الإعتصام بالله وحبله .. سلامةٌ من الهلاك وأمانٌ من الضلال
دلَّ العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أهمية الاعتصام بالله وكتابه وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام، فقد قال تبارك وتعالى:{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا }[آل عمران: 103]، وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير } [الحج: 78].. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبو شريح العدوي الخزاعي الكعبي - رضي الله عنه - قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: "أَبشِروا أَبشِروا، أليس تَشهدونَ أن لا إلهَ إلا الله وأني رسولُ اللهِ؟". قالوا: نعم. قال: "فإنَّ هذا القرآنَ سببُ طرفِه بيدِ اللهِ، وطرَفُه بأيدِيكم، فتمَسَّكوا به، فإنكم لن تَضِلُّوا ولن تَهلِكوا بعده أبدًا" (السلسلة الصحيحة للألباني)؛ وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
فيتبَّن مما سبق أن الاعتصام بالله عصمة للقلب، وملاذ للنفس، وطمأنينة للفؤاد :
ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل ولا أحفظ ولا أسلم للمؤمن من الاعتصام بالواحد الأحد - جل وعلا.. فهل يُهْزم من اعتصم بجنابه؟ وهل يخاف من لجأ إلى محرابه؟ وهل يحرم من انطرح على أعتابه؟
إن الاعتصام به - جل وعلا - حفظ للمرء، وصيانة للنفس، وحماية للدين، وأمنٌ من المخاوف، وضمان من المخاطر، ونجاة من المهالك، ونصرة على الأعداء، وحرز من الألداء.
ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "والاعتصام افتعال من العصمة، وهو التمسك بما يعصمك ويمنعك من المحذور والمخوف؛ فالعصمة الحمية، والاعتصام الاحتماء، ومنه سُميت القلاع العواصم لمنعها وحمايتها".
وقال ابن فارس: "العين والصاد والميم أصل واحد صحيح يدل على إمساك ومنع وملازمة، والمعنى في ذلك كله معنى واحد، ومن تلك العصمة أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه، واعتصم العبد بالله تعالى إذا امتنع، واستعصم التجأ، والعصمة كل شيء اعتصمت به".ومنزلة الاعتصام هي منزلة التعلّق بالله والتمسك بدينه وطاعته؛ ذلك أن الاعتصام بالله جزاؤه الهداية إلى الصراط المستقيم، قال تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101].
والاعتصام نوعان، كما ذكر ابن القيم رحمة الله عليه:
اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله. أما الاعتصام بالله فيوجب السلامة من الهلاك، وأما الاعتصام بحبل الله فيوجب السلامة من الضلال، ذلك أن "السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطريق والسلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة، وأن يهديه إلى الطريق، والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها".
وأخيراً.. ما أحوجنا
خاصة في زماننا هذا الذي شاعت فيه الفتن والمشاحنات إلى :
الاعتصام بالله وكتابه وسنة رسوله كما أوصانا حبيبنا المصطفى - عليه الصلاة والسلام – من حديث مالك بن أنس أنه قال: "تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما : كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ" (ابن عبد البر في التمهيد).. فالاعتصام بالكتاب والسنة طريق واحد يوصل إلى الجنة، ومن حاد عنهما أو عن أحدهما خاب وخسر في الدنيا والآخرة.. نسأل الله - سبحانه وتعالى - حُسن الاعتصام به، والتمسُّك بكتابه وسنة رسوله، والهداية إلى الصراط المستقيم.
مجلة البيان
تعليق