بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أمــا بعــد..
ففي ظلِّ قَيْظِ الأحداث المتلاحقة هنا وهناك التي تمر بها أقطار الأمة الإسلامية، في ظلِّ هذا اللَّهيب الشديد؛
الذي أصاب أمتنا بنيران الضَّعفِ والوَهَنِ والهَوَان، نيرانٌ قد التهمت وحدتنا؛ فصار الخلاف والتناحر هما أساس التعاملات بين الأسرة الواحده،
وبين مجتمع كل دولة، وبين الدول فيما بينها، فأصبح الكلُّ يَلهَث وراء سرابٍ لا نهاية له؛ حتَّى غرقت الأمة في أوحال الهَــوَان!!
هَـانَـتْ عَلَيْنـَا أنْفُسَنـَا؛ فهُـنـَّـا عَلَى الْغَـــيْر!!
فلا سبيل إلى النجاة والخلاص مما نحن فيه إلا بالرجوع والعودة والإنابة إلى ربنا تبارك وتعالى كما يحب ويرضى،
ولن تستقيم أحوال الأمة إلا بالرجوع إلى الله تعالى؛ وجهتهم واحدة، على قلب رجل واحد؛ أمة واحدة، عائدين إلى الفطرة السليمة؛
فطرة الله القائل في كتابه العزيز:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم: 30
هذا خطاب من الله تعالى لرسوله صلَّى الله عليه وسلم؛
أى: فقوِّم وجهك له وعدِّلهُ، غير مُلتفت عنه يمينا أو شمالا، وهو تمثيلٌ لإقباله على الدِّين واستقامته عليه وثباته.
وبتتبع الأمر الإلهي في هذه الآية، والتالية لها: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} (31)
نجد أنَّ الخطاب موجه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وللمؤمنين؛ أي: فأقم وجهك للدين والمؤمنون معك، بصيغة الجمع.
والمُراد بالفطرة؛ أى: مِلَّة الإسلام والتوحيد.
أى: أُثُبُت -أيها الرسول الكريم- على هذا الدِّينِ الحقّ، والزموا -أيها الناس- فطرة الله، وهي مِلَّةَ الحَقِّ، التي فَطَر الناس عليها، وخَلَقَهُمْ قَابِلِينَ لها.
فالفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، والفطرة التي تخص نوع الإنسان؛ هي ما خلقه الله عليه جسداً وعقلاً،
فَمَشي الإنسان برجليه؛ فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه؛ خِلافِ الفطرة الجسدية،
واستنتاج المُسببات من أسبابها والنتائج من مُقدِماتِها؛ فِطرَة عقلية، ومحاولةِ استنتاج أمرٌ من غير سَبَبِهِ؛ خلِافُ الفطرة العقليَّة،
وهو المُسمَّى في عِلِم الإستدلال بــ فَســـــادِ الْوَضْـــــع.
..
فســـــاد الوضـــــع!!
هــذا حــــال أمـتـنــــا الآن بكل أســف!!
فليس هناك أدنى شك بأن فساد الوضع هو ما تتعرض له الأمة الإسلامية في أيامنا هذه ومنذ زمن.
إنَّ مجتَمع الأمة الإسلامية الإنساني قد أصيب عصوراً طويلة بأوهام وعوائد ومألوفات أدخلها عليه أهل التضليل، فاختلطت عنده بالعلوم الحق؛
أقبل الناس عليها وارتضَوْا بها، فالتصقت بعقولهم التصاق العنكبوت ببيته، فتلقَّت أمتنا كلَّ أنواع التضليل وأساليب الغزو بسماحة ويُسْر!!
إستقبلت الأمة فتن متلاحقة، وبدع مهلكة، وبثٌّ للخلافات بين المسلمين بسهــولة تـــامـَّــة؛
فانحدرت تهوي فاقدة لوعيها، فاقدة لمجدها الذي كانت عليه من قبل!
والجــزاء من جنــس العمــل؛ فالإنصــراف جـــزاؤه الإنحــراف!!
لما تخلَّت الأمة عن فطرتها؛ كان الجزاء من الله تعالى هو شدة ضعفها وهوانها وتخبطها بين أمواج الإختلال والشلل والتخلف!
ولولا فضل الله علينا لما ظلَّ على الأرض حتى الآن أهل الرسوخ والثبات على الأمر من أصحاب العلوم الصحيحة؛ الذين أوصلهم الله بتوفيقه إلى الحقائق،
فاستوضحوا الخطر الدَّاهِم وسَلِم فَهمَهُم؛ فكانوا للآخرين خيرَ دليل.
وكونُ الإسلام هو الفطرة، وملازمة أحكامه لمقتضيَات الفطرة صفة اختص بها الإسلام من بين سائر الأديان في تفاريعه؛
فلن تنهض أمتنا إلا بالعودة إلى الفطرة.. الفطرة السليمة..
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
فالخِطَابُ هَنا للنبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
يا مُحمَّد، ما دام الأمر كذلك من الكافرين، وما داموا قد اتبعوا أهواءهم وضلَّوا، وأصَرُّوا على ضلالهم، فدَعْك منهم ولا تتأثر بإعْرَاضِهِم.
فما عليك، واتركهم لي، وإيَّاك أن يؤثر فيك عِنادُهُم، أو يحزنك أن يأتَمِروا بك، أو يكيدوا لك؛ فقد سبق القول مني أنهم لن ينتصروا عليك، بل ستنتصر عليهم.
هذا وعدُ الله لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم بالنصر، ووعدٌ للمؤمنين أيضًا بالنصر؛ بشرط تحقيق قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد: 7
أمرٌ منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله؛
فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبَّت أقدامهم، أي: يربِط على قلوبهم بالصبر والطُمأنينة والثَّبات، ويُصبِّرُ أجسامهم على ذلك، ويُعينُهُم على أعدائهم،
هــذا وعــدُ الله..
لمن ينصُرُه بالأقوال والأفعال؛ فسَينصُرُه مولاه، ويُيَسِّر له أسباب النصر، من الثبات وغيره.
هــذا وعــدُ الله..
فقط لمن ينصر دين الله بالجهاد في سبيله، والحكم بكتابه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
وهذه قضية قرآنية، حكم بها رب العباد، كما قال تعالى:
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} الصافات: 171 - 173.
{وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ ... } الحج: 40.
هذه قضية قرآنية مُسلَّمٌ بها ومفروغٌ منها، وهي على ألسنتنا وفي قلوبنا؛ لكـــــن.. من في هذه الأمة يُدرِك ويعمل لها؟!
كم من نسيج هذه الأمة ينتصر لله ولا ينتصر لنفسه؟!
بالله عليكم؛ هل تنتصِر أُمَّـة لا تَنصُر الله؟!
كلَّا والله؛ سبحانه الذي وعد، ولايُخلِفُ وعدَهُ أبدًا
فتحقيق نصر الله لن يأتي إلا بتحقيق شرطه الذي نادى به المؤمنين، ولن يحققه إلا للمؤمنين؛ الذين ينصرونه ثابتين، وبفطرتهم السليمة محتفظين.
فالعودة للفطرة السليمة لن يتم إلا بتحقيق ركائز الإيمان.
لكن بكل أسف؛ أمتنا الآن أصبحت أمة هاجرة للفطرة!!
فكيف لأمة هجرت القرآن، وهجرت معالم الإيمان؛ أن يأتيها النصر من عند العزيز الرحمن؟!
أمَّــا هجـــر الأمة للقرآن؛ فقد تمثَّل في هجرهم للعمل به، والوقوف عند أوامر الله؛ في كونهم يناصرون ربهم،
و هجـــر معالم الإيمان؛ فقد بدا جليَّــًا في معتقداتهم وأقوالهم وأفعالهم!
فـالإيـمـــــان
عند أهل السنة والجماعة؛ كما أجمع عليه أئمتهم وعلماؤهم، هو:
(تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية). [1]
هذه هي فطرة الله يا أمة الإسلام؛ الإيمـــــان،
والإيمان الشرعي هو: إعـتـقـــاد ، وقـــول ، وعـمـــل.
إنَّها ثلاثة أركان ركيزة للإيمان؛ فأين أُمَّتنـَـا الآن من تحقيق تلك الأركان؟!
تناحر أخوة الإسلام، وتقطعت أوصالهم بتفرقهم؛ كلٌّ منهم يمضي في طريق تعصبه ويظنُّ أنه على الصواب!!
إختَلَفَ الأُخْوَةُ في العقيدة الصحيحة -بعيدً عن أهل العقائد الفاسدة-، وتفرَّق كلٌّ منهم على جماعات وأحزاب وتكتلات؛
ناصرين أنفسهم فقط دون الله -والعياذ بالله-، فهل صحَّ بذلك الركن الأول من الإيمان؛ الإعتقـــــاد؟، وهل صحَّ العمــل؟، كما أمر الله في قوله:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103
أي: تمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهَدْيِ نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فُرقتِكم.
فهذا أمر الله للمؤمنين جميعًا؛ أمَرَهُم سبحانه بما يُعينهم على التقوى؛ وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله،
ففي اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم؛ إصلاح لدينهم وإصلاح لدنياهم.
فـ بالاجـتـمـــاع؛ يكتسبون مصالح لا يُمكن عدَّها، من التعاون على البر والتقوى،
و بالإفـتـــراق والتـعـــادي؛ يختَّل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدَّى إلى الضرر العام!!
وقد وصلنا بحقٍّ إلى الضَّرر العام، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
يا أمة الإسلام؛ إنتشر منذ زمن على لسان اليهود وأعداء الله، قولٌ له رنين، مُفــادُهُ؛
أن لو وصل عدد المصلين بالمساجد في صلاة الفجر كما هو عددهم في صلاة الجمعة؛ لحقَّق لهم الله النَّصر!
يا أمة الإسلام؛ أعداؤنا يخشوننا ويرتعدون؛ لأنهم يدينون بعقيدة -وهي فاسدة فيما دون ذلك- تؤكد لهم زوالهم!!
أعداؤنا يخشوننا ويرتعدون إذا عدنا لفطرتنا السليمة وتَمسَّكنا بالكتاب والسنة، وحققنا الإيمان؛ عقيدةً وقولًا وعملًا!
ونحن نسمع ونستمع لمخاوفهم؛ لكن بلا حراك!
فأين نحن من العمل؟!
ولعل المثير للعجب والتعجب، والغرابة والإنكار؛ أن تَحدَّث الكثير من أمتنا بهذا القول، ولا يعمل به!
فكم منهم يحافظ على صلاة الفجر في جماعة؟
إنَّ أكثرهم يقولون مالا يفعلون!.. فأين الإيمان؟ ، وأين العمل؟!
إهتزت عقيدة الأمة الإسلامية داخل رحى الإختلافات الحزبية؛ مابين مُناصِر ومُعادِي لفكِر ومنهج الآخر!
وغفلوا عن ثوابت المـنـهـــج الذي سار عليه الرعيل الأول من خيار الأمة في القرون الثلاث الأول،
ذلك الــ مـنـهـــج التوافقي على كتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ الذي تمَسَّك به الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم-؛
فدانت لهم الدول والممالك، وانتشروا في الأرض يُعلون كلمة الله.
لكن للأسف؛ ضاع هذا المـنـهـــج بين الجماعات الإسلامية التي مُكِّن لها في بعض الدول الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي!
نسيت أو تناست هذه الجماعات أنَّ الإختلاف في بعض اجتهاداتها؛ كان لا بد أن يرقى بهم ليشدُّوا بعضهم بعضا،
ويعملوا لغايةٍ واحدة، وهـــدفٍ أسمى؛ هو نصرة الإسلام والتمكين لهذا الدين.
لم يكن هناك مانع من وجود هذه الجماعات والتكتلات التي هدفها الدعوة إلى الله ونصرة الإسلام وتحكيم دين الله وإيجاد حكم إسلامي؛
فإذا كان هذا الهـــدفُ موجودًا؛ فلا مانع حينها من التعددية.
لكـــن؛ كان الواجب عليهم أن يكون هذا التعدد بشكل لا يَحمِل تعصُبًا، بل يكون الولاء سائداً بين تلك الجماعات لله الواحد القهَّار؛
بحيث لا يكون هناك تعصب لفرد أو جماعة، ولا لحزب أو كيان؛ فالكل ينتمي إلى الله وحده، وليس هناك انتماء إلا لتحكيم دين الله.
إهتزت عقيدة الأمة الإسلامية عند حكامها أولّا؛ بالركون إلى الظالمين، وموالاة الكافرين،
فسار بالتبعية على نهجهم هذه الأحزاب والتكتلات -إلا من رحم ربي-، وتغافل أكثرهم عن قوله سبحانه:
﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ هود: ١١٣
أي: لا تميلوا إلى الظالمين ولا تستعينوا بهم؛ فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم، فيعذبكم الله في النار،
وليس لكم من دونه من ولي ينقذكم، ولا ناصر يخلصكم من عذابه.
وفي هذه الآية:
التحذير من الركون والميل إلى كل ظالم، والانضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم.
وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟!!
وقوله سبحانه:
﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ﴾ آل عمران: ٢٨
هذا نهيٌ من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين؛ بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين؛
لأنَّ موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان،
فالإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، قال تعالى:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة: 71 ؛
فمن والى الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفؤا نور الله ويفتنوا أولياءه؛
خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين!
أحزاب وجماعات وتكتلات
هجرت ركائز الإيمان والفطرة السليمة؛ فاهتزت عقيدتها، واختلفت أقوالها، وعملت لدنياها؛ إلَّا من رحم ربي.
فهل لنا من عودة يا أمة الإسلام إلى الفطرة السليمة؟!
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
_____________________________ففي اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم؛ إصلاح لدينهم وإصلاح لدنياهم.
فـ بالاجـتـمـــاع؛ يكتسبون مصالح لا يُمكن عدَّها، من التعاون على البر والتقوى،
و بالإفـتـــراق والتـعـــادي؛ يختَّل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدَّى إلى الضرر العام!!
وقد وصلنا بحقٍّ إلى الضَّرر العام، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
يا أمة الإسلام؛ إنتشر منذ زمن على لسان اليهود وأعداء الله، قولٌ له رنين، مُفــادُهُ؛
أن لو وصل عدد المصلين بالمساجد في صلاة الفجر كما هو عددهم في صلاة الجمعة؛ لحقَّق لهم الله النَّصر!
يا أمة الإسلام؛ أعداؤنا يخشوننا ويرتعدون؛ لأنهم يدينون بعقيدة -وهي فاسدة فيما دون ذلك- تؤكد لهم زوالهم!!
أعداؤنا يخشوننا ويرتعدون إذا عدنا لفطرتنا السليمة وتَمسَّكنا بالكتاب والسنة، وحققنا الإيمان؛ عقيدةً وقولًا وعملًا!
ونحن نسمع ونستمع لمخاوفهم؛ لكن بلا حراك!
فأين نحن من العمل؟!
ولعل المثير للعجب والتعجب، والغرابة والإنكار؛ أن تَحدَّث الكثير من أمتنا بهذا القول، ولا يعمل به!
فكم منهم يحافظ على صلاة الفجر في جماعة؟
إنَّ أكثرهم يقولون مالا يفعلون!.. فأين الإيمان؟ ، وأين العمل؟!
إهتزت عقيدة الأمة الإسلامية داخل رحى الإختلافات الحزبية؛ مابين مُناصِر ومُعادِي لفكِر ومنهج الآخر!
وغفلوا عن ثوابت المـنـهـــج الذي سار عليه الرعيل الأول من خيار الأمة في القرون الثلاث الأول،
ذلك الــ مـنـهـــج التوافقي على كتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ الذي تمَسَّك به الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم-؛
فدانت لهم الدول والممالك، وانتشروا في الأرض يُعلون كلمة الله.
لكن للأسف؛ ضاع هذا المـنـهـــج بين الجماعات الإسلامية التي مُكِّن لها في بعض الدول الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي!
نسيت أو تناست هذه الجماعات أنَّ الإختلاف في بعض اجتهاداتها؛ كان لا بد أن يرقى بهم ليشدُّوا بعضهم بعضا،
ويعملوا لغايةٍ واحدة، وهـــدفٍ أسمى؛ هو نصرة الإسلام والتمكين لهذا الدين.
لم يكن هناك مانع من وجود هذه الجماعات والتكتلات التي هدفها الدعوة إلى الله ونصرة الإسلام وتحكيم دين الله وإيجاد حكم إسلامي؛
فإذا كان هذا الهـــدفُ موجودًا؛ فلا مانع حينها من التعددية.
لكـــن؛ كان الواجب عليهم أن يكون هذا التعدد بشكل لا يَحمِل تعصُبًا، بل يكون الولاء سائداً بين تلك الجماعات لله الواحد القهَّار؛
بحيث لا يكون هناك تعصب لفرد أو جماعة، ولا لحزب أو كيان؛ فالكل ينتمي إلى الله وحده، وليس هناك انتماء إلا لتحكيم دين الله.
إهتزت عقيدة الأمة الإسلامية عند حكامها أولّا؛ بالركون إلى الظالمين، وموالاة الكافرين،
فسار بالتبعية على نهجهم هذه الأحزاب والتكتلات -إلا من رحم ربي-، وتغافل أكثرهم عن قوله سبحانه:
﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ هود: ١١٣
أي: لا تميلوا إلى الظالمين ولا تستعينوا بهم؛ فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم، فيعذبكم الله في النار،
وليس لكم من دونه من ولي ينقذكم، ولا ناصر يخلصكم من عذابه.
وفي هذه الآية:
التحذير من الركون والميل إلى كل ظالم، والانضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم.
وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟!!
وقوله سبحانه:
﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ﴾ آل عمران: ٢٨
هذا نهيٌ من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين؛ بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين؛
لأنَّ موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان،
فالإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه، قال تعالى:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة: 71 ؛
فمن والى الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون أن يطفؤا نور الله ويفتنوا أولياءه؛
خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين!
أحزاب وجماعات وتكتلات
هجرت ركائز الإيمان والفطرة السليمة؛ فاهتزت عقيدتها، واختلفت أقوالها، وعملت لدنياها؛ إلَّا من رحم ربي.
فهل لنا من عودة يا أمة الإسلام إلى الفطرة السليمة؟!
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
مراجع التفسير:
السعدي
الشعراوي
الوسيط
ابن عاشور
ابن كثير
[1] الإيمان: حقيقته, خوارمه, نواقضه ، المؤلف: عبدالله بن عبدالحميد الأثري: صــ 13
تعليق