بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، نحمدك على ما أنعمت به علينا من نعم كثيرة، منها الأكل والشرب اللذان لا غنى للإنسان عنهما، فلو نظرنا لوجدنا أنها قوة وعافية لمن أكل قدر حاجته ولم يفرط بالشبع ولم يدخل الطعام على الطعام، أو كسل ومرض لمن أفرط بالأكل وملأ معدته وأكثر من الأكل والشرب وأدخل الطعام، ثمّ بعد الشبع المفرط يبحث عن المهضمات كي تهضم الأكل الكثير ولهذا فإن الأكل الزائد والشبع يحدث أضراراً أو أمراضاً منها:
1. الخمول وكثرة النوم:يقول ابن القيم: "من أكل كثيراً، فنام كثيراً، فخسر كثيراً. وكثرة النوم تميت القلب، ويثقل البدن، ويُضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل" .
2. السمنة: كثرة الأكل وكثرة الشبع والزيوت في المأكولات تسبب تكدس الدهون بين الجلد واللحم وفي داخل البطن (أي ما يسمى بالكرش) ويحصل إختلال في كثير من الأوعية الدموية ومضايقة العروق، وعدم دفع الدم بسرعة، ومضايقة القلب مما يضعفه ويكون عرضةً لأمراض القلب الحادة والمزمنة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس» [الراوي:الألباني, صحيح] ، يحذّر ابن القيم من: " الإسراف في الحلال والشبع المفرط، فإنه يثقل القلب عن الطاعة، ويشغله بمزاولة مؤونة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصريفها ووقاية ضررها والتأذي بثقلها، وقويت عليه مواد الشهوة، وطرَّق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فالصوم يضيق مجاريه ويسد عليه طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها".
3. السُكر: فإن الأكل الكثير والشبع ولو كان من أكل الحميه أو الأكل المخصص لأصحاب السكر، يرفع السكر في أي حال من الأحوال حتى ولو كان الأكل خالياً من السكريات، ولا نكاد نرى في وقتنا الحالي من كبار السن إلا وفيه مرض السكر ويندر من يسلم منه، وخاصة في دول الخليج لكثرة الأكل وتوفره وسهولة الحصول عليه ويسره ورخصه ولله الحمد، ولو رأينا في الدول الأخرى الفقيرة أو المتوسطة أو المنظمة لوجدنا أن المصابين بمرض السكر قليل.
4. إرهاق المعدة: كثرة الأكل وإدخال الطعام على الطعام مما يرهق المعدة ويجعلها تتلف بسرعة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس» والشيء إذا تعدّى حدَّه انقلب ضده.
5. الجلطة: وتكون بسبب الإسراف في الأكل، حيث يتدفق ويتحرك الدم بسرعة ويصبح احتمال الإصابة بالجلطة كبيراً جداً.
فيجب على من أراد الوقاية والسلامة من هذا كله بعد عون الله أن:
1. يتوكل على الله ويخلص النية، ويفعل ما أمره الله به، وينتهي عما نهى الله عنه.
2. يطبق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس» [الراوي:الألباني, صحيح]
3. أن يقوم من الأكل وهو يشتهيه ولم يشبع.
4. يمارس الرياضة بإستمرار وخاصة الجري.
5. الحجامة: لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد الحجامة فليتحرَّ سبعة عشر أو تسعة عشر أو إحدى وعشرين ولا يتبيَّغ بأحدكم الدم فيقتله» [الراوي:الطبري, صحيح]
6. المحافظة على الحلة كل شهر.
7. يفرش الأسنان قبل النوم، والمحافظة على السواك بعد وقبل الصلاة.
8. يأخذ كفايته من النوم يقول ابن القيم : " إن أنفع النوم ما كان عند شدة الحاجة إليه، ونوم أول الليل وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه او نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافاً بحسبه".
يقول ابن القيم في الطب النبوي:
· أربعة تهدم البدن: الهم والحزن، والجوع، والسهر.
· وأربعة تفرح: النظر إلى الخضرة، وإلى الماء الجاري، وإلى المحبوب، والثمار.
· وأربعة تظلم البصر: المشي حافياً، والتصبح والتمسي بوجه البغيض والثقيل، والعدو، وكثرة البكاء، وكثرة النظر في الخط الدقيق.
· وأربعة تقوي الجسم: لبس الثوب الناعم، ودخول الحمام المعتدل، وأكل الطعام الحلو والدسم، وشم الروائح الطيبة.
· وأربعة تيبس الوجه، وتذهب ماءه وبهجته وطلاوته: الكذب، والوقاحة، وكثرة السؤال عن غير علم، وكثرة الفجور.
· وأربعة تزيد من ماء الوجه وبهجته: المروءة، والوفاء، والكرم، والتقوى.
· وأربعة تجلب البغضاء والمقت: الكبر، والحسد، والكذب، والنميمة.
· وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار وآخره.
· وأربعة تمنع الرزق: نوم الصبحة، وقلة الصلاة، والكسل، والخيانة.
· وأربعة تضر بالفهم والذهن: إدمان أكل الحامض والفواكه، والنوم على القفا، والهم والغم.
· وأربعة تزيد في الفهم: فراغ القلب، وقلة التملّي من الطعام والشراب، وحسن تدبير الغذاء بالأشياء الحلوة والدسمة، وإخراج الفضلات المثقلة للبدن.
· ومما يضر بالعقل: إدمان أكل البصل والباقلا، والزيتون والباذنجان، وكثرة الجماع، والوَحدة، والأفكار، والسُكر، وكثرة الضحك، والغم.
· وأربعة أشياء تمرض الجسم: الكلام الكثير، والنوم الكثير، والأكل الكثير، والجماع الكثير.
- فالكلام الكثير : يُقلل مخ الدماغ ويضعفه، ويعجل الشيب.
- والنوم الكثير: يصفر الوجه، ويعمي القلب، ويهيج العين، ويكسل عن العمل، ويُولّد الرطوبات في البدن.
- والأكل الكثير يفسد فم المعدة، ويضعف الجسم، ويولد الرياح الغليظة، والأدواء العسرة.
- والجماع الكثير: يَهُدّ البدن، ويضعف القوى، ويجفف رطوبات البدن ويرخي العصب ويورث السُّدد، ويعم ضرره جميع البدن، ويخص الدماغ لكثرة ما يتحلل به من الروح النفساني، وإضعافه أكثر من إضعاف جميع المستفرغات، ويستفرغ من جوهر الروح شيئاً كثيراً.
وأنفع ما يكون إذا صادف شهوة صادقة من صورة جميلة حديثة السن حلالاً مع سن الشُّبوبيّة، وحرارة المزاج ورطوبته، وبُعد العهد به وخلاء القلب من الشواغل النفسانية، ولم يفرط فيه، ولم يُقارنه ما ينبغي تركه معه من امتلاء مفرط، أو خواء، أو استفراغ، أو رياضة تامة أو حر مفرط، فإذا راعى فيه هذه الأمور العشرة، انتفع به جداً، وأيها فُقد فقد حصل له من الضرر بحسبه، وإن فُقدت كلها أو أكثرها، فهو الهلاك المعجل. انتهى كلام الشيخ ابن القيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.