بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الافتتاحيَّة
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدِّين. أمَّا بعد...
- سمو الأمم وازدهارها:
تسمو الأمم وترتفع مكانتها. وتزدهر حضارتها بقدر ما يتصف به أفرادها من جميل الخلق وحسن الصَّفات وتضيع قيمها وتنحط مبادؤها إذا ضاعت الأخلاق الفاضلة بين أفرادها. ومن هنا اهتمَّ الإسلام بقضية الأخلاق فنظم سلوك الإنسان وعلاقته بغيره قال -صلّى الله عليه وسلّم-: «إنَّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» [صحَّحه الألباني في كتاب الأدب المفرد 207] وفي رواية أخرى: «لأتمم مكارم الأخلاق» [صحَّحه الألباني في السّلسلة الصَّحيحة 45].
- حسن الخلق
طوبى لمن ألبسه الله ثوب حسن الخلق فإنَّه ما من رجلٍ أُثر عنه ذلك إلا طاب ذكره عند النّاس ورفع قدره بينهم. وحسن الخلق هو بسط الوجه واحتمال الأذى وكظم الغيظ وغير ذلك من المعاني والخصال الحميدة. وروى الخلال عن سلام بن مطيع في تفسير حسن الخلق فأنشد هذا البيت:
تراه إذا ما جئته متهللًا***كأنَّك معطيه الّذي أنت سائله
وخير النَّاس أحسنهم خلقًا بقول خير البريّة -صلّى الله عليه وسلّم- وهو أحسن النّاس خلقًا: «إنَّ من خياركم أحسنكم أخلاقًا» [رواه البخاري 3559]. وكان من دعائه في الإستفتتاح -صلّى الله عليه وسلّم-: «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها لا يصرف عنِّي سيِّئها إلا أنت» [رواه مسلم 771]. ومن كان كذلك أحبَّه النَّاس. ورغبوا في مجلسه ومجالسته. واستأنسوا بحديثه، وبضده صاحب الخلق السّيء فحديثه مملٌ ومجلسه ينفر عنه النَّاس وهو مبغوضٌ ثقيلٌ على القلب. أُثر عن الفضيل بن عياض أنّه قال: "من ساء خلقه ساء دينه وحبُّه ومودته".
كان خلقه القرآن
سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: «فإنَّ خلق نبي الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان القرآن» [رواه مسلم 746] ولما كمل الله تعالى خلقه أثنى عليه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
وهذه جملة من محاسن أخلاقه -صلّى الله عليه وسلّم-:
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أحلم النَّاس وأسخى النَّاس وأعطف النَّاس، وكان يخصف النّعل، ويرقع الثَّوب، ويخدم في مهنة أهله، وكان يعفو مع القدرة ولا يواجه أحدًا بما يكره، وما ضرب أحدًا بيده قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله، وكان من خلقه أن يبدأ بالسَّلام من لقيه، وكان طويل السُّكوت، فإذا تكلم لم يسرد كلامه بل يتثبت فيه ويكرره ليفهم، وكان أصدق النَّاس لهجةً وأوفاهم ذمّةً وألينهم عريكةً وأكرمهم عشرةً، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبَّه، وكان أصحابه إذا تكلموا في أمر الدُّنيا تحدث معهم، وكانوا يتذاكرون أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس مختلطًا بأصحابه كأنَّه أحدهم، فيأتي الغريب فلا يدري أيهم حتَّى يسأل عنه، ويكرم أهل الفضل، ويتألف أهل الشَّرف، ولا يجفو على أحدٍ، ويقبل معذرة المعتذر إليه، وكان يمزح ولا يقول إلا حقًّا، يضحك في غير قهقهةٍ، لا يمضي عليه وقت في غير عملٍ لله -تعالى- أو فيما لابد منه من صلاح نفسه.
فضل حسن الخلق
- صاحبه في الدَّرجات العُلا من الجنَّة:
عن أبي أمامه الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنَّة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنَّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنَّة لمن حسن خلقه» [رواه أبو داود 4800 وحسَّنه الألباني، وقال النَّووي حديث صحيح].
- سببٌ في حبِّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والقرب منه يوم القيامة:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن من أبغضكم إليَّ وأبعدكم منِّي يوم القيامة الثَّرثارون والمتشدِّقون والمتفيهقون. قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثَّرثارين والمتشدقين فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون» [رواه التِّرمذي 2018 وصحَّحه الألباني].
الزَّعيم: الضَّامن.
المراء: الجدل.
الثَّرثار: هو كثير الكلام تكلفًا.
المتشدق: المتطوال على النّاس بكلامٍ ويتكلم بملء فيه تفصحًا وتعظيمًا لكلامه.
المتفيهق: هو الّذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويعرب فيه تكبرًا وارتفاعًا وإظهارًا للفضيلة على غيره.
- بلوغه درجة الصَّائم القائم:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصَّائم القائم» [رواه أبو داود 4798 وصحَّحه الألباني].
- أثقل شيءٍ في الميزان:
عن أبي الدَّرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «ما من شيءٍ يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإنَّ صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصَّوم والصَّلاة» [رواه التِّرمذي 2003 وصحَّحه الألباني].
الأخلاق المشروعة لكلِّ مسلمٍ
- ومنها: الصِّدق- الأمانة- محاسبة النَّفس- التَّوبة والإنابة إلى الله- الصَّبر والخوف- الإخلاص وإستحضار النِّيَّة- الحياء من الله- الشَّجاعة والكرم- الوفاء- النَّزاهة عن كلِّ ما حرَّم الله- حسن الجوار ومساعدة ذوي الحاجة حسب الطَّاقة وغير ذلك من الأخلاق الّتي دلَّ الكتاب أو السُّنَّة على مشروعيتها، وهذه مجرد أمثلة للأخلاق الّتي ينبغي أن يتحلى المسلم بها، وإلا فإنَّ الأخلاق هذه كثيرةٌ قد ذكرها الله -تعالى- في كتابه وبينها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في سنته، وطبقها أصحاب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وامتثلوا أمر الله فيها أعظم امتثال.
- وهذه الأخلاق على نوعين:
النَّوع الأول: حسن الخلق مع الله -عزَّ وجلَّ-: وهو أن تعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذرًا وأنَّ كلَّ ما يأتي من الله يوجب شكرًا فلا تزال شاكرًا له معتذرًا إليه سائرًا إليه بين مطالع منَّته وشهود عيب نفسك وأعمالك.
النَّوع الثَّاني: حسن الخلق مع النَّاس: وجماعة أمران: بذل المعروف قولًا وفعلًا وكف الأذى قولًا وفعلًا وهذا إنَّما يقوم على أركان خمسة: العمل والجود والصَّبر وطيب العود وصحَّة الإسلام.
1- أمَّا العلم: فلأنَّه يعرف معالي الأخلاق وسفاسفها فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلَّى به ويترك هذا ويتخلَّى عنه.
2- وأمَّا الجود: فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك إذا أراده منها.
3- وأمَّا الصَّبر: فلأنَّه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه لم يتهيأ له.
4- وأمَّا طيب العود: فأن يكون الله -تعالى- خَلَقَهُ على طبيعةٍ منقادةٍ سهلةِ الانقياد، وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات.
5- وأمَّا صحَّة الإسلام: فهي جماع ذلك، والمصحح لكلِّ خُلُقٍ حسنٍ فإنَّه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء، وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمَّلُ ذلك ويلذُّ له الإتصاف به والله الموفق والمعين (تهذيب النَّفس لابن القيم، شرح سُنن أبي داود 13/130).
طرق معرفة عيوب النَّفس وعلاجها
اعلم: أنَّ الله -تعالى- إذا أراد بعبد خيرًا بصَّره بعيوب نفسه فمن كانت له بصيرةٌ لم تخف عليه عيوبه وإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر النَّاس جاهلون بعيوبهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه، فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرقٍ:
- الطَّريقة الأولى: الجلوس عند شيخٍ أو عالمٍ:
أن يجلس بين يدي شيخٍ أو عالمٍ بصيرٍ بعيوب النَّفس يعرفه عيوب نفسه وطرق علاجها.
- الطَّريقة الثَّانية: طلب الصَّديق الصَّالح:
أن يطلب صديقًا صدوقًا بصيرًا متدينًا وينصبه رقيبًا على نفسه؛ لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله.
وقد كان عمر -رضي الله عنه- يسأل حذيفة: هل أنا من المنافقين؟ وهذا لأن كلّ من علت مرتبته في اليقظة زاد اتهامه لنفسه، إلا أنّه عزَّ في هذا الزَّمان وجود صديق على هذه الصِّفة؛ لأنَّه قلَّ في الأصدقاء من يترك المداهنة فيخبر بالعيب أو يترك الحسد.
وقد كان السَّلف يحبُّون من ينبههم على عيوبهم ونحن الآن في الغالب أبغض النَّاس إلينا من يعرفنا عيوبنا.
- الطَّريقة الثَّالثة: الإستفادة من أعدائه:
أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه فإنَّ عين السَّخط تبدي المساوئ وانتفاع الإنسان بعدوٍّ مشاجرٍ يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديقٍ مداهنٍ يخفي عنه عيوبه.
الطَّريقة الرَّابعة: مخالطة النَّاس:
أن يخالط النَّاس، فكل ما يراه مذمومًا فيما بينهم يجتنبه.
ما قيل في حسن الخلق
- قال علي -رضي الله عنه-: "حسن الخلق في ثلاث خصال، اجتناب المحارم وطلب الحلال والتَّوسعة على العيال" (إحياء علوم الدِّين 3/75).
- قال الحسن -رضي الله تعالى عنه-: "حسن الخلق: الكرم والبذلة والاحتمال" (جامع العلوم والحكم ص160)، وعنه -رضي الله عنه-: حسن الخلق بسط الوجه وبذل النَّدى وكف الأذى" (إحياء علوم الدِّين 3/75).
- قال الشِّيخ تقي الدِّين أبو العباس ابن تيمية في كتاب الإيمان: "ما همَّ العبد به من القول الحسن والعمل الحسن، فإنَّما يكتب له به حسنةٌ واحدةٌ، وإذا صار قولًا وعملًا كُتب له عشرَ حسناتٍ إلى سبعمائةٍ، وذلك للحديث المشهور في الهمّ" (الآداب الشَّرعيَّة 1/104).
- قال ابن القيم -رحمه الله-: "جمع النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بين التَّقوى وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبَّة الله وحسن الخلق يدعو النَّاس إلى محبَّته" (الفوائد ص75).
- قال الماوردي -رحمه الله-: "إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصِّعاب، ولانت له القلوب الغضاب" (أدب الدُّنيا والدِّين للماوردي ص236).
الافتتاحيَّة
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدِّين. أمَّا بعد...
- سمو الأمم وازدهارها:
تسمو الأمم وترتفع مكانتها. وتزدهر حضارتها بقدر ما يتصف به أفرادها من جميل الخلق وحسن الصَّفات وتضيع قيمها وتنحط مبادؤها إذا ضاعت الأخلاق الفاضلة بين أفرادها. ومن هنا اهتمَّ الإسلام بقضية الأخلاق فنظم سلوك الإنسان وعلاقته بغيره قال -صلّى الله عليه وسلّم-: «إنَّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» [صحَّحه الألباني في كتاب الأدب المفرد 207] وفي رواية أخرى: «لأتمم مكارم الأخلاق» [صحَّحه الألباني في السّلسلة الصَّحيحة 45].
- حسن الخلق
طوبى لمن ألبسه الله ثوب حسن الخلق فإنَّه ما من رجلٍ أُثر عنه ذلك إلا طاب ذكره عند النّاس ورفع قدره بينهم. وحسن الخلق هو بسط الوجه واحتمال الأذى وكظم الغيظ وغير ذلك من المعاني والخصال الحميدة. وروى الخلال عن سلام بن مطيع في تفسير حسن الخلق فأنشد هذا البيت:
تراه إذا ما جئته متهللًا***كأنَّك معطيه الّذي أنت سائله
وخير النَّاس أحسنهم خلقًا بقول خير البريّة -صلّى الله عليه وسلّم- وهو أحسن النّاس خلقًا: «إنَّ من خياركم أحسنكم أخلاقًا» [رواه البخاري 3559]. وكان من دعائه في الإستفتتاح -صلّى الله عليه وسلّم-: «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها لا يصرف عنِّي سيِّئها إلا أنت» [رواه مسلم 771]. ومن كان كذلك أحبَّه النَّاس. ورغبوا في مجلسه ومجالسته. واستأنسوا بحديثه، وبضده صاحب الخلق السّيء فحديثه مملٌ ومجلسه ينفر عنه النَّاس وهو مبغوضٌ ثقيلٌ على القلب. أُثر عن الفضيل بن عياض أنّه قال: "من ساء خلقه ساء دينه وحبُّه ومودته".
كان خلقه القرآن
سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقالت: «فإنَّ خلق نبي الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان القرآن» [رواه مسلم 746] ولما كمل الله تعالى خلقه أثنى عليه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
وهذه جملة من محاسن أخلاقه -صلّى الله عليه وسلّم-:
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أحلم النَّاس وأسخى النَّاس وأعطف النَّاس، وكان يخصف النّعل، ويرقع الثَّوب، ويخدم في مهنة أهله، وكان يعفو مع القدرة ولا يواجه أحدًا بما يكره، وما ضرب أحدًا بيده قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله، وكان من خلقه أن يبدأ بالسَّلام من لقيه، وكان طويل السُّكوت، فإذا تكلم لم يسرد كلامه بل يتثبت فيه ويكرره ليفهم، وكان أصدق النَّاس لهجةً وأوفاهم ذمّةً وألينهم عريكةً وأكرمهم عشرةً، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبَّه، وكان أصحابه إذا تكلموا في أمر الدُّنيا تحدث معهم، وكانوا يتذاكرون أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس مختلطًا بأصحابه كأنَّه أحدهم، فيأتي الغريب فلا يدري أيهم حتَّى يسأل عنه، ويكرم أهل الفضل، ويتألف أهل الشَّرف، ولا يجفو على أحدٍ، ويقبل معذرة المعتذر إليه، وكان يمزح ولا يقول إلا حقًّا، يضحك في غير قهقهةٍ، لا يمضي عليه وقت في غير عملٍ لله -تعالى- أو فيما لابد منه من صلاح نفسه.
فضل حسن الخلق
- صاحبه في الدَّرجات العُلا من الجنَّة:
عن أبي أمامه الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنَّة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنَّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنَّة لمن حسن خلقه» [رواه أبو داود 4800 وحسَّنه الألباني، وقال النَّووي حديث صحيح].
- سببٌ في حبِّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والقرب منه يوم القيامة:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن من أبغضكم إليَّ وأبعدكم منِّي يوم القيامة الثَّرثارون والمتشدِّقون والمتفيهقون. قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثَّرثارين والمتشدقين فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون» [رواه التِّرمذي 2018 وصحَّحه الألباني].
الزَّعيم: الضَّامن.
المراء: الجدل.
الثَّرثار: هو كثير الكلام تكلفًا.
المتشدق: المتطوال على النّاس بكلامٍ ويتكلم بملء فيه تفصحًا وتعظيمًا لكلامه.
المتفيهق: هو الّذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويعرب فيه تكبرًا وارتفاعًا وإظهارًا للفضيلة على غيره.
- بلوغه درجة الصَّائم القائم:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصَّائم القائم» [رواه أبو داود 4798 وصحَّحه الألباني].
- أثقل شيءٍ في الميزان:
عن أبي الدَّرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «ما من شيءٍ يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإنَّ صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصَّوم والصَّلاة» [رواه التِّرمذي 2003 وصحَّحه الألباني].
الأخلاق المشروعة لكلِّ مسلمٍ
- ومنها: الصِّدق- الأمانة- محاسبة النَّفس- التَّوبة والإنابة إلى الله- الصَّبر والخوف- الإخلاص وإستحضار النِّيَّة- الحياء من الله- الشَّجاعة والكرم- الوفاء- النَّزاهة عن كلِّ ما حرَّم الله- حسن الجوار ومساعدة ذوي الحاجة حسب الطَّاقة وغير ذلك من الأخلاق الّتي دلَّ الكتاب أو السُّنَّة على مشروعيتها، وهذه مجرد أمثلة للأخلاق الّتي ينبغي أن يتحلى المسلم بها، وإلا فإنَّ الأخلاق هذه كثيرةٌ قد ذكرها الله -تعالى- في كتابه وبينها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في سنته، وطبقها أصحاب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وامتثلوا أمر الله فيها أعظم امتثال.
- وهذه الأخلاق على نوعين:
النَّوع الأول: حسن الخلق مع الله -عزَّ وجلَّ-: وهو أن تعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذرًا وأنَّ كلَّ ما يأتي من الله يوجب شكرًا فلا تزال شاكرًا له معتذرًا إليه سائرًا إليه بين مطالع منَّته وشهود عيب نفسك وأعمالك.
النَّوع الثَّاني: حسن الخلق مع النَّاس: وجماعة أمران: بذل المعروف قولًا وفعلًا وكف الأذى قولًا وفعلًا وهذا إنَّما يقوم على أركان خمسة: العمل والجود والصَّبر وطيب العود وصحَّة الإسلام.
1- أمَّا العلم: فلأنَّه يعرف معالي الأخلاق وسفاسفها فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلَّى به ويترك هذا ويتخلَّى عنه.
2- وأمَّا الجود: فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك إذا أراده منها.
3- وأمَّا الصَّبر: فلأنَّه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه لم يتهيأ له.
4- وأمَّا طيب العود: فأن يكون الله -تعالى- خَلَقَهُ على طبيعةٍ منقادةٍ سهلةِ الانقياد، وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات.
5- وأمَّا صحَّة الإسلام: فهي جماع ذلك، والمصحح لكلِّ خُلُقٍ حسنٍ فإنَّه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء، وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمَّلُ ذلك ويلذُّ له الإتصاف به والله الموفق والمعين (تهذيب النَّفس لابن القيم، شرح سُنن أبي داود 13/130).
طرق معرفة عيوب النَّفس وعلاجها
اعلم: أنَّ الله -تعالى- إذا أراد بعبد خيرًا بصَّره بعيوب نفسه فمن كانت له بصيرةٌ لم تخف عليه عيوبه وإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر النَّاس جاهلون بعيوبهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه، فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرقٍ:
- الطَّريقة الأولى: الجلوس عند شيخٍ أو عالمٍ:
أن يجلس بين يدي شيخٍ أو عالمٍ بصيرٍ بعيوب النَّفس يعرفه عيوب نفسه وطرق علاجها.
- الطَّريقة الثَّانية: طلب الصَّديق الصَّالح:
أن يطلب صديقًا صدوقًا بصيرًا متدينًا وينصبه رقيبًا على نفسه؛ لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله.
وقد كان عمر -رضي الله عنه- يسأل حذيفة: هل أنا من المنافقين؟ وهذا لأن كلّ من علت مرتبته في اليقظة زاد اتهامه لنفسه، إلا أنّه عزَّ في هذا الزَّمان وجود صديق على هذه الصِّفة؛ لأنَّه قلَّ في الأصدقاء من يترك المداهنة فيخبر بالعيب أو يترك الحسد.
وقد كان السَّلف يحبُّون من ينبههم على عيوبهم ونحن الآن في الغالب أبغض النَّاس إلينا من يعرفنا عيوبنا.
- الطَّريقة الثَّالثة: الإستفادة من أعدائه:
أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه فإنَّ عين السَّخط تبدي المساوئ وانتفاع الإنسان بعدوٍّ مشاجرٍ يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديقٍ مداهنٍ يخفي عنه عيوبه.
الطَّريقة الرَّابعة: مخالطة النَّاس:
أن يخالط النَّاس، فكل ما يراه مذمومًا فيما بينهم يجتنبه.
ما قيل في حسن الخلق
- قال علي -رضي الله عنه-: "حسن الخلق في ثلاث خصال، اجتناب المحارم وطلب الحلال والتَّوسعة على العيال" (إحياء علوم الدِّين 3/75).
- قال الحسن -رضي الله تعالى عنه-: "حسن الخلق: الكرم والبذلة والاحتمال" (جامع العلوم والحكم ص160)، وعنه -رضي الله عنه-: حسن الخلق بسط الوجه وبذل النَّدى وكف الأذى" (إحياء علوم الدِّين 3/75).
- قال الشِّيخ تقي الدِّين أبو العباس ابن تيمية في كتاب الإيمان: "ما همَّ العبد به من القول الحسن والعمل الحسن، فإنَّما يكتب له به حسنةٌ واحدةٌ، وإذا صار قولًا وعملًا كُتب له عشرَ حسناتٍ إلى سبعمائةٍ، وذلك للحديث المشهور في الهمّ" (الآداب الشَّرعيَّة 1/104).
- قال ابن القيم -رحمه الله-: "جمع النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بين التَّقوى وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبَّة الله وحسن الخلق يدعو النَّاس إلى محبَّته" (الفوائد ص75).
- قال الماوردي -رحمه الله-: "إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصِّعاب، ولانت له القلوب الغضاب" (أدب الدُّنيا والدِّين للماوردي ص236).
تعليق