( أبناؤنا بين البر والعقوق )
للشيخ : ( محمد حسان )
لقد كثر عقوق الوالدين في زمننا، وأسباب ذلك كثيرة،
منها: إهمال الوالدين تربية أبنائهما التربية الصحيحة.
ومنها : عدم اختيار الأم الصالحة عند الزواج.
ومنهنا: دور الإعلام في فساد الأخلاق.
ومنها: تقصير المدرسة في تعليم الأبناء الفضائل ومحاسن الصفات، بالإضافة إلى دور الشارع في فساد الأخلاق الحسنة.
فعلى الأبناء أن يعوا خطورة العقوق في الدنيا والآخرة، وكذلك على الآباء والإعلام والمدرسة أن يقوموا بدورهم في تربية الأبناء.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء!
وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء!
وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً،
وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله!
أبناؤنا بين البر والعقوق،
هو عنوان لقائنا هذا،
وسوف أركز الحديث تحت هذا العنوان المهم في العناصر الآتية:
محاور الجزء الأول :
أولاً: حقاً إنها مأساة.
ثانياً: خطر العقوق.
ثالثاً: فضل البر :
أ : البر سبب دخول الجنة
ب : بر الوالدين سبب في تفريج الكربات
ج : تقديم الأم على الأب في البر
د : صور من بر الوالدين بعد موتهما
فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن نكون من الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب.
أًولاً : حقا. إنها مأساة
أحبتي في الله!
لا شك أن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى حب ورعاية الأولاد، بل وإلى التضحية للأولاد بكل شيء، حتى بالذات، فكما تمتص النبتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإذا هي فتات، وكما يمتص الفرخ كل غذاء فى البيضة فإذا هي قشرة هشة؛ فكذلك يمتص الأولاد كل رحيق وعافية واهتمام من الوالدين، فإذا هما شيخوخة فانية، ومع كل ذلك فهما سعيدان، ولكن من الأولاد من ينسى هذا الحب والعطاء والحنان، ويندفع في جحود وعصيان ونكران؛ ليسيء إلى الوالدين بلا أدنى شفقة أو رحمة أو إحسان، وتتوارى كل كلمات اللغة على خجل واستحياء، بل وبكاء، حينما تكتمل فصول المأساة، ويبلغ العقوق الأسود منتهاه، حينما يقتل الولد أمه أو أباه! فعلى مقربة منا في إحدى القرى المجاورة حدثت جريمة مروعة؛ هي التي دفعتني للحديث عن هذا الموضوع: في أسرة فقيرة تتكون من عشرة أبناء، يقضى الوالد المسكين ليله ونهاره ليوفر لأبنائه العيشة الطيبة الكريمة، وبالفعل وفق الله الوالد في ذلك توفيقاً عظيماً، فقد استطاع أن يلحق أولاده جميعاً بالكليات والجامعات،
ومن بين هؤلاء الأبناء :
ابن عاق؛ فبدلاً من أن يساعد أباه في نفقات هذه الأسرة الكبيرة ذهب يثقل ظهر والده بالنفقات؛ ليضيعها على (البانجو) والمخدرات والفتيات، فقال له والده المسكين: أي بني! أنا لا أقدر على نفقاتك ومصروفاتك، دعني لأواصل المسيرة مع إخوانك وأخواتك، وأنت قد وصلت إلى كلية العلوم فاشتغل أنت، وشق طريقك في الحياة، ولكن هذا الولد الذي تمرد على التقاليد والقيم وعلى سلطان البيت، بل وعلى سلطان الأسرة، بل وعلى سلطان الدين؛ قام هذا الولد العاق ليفكر بتفكير شيطاني خبيث؛ إنه يفكر كيف يقتل أباه، ولكن كيف قتل الولد أباه؟! إنه طالب في كلية العلوم، فقام يستغل دراسته وعلومه استغلالاً شيطانياً خبيثاً، حيث أعد مادة كيمائية بطريقة علمية معينة، وأخذ منها كمية كبيرة، وعاد إلى البيت، وانتظر حتى نام أبوه، فسكب المادة الكيميائية على أبيه وهو نائم، فأذابت المادة لحم جسده حتى بدت العظام!
الله أكبر!! لا إله إلا الله!! لا إله إلا الله!!
والله! إن الحلق ليجف، وإن القلب لينخلع وإن الكلمات لتتوارى على خجل وحياء وبكاء أمام هذه المأساة المروعة بكل المقاييس.
قد يأتي الآن والد كريم من آبائنا أو أخ عزيز يجلس معنا ويقول: إنه الفقر، قاتل الله الفقر!!
والجواب مع تقديري لكل آبائي وأحبابي:
لا، لم يكن الفقر سبباً ليقتل الولد أباه، وإذا أردت الدليل فخذ الحادثة الثانية المروعة التى طالعتنا بها جريدة الأهرام: كان في محافظة الإسماعيلية أسرة غنية ثرية؛ وصل الوالدان فيها إلى مكانة اجتماعية مرموقة، فالأم في هذه الأسرة دكتورة مهندسة، وليس بعد ذلك درجة،
جلست هذه الأم المثقفة لتناقش ابنها الذي أنهى دراسته الجامعية في أمر خطيبته التي أراد أن يتزوج بها، وأبت الأم على ولدها أن يرتبط بهذه الفتاة، فاحتج الولد على أمه وقال: كيف ذلك وهذا اختياري، وهذه رغبتي، وهذه حريتي؟! وما كان من هذا المجرم العاق إلا أن أسرع إلى المطبخ ليرجع بسكين كبيرة ، ثم ينقض بالسكين على أمه بطعنات قاتلة حتى فارقت الحياة، ما هذا؟! ما هذا؟! والله! إن الحلق ليجف، وإن القلب لينخلع، وإن الكلمات لتتوارى على خجل واستحياء، بل وبكاء أمام هذه الصور البشعة من صور العقوق للآباء والأمهات،
وقد حذر الله جل وعلا من العقوق في أدنى صوره، وأقل أشكاله وألوانه، فقال جل وعلا:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23-24]
رب ارحمهما كما ربيانا صغاراً؛ برحمتك يا أرحم الراحمين!
ثانياً : خطر العقوق
أيها المسلمون!
أيها الأبناء!
يا أبناء الجامعات!
أيها الأحباب الأعزاء!
اعلموا بأن العقوق كبيرةٌ تلي كبيرة الشرك بالله.
العقوق من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى، يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان المصطفى متكئاً فجلس ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فمازال النبي يكررها حتى قلنا: ليته سكت)
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من الكبائر شتم الرجل والديه -لا أن يقتل الرجل والديه- فقال الصحابة: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟! -الصحابة في مجتمع الطهر استغربوا أن يشتم الرجل والديه- فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: نعم، يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه)
إن شتمت أبا رجل شتم أباك، فتكون قد شتمت أنت أباك، وإن شتمت أمه شتم الرجل أمك، فتكون قد شتمت أمك؛
فالعقوق من أكبر الكبائر والعياذ بالله!
أيها الأبناء!
العقوق سبب للحرمان من الجنة
وسبب للطرد من رحمة الله الذي وسعت رحمته كل شيء،
ففي الحديث الذي رواه النسائي والبزار بسند جيد، وحسنه الألباني ، ورواه الحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة...)
وتدبروا -أيها الأبناء!
وتدبروا أيها الآباء!
- هذا الحديث العظيم؛
فإن هؤلاء قد خابوا والله!
وخسروا؛ لأنهم طردوا من رحمة الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء:
(ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة والديوث)
والمرأة المترجلة أي: المرأة المتشبهة بالرجال، وكم من امرأة تنتسب إلى الإسلام تتشبه في زيها، وفي مشيتها، وفي كلامها، وفي طريقة معاملتها بالرجال!
بل وهي تشعر بلذة حين تتشبه بالرجال،
والديوث هو: الذي يقر الزنا والفسق في أهله والعياذ بالله!
وقال صلى الله عليه وسلم:
(ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان).
أيها الأبناء!
أخاطبكم بكل قلبي وكياني،
أيها الأبناء!
يا من منَّ الله عليكم الآن بنعمة الأمهات والآباء!
وأنتم لا تدركون قدر هذه النعمة، ولن تشعروا بها إلا إذا فقدتم الوالدين،
أسأل الله أن يبارك في أعمار آبائنا وفي أعمار أمهاتنا،وأن يختم لنا ولهم بصالح العمل؛ إنه على كل شيء قدير.
أيها الأبناء!
عقوق الوالدين لا ينفع معه أي عمل،
فإن صليت أو اجتهدت وأنت عاق لوالديك فلن ينفع مع العقوق عمل،
ففي الحديث الذي رواه الإمام الطبراني وابن أبي عاصم في كتاب السنة -وحَسَّنَ الحديث الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة- من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً -أي: لا فرضاً ولا نفلاً ولا عملاً-: العاق لوالديه، والمنان، والمكذب بالقدر).
أيها الأحباء! أيها الأعزاء!
أختم بهذه الكلمات؛ لأعرج على بقية عناصر الموضوع، فأقول:
إن العقوق دين لابد من قضائه في الدنيا قبل الآخرة، فكما تدين تدان، فإن بذلت البر لوالديك سَخَّرَ الله أبناءك لبرك، وإن عققت والديك سَلَّط الله أبناءك لعقوقك، وستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخرة، ففي الحديث الذي رواه الطبراني والبخاري في التاريخ وصححه الألباني من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين).
أي: الظلم، فمهما كنت قادراً قوياً واستخدمت وجاهتك أو منصبك أو مالك في ظلم العباد؛ فاعلم بأن الله سيسلط عليك من يظلمك.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه إلى الندم تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
عقوق الوالدين يعجل الله لك بسببه عقوق أبنائك في الدنيا،
وتدبر معي والدي الكريم وأخي الحبيب:
هذا ابن عاق يعيش معه والده في بيته، فكبر الوالد، وانحنى ظهره، وسال لعابه، واختلت أعصابه؛ فاشمأزت زوجة الابن من والد زوجها -وكم من أبناء يرضون الزوجات على حساب طاعة الآباء والأمهات،
فاتق الله! وإياك أن تقدم امرأتك على أمك أو أبيك،
فالمرأة لها حقوق،
والأم لها حقوق،
والأب له حقوق،
فإياك وأن تقدم حق الزوجة على حق أبيك أو على حق أمك،
فالحق الأول للأمهات،
والحق الثاني للآباء،
فلما اشمأزت هذه الزوجة من والد زوجها بدأت تعلم الأبناء هذا الشعور من جدهم، فأراد الولد أن يطرد أباه من البيت،
فَرَقَّ طفلٌ صغير في البيت لجده، فقال لأبيه:
لماذا تطرد جدنا من بيتنا يا أبت؟!
فقال: حتى لا تتأففون منه، فبكى الطفل لجده، وقال:
حسناً يا أبت! سوف نصنع بك ذلك غداً إن شاء الله!!
إنه دَين والله! لابد من قضائه.
وهذا ابن آخر يقوم ويصفع والده على وجهه، فيبكي الوالد ويرتفع بكاؤه، فيتألم الناس لبكاء هذا الشيخ الكبير، وينقض مجموعة من الناس على هذا الابن العاق ليضربوه،
فيشير إليهم الوالد ويقول لهم:
دعوه، ثم بكى وقال:
والله! إني منذ عشرين سنة وفي نفس هذا المكان صفعت أبي على وجهه!!
فالعقوق دَين لابد من قضائه.
وهذا ابن ثالث يجر أباه من رجليه ليطرده خارج بيته، وما أن وصل الولد بأبيه حتى الباب، وإذا بالوالد يبكي ويقول لولده:
كفى يا بني! كفى يا بني! إلى الباب فقط، إلى الباب فقط،
فقال: لا، بل إلى الشارع، قال: والله! ما جررت أبي من رجليه إلا إلى الباب فقط!!
فكما تدين تدان.
أيها الأخ الحبيب!
اذهب اليوم إلى أبيك فقبل رجله،
وارجع اليوم إلى أمك فقبل رجليها؛
فثمَّ الجنة.
العقوق خطره عظيم، وما أشقاها والله! من حياة! إنها حياة العقوق، وما أطيبها وأروحها وأسعدها وألذها من حياة! ألا وهى حياة البر،
وهذا عنصرنا الثالث :
ثالثاً : فضل البر
أيها الحبيب الكريم!
يكفي أن تعلم أن الله جل وعلا قد قرن بر الوالدين والإحسان إلى الوالدين بتوحيده،
قال تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23]
وقال تعالى:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:83].
قال ابن عباس :
(ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث، لا يقبل الله واحدة بدون قرينتها: أما الأولى: فهي
قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } [محمد:33]
فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
وأما الثانية: فهي قول الله:
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]
فمن أقام الصلاة وضيع الزكاة فلن يقبل منه.
وأما الثالثة: فهي قول الله تعالى:
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]
(فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه).
قوله: (أن اشكر لي ولوالديك)
ما أروحها والله! من حياة!
إنها حياة البر،
فإذا كنت باراً :
ستشعر بلذة، وبانشراح صدر،
وستشعر بسعادة في كل الخطى، وسيوسع الله عليك رزقك،
بل سيبارك الله لك في عمرك، كل هذا في بر الوالدين
البر سبب لدخول الجنة
تدبر معي كلام النبي صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه -أسلوب نبوي بياني بلاغي عجيب! أي: ذل وهان وتعرض للخيبة والخذلان- قيل: من يا رسول الله؟!- أي: من هذا الذي تعرض للخيبة والذلة والمهانة -فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: من أدرك والديه الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة).
فإياك وأن تضيع هذا الخير يا من منَّ الله عليك به الآن!
بر الوالدين من أعظم القربات إلى رب الأرض والسماوات
اسمع -حبيبي في الله- لكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه ،
ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
(سألت النبي صلى الله عليه وسلم وقلت: يا رسول الله! أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ فقال: الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله).
فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين على الجهاد.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو:
(أن رجلاً جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ليستأذنه في الجهاد، فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟ قال: نعم. قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: ففيهما فجاهد).
وفي رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو :
(أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! جئت أبايعك على الهجرة والجهاد، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: هل من والديك أحدٌ حي؟ فقال الرجل: نعم، كلاهما يا رسول الله! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: تبتغى الأجر من الله؟ قال: نعم، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما).
بر الوالدين سبب لتفريج الكربات
في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار، فسقطت صخرة من أعلى الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً -أي: وكنت لا أقدم عليهما في الشراب أهلي، لا زوجتي ولا أولادي، ولا أقدم عليهما مالي أي: خدمي ورقيقي- فنأى بي طلب الشجر يوماً -كان يعمل حطاباً، فانطلق ليجمع الحطب فتأخر على الوالدين حتى ناما- فعدت إليهما فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أوقظهما، فحملت قدح اللبن على يدي، وانتظرت استيقاظهما حتى برق الفجر).
فبر الوالدين يفرج الهم، ويكشف الغم، ويزيل الكرب، بإذن الله جل وعلا.
تقديم الأم على الأب في البر
أيها الأحبة الكرام!
اعلموا أنه لابد أن نعي أن بر الأم مقدم على بر الأب،
ففي الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه(أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! مَنْ أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك).
وتدبر معى! هذا الحديث الرقيق الرقراق الذي رواه البيهقي وابن ماجة ،وحسنه شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث معاوية بن جاهمة :
(أنه رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أردت أن أغزو -أي: في سبيل الله- وقد جئت أستشيرك، فبماذا تشير علي؟ فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: ألك أم؟ قال: نعم. فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: الزم رجلها فثمَّ الجنة، الزم رجلها فثمَّ الجنة).
صور من بر الوالدين بعد موتهما
قد يتحسر الآن كثير من آبائنا وأحبابنا ممن حرموا من نعمة الوالدين،
لكن جاء في حديث في سنده علي بن عبيد الساعدي لم يوثقه إلا ابن حبان وبقية رجال السند ثقات:
(أن رجلاً من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هل بقي عليَّ من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: نعم، الصلاة عليهما -أي: الدعاء لهما، والترحم عليهما- والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما).
فادع لوالديك،
واستغفر الله لوالديك،
وتصدق لوالديك،
وحج لوالديك،
وأنفق لوالديك،
وتضرع إلى الله في صلواتك بالدعاء لوالديك أن يرحمهما كما ربياك وأنت صغير،
فالبر -يا إخوة- لا ينقطع،
أما أنت يا من منّ الله عليك بالوالدين، وقد ضيعت وفرطت وقصرت؛ فتب اليوم،
ولا تضيع هذا الباب من أبواب الجنة،
فلقد كان السلف رضوان الله عليهم إذا ماتت أم أحدهم بكى وقال: ولم لا أبكي؛ وقد أغلق اليوم عليَّ باب من أبواب الجنة؟!
أيها الموحدون!
أيها الأبناء!
أيها الآباء!
لا تضيعوا هذا الحق، فما أسعدها -والله- من حياة، ألا وهي حياة البر للوالدين.
أسأل الله جل وعلا أن يعيننا وإياكم جميعاً على هذه النعمة وعلى هذا الفضل؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
يُتَّبَعْ في المشاركة القادمة
تعليق