً يا هذا... أمثالُك لمْ يُصلُّوا يوما... و قد حانَ موعدُ الإعدام ولا نقدرُ أنْ نؤجلهُ دقيقة...
وُضع على الكُرسي... و الذكرياتُ تتلاحقُ بخياله... و يتمنى الرجوعَ ليُصلحَ ما أفسد... ثم صرخَ صرختَهُ الأخيرة...
و انتهى المشهد...
يسوقُ اللهُ الأمثال للناس و يضربها لهم لعلهم يعقلون...
و هذا المثلُ و الحالُ نراهُ دائما امامَ أعيننا...
فالزنزانة هي الدنيا... لن يخرجَ منها السجينُ إلا لآخرته...
فمنَ الناس مَن يعملُ لما بعد موته... و منهم مَن يُريد المتعة فيما بقي مِن عمره.. ناسياً ما هو أبديٌ في آخرته... فانشغلَ باللهو حتى جاءته المنية... رغم أنه يرى كثيراً يسبقونه لها...
اللهم ارزقنا حُسن الخاتمة... و أتمنى أن يكون بالموضوع موعظة لنا جميعا....
تعليق