أقبح الأستار!!
كان الهدي الظاهري للالتزام بالسنة في السبعينات وأوائل الثمانينات؛ يعتبر مؤشراً كافياً على توفر قدر من المصداقية مع الله تعالى لدى الشاب أو الشيخ الملتزم به، حيث لم يكن من السهل أبداً على من يتسم بهذا المظهر أن يجد قبولاً لدى عامة الناس، أو ينجو من نظراتهم الاستنكارية، وربما ردات فعلهم العنيفة التي تعبر بقسوة على النفور التام من مثل هذا السمت الغريب عليهم!!
ومع مرور الأيام وانتشار الدعوة إلى الله تعالى، تكاثرت أعداد الملتزمين بالهدي الظاهري، وبدأ الناس يعتادون على مشاهدته، بعدما أضحى واقعاً فرض نفسه بقوة على الساحة؛ رغم العديد من المحاولات الخبيثة إعلامياً وفكرياً لوقف زحفه، وإيقاف مده!!
ولكن مع طول الأمد؛ انتشر في (بعض القلوب) مرض خبيث، سواء لدى أصحاب السبق في الالتزام من قدامى الدعاة وطلبة العلم، أو لدى حديثي العهد بالالتزام؛ ممن قصرت بهم تزكية نفوسهم عن تبوء المنزلة الحقيقية للدعاة إلى الله تعالى، والتي ترسخ في قلوبهم مبدأ الحرص على الأخذ بيد الناس إلى رحاب الله برأفة ورحمة؛ أملاً في إنقاذهم من النار؛ فبدلاً من أن ينظروا إليهم نظرة شفقة واسترحام؛ صاروا ينظرون إليهم نظرة تكبر واستعلاء؛ بدعوى أنهم عصاة ومخالفون لأوامر الله!! فتكونت لديهم قناعات (لا إرادية) أنهم يمثلون بطريقة أو بأخرى المعاني الحقيقية للعصمة، وعليه فيحق لهم الاستعلاء على العصاة بما هم عليه من الطاعات، ووا أسفاه إذ ترسخت تلك القناعات بشكل كبير لدى البعض في صميم عقلهم الباطن!!
فأخرجت لنا مثل هذه القناعات الموتورة نماذج شاذة من المهتدين ظاهرياً، والمتشيطنين باطنياً!!
فتجد الواحد منهم (وهو يتبختر بطول لحيته وبياض ثوبه) لا يتورع عن غيبة أو نميمة أو فحش قول أو هتك ستر لمسلمٍ، أو حسد له على ما أنعم الله عليه، أو حقدٍ عليه بأي صورة كانت!! وكذا الأمر بالنسبة لبعض المستترات بالحجاب الشرعي، وإذا ما أنكرت عليهم قولاً أو فعلاً؛ استطردوا لك من قواميس تأويلهم للأحاديث أو فهمهم الخاطئ لبعض آيات التنزيل؛ ما يبرؤون به ساحاتهم، أو يدعمون بزعمهم فحش قولهم أو فعلتهم!!
وكأن اللحية أو النقاب لم تتعد بالنسبة لهم مجرد ستار يستترون وراءه؛ لتبرير إجرامهم أو سوء فعلتهم!! لاسيما مع ازدياد تلك القناعة المشؤومة بأن كل ما يصدر عنهم من فعل أو قول، مغلف بصك الغفران المطلق؛ لأنهم المبرأون ابتداءً من كل جرم!! والمغفور لهم بحسن طاعتهم كل ذنب!!
هذه النماذج الشاذة ممن ساءت تربيتهم؛ وشينت أفعالهم، هم والله أشد جرماً على الإسلام والمسلمين من العصاة والمذنبين؛ لأنهم يشوهون صورة أهل الدين؛ فيطمسون كل بارقة أمل لدى الدعاة والمصلحين!!
فما أحوج كل منا لمراجعة أفعاله وأقواله؛ خشية أن يكون ضمن هذه الفئة التائهة وهو لا يدري!! وأسرع وسيلة لمعرفة ذلك، أن توصي أحد إخوانك بمغافلتك يوماً ما؛ لتسجل بعض أقوالك وأنت تتحدث على سجيتك؛ ومن ثم استمع بنفسك إلى ما قام بتسجيله؛ فإن وجدت في أقوالك ترخصاً؛ كالسخرية بالآخرين، أو غيبتهم أو استحقارٍ لشأنهم؛ فتخيل نفسك بين يدي الله وأنت تستمع إلى ديوان أعمالك بما فيه من فحش قولك!! وسارع بتسليط مزيدٍ من الضوء على مراقبة نفسك؛ بعدما نالت منها بحقٍ تلك الأستار!!
ثم اعقد العزم الأكيد على تمزيقها كلياً من أعماق نفسك؛ بصدق إخلاصك لربك ومراقبته في قولك وفعلك
وذلك لأنها بحق . . . أقبح الأستار!!
تعليق