زْكِيَةُ النَفْسِ بِمَا فِي سُورَةِ ((يُوسُف)) مِنَ الفَرَحِ وَ البُؤسِ \الاية 4 \
--------------------------------------------------------------------------------
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد آن محمدا عبده ورسوله.
} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {
} يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{
} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اما بعد:
كلما اقتربنا من شواطئ سورة يوسف كلما وجدنا البؤس و الحزن و تبدأ رحلة الحزن هذه برؤيا ظاهرها العلوّ و الرفعة و باطنها ملك ووزارة....
و كان حذر الوالد لهذه الرؤيا في غاية الحذر بحيث اعتمد عليها و اتكأ على عصا الصبر الجميل....
و من هنا بدأت الحكاية المأساوية الحزينة و لتكن سلوى كل مصاب مُبعد عن ارضه ووطنه و اهله...
و من هنا بدأت الرفعة و التمكين فالعبد لله و الارض لله فيختارسبحانه من يشاء على من يشاء و لمن شاء سبحانه في علاه...
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
قال الولد لوالده...و الولد سرّ ابيه...فهو له اب و صديق و معين, و نِعم الابناء كمثل يوسف و نِعم الاباء كمثل يعقوب....
فليس هناك حاجزا يمنع الولد ان يحدّث والده بما رآه ليلا او بما ارتكبه نهارا...كما انه لا حاجز امام الوالد ان يسمع و يرعى نطق ولده....فلتكن التربية كهذه و الا فلا تربية!!!!
فعندما كان الاباء بمثابة الجبابرة و الملوك و الابناء بمهانة الخدم و العبيد كانت الاسرار تدبّ خارج البيوت و تعود باملاء السّفيه...
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ....و الذين قالوا لاباءهم في القرآن نبيّان اثنان و شتان بين القولين و المقول له....
اولاهما هذه ((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ...))
و الاخرى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)...
الولد ينصح ابيه و الاب في تيه و ضلال بيد يوسف يطلب النصح من ابيه هذا اولا....
(يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)
يكرر لفظة يا أَبَتِ ليُذَكّره بحق الابوة و عطف البنوة و علم النبوة و لكن لا حياة لمن مات قلبه...
(يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) لم يعرف اليأس صلوات ربي و سلامه عليه,لم يُخرجه صمّ ابيه عن تكرار دعوته و توجيه سيرته.....
(يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
لم ينتفع القلب الميّت عندما تُقارعه بالحجة و تبيان العلم, كما انه لا ينفعه عندما تبيّن له عدوّه و مكان قراره, و كذلك لا ينفعه الحنان و العطف و لو كانا في اعلى مقامهما!!!
(قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) يا لها من قسوة!!! يا لها من معادلة جائرة!!! هذه نهاية الداعية الصبور مع والده السنّور بله السنّور يتميّز عنه بالوفاء و الطّواف لقوله صلى الله عليه و سلم (انها من الطوافين عليكم و الطوفات) الزائرين و الزائرات...
(قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) بعد كل هذا الجفاء يبق الخليل رحيما كريما...انه امّة لوحده....
قصة الخليل مع ابيه قصة تحمل البلسم الشافي لمن ابتلي بوالد كوالد ابراهيم, و ظلّت هذه الايات سلوى في وجه الحرمان تدور مع كاتب هذه السطور قراءة و تدبرا حتى هدى الله والدي من وقود النار و انقذه من لهيب جهنم فلله الحمد....
و عندما كان ابراهيم عليه السلام في اعلى مقامات البرّ مع والده الشقي ابدله الله تعالى باسماعيل ذبيح الرحمن في اعلى مقامات البرّ حيث قال: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) و هل جزاء الاحسان الا الاحسان!!!!
و لما كانت مناداة الاباء لبنيهم على شكلين مختلفين كانت مناداة الابناء على نفس المنوال, فاحداهما نداء اسماعيل لابيه (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) في غاية التسليم و الانصياع...
و الاخرى (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
و الفرق بين هذا كله ان يوسف عليه السلام من اهل يعقوب عليه السلام لانه عمل صالح...و والد ابراهيم ليس من اهله انه عمل غير صالح....و اسماعيل من اهل ابراهيم انه عمل صالح.... و ولد نوح ليس من اهله انه عمل غير صالح و ذلك قوله تعالى (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)
و فيصل هذا و ذاك انه من عمل عمل اهل الجنة فهو عملٌ صالح ينفعه نسبه و حسبه و الا فلا....
عود على بدء:
يَا أَبَتِ....و هذه احد اللغات حول المنادى المضاف و هي عشرة لغات منها الضعيف و منها الصحيح و اليكم سرد لها بعد تلخيصها من كتاب (النحو الوافي لصاحبه عباس حسن):
1- حذف الياء مع بقاء الكسرة \ يا أبِ\
2- بقاؤها مع بنائها على السكون في محل جر\يا أبِيْ\
3- بقاؤها مع بنائها على الفتح في محل جر\ يا أبَتِيَ\
4- قلب الياء الفا و حذف الالف و ترك الفتحة \يا أبَا \ و تجوه ان تلحقه عند الوقف هاء السكت \ يا أبَاه\
5- بناؤها على الفتح بعد فتح ما قبلها ثم قلبها الفا و حذف الالف و ترك الفتحة قبلها دليلا عليها \ يا أبَ\
6- حذف الياء مع ملاخظتها في النية و بناء المنادى على الضم \ يا أبُ\
7- حذف ياء المتكلم و الاتيان بتاء التأنيث الحرفية عوضا عنها مع بناء هذه التاء على الكسر \يا أبَتِ\
8- او على الفتح \يا أبَتَ\
9- او على الضم\ياأبَتُ\
10- الجمع بين تاء التأنيث و الف بعدها اصلها ياء المتكلم \ياأبَتَا\
11- و بقيت هذه الصورة الضعيفة جدا و خصها بعضهم للضرورة الشعرية : الجمع بين التاء و ياء المتكلم \ياأبَتَى
إِنِّي رَأَيْتُ....لم يضف رؤياه الى رؤيا ليليّة, لان مضمون ما رآها لا يكون عيانا فهو فوق عادة البشر و لذا ليس من الداعي ان يقول (رأيت فيما يراه النائم....) و الامر يختلف لو كان غير محال في اليقظة فلا بدّ ان يلتزم مقولة _ رأيت فيما يراه النائم...او ما ينوب عنها....
أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ....
ليس في هذا السياق تأكيدا ان الكواكب احد عشر كوكبا, فهو يقصّ ما رآه ساجدا له, و لم يتعبدنا الله تعالى بمعرفة عددها و كنها حتى لا يأتي زمان و يكتشف الباحثون ان هناك كوكبا يحمل رقم اثني عشر و عندها يُكَذّب القرآن بفعل ايدينا....
و المسلم لا يربط الاحداث التفصلية بايات من القرآن فهذا ليس من نهج الرعيل الاول, و كلما وقعت طامّة او حدثَ حدثٌ استنبطنا من كتاب الله تعالى ما يؤيّد فعلنا و لا دليل عليه غير حبّ الظهور او تبرير المبتور.....
فلو كانت احداث 11 ايلول مما جاء توكيدها في كتاب الله تعالى لكانت من المعجزات الخالدة و لم يسعه عندئذ صلوات ربي و سلامه عليه السكوت عنها حتى يُظهرها للناس كقوله تعالى( الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
و غيرها من الايات.....
فحذاري ان ننزل القرآن منزلا غير منزله فَيُتهم عندها بما لا يحتويه....
و يأتينا الفاتيكان و ربّانه ليَقولوا عن كتاب ربنا ما لا يرضاه مسلم فضلا عن عربيّ...
و عندما ابتعدنا عن هذا الكتاب ابْتَعَدَ عنا قوله صلى الله عليه و سلم (نصرت بالرّعب من مسيرة شهر....)
و سَيَخرج علينا من مختلف الطباقات و شتّى الالوان من يتّهم نبيّنا بسلّ السيف و كتابنا بشَرٍ كالسَّيْلِ!!!!
رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ....
و السجود كلّ على حسب شكله و بنيته و ذلك قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
و السجود هنا اما طوعا و اما كرها و السجود الشمس ليس كسجود الشجر و كذلك الدواب و مرورا بالانسان و لعنا نفصّل هذا اكثر ان شاء الله تعالى عندما نصل الى قوله عزّ و جلّ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
تمّت بفضل الله و بحمده.......
http://graphics.way2allah.com/fawasel2/14.png