((ميراث في الجنة ))
دكتور/ بدر عبد الحميد هميسه
حديثنا اليوم عن الجنة ؛ أتدرون ما الجنة ؟ .
إنها التي اشتاق إليها الصالحون وسعى إليها السالكون وعمل لها العاملون وتزود لها المخلصون . قال تعالى : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (72) سورة الزخرف. وقال : {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (63) سورة مريم.
إنها ذات النعيم الخالد والسعادة الدائمة والقطوف الدانية ، إنها سلعة الله الغالية .
فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ » سنن الترمذي (2638 ) صحيح.
يا سلعةَ الرحمن ِلست رخيصة ً ---- بـل أنتِ غالية ٌعلى الكسلان ِ
يا سلعة الرحمـن ليس ينالُها --- في الألـفِ إلا واحـدٌ لا اثنان ِ
يا سلعة الرحمن أين المشتري --- فلقـد عُرِضتِ بأيسـر الأثمان ِ
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ٍ --- فالمهرُ قبل المـوتِ ذو إمكان
يا سلعة الرحمن لـولا أنَّهـا --- حُجِـبَتْ بكلِّ مكـاره ِالإنسان
ِما كان قـطُّ من متخلفٍ --- وتَعَــلتْ دارُ الجـزاءِ الثاني
لكنَّها حُجِـبَتْ بكلِّ كـريهـةٍ --- ليُصـدَّ عنها المبطلُ المتواني
وتنالهـا الهـممُ التي تَسْـمُو --- إلى ربِّ العلا بمشيئةِ الرحمن ِ
فاتْعَـبْ ليوْم ِمعادِك الأدنى --- تَجِدْ راحاتهِ يومَ المعادِ الثاني
إنها رجاء المؤمنين وأمل الطائعين وأمان الخائفين وواحة المخبتين . عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا يُدْخِلُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مَنْ يَرْجُوهَا ، وَإِنَّمَا يُجَنِّبُ النَّارَ مَنْ يَخْشَاهَا ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ. مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 232)(35490) صحيح مرسل.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.. صحيح مسلم (7266).
إذا أردتم أن تعرفوا الجنة فاسألوا عنها الصحابي الشهيد جعفر الطيار - رضي الله عنه - الذي قال شوقاً إليها يوم مؤتة :
يا حبذا الجنة واقترابها --- طيبة وباردٌ شرابها
واسألوا عنها الصحابي الجليل ( حَرَامُ بن ملحان ) رضي الله عنه لما طُعن نثر الدم على رأسه وهو يقول : فـــــــــزت ورب الكعبة .
وسيد بني سلمة (عمرو بن الجموح ) رضي الله عنه لما كان يوم أُحد قال صلى الله عليه وسلم :قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض )) .. فذهب عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له وقال له: "يا رسول الله إنّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد، ووالله إني لأرجو أن أخطر بعرجتي هذه في الجنة". وأمام إصراره العظيم أذن له النبي عليه السلام بالخروج، فأخذ سلاحه، وانطلق يخطر في حبور وغبطة، ودعا ربه بصوت ضارع:"اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي"..
وسّلُوا عنها أنس بن النضر رضي الله عنه حينما قال لسعد بن معاذ :" واهاً لريح الجنة أجده دون أُحد ".
تسعى بهم أعمالهم سوقاً إلى الــــ --- ـدارين سَوْقَ الخيل للركبان
صبروا قليلاً فاستراحوا دائماً --- يا عــزة التوفيق للإنسان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخســـ --- ـــيس بدائم من خالص العقبان
وتَسَابَقَ الأقوام وابتدروا لها --- كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينى في الديار مخلَّفٌ --- مع شكله يا خيبة الكسلان
فيا أيها العاقل : لا تبخل على نفسك بالجنة . قالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز :" البخيل كل البخيل من بخل عن نفسه بالجنة ".
وهذا عامر بن ثابت بن الزبير رفع يديه بعد صلاة الفجر وقال: يا رب أسألك الميتة الحسنة التي أدخل بها الجنة ؟ فقال أبناؤه: ما هي الميتة الحسنة ؟ قال : أن يتوفاني ربي وأنا ساجد ، فحضرته سكرات الموت ، فقبضت روحه وهو في السجدة الأخيرة في صلاة المغرب !!.
فهل من مشمر لها ، وهل من مشتاق إليها ؟ ؟ .
يتبع ان شاء الله
تعليق