ليس لنا عند الله إلا الرجاء في سعة رحمته
يتوهم البعض في قرارة نفسه أحياناً أن الله قد منَّ عليه بنعمة خاصة؛ قد بلغ بها منزلة مميزة عنده سبحانه؛ (متمثلة في تلك الحالة من الأنس بالقرب منه تعالى) سواء أكان ذلك بكثرة الصلاة، أو المواظبة على صيام النوافل، أو التوفيق لقيام الليل، أو كثرة التصدق، أو ما هو أعظم من ذلك كالإحسان إلى الوالدين وبرهما!!
فيستثمر الشيطان تلك القناعة الخفية لدى العبد في إتاحة مساحة من العشم الزائد (إن صح التعبير) في قلب ذلك العبد، بما يجعله مع مرور الزمن وطول الأمد؛ يتساهل في ارتكاب العديد من المخالفات؛ بحجة أنها من الصغائر، وأن ما لديه من عظيم رصيد الحسنات، تتضاءل بجواره تلك الصغائر وسيئاتها!!
فتهيئ له تلك القناعة الحمقاء قاعدة شيطانية؛ تتسع يوماً بعد يوم متجاوزة الصغائر إلى الكبائر التي تهون عليه بدورها؛ تحت مطية نفس قاعدة الأوهام الحمقاء التي رسخها في قرارة نفسه بنفسه؛ حتى يعقب ذلك حرماناً من الطاعات التي كانت يسيرة عليه يوماً ما، وسقوطاً في المزيد من مستنقعات المعاصي على اختلاف ألونها!!
كل هذا يحدث، وهو غير مدرك لهول ما لحق به من مصيبة ضياع الدين وهوانه؛ حيث لا زالت أمنياته تسرح به في ظلال أطلال ما كان من ماضي طاعاته الجميل، متكئاً على ما يرجوه من جزيل ثوابها، وعظيم رصيدها الذي لا ينبغي له أن ينتهي!!
ورويداً رويداً يتمادى به الحال؛ حتى يتحول في نهاية المطاف إلى مسخ مذموم، ظاهره الالتزام بأوامر الدين، وباطنه قلب متسخ بالموبقات، وغارق في ألوان المعاصي الكبير منها قبل الصغير!!
فتصرخ الروح اختناقاً، ويتململ القلب استغاثةً مما لحق به من قيح هذا النفاق المركب، الذي أضحى الدين على إثره مسوغاً لارتكاب المزيد من المعاصي!!!!!!!!!!!! فإذا ما أراد الله بهذا العبد رحمة؛ جعل من اختناق روحه، وهول فزع قلبه؛ مدعاة للعودة إلى رحابه بالتوبة الصادقة؛ لاسيما إذا ما بقيت لديه بقية من إخلاصٍ، وعدم رضى بما وصلت إليه حاله من التردي والهوان!!
إما إذا ما أراد له الهلاك عياذاً بالله؛ تمادى به في غفلته؛ حتى يجعل من هتك ستره في لحظة مباغتة على رؤوس الأشهاد مثار حديث الناس؛ لتكون فتنته فتنة مركبة؛ بعدما أهلك بها نفسه أولاً، ثم صار فتنة للآخرين، المسلمين منهم قبل المشركين!!
وعليه . . فليعلم الجميع أن المنة والفضل لله وحده، وأنه سبحانه لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المعاصي، وإن العبد مهما بلغ بعمله الصالح؛ فإنه ذليل فقير لفضل الله وحده ورحمته سبحانه لا شريك له، وأن حقيقة النجاة إنما تكمن في بذل الغالي والنفيس؛ لبلوغ رضى الرحمن، مع وجوب لزوم التذلل إليه سبحانه رجاء قبول العمل؛ مع الحرص الشديد على عدم إتاحة الفرصة لحديث النفس بما كان من فعل الطاعات، وما يرجى من ورائها من جزيل الأجر والثواب؛ خشية إحباطها!!
وإذا ما كان لابد للنفس من بعث بعض رسائل الرجاء؛ طلباً للسكينة والطمأنينة، فلتكن بالرجاء في سعة رحمته وحده، إذ أنها الفيصل في نجاة العبد أو هلاكه!! وكيف لا؟ وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم؛ حينما سأله الصحابة رضوان الله تعقيباً على قوله : (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) فقالوا: (حتى أنت يا رسول الله؟) فقال : (حتى أنا إن لم يتغمدني الله برحمته)!!
فإذا ما كان ذلك في حق المعصوم صلى الله عليه وسلم، فما بال أمثالنا من المقصرين والمفرطين؟!
فاللهم أشهد أنه ليس لنا عندك ما نرجو به رحمتك . . إلا المزيد من الرجاء في سعة رحمتك!!
تعليق