هذا ثغر الشيطان إلى النفس إذاً!!
كل المنطقيات تسلم بقبح المعصية، وعليه فالإقناع العقلي لا يمثل بالنسبة لعملية الردع عن المعصية سوى مرحلة تمهيدية، لا تتجاوز الثلث على أفضل الأحوال!! ولكن يبقى العنصر الأهم متمثلاً في المؤثرات الحقيقية التي تلامس شغاف النفس، وتؤلمها بسياط الردع من الأعماق؛ لتؤصل فيها الخوف من عواقب تلك المعصية، وتحدث لديها النفور التام منها!!
ولكي تؤتي هذه المؤثرات ثمارها؛ لابد من إزالة جدران الران المتراكم على القلب أولاً؛ حتى تحدث الاستجابة المرجوة!!وأهم عمليات إزالة تلك الجدران من على القلب في عصرنا الحاضر، تتمثل في الابتعاد التام عن مواقع التواصل المختلطة، بل وكل ما من شأنه استدراج النفس للوقوع في فخاخ تلويث القلب بصور العهر والفجور التي تحقنه بجرعات شديدة التخدير؛ فتطمس نوره، وتثير شروره، بل وتقوي داعي الشيطان فيه؛ ليملأه بوساوسه وفحشه!!
وطوق النجاة من ذلك؛ إنما يكون في ظلال الصحبة الصالحة، التي تعمر بها بيوت الله، فتعين النفس على فعل الخيرات وترك المنكرات، ولا تقف بها عند هذا الحد، بل تجعلها تحمل هموم الأمة التي استعرت فيها نيران الشهوات؛ فصارت ترزخ تحت سياطها؛ حتى أضحت جسداً منهكاً بالعديد من الطعنات والجراحات، بعدما عجزت عن الصمود أمام موجات التغريب وإفسادها للبنين والبنات، فأخرجت لنا أجيالاً تواصت فيما بينها بألوان الغفلات؛ حتى انحطت في مستنقعات مستقذرة؛ أشرفت بها على العديد من المهلكات، لدرجة كادت تتأصل فيها الموبقات!! وعليه فقد أضحت مهمة الإصلاح تمثل ثغراً وجب على كل مسلم شغله، صلاحاً لنفسه وإصلاحاً لأمته!!
إذ أن دعاوى الاكتفاء بمجرد صلاح النفس والابتعاد بها عن المعاصي، دون القيام بمهمة إصلاح الآخرين، تمثل وهماً من أخبث ألوان خداع الشياطين؛ يسهل عليهم به إفساد الصالحين مع طول الأمدـ ويضمنون به استشراء أدواء الشرور في جسد أمتهم، إذ أن مجرد خلو الأمة من المصلحين، يعتبر أكبر إيذان بهلاكها ودمارها على مر السنين!!
فحمل العبد لهموم المصلحين، أكبر عون له على غلبة داعي الشهوات في نفسه، إذ سيسهل عليه به طلب العلم؛ فيزداد في قلبه نوراً، كما ستتيسر له عبادة ربه؛ فتطمئن نفسه بذكره وتعايش سعادة وسروراً، وسوف يستشعر حلاوة الإيمان التي ستدفعه لإنقاذ أبناء أمته من موجات الشرور المشتعلة عهراً وفجوراً!!وعليه فثغرة الشيطان إلى نفوس الصالحين، تكمن في تقاعسهم عن القيام بمهام المصلحين، فيخسرون بمرور الوقت صلاح أنفسهم؛ والنجاة بأمتهم من شرور المفسدين!!
تعليق