إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الصبر والصابرون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصبر والصابرون

    الحمد لله العظيم قي قدره العزيز في فهره فارج الهمِّ كاشف الغمِّ مجيب دعوة المضطر نحمده على القضاء حلوه ومرِّه والصَّلاة والسَّلام على أشرف خلقه نبيِّنا محمَّدٍ عليه وعلى آله وصحبه..
    إلى كلِّ مؤمنٍ مهمومٍ، وكلِّ مبتلٍ مغمومٍ إلى الرَّاضين بالقضاء والقدر، إلى المحتسبين عند الله الأجر.
    {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْ*تُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ*} [الرَّعد: 24].

    وبعد..

    يا صاحب الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرجٌ***لا تجزن إنَّ الفارج الله
    إذا بليت فثق بالله وارض به***إنَّ الَّذي يكشف البلوى هو الله


    قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» [رواه البخاري 5645].
    ولقد أخبرنا الله -تعالى- بطبيعة الحياة الدُّنيا وأنَّه خلقت ممزوجةٌ بالبلاء والفتن، {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرً*ا} [الإنسان: ]، فإنَّ لله -تعالى- عزاءً في كلِّ مصيبةٍ ودركا من كل ِّفائتٍ وخلقٍا من كلِّ هالكٍ.

    ثمَّ اعلم -رحمك الله- أنَّ الخلق للخالق والشِّكر للمنعم والتَّسليم للقادر -سبحانه- ولا بدَّ ممَّا هو كائنٌ أن يكون ولا سبيل لرجوع ما فات، فيجب على العاقل أن لا يغتم، ولا يحزن فالمؤمن على خيرٍ في كلِّ حالٍ من أحوالٍ، إذا عرف كيف يتعامل مع الصَّدمات والمصائب.

    الصَّبر أفضل شيءٍ تستعين به***على الزَّمان إذا ما مسَّك الضَّرر

    الصَّبر في القرآن

    إنَّ خلق الصَّبر خلقٌ كريمٌ ووصفٌ عظيمٌ أمر الله به الأنبياء والمرسلين وبشَّر به المؤمنين فما نال أحدٌ شيئًا من جسيم الخير نبيٌّ فمن دونه إلا بالصَّبر ولقد ورد ذكره في القرآن الكريم أكثر من تسعين مرَّةٍ.
    فقال -تعالى-: {فَاصْبِرْ* كَمَا صَبَرَ* أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّ*سُلِ} [الأحقاف: 35]، {وَبَشِّرِ* الصَّابِرِ*ينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ*اجِعُونَ} [البقرة: 155-156]، {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُ*وا أَجْرَ*هُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النَّحل: 96]، {وَلَئِن صَبَرْ*تُمْ لَهُوَ خَيْرٌ* لِّلصَّابِرِ*ينَ} [النَّحل: 126]، {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُ*وا جَنَّةً وَحَرِ*يرً*ا} [الإنسان: 12]، {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُ*وا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111]، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُ*وا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصِّلت: 35]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ* وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِ*ينَ} [البقرة: 153]، {وَاصْبِرْ* عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ*} [لقمان: 17].

    الصَّبر إصلاحٌ

    الصَّبر هو حبس النَّفس على الطَّاعة وكفِّها عن المعصية وقوَّة من قوى النَّفس الَّتي بها صلاح شأنها وقوام أمرها وهو من أعظم ما عظم الله في كتابه، والصَّبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمر الله به فيؤدِّيه كاملًا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه وأن يتقبل بنفسٍ راضيةٍ ما يصيبه من مصائب وشدائد والمسلم يتجمل بالصَّبر، وتحمل المشاق ولا يجزع ولا يحزن لمصائب الدَّهر ونكباته.

    تعزّ فإنَّ الصَّبر بالحرّ أجمل***وليس على ريب الزَّمان معوَّلُ

    الصَّبر استرجاعٌ

    عن أمِّ سلمة -رضي الله عنها- قالت سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهمَّ أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها» [رواه مسلم 918]، ارضِ بقضاء الله وقدره واصبر، واحتسب، واستجب لله ولرسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّ*سُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ]، واعلم أنَّ الأوامر الرَّبانيَّة، والنَّصائح المحمديَّة إنَّما هي متعة للنَّفس وانتقاء للحسِّ، وسبيل للنَّجاة، وعليه فإنَّه لا يجوز لمن يخاف الله -جلَّ جلاله- أن يقوم بلطم الخدود وشقِّ الجيوب ويدعو بدعوى الجاهلية؛ لقول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ليس منَّا من ضرب الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» [متفقٌ عليه]، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أن بريءٌ من الصَّالقة والحالقة والشَّاقَّة» [متفقٌ عليه]، الصَّالقة: هي الَّتي تصيح بصوتٍ عالٍ مرتفعٍ عند المصيبة، والحالقة: هي الَّتي تحلق شعرها عند المصيبة، والشَّاقَّة هي الَّتي تشقُّ ثوبها عند المصيبة.

    تعزّ بحسن الصَّبر عن كلِّ هالكٍ***ففي الصَّبر مسلاة الهموم اللوازم

    الصَّبر اقتداءٌ

    قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرِّضى، ومن سخط فله السَّخط» [رواه التِّرمذي 2396 وابن ماجه 3272 وصحَّحه الألباني]، ولنا في رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والأنبياء من قبله القدوة والأسوة الحسنة، ضربوا لنا أروع الأمثلة وأسمى المعاني في الصَّبر، فهذا أبو البشر ونبيُّ الله آدم صبر على مفارقة الوطن الأول من الجنَّة، وصبر نوح على فقد الولد، وصبر إبراهيم على مقام ذبح الابن، وصبر يعقوب على فراق يوسف، وصبر موسى على أذى فرعون، وصبر داود على مرارة النَّدم، وصبر موسى على أذى فرعون، وصبر داود على مرارة النَّدم، وصبر سليمان على فتنة الدُّنيا، وصبر عيسى على ألم الفقر، وأمَّا رسولنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- فصبر عليها كلّها وعاشها كلّها وذاقها كلّها، ففاز بالمقامات كلّها صبر على فراق الوطن ومرتع الفتوة وربوع الشَّباب فترك الأهل، والعشيرة والدَّار والمال وصبر على شماتة العدو، وعقوق القريب ونيل الحسد، وتشفى الحاقد، الأب مات ولم يره والأمّ توفيت ولم تتم رضاعه، والجد فارق الدُّنيا ولم يحطه برعايةٍ، والعم ذهب وقت النِّضال، وخديجة -رضي الله عنها- ودَّعت يوم الحزن، والابن سالت روحه يوم تمام الحبِّ وعائشة -رضي الله عنها- ترمى وتقذف ساعة كمال الأنس، ومع هذا كلّه صبر -صلَّى الله عليه وسلَّم- ليبقى أجره في الآخرة موفورًا، وسعيه عند ربِّه مشكورًا ليلقى ربّه مسرورًا، ليجتمع له الثَّواب كله أوله وآخره.

    فاصبر إذا ما عضك الزَّمان***فكلّ يومٍ للمليك شأن

    الصَّبر إمامٌ

    من قال عند المصيبة إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون كان ممن أخذ بالتَّقوى، وأدَّى الفرائض؛ لأنَّ الله -تعالى- يقول: {أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّ*بِّهِمْ وَرَ*حْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157]، واعلم أنَّ الصَّابرين أئمَّة المتَّقين قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِ*نَا لَمَّا صَبَرُ*وا} [السَّجدة: 24] ربما امتحن الله العبد بمحنةٍ يخلِّصه بها من الهلكة فتكون تلك المحنة أجل نعمة أنعمها الله على العبد، ومن احتمل المحنة ورضي بتدبير الله -تعالى- كتب من الصَّابرين؛ لأنَّه تحمل المصيبة بصمتٍ وتلقى الفاجعة بسكونٍ، وتقبل الصَّدمة برضا وعلم أنَّ الصَّبر من أمَّهات الأخلاق.

    إنِّي رأيت وفي الأيَّام تجربةٌ***للصَّبر عاقبةٌ محمودة الأثر

    الصَّبر إيمانٌ

    جاء عن الإمام عليٌّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ألا إنَّ الصَّبر من الإيمان بمنزلة الرَّأس من الجسد فإذا قطع الرَّأس باد الجسد،" ثمَّ قال: "ألا إنَّه لا إيمان لمن لا صبر له"، هكذا جاء المسلمون يروي خَلفٌ عن سلفٍ وتابعٌ عن سابقٍ وآخرٌ عن أوَّل أنَّهم لم يختلفوا في مكانه الصَّبر وأجر الصَّبر المحتسب مصدقًا لما جاء في القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، حتَّى كان العرب في الجاهلية وهم لا يرجون ثوابًا ولا يخشون عقابًا يتحاضون على الصَّبر ويعرفون فضله، ويعيرون بالجزع أهله، ويكاد صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو. فمن يصبر يصبره الله.

    الصَّبر كنزٌ

    الصَّبر كنزٌ من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبدٍ كريمٍ عليه وما من قربةٍ إلا وأحجرها بتقديرٍ وحسابٍ إلا الصَّبر فأجره بغير حسابٍ، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُ*ونَ أَجْرَ*هُم بِغَيْرِ* حِسَابٍ} [الزُّمر: 10]، وعن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «عجبًا لأمر المؤمن. إنَّ أمره كلُّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له» [رواه مسلم 2999].
    وحتَّى تهون عليك المصيبة انظر إلى مصاب غيرك واعلم أنَّك على خيرٍ وفي خيرٍ.

    الصَّبر خيرٌ

    قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «فإنَّ من ورائكم أيَّام الصَّبر، الصَّبر فيهنَّ مثل القبض على الجمر للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله» [رواه الألباني 3172 في صحيح التَّرغيب وقال: صحيحٌ لغيره]، هذا الثَّواب العظيم الَّذي أعدَّه الله للصَّابرين لابدَّ له من تضحيةٍ ومثابرةٍ وثقةٍ بالله تعالى بعطائه، وكرمه -سبحانه-، فبالله فثقوا، وإيَّاه فارجوا وعليكم بالصَّبر فبه يأخذ الحازم وإليه يعود الجازع لأنَّ فيه الخير كلّه، والخير الَّذي لا شرَّ فيه الصَّبر عند المصيبة؛ لقول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ومن يتصبَّر يصبِّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصَّبر» [رواه البخاري 1469]. فكن على البلاء صابرًا وفي السَّراء والضَّراء شاكرًا.

    اصبر لكلِّ مصيبةٍ وتجلد***واعلم بأنَّ المرء غير مخلدِ

    أقوالٌ في الصَّبر

    - الصَّبر صفة الأنبياء وحلية الأصفياء ومفتاح الخيرات.
    - الصَّبر قلعةٌ حصينةٌ لا يفتحمها جيشٌ ولا يدخلها عدوٌّ.
    - الصَّبر زادٌ لا ينفد، ومعينٌ لا ينضب، وصاحبٌ لا يملُّ.
    - الصَّبر سكونٌ للقضاء واطمئنانٌ للعاقبة وانتظار للفرج.
    - الصَّبر جوادٌ لا يكبو، وجندٌ لا يهزم، وحصنٌ لا يهدم.
    - الصَّبر مفتاح الفرج.
    - الصَّابر يعيش بصبره في نعيمٍ، والجازع يعيش بجزعه في جحيمٍ.
    - نوائب الدَّهر لا تدفع إلا بعزائم الصَّبر.
    - الحيلة فيما لا حيلة فيه الصَّبر.
    - عاقبة الصَّبر الجميل جميلةٌ.

    نسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بكتابه وسنَّة رسوله ظاهرًا وباطنًا وأن يتوفانا على ذلك، والحمد لله الَّذي بنعمه تتمُّ الصَّالحات، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه.




    سياتى يوما لن اكون بينكم بل اكون فى التراب بالله عليكم لاتنسوا العبد الفقير من الدعاء

  • #2
    رد: الصبر والصابرون

    جعلنا الله من الصابرين
    طرح طيب ،
    جزيت خيراً أخي الكريم

    تعليق

    يعمل...
    X