السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التعصب والعصبية تفرق وجاهلية
التعصب والعصبية تفرق وجاهلية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
ذم الإسلام التعصب ونهى الشرع عنه سواء أكان التعصب لشخص أو قبيلة أو مال أو جاه أو غيره, بل ونسب الإسلام العصبية إلى الجاهلية ووصفها بالمنتنة؛ تقبيحاً لها وتنفيراً من شأنها.
والعصبية لها صور شتى؛ فمنها العصبية من أجل الدنيا كعصبية الرجل لذاته ومبالغته في نرجسيته, وكعصبية الرجل لولده وأهله وقبيلته, وكعصبية الرجل لبلده وجنسيته وازدراءه من دونه من الجنسيات ولو كانوا مسلمين, ومن أدهى صور العصبية الحديثة التعصب لناد أو فريق رياضي تعصبًا قد يودي بحياة صاحبه في حمأة الانفعال, وقد حدث وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين - أي ضرب - رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال رسول الله: « ما بال دعوى الجاهلية؟ » قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: « دعوها فإنها منتنة ».
إن الافتخار بالآباء والاعتزاز بالانتماء القبلي قد يدفع المرء إلى النار التي حذرنا الله منها؛ ذلك أنه قد يفتخر بالكفرة من آبائه وأجداده، وما دفعه لذلك إلا العصبية الجاهلية، وتعالوا بنا نسمع هذا الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أم لك. فقال رسول الله: « انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي إلى تسعة من النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة».
فياله من مرض فتاك قد يودي بالمحبة ويذهب الألفة ويغري العداوة بين الأحباب ويفرق بين الأقران ويثير الحروب بين القبائل والعشائر, ويزرع الضغائن بين من يفترض أنهم بنيان مرصوص.
وأما التعصب للمال والدنيا والإخلاد إليها فقد سماها الشرع عبادة عياذًا بالله, فقد جاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع ».
ومن صور العصبية أيضًا التعصب الديني, ومنه المذهبية المذمومة التي يقدم فيها الأتباع قول المذهب على قول الله ورسوله, والصورة الأضيق من صور هذا النوع هي صورة التعصب للشيخ حتى لو خالف الدليل الصحيح من الكتاب والسنة.
ومن صور التعصب الحديثة التعصب لجماعة أو حزب, فتجد المنتمي إليه يدين بالولاء لأصحاب جماعته دون غيرهم من المسلمين, وهذا مذموم لا محالة فالله قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي الجميع إخوة في الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»، وفي الصحيح: « والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه »، وفي الصحيح أيضا: « إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثله »، والأحاديث في هذا كثيرة، وفي الصحيح: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، وفي الصحيح أيضا: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وقال أحمد حدثنا أحمد بن الحجاج حدثنا عبد الله أخبرنا مصعب بن ثابت حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس» [تفرد به أحمد ولا بأس بإسناده] وقوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني الفئتين المقتتلتين، { وَاتَّقُوا اللَّـهَ } أي في جميع أموركم { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه".
وقد وصفت السنة المطهرة التعصب لشيخ أو عالم حبر واتباعه حتى لو خالف الدليل بالعبادة.
قال صاحب معارج القبول: "وقد سمى الله تعالى طاعة العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله، سمى ذلك عبادة وأنه اتخاذ لهم أربابا من دون الله فقال تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ } [التوبة: 31] الآية.
قال عدي بن حاتم رضي الله عنه حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوها: إنا لسنا نعبدهم. قال: « أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ » قال: بلى، قال: « فتلك عبادتكم إياهم ».
فالتعصب لعالم أو شيخ حال مخالفته للكتاب والسنة تعصب مذموم قد يورد صاحبه المهالك.
ومما تنفطر منه القلوب في عصرنا الحاضر تقليد بعض صغار الأسنان لبعض الدعاة الذين يلتصقون بهم في سب وتجريح دعاة آخرين قد يكونوا من الربانيين العاملين.
فليعلم هؤلاء أن لحوم العلماء مسمومة وليعدوا للسؤال أمام الله عز وجل جوابًا من الآن على خوضهم فيما لا يحسنون وتعاليهم على من بذلوا أوقاتهم وأموالهم وأبدانهم في الدعوة إلى الله عز وجل, وقد يكونوا من أوليائه سبحانه الذين توعد الله بالمحاربة من بارزهم بالعداوة.
روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال: « من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ».
تعليق