إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العنف ضد الأطفال وموقف الإسلام منه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العنف ضد الأطفال وموقف الإسلام منه

    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
    الحمد لله وحده والصَّلاة والسَّلام على خاتم أنبيائه ورسله وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد...

    رأيت هذا المشهد بعيني...
    خرج أحد من أحد المحلات التِّجاريَّة، وكان يحمل بيديه بعض المشتريات وبجواره طفلة لا تتجاوز -في نظري- الرَّابعة من عمرها.. فطلب منها أن تفتح له باب السَّيارة لأنَّ يديه مشغولتان.. فحاولت الطِّفلة وحاولت ولم تستطع.. ولكنَّها ظلَّت تحاول وكأنَّها تعلم ما ينتظرها إن هي أخفقت.. وفي النَّهاية أُسقط في يديها وأعلنت الاستسلام.. وظلت تنظر إلى والدها تارةً وإلى باب السَّيَّارة تارةً.. وكأنَّها تناشده أن يترك ما في يديه ويتحمل عنها هذا العناء..
    فما كان من هذا الشخص (الوالد!!) إلَّا أن ركلها بقدمه في ظهرها ركلةً قويَّةً دفعتها بقوَّةٍ نحو السِّيَّارة لتستقبل الباب بوجهها الرَّقيق وتسقط على الأرض من شدَّة الصَّدمة وهول المفاجأة.
    أخذت المسكينة تبكي بكاءً شديدًا.. بكاء ألم وقهر وحسرة..
    ألم، لما أصابها في وجهها وهي الرَّقيقة الَّتي يؤلمها أدنى شيء.. وقهر لأنَّه لم يصادر منها ما يوجب العقوبة ولو صادر منها شيءٌ لكان صغر سنُّها عذرًا مقبولًا يدرأ عنا أي عقابٍ.
    وحسرة على ما وصل إليه حال بعض الآباء من القسوة والجبروت والتَّسلُّط على أبنائهم.

    أمَّا هذا الشَّخص (الوالد!!) فما كان منه إلَّا أن ترك بعض ما في يده، وفتح السَّيَّارة، واخذ ابنته وألقاها بقوَّةٍ في المقعد الخلفي.. دون أن يطمئنَّ عليها أو يتأثر لهذا الألم والبكاء الَّذي يكاد يقطع نياط القلوب..

    إنَّ هذه الصُّورة ليست صورةً معزولةً في مجتمعاتنا أو نادرة الحدوث، بل هي صورة تكاد تكون مألوفةً؛ لكثرتها وتواترها.. وكم سمعنا عن أطفال قضوا من شدَّة تعذيب أحد أبويهم لهم.. وعن والد لا يضرب أنباءه إلَّا بأسلاك الكهرباء وأسياخ الحديد.. وآخر كان يسلسل المعاقب من أبنائه بسلاسل الحديد، ويلقي به في إحدى الغرف المظلمة دون طعامٍ أو شرابٍ، وقد يظلُّ على ذَٰلك طيلة يومه وليلته.. وأعرف رجلًا كان لا يدخل بيته إلَّا توارى أبناؤه كلٌّ في ركنٍ من أركان البيت، حتَّى لا يراهم ولا يرونه! لن مجرد رؤيته لهم يستحقون عليها أشدّ العقوبة وهناك من الأبناء من كان يحلم كلّ يومٍ بحلم يسعده ويجدد في نفسه الأمل في الحياة وهذا الحلم هو مصرع أبيه في حادث مروع يظن أنَّه بذلك سوف يتخلص من الإهانة والعقاب الدَّائم الَّذي يلاقيه منه.

    المفاهيم الخاصَّة للتَّربيَّة والأبوَّة
    إنَّ الإسلام هو دين الرَّحمة، وإنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- هو نبيُّ الرَّحمة: {وَمَا أَرْ*سَلْنَاكَ إِلَّا رَ*حْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
    فمن أين تعلم هؤلاء الآباء القسوة؟ وكيف ارتضوا أن يكونوا أقل شأنًا من البهيمة الَّتي ترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه؟؟
    وهل تصوَّر هؤلاء أن جلد الأبناء وتعذيبهم وحبسهم وطرهم هو الوسيلة المثلى للتَّربيَّة والتَّعليم والتَّهذيب؟؟ إن تصوَّر ذَٰلك فهم على جهلٍ عظيمٍ وخطأٍ جسيمٍ؛ لأنَّ العنف والقهر والاستبداد لا ينتج سوى الكراهية والعقد النَّفسيِّة والشَّخصيَّة المريضة الَّتي تميل إلى الكيد والانتقام والإيقاع بالآخرين ولو كانوا أقرب النَّاس إليهم ولا ينتظر من مثل هؤلاء أي إبداعٍ أو نهضةٍ أو بناءٍ أو رقيٍّ.

    ولذلك فإنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل التَّفرُّق الَّذي هو من أعظم أسباب الضَّعف والفشل والهزيمة ناتجًا عن القسوة والغلظة فقال -سبحانه-: {فَبِمَا رَ*حْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

    وهذا ينطبق على الآباء، فإذا كانوا بهذا الخلق من الفظاظة والقسوة وغلظ القلب انفضَّ الأبناء من حولهم ولم ينتفعوا بهم عند كبرهم بل ربما أذاقوهم من نفس الكأس الَّتي سقوهم منها وهو صغار، فقد روي أنَّ شابًّا أخذ أباه ليذبحه ففطن الأب لذلك فقال لابنه: يا بني! إن أردت قتلي فاقتلني عند الصَّخرة وأشار إليها، فقال الابن: "ولم عند الصَّخرة؟ فقال الأب: لأنِّي ذبحت والدي عندها، والجزاء من جنس العمل".

    إنَّ الأبوَّة أيُّها الناس ليست سوطًا يرفع أو قهرًا يمارس أو عنفًا يظنُّ الآباء أنَّ لهم الحقَّ في ممارسته متى شاءوا..

    إنَّ الأبوَّة رفقٌ ورحمةٌ وحبٌّ، وبذلٌ وعطاءٌ وإيثارٌ وشفقةٌ وحلمٌ وصبرٌ وسعة صدرٍ ورحابة أفقٍ وعفوٌّ وصفحٌ وتوجيهٌ وتربيَّةٌ وتهذيبٌ بألطف عبارةٍ وأجمل أسلوبٍ.
    ما أرى هذا الَّذي ينكِّل بأبنائه وبتفنن في تعذيبهم إلا شقيًّا يستحق العذاب من الله في الدُّنيا قبل الآخرة، وقد قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلَّم-: «إن الله يعذب الَّذين يعذبون النَّاس في الدُّنيا» [رواه مسلم 2613]
    وإذا كان النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- نهى عن تحريق النَّمل فما الحال بامرأةٍ تلجأ إلى حرق أبنائها في أماكن متفرقةٍ من أجسادهم تزعم أنَّها -بذلك- تربيهم وتؤدبهم ويا لها من تربيَّةٍ وتأديبٍ لا تنتج سوى أجسادًا مشوَّهةً وعقولَا مظلمةً.

    وإذا كان النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قد أخبر بأنَّ امرأةً دخلت النَّار في هرَّةٍ حبستها حتَّى ماتت، فكيف بمن يحبس أبناءه ويقهرهم بدعوى التَّربيَّة والتَّأديب؟؟

    رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال

    إنَّ على كلِّ مربٍّ -أبًا كان أو أمًّا- أن يتعلم من معلم البشريَّة محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- كيفيَّة التَّعامل مع الأطفال.

    فقد قدم ناس من الأعراب على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنَّا، والله! ما نقبل. فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «وأملك إن كان الله نزع منكم الرَّحمة» [رواه مسلم 2317].

    وأولى النَّاس بالرَّحمة هم الأبناء والذُّريَّة لأنَّ الفطرة تقضي برحمتهم والشَّفقة عليهم وعدم التَّعرُّض لهم بالأذى، ومن رحمة النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالأطفال أنَّه كان يذهب إلى ابنه إبراهيم في عوالي المدينة لا لشيءٍ إلا ليقبله ثمَّ يرجع، وكان إبراهيم يستكمل رضاعه هناك [رواه مسلم 2316].

    وكان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يحمل أمامة ابنة ابنته زينب في الصَّلاة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها [رواه مسلم 542].

    بل إنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يحترم حقوق الأطفال ولا يتجاوزها، فعن سهل بن سعد السَّاعدي -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أتى بشرابٍ، فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا. قال: فتله رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في يده [متَّفقٌ عليه] أي وضعه في يده.

    والأعظم من ذَٰلك أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- استشار غلامًا وهو أسامة بن زيد -رضي الله عنه- في أمرٍ عظيمٍ وهو فراق زوجته عائشة -رضي الله عنها-، وذلك بعد حادثة الإفك وقبل أن يبرأها الله، وأخذ -صلَّى الله عليه وسلَّم- برأيه حيث قال له: "يا رسول اللهً! هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا" [رواه مسلم 2770] فلم يطلقها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
    كل ذَٰلك يصقل شخصية الطِّفل، ويجعله قادرًا علىٰ تحمُّل المسؤوليَّة والموازنة بين الأمور وتحسين الحسن منها وتقبيح القبيح.

    علموهم وأدبوهم
    ورحمة الطِّفل والشَّفقة عليه والرِّفق به لا تعني إهمال تربيته وتأديبه، وترك تعليم أمور دينه ومبادئ الحلال والحرام، فقد أخذ الحسين بن علي -رضي الله عنهما- تمرةً من تمر الصَّدقة، فجعلها في فيه، فقال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «كخ كخ. ارم بها. أمَّا علمت أنا لا نأكل الصَّدقة» [رواه مسلم 1069].
    وهذا درسٌ تربويٌّ بديعٌ حيث أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يكتف بنهر الطِّفل عنِ الفعل الَّذي لا يليق، بل أعلمه سبب النَّهي ليتربى على التَّفريق بين الحلال والحرام والممنوع والجائز منذ نعومة أظافره، فيقوى بذلك على سياسة نفسه وقيادها، ومنعها من بعض شهواتها إن كان ذَٰلك خيرًا لها.

    إنَّ أناسًا أهملوا تربية أبنائهم منذ الصِّغر وفرَّطوا في تعليمهم شرائع الإسلام ومبادئ الحلال والحرام، فشبَّ الأبناء على الطَّيش والغفلة وانتهاك المحرمات، فعضَّ الآباء بعد ذَٰلك أصابع النَّدم، وقالوا: ليتنا ربيناهم صغارًا على مكارم الأخلاق، ولكن ساعة مندم.

    يذكرني هذا بحال الصَّبي الَّذي كان لا ينطق وكان أهله يدرِّبونه على النُّطق فتقول له الأم: سبَّ أباك، ويقول الأب: العن أمَّك، وكان الإخوَّة كذلك يتلاعنون فيما بينهم وفي أحد الأيَّام جاءت الأمُّ مسرعةً إلى زوجها والفرحة تملأ قلبها، وهي تقول: الولد تكلَّم، الولد تكلَّم! فقال الزَّوج: ماذا قال؟ فقالت بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ: لعنني!!
    أي مصيرٍ ينتظر هذا الولد وهو يعيش بين أسرةٍ تدور مفردات أحاديثها ما بين اللعن والسَّبِّ والشَّتم، ولذلك كان أوَّل ما نطق به أن لعن أمَّه، وربما صاحب ذَٰلك صفعة بيده علىٰ وجهها.

    إنَّ قضية التَّربيَّة تحتاج إلى توازنٍ، فكما أنَّ القسوة تضرُّ، فالتَّدليل الزَّائد وترك الحبل على الغارب والاستجابة لكامل رغبات الطِّفل يضرُّ أيضًا، فالتَّخويف بالعقاب قد يكون أبلغ من العقاب نفسه.

    والعقوبة قد يحتاج إليها أحيانًا، ولكنَّ العقوبة لا يجوز أن تصلَّ إلى حدِّ التَّعذيب والانتقام، والحرق بالنَّار وخلع الملابس والمنع منَ الطَّعام والشَّراب وما إلىٰ ذَٰلك من صور امتهان كرامة الطِّفل وسحق شخصيته ولا يكون الضَّرب كذلك على الوجه، فإنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- نهى عن ذَٰلك.

    مسؤولية الآباء
    قال الإمام ابن القيِّم -رحمه الله-: "وقال بعض أهل العلم: إنَّ الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنَّه كما أنَّ للأب على ابنه حقًّا، فللابن على أبيه حقٌّ، فكما قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، قال -تعالى-: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارً*ا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَ*ةُ} [التَّحريم: 6]".

    قال علىٰ بن أبي طالب: "علموهم وأدبوهم.." فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة علىٰ وصية الأولاد بآبائهم.

    قال -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31].
    فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنَّما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدِّين وسنَّنه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آبائهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: "يا أبت إنَّك عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا أضعتك شيخًا" (تحفة المودود ص 231-232).
    التعديل الأخير تم بواسطة مهاجر إلى الله ورسوله; الساعة 22-01-2019, 02:09 PM. سبب آخر: تنسيق الموضوع
    سياتى يوما لن اكون بينكم بل اكون فى التراب بالله عليكم لاتنسوا العبد الفقير من الدعاء

  • #2
    رد: العنف ضد الأطفال وموقف الإسلام منه

    جزاك الله خيراً أخي الكريم
    ونفع الله بك


    تعليق

    يعمل...
    X