هل فكّرتَ لماذا تصوم وما هي عقوبة من يفطر في رمضان بغير عذر ؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم حبيبي في الله :
هل سألت نفسك مرة قبل أن تصوم :
ما هي نيّاتي في الصيام ؟ هل حدث مرة أن هاجت مشاعر العبودية في قلبك وأنت صائم فشعرتَ بأنك تحب الله حبًّا شديدا فلذلك تصوم إرضاءً لمحبوبك الأعلى وشعرتَ أنك عبد ذليل لله فتصوم ذلًّا وانكسارًا لهذا الرب العظيم ؟؟ هل جلست مع نفسك مرة وأخذت تسرح بخيالك وتتخيل الجنة التي تنتظرك لأنك الآن صائم فشعرتَ بأن صومك هذا أحب إليك من الدنيا وما فيها ؟؟! أم هل فكرتَ مرة يا من تصوم رمضان ما هو العذاب الأليم الذي ينتظرك لو أنك أفطرت في رمضان بغير عذر .. فلما فكرتَ في ذلك أخذتك هيبة الأمر وشعرتَ في قلبك بالخوف والوَجَل من الله الملك القهار جل جلاله ؟؟! انتبهوا أيها السادة الصائمون ! إننا يجب علينا أن نصوم .. ويجب علينا أيضا أن يكون صيامنا ليس مجرد عادة كأي عادة تعودنا عليها ..!! أليس من الظلم لأنفسنا و أرواحنا أن نتركها عطشَى لمشاعر الصيام الجميلة وحلاوة النيات الصالحة فيه ؟!! أليس كلنا يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات )) !! فراجع نيتك أخي الصائم واعلم أنه كلما كثُرت نواياك الصالحة في صومك كلما كان لك من الثواب ما هو أكثر وأعظم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( وإنما لكل امرئ ما نوى )) !! إذا دققتَ النظر في هذا الكلام النبوي الشريف ستعلم أنه على قدر ما نويتَ من النيات الصالحة يكون لك من الأجر.! وفيما يلي ثلاث نيات أساسية تحملك على صيام رمضان هذا العام بنفسيّة مختلفة ، وتأخذ بيدك إلى مائدة المشاعر الراقية للتتذوق من أصناف الحلاوات الإيمانية .. فاقرأ يا أخي الكريم هذه النيات التالية بقلبك وروحك ، وحاول أن تدخل بستان الأنس بالله في رمضان هذا العام قبل فوات الأوان ، وإذا رأيتَ نصًّا من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة في هذا الكلام التالي فلا تمر عليه مرور الكرام سريعًا.. لا.. بل تمهّل .. ركّز ..تدبّر ..تذوّق.. فإن هذه النصوص هي أغلى وأحلى ما في هذا المقال :- النية الأولى في صوم رمضان هي : العبودية لله تعالى الذي أمرك بهذا الصوم ..قال الله تعالى في كتابه الكريم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ( سورة البقرة آية١٨٣ ) واسمع قول الله تعالى : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) (سورة البقرة آية ١٨٥). وأنت لا تملك أمام هذا الأمر الجليل من الله إلا أن تقول سمعنا وأطعنا.. إننا لو افْتَرَضْنا ( مجرد افتراض وإن كان هذا غير صحيح ) أنه لا يوجد ثواب إذا صمنا ولا يوجد عقاب إذا أفطرنا في رمضان فإنه سيكون أيضًا واجبا علينا وفرضًا علينا - حتى في هذه الحالة - أن نصوم ؛ لمجرد أننا عبيد لله العظيم الذي أمرنا بهذا .. إن الإنسان الجحود الذي لا يريد - والعياذ بالله - أن يكون عبدا لله كان عليه أن يخلق نفسه أولا .. وهذا مستحيل .. إذًا فليعبد ربَّه الله الذي خلقه .. والقرآن الكريم يعبّر عن هذه الحقيقة الواضحة كالشمس بأوضح عبارة : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ( سورة البقرة الآية ٢١ ) نعم هذه الحقيقة السامية الواضحة : أننا عبيد أولاد عبيد .. نعم نحن عباد لله العظيم الحليم الرحيم الجميل جل جلاله وتقدّست أسماؤه .. نحن عباد لله وحده .. عباد لله وكفى.. عباد لله ولنا الشرف أننا عباد لله.. إن الإنسان الضعيف الذي يحتاج إلى الله أن يخلقه لأنه لا يستطيع أن يخلق نفسه .. ويحتاج إلى الله أن يوفقه ويهديه ويرزقه الطعام والشراب لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك لنفسه .. هذا الإنسان إذا أراد أن يعصي أمر الله ويفطر في رمضان بغير عذر فإننا سوف نقول له :- إذا كنتَ مصِرًّا على المعصية و أردت أن تفطر في نهار رمضان فلا تفطر فوق الأرض التي خلقها الله الذي أمرك بالصيام في نهار رمضان ..وأيضا لا تفطر تحت السماء التي خلقها الله ..! بل انظر أرضًا أخرى وسماء أخرى لم يخلقهما اللهُ ثم اعصِ الله وأفطر هناك ! وإذا أردت أن تشرب الماء في نهار رمضان الحار فلا تشرب من الماء الذي خلقه الله بل ابحث عن ماء آخر لم يخلقه اللهُ ثم اشرب منه !.. وإذا لم تصبر على الجوع في شهر الصبر وأردتَ أن تأكل قبل المغرب في رمضان فلا تأكل من طعام قد خلقه اللهُ الذي أمرك أن تتم الصيام إلى المغرب !.. ولكن فتِّش لك عن شيء تأكله لم يخلقه الله ثم كُل منه ! .. أم أنك تريد أن تعصي الله برزق الله فوق أرض الله وتحت سماء الله ؟! ألا تستحي ؟؟! (( وَلِلهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )) ( سورة الرعد الآيتين١٥و١٦ ) (( اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) ( سورة الروم آية ٤٠ ) وكما أن حقيقة ( الخلْق ) حقيقة واضحة وقوية ..فكذلك توجد حقيقة أخرى لا تقل عنها وضوحًا وقوةً وهي أن الذي خلق وحده هو من يملك أن يأمر وحده .. تأمل هذه الآية الآتية من أولها إلى آخرها .. وتأملها جيدًا : (( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) ( سورة الأعراف آية ٥٤ ) وبالتالي فإن المسلم الصائم يقول في منتهى البساطة والتلقائية : إن الله أمرني بالصيام فصمتُ .. إن صيامنا لرمضان هو تعبير منّا عن إيماننا بالله سبحانه وتعالى و رضانا به ربًّا إلهًا وحاكما مُعظّمًا مُوَقرًا وآمرًا وناهيًا مُطاعا جليلا .. فمن رضيَ فله الرضا ومن سخِط فله السُّخط .. ولا يستويان أبدًا ..والحمد لله رب العالمين. إن صيامنا دليل على إيماننا بوجود إله عظيم واحد عليم يراقبنا ويعلم عنا كل شئ في كل وقت وفي كل مكان ؛ ولذلك لا يجرُؤ الواحد منا أثناء صيامه أن يمد يده إلى طعام أو شراب حتى وإن لم يكن معه من الناس أي أحد ! النية الثانية : الطمع في ثواب الله .. فنحن نصوم طمعًا فيما عند الله .. وعطاء الله للصائمين كثير .. وكثير جدًا.. وليس في الآخرة فقط .. بل في الدنيا والآخرة .. ثبت في الحديث ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ) رواه مسلم (1151) قال أهل العلم : كل أجر يوزن وزنا ، ويكال كيلا ، إلا الصوم ، فإنه يُحثَى حثيًا، ويُغرَف غرفًا " من كتاب " أحكام القرآن " (4/77) . وقيل : في قوله تعالى : (( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) ( سورة السجدة آية ١٧ ) أن عملهم المذكور في آخر هذه الآية هو الصيام ، فيفرغ لهم الجزاء إفراغًا من غير تقدير" من كتاب" التوضيح لشرح الجامع الصحيح " (13/28) فـ " العبادات ثوابها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، إلا الصوم ، فإن الله هو الذي يجزي به ، ومعنى ذلك أن ثوابه عظيم جداً . قال أهل العلم : لأنه يجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة ، وهي : الصبر على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقداره ، فهو صبر على طاعة الله لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها ، وعن معصيته لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم ، وعلى أقدار الله لأن الصائم يصيبه ألم بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس ، فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر ؛ لأنه جامع بين الأنواع الثلاثة ، وقد قال الله تعالى : (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )) ( سورة الزمر آية ١٠ ) من كتاب " الشرح الممتع " (6/458) . ومن أعظم عطاءات الله للصائمين أن يرزقهم التقوى .. .(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ( سورة البقرة آية١٨٣ ) و هل يوجد شخص في هذه الدنيا أفضل رزقًا من الشخص التقي ؟ الإجابة واضحة : (( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ )) ( سورة الأعراف آية ٢٦)) ومما أعده الله للصائمين باب للجنة اسمه باب " الريان " .. هكذا ورد اسمه في الحديث المتفق عليه من حديث سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ) البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1947 ) . و عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري (الإيمان / 37) النية الثالثة في صيام رمضان : الهروب من عذاب الله وعقابه. وأنت يا أخي الصائم محتاج أن تتعلم ما هي عقوبة من يفطر في رمضان بغير عذر ! ولا تقل : أنا أصوم رمضان فلا أحتاج أن أتعلم هذا !! كلا .. بل عليك أن تتعلم وتفكر في العذاب والعقاب الذي ينتظرك لو أنك أفطرت في نهار رمضان بغير عذر شرعي .. لأنك عندما تتعلم وتفكر في هذا الموضوع فسوف تعرف بصورة أكبر وأعمق ما هي قيمة هذا الصوم الذي تصومه في رمضان، وسوف يكون حرصك أشد على هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ، وإذا رأيت أحد الهالكين الذين يفطرون بغير عذر - والعياذ بالله - فإنك سوف تحاول بقوة أن تنقذه قبل أن يموت ويعذّب كل هذا العذاب .. نعم أخي الصائم : تذكّر وأنت تصوم رمضان أنك تصوم حتى لا تتعرض لعذاب الله وعقابه إذا أنت أفطرت ، وهل تعلم ما هو عذاب وعقاب من يفطر في رمضان بغير عذر ؟! فيما يلي بعض هذا العذاب وهذا العقاب :- عقوبة من يفطر في رمضان بغير عذر مما صح من الوعيد على ترك الصوم ما رواه ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ ( الضبع هو العضد أو ما يسميه بعض الناس الكتف) فأتيا بي جبلا وعِرا ، فقالا : اصعد فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك . فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار . ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دما، قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم . صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم 1509 والعُرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان . والشِّدق هو جانب الفم . ومعنى يفطرون قبل تحلة صومهم أي يفطرون قبل غروب الشمس ففي هذا الحديث الشريف عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار ، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا ؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة . إن صوم رمضان من أركان الإسلام الخمسة .. والذي يهدم هذا الركن ويفطر في رمضان بغير عذر فقد فعل جريمة كبيرة وشنيعة جدًا ؛ لدرجة أن الإمام الذهبي قال في كتاب الكبائر (ص 64): " وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض ( أي بلا عذر يبيح ذلك ) أنه شر من الزاني والمكّاس ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال " (والمكّاس هو الذي يأخذ الضرائب الظالمة) وتأمل يا أخي الحبيب أن الذي يفطر بغير عذر في رمضان هو شخص أسوأ من الزاني ومدمن الخمر .. فما هو عذاب الزناة - والعياذ بالله - ؟! إن من عذابهم ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري - رحمه الله - أن هؤلاء الزناة يكونون في قبورهم في شيء مثل الفُرن أعلاه ضيق وأسفله واسع وهم عُراة ( رجالًا ونساءً ) ويأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب صدرت منهم أصوات وضوضاء . نعوذ بالله من هذا العذاب. وأما بالنسبة للخمر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كُلُّ مُسْكرٍ حَرَامٌ وَإِنَّ عَلَى الله لَعهْدًا لِمَنْ شَرِبَ المسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ عَرَقِ أَهْلِ النَّارِ )) صحيح الجامع ٤٥٥١ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ )) (متفق عليه). إذا كان هذا بعض عذاب من يقع في جريمة الزنا أو جريمة الخمر فكيف يكون عذاب من يقع في جريمة أسوأ منهما وهي جريمة الفطر في رمضان بغير عذر شرعي ؟! نسأل الله الثبات على ما يحب ويرضى وتقبّل الله من الجميع . والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم حبيبي في الله :
هل سألت نفسك مرة قبل أن تصوم :
ما هي نيّاتي في الصيام ؟ هل حدث مرة أن هاجت مشاعر العبودية في قلبك وأنت صائم فشعرتَ بأنك تحب الله حبًّا شديدا فلذلك تصوم إرضاءً لمحبوبك الأعلى وشعرتَ أنك عبد ذليل لله فتصوم ذلًّا وانكسارًا لهذا الرب العظيم ؟؟ هل جلست مع نفسك مرة وأخذت تسرح بخيالك وتتخيل الجنة التي تنتظرك لأنك الآن صائم فشعرتَ بأن صومك هذا أحب إليك من الدنيا وما فيها ؟؟! أم هل فكرتَ مرة يا من تصوم رمضان ما هو العذاب الأليم الذي ينتظرك لو أنك أفطرت في رمضان بغير عذر .. فلما فكرتَ في ذلك أخذتك هيبة الأمر وشعرتَ في قلبك بالخوف والوَجَل من الله الملك القهار جل جلاله ؟؟! انتبهوا أيها السادة الصائمون ! إننا يجب علينا أن نصوم .. ويجب علينا أيضا أن يكون صيامنا ليس مجرد عادة كأي عادة تعودنا عليها ..!! أليس من الظلم لأنفسنا و أرواحنا أن نتركها عطشَى لمشاعر الصيام الجميلة وحلاوة النيات الصالحة فيه ؟!! أليس كلنا يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات )) !! فراجع نيتك أخي الصائم واعلم أنه كلما كثُرت نواياك الصالحة في صومك كلما كان لك من الثواب ما هو أكثر وأعظم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( وإنما لكل امرئ ما نوى )) !! إذا دققتَ النظر في هذا الكلام النبوي الشريف ستعلم أنه على قدر ما نويتَ من النيات الصالحة يكون لك من الأجر.! وفيما يلي ثلاث نيات أساسية تحملك على صيام رمضان هذا العام بنفسيّة مختلفة ، وتأخذ بيدك إلى مائدة المشاعر الراقية للتتذوق من أصناف الحلاوات الإيمانية .. فاقرأ يا أخي الكريم هذه النيات التالية بقلبك وروحك ، وحاول أن تدخل بستان الأنس بالله في رمضان هذا العام قبل فوات الأوان ، وإذا رأيتَ نصًّا من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة في هذا الكلام التالي فلا تمر عليه مرور الكرام سريعًا.. لا.. بل تمهّل .. ركّز ..تدبّر ..تذوّق.. فإن هذه النصوص هي أغلى وأحلى ما في هذا المقال :- النية الأولى في صوم رمضان هي : العبودية لله تعالى الذي أمرك بهذا الصوم ..قال الله تعالى في كتابه الكريم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ( سورة البقرة آية١٨٣ ) واسمع قول الله تعالى : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) (سورة البقرة آية ١٨٥). وأنت لا تملك أمام هذا الأمر الجليل من الله إلا أن تقول سمعنا وأطعنا.. إننا لو افْتَرَضْنا ( مجرد افتراض وإن كان هذا غير صحيح ) أنه لا يوجد ثواب إذا صمنا ولا يوجد عقاب إذا أفطرنا في رمضان فإنه سيكون أيضًا واجبا علينا وفرضًا علينا - حتى في هذه الحالة - أن نصوم ؛ لمجرد أننا عبيد لله العظيم الذي أمرنا بهذا .. إن الإنسان الجحود الذي لا يريد - والعياذ بالله - أن يكون عبدا لله كان عليه أن يخلق نفسه أولا .. وهذا مستحيل .. إذًا فليعبد ربَّه الله الذي خلقه .. والقرآن الكريم يعبّر عن هذه الحقيقة الواضحة كالشمس بأوضح عبارة : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ( سورة البقرة الآية ٢١ ) نعم هذه الحقيقة السامية الواضحة : أننا عبيد أولاد عبيد .. نعم نحن عباد لله العظيم الحليم الرحيم الجميل جل جلاله وتقدّست أسماؤه .. نحن عباد لله وحده .. عباد لله وكفى.. عباد لله ولنا الشرف أننا عباد لله.. إن الإنسان الضعيف الذي يحتاج إلى الله أن يخلقه لأنه لا يستطيع أن يخلق نفسه .. ويحتاج إلى الله أن يوفقه ويهديه ويرزقه الطعام والشراب لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك لنفسه .. هذا الإنسان إذا أراد أن يعصي أمر الله ويفطر في رمضان بغير عذر فإننا سوف نقول له :- إذا كنتَ مصِرًّا على المعصية و أردت أن تفطر في نهار رمضان فلا تفطر فوق الأرض التي خلقها الله الذي أمرك بالصيام في نهار رمضان ..وأيضا لا تفطر تحت السماء التي خلقها الله ..! بل انظر أرضًا أخرى وسماء أخرى لم يخلقهما اللهُ ثم اعصِ الله وأفطر هناك ! وإذا أردت أن تشرب الماء في نهار رمضان الحار فلا تشرب من الماء الذي خلقه الله بل ابحث عن ماء آخر لم يخلقه اللهُ ثم اشرب منه !.. وإذا لم تصبر على الجوع في شهر الصبر وأردتَ أن تأكل قبل المغرب في رمضان فلا تأكل من طعام قد خلقه اللهُ الذي أمرك أن تتم الصيام إلى المغرب !.. ولكن فتِّش لك عن شيء تأكله لم يخلقه الله ثم كُل منه ! .. أم أنك تريد أن تعصي الله برزق الله فوق أرض الله وتحت سماء الله ؟! ألا تستحي ؟؟! (( وَلِلهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )) ( سورة الرعد الآيتين١٥و١٦ ) (( اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) ( سورة الروم آية ٤٠ ) وكما أن حقيقة ( الخلْق ) حقيقة واضحة وقوية ..فكذلك توجد حقيقة أخرى لا تقل عنها وضوحًا وقوةً وهي أن الذي خلق وحده هو من يملك أن يأمر وحده .. تأمل هذه الآية الآتية من أولها إلى آخرها .. وتأملها جيدًا : (( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) ( سورة الأعراف آية ٥٤ ) وبالتالي فإن المسلم الصائم يقول في منتهى البساطة والتلقائية : إن الله أمرني بالصيام فصمتُ .. إن صيامنا لرمضان هو تعبير منّا عن إيماننا بالله سبحانه وتعالى و رضانا به ربًّا إلهًا وحاكما مُعظّمًا مُوَقرًا وآمرًا وناهيًا مُطاعا جليلا .. فمن رضيَ فله الرضا ومن سخِط فله السُّخط .. ولا يستويان أبدًا ..والحمد لله رب العالمين. إن صيامنا دليل على إيماننا بوجود إله عظيم واحد عليم يراقبنا ويعلم عنا كل شئ في كل وقت وفي كل مكان ؛ ولذلك لا يجرُؤ الواحد منا أثناء صيامه أن يمد يده إلى طعام أو شراب حتى وإن لم يكن معه من الناس أي أحد ! النية الثانية : الطمع في ثواب الله .. فنحن نصوم طمعًا فيما عند الله .. وعطاء الله للصائمين كثير .. وكثير جدًا.. وليس في الآخرة فقط .. بل في الدنيا والآخرة .. ثبت في الحديث ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ) رواه مسلم (1151) قال أهل العلم : كل أجر يوزن وزنا ، ويكال كيلا ، إلا الصوم ، فإنه يُحثَى حثيًا، ويُغرَف غرفًا " من كتاب " أحكام القرآن " (4/77) . وقيل : في قوله تعالى : (( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) ( سورة السجدة آية ١٧ ) أن عملهم المذكور في آخر هذه الآية هو الصيام ، فيفرغ لهم الجزاء إفراغًا من غير تقدير" من كتاب" التوضيح لشرح الجامع الصحيح " (13/28) فـ " العبادات ثوابها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، إلا الصوم ، فإن الله هو الذي يجزي به ، ومعنى ذلك أن ثوابه عظيم جداً . قال أهل العلم : لأنه يجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة ، وهي : الصبر على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقداره ، فهو صبر على طاعة الله لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها ، وعن معصيته لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم ، وعلى أقدار الله لأن الصائم يصيبه ألم بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس ، فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر ؛ لأنه جامع بين الأنواع الثلاثة ، وقد قال الله تعالى : (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )) ( سورة الزمر آية ١٠ ) من كتاب " الشرح الممتع " (6/458) . ومن أعظم عطاءات الله للصائمين أن يرزقهم التقوى .. .(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ( سورة البقرة آية١٨٣ ) و هل يوجد شخص في هذه الدنيا أفضل رزقًا من الشخص التقي ؟ الإجابة واضحة : (( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ )) ( سورة الأعراف آية ٢٦)) ومما أعده الله للصائمين باب للجنة اسمه باب " الريان " .. هكذا ورد اسمه في الحديث المتفق عليه من حديث سَهْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ) البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1947 ) . و عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري (الإيمان / 37) النية الثالثة في صيام رمضان : الهروب من عذاب الله وعقابه. وأنت يا أخي الصائم محتاج أن تتعلم ما هي عقوبة من يفطر في رمضان بغير عذر ! ولا تقل : أنا أصوم رمضان فلا أحتاج أن أتعلم هذا !! كلا .. بل عليك أن تتعلم وتفكر في العذاب والعقاب الذي ينتظرك لو أنك أفطرت في نهار رمضان بغير عذر شرعي .. لأنك عندما تتعلم وتفكر في هذا الموضوع فسوف تعرف بصورة أكبر وأعمق ما هي قيمة هذا الصوم الذي تصومه في رمضان، وسوف يكون حرصك أشد على هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ، وإذا رأيت أحد الهالكين الذين يفطرون بغير عذر - والعياذ بالله - فإنك سوف تحاول بقوة أن تنقذه قبل أن يموت ويعذّب كل هذا العذاب .. نعم أخي الصائم : تذكّر وأنت تصوم رمضان أنك تصوم حتى لا تتعرض لعذاب الله وعقابه إذا أنت أفطرت ، وهل تعلم ما هو عذاب وعقاب من يفطر في رمضان بغير عذر ؟! فيما يلي بعض هذا العذاب وهذا العقاب :- عقوبة من يفطر في رمضان بغير عذر مما صح من الوعيد على ترك الصوم ما رواه ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ ( الضبع هو العضد أو ما يسميه بعض الناس الكتف) فأتيا بي جبلا وعِرا ، فقالا : اصعد فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك . فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار . ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دما، قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم . صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم 1509 والعُرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان . والشِّدق هو جانب الفم . ومعنى يفطرون قبل تحلة صومهم أي يفطرون قبل غروب الشمس ففي هذا الحديث الشريف عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار ، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا ؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة . إن صوم رمضان من أركان الإسلام الخمسة .. والذي يهدم هذا الركن ويفطر في رمضان بغير عذر فقد فعل جريمة كبيرة وشنيعة جدًا ؛ لدرجة أن الإمام الذهبي قال في كتاب الكبائر (ص 64): " وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض ( أي بلا عذر يبيح ذلك ) أنه شر من الزاني والمكّاس ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال " (والمكّاس هو الذي يأخذ الضرائب الظالمة) وتأمل يا أخي الحبيب أن الذي يفطر بغير عذر في رمضان هو شخص أسوأ من الزاني ومدمن الخمر .. فما هو عذاب الزناة - والعياذ بالله - ؟! إن من عذابهم ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري - رحمه الله - أن هؤلاء الزناة يكونون في قبورهم في شيء مثل الفُرن أعلاه ضيق وأسفله واسع وهم عُراة ( رجالًا ونساءً ) ويأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب صدرت منهم أصوات وضوضاء . نعوذ بالله من هذا العذاب. وأما بالنسبة للخمر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كُلُّ مُسْكرٍ حَرَامٌ وَإِنَّ عَلَى الله لَعهْدًا لِمَنْ شَرِبَ المسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ عَرَقِ أَهْلِ النَّارِ )) صحيح الجامع ٤٥٥١ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ )) (متفق عليه). إذا كان هذا بعض عذاب من يقع في جريمة الزنا أو جريمة الخمر فكيف يكون عذاب من يقع في جريمة أسوأ منهما وهي جريمة الفطر في رمضان بغير عذر شرعي ؟! نسأل الله الثبات على ما يحب ويرضى وتقبّل الله من الجميع . والحمد لله رب العالمين
تعليق