السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبعد :
لا شك أن الله – عز وجلّ – قد خلق الخلق من أجل غاية وهدف ، وبيّن – سبحانه – ذالك في أكثر من موضع من القرآن فقال سبحانه – وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون – فالغاية إذا من خلقي وخلقك ان نكون عبيداً لله ، الغاية العبادة .. والعبادة عرفها العلمآء تعريفاً جامعا ماتعاً فقالوا : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، والبراءة مما يخالف ذالك .
من هذا التعريف يتضح لنا أمرين
الأمر الأول : أن مفهوم العبادة لا يقتصر على الصوم والصلاة وغيرها من العبادات التي تؤدى في الظاهر ، بل إن كل عمل تحقق فيه الإخلاص لله والمتابعة للنبي فهو عبادة ، فالطعام والشراب والنكاح والمشي والجلوس وغير ذالك من الأمور التي اعتدنا عليها ، لو حققنا فيها الإخلاص لله والمتابعة للنبي – صلى الله عليه وسلم – لكانت عبادة نؤجر عليها بإذن الله تعالى
الأمر الثاني الذي يتضح من تعريف العبادة : أن العبادة تنقسم إلى نوعين ، النوع الأول : عبادة القلب ، او طاعة القلب ، كالمحبة والخوف والرجآء والتوكل واليقين والإخبات وغير ذالك ، والنوع الثاني : عبادة الجوارح ، أو طاعة الجوارح ، كالصلاة والحج والعمرة والصدقة وغيرها ،
والعجيب – أيها الإخوة – أننا نهتم كثيرا بعبادة الجوارح ونهمل عبادة القلب مع أهميتها ، بل إن عبادة جوارح لا تقبل إلا بوجود عبادة القلب ! فكل العبادات لا تقبل إلا لو تحقق فيها الإخلاص – وهو من عمل القلب – .
لذالك من الطبيعي أن تجد طالب علم يجتهد في دراسة فقه العبادات والمعاملات والزواج والميراث وغير ذالك ، ومن الطبيعي أن تجد من يسأل كيف نصلي وكيف نصوم ، ولكن قلّما تجد من يسأل كيف نخلص لله ؟ ونادرا ما تجد من يسال كيف نحب الله ؟ أو كيف نتوب إلى الله ؟ فنحن نهتم بالظاهر – الذي هو أعمال الجوارح – ونهمل الباطن – التي هي اعمال القلب – مع أهميتها , قال الإمام عبدالله بن أبي جمرة " وددت أنه كان من الفقهآء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ، فما أُتي كثير ممن أُتي إلا من قبل تضييع ذالك " إن من أعظم أسباب الإنتكاس والضياع ، أن تجتهد في عبادتك أمام الناس ، ولا يكون لك نصيبا من العبادة في الخلوة ، أن تظهر أمام الناس بوجه ، وأمام الله بوجه آخر ، لذالك كان السلف يحبون ان تكون للمرء خبيأة من العمل لا يعلم بها احد إلا الله ، من الجيد أن تجلس في دروس العلم وتبكي وتتأثر ولكن العبرة كل العبرة بالخلوة ، ماذا تفعل إذا خلوت بنفسك ؟ قالوا " من كان سره وعلانيته في الخير سوآء فذالك العدل ، ومن كان علانيته أفضل من سره فذالك النفاق ، ومن كان سره أفضل من علانيته فذالك الفضل " مصيبة - أيها الإخوة - أن يكون لك نصيب من العبادة طالما كنت تحت نظر الناس ، فإذا غبت عن أنظارهم أصابك الفتور والكسل ! لمن تعمل ؟ ومن تعبد ؟
لذالك أيها الإخوة : دعونا نتفق أولا أن أعمال القلب مهمة ، وتستمد أهميتها من القلب نفسه ..
وأهمية القلب وخطورته تتمثل في عدة أمور :
أولا : أن قلبك ليس بيدك – قلبك مش بإيدك – بل هو بيد من ؟ بيد الملك – جلّ جلاله – قال رسول الله " إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشآء " فمن السهل جدا أن يحول الله بينك وبين قلبك فتحوّل من ركب الطآئعين إلى ركب العصاة ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا واحداً فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيكون من أهلها ، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا واحدا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيكون من أهلها " – فسهل جدا أن يغيّر الله حالك ، ولعلّ هذا يفسر لنا خوف السلف – مع كثرة طاعتهم لله – إلا أنهم كانوا يخافون جدا من تقلّب القلب كان سفيان الثوري يبكي ويقول " أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت " .
الشاهد : أن قلبك ليس بيدك ، فلربما كتبت اليوم في سجل الطآئعين المقبولين ، وغدا تكتب في سجل العصاة المطرودين ، وآفة بعض الإخوة الملتزمين ، أنه بمجرد ما إن يطلق لحيته ويقصر ثيابه ويقرأ كتابا في الفقه وآخر في العقيدة ويجتهد في العبادة ، يظن وقتها أنه قد ارتقى إلى أعلى درجات العبودية – خلاص رفع عنه القلم ، مفيش منه اتنين – وحينما يصل لهذه المرحلة من العجب والغرور يقع في أمرين :
الأول : أن يظن في نفسه أنه لن يقع في أي معصية مهما كانت ، حتى وإن توفرت له دواعيها ، فمثلا يقول – لو وقفت أمامي امرأة متبرجة عارية وراودتني عن نفسي ، يستحيل أن اقع في معصية وسيكون جوابي " إني أخاف الله " يحسن الظن في نفسه ، ومتى أحسنت الظن بنفسك ، ترفع عنك معيّة الله فلو عرضت عليك الشهوة بعد ذالك قبلها قلبك ، ولو عرضت عليك المعصية بعد ذالك وقعت فيها ، لماذا ؟ لإنك ركنت إلى نفسك ، ومن ركن إلى نفسه فقد ركن إلى ضعيف لذالك قالوا :
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
أما الأمر الثاني : أن يبدأ بازدرآء العصاة ، وينظر إليهم نظرة استحقار بسبب ما يفعلونه ، ولا يذكر أنه ربما في يوم من الأيام كان مثلهم ! ولا يعلم أنه ربما قد يفتن في دينه فيصير مثلهم بل اشد ! فازدرآء اهل المعصية آفة ومرض قال بن عطآء " شتّان بين أهل السعادة وأهل الشقاوة ، فأهل السعادة إذا رأوا إنسانا على معصية أنكروا عليه في الظاهر ودعوا له في الباطن ، وأهل الشقاوة ينكرون عليه تشفيّا ، فهؤلاء لا تنوّر بصائرهم وهم عند الله مبعدون "
لذالك – أخي الحبيب – إحذر أن تعيّر اخاك بذنب رأيته منه فأنت لا تدري من الأقرب عند الله ! قال بن القيم " ذنب تُذل به إليه ، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه ، وإنك إن تبيت نآئما وتصبح نادما ، خير من أن تبيت قآئما وتصبح معجبا ، وإنك إن تضحك وأنت معترف ، خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين "
كتبه : أحمد شقل
يتبع بإذن الله تعالى ...
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبعد :
لا شك أن الله – عز وجلّ – قد خلق الخلق من أجل غاية وهدف ، وبيّن – سبحانه – ذالك في أكثر من موضع من القرآن فقال سبحانه – وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون – فالغاية إذا من خلقي وخلقك ان نكون عبيداً لله ، الغاية العبادة .. والعبادة عرفها العلمآء تعريفاً جامعا ماتعاً فقالوا : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، والبراءة مما يخالف ذالك .
من هذا التعريف يتضح لنا أمرين
الأمر الأول : أن مفهوم العبادة لا يقتصر على الصوم والصلاة وغيرها من العبادات التي تؤدى في الظاهر ، بل إن كل عمل تحقق فيه الإخلاص لله والمتابعة للنبي فهو عبادة ، فالطعام والشراب والنكاح والمشي والجلوس وغير ذالك من الأمور التي اعتدنا عليها ، لو حققنا فيها الإخلاص لله والمتابعة للنبي – صلى الله عليه وسلم – لكانت عبادة نؤجر عليها بإذن الله تعالى
الأمر الثاني الذي يتضح من تعريف العبادة : أن العبادة تنقسم إلى نوعين ، النوع الأول : عبادة القلب ، او طاعة القلب ، كالمحبة والخوف والرجآء والتوكل واليقين والإخبات وغير ذالك ، والنوع الثاني : عبادة الجوارح ، أو طاعة الجوارح ، كالصلاة والحج والعمرة والصدقة وغيرها ،
والعجيب – أيها الإخوة – أننا نهتم كثيرا بعبادة الجوارح ونهمل عبادة القلب مع أهميتها ، بل إن عبادة جوارح لا تقبل إلا بوجود عبادة القلب ! فكل العبادات لا تقبل إلا لو تحقق فيها الإخلاص – وهو من عمل القلب – .
لذالك من الطبيعي أن تجد طالب علم يجتهد في دراسة فقه العبادات والمعاملات والزواج والميراث وغير ذالك ، ومن الطبيعي أن تجد من يسأل كيف نصلي وكيف نصوم ، ولكن قلّما تجد من يسأل كيف نخلص لله ؟ ونادرا ما تجد من يسال كيف نحب الله ؟ أو كيف نتوب إلى الله ؟ فنحن نهتم بالظاهر – الذي هو أعمال الجوارح – ونهمل الباطن – التي هي اعمال القلب – مع أهميتها , قال الإمام عبدالله بن أبي جمرة " وددت أنه كان من الفقهآء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ، فما أُتي كثير ممن أُتي إلا من قبل تضييع ذالك " إن من أعظم أسباب الإنتكاس والضياع ، أن تجتهد في عبادتك أمام الناس ، ولا يكون لك نصيبا من العبادة في الخلوة ، أن تظهر أمام الناس بوجه ، وأمام الله بوجه آخر ، لذالك كان السلف يحبون ان تكون للمرء خبيأة من العمل لا يعلم بها احد إلا الله ، من الجيد أن تجلس في دروس العلم وتبكي وتتأثر ولكن العبرة كل العبرة بالخلوة ، ماذا تفعل إذا خلوت بنفسك ؟ قالوا " من كان سره وعلانيته في الخير سوآء فذالك العدل ، ومن كان علانيته أفضل من سره فذالك النفاق ، ومن كان سره أفضل من علانيته فذالك الفضل " مصيبة - أيها الإخوة - أن يكون لك نصيب من العبادة طالما كنت تحت نظر الناس ، فإذا غبت عن أنظارهم أصابك الفتور والكسل ! لمن تعمل ؟ ومن تعبد ؟
لذالك أيها الإخوة : دعونا نتفق أولا أن أعمال القلب مهمة ، وتستمد أهميتها من القلب نفسه ..
وأهمية القلب وخطورته تتمثل في عدة أمور :
أولا : أن قلبك ليس بيدك – قلبك مش بإيدك – بل هو بيد من ؟ بيد الملك – جلّ جلاله – قال رسول الله " إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشآء " فمن السهل جدا أن يحول الله بينك وبين قلبك فتحوّل من ركب الطآئعين إلى ركب العصاة ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا واحداً فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيكون من أهلها ، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعا واحدا فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيكون من أهلها " – فسهل جدا أن يغيّر الله حالك ، ولعلّ هذا يفسر لنا خوف السلف – مع كثرة طاعتهم لله – إلا أنهم كانوا يخافون جدا من تقلّب القلب كان سفيان الثوري يبكي ويقول " أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت " .
الشاهد : أن قلبك ليس بيدك ، فلربما كتبت اليوم في سجل الطآئعين المقبولين ، وغدا تكتب في سجل العصاة المطرودين ، وآفة بعض الإخوة الملتزمين ، أنه بمجرد ما إن يطلق لحيته ويقصر ثيابه ويقرأ كتابا في الفقه وآخر في العقيدة ويجتهد في العبادة ، يظن وقتها أنه قد ارتقى إلى أعلى درجات العبودية – خلاص رفع عنه القلم ، مفيش منه اتنين – وحينما يصل لهذه المرحلة من العجب والغرور يقع في أمرين :
الأول : أن يظن في نفسه أنه لن يقع في أي معصية مهما كانت ، حتى وإن توفرت له دواعيها ، فمثلا يقول – لو وقفت أمامي امرأة متبرجة عارية وراودتني عن نفسي ، يستحيل أن اقع في معصية وسيكون جوابي " إني أخاف الله " يحسن الظن في نفسه ، ومتى أحسنت الظن بنفسك ، ترفع عنك معيّة الله فلو عرضت عليك الشهوة بعد ذالك قبلها قلبك ، ولو عرضت عليك المعصية بعد ذالك وقعت فيها ، لماذا ؟ لإنك ركنت إلى نفسك ، ومن ركن إلى نفسه فقد ركن إلى ضعيف لذالك قالوا :
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
أما الأمر الثاني : أن يبدأ بازدرآء العصاة ، وينظر إليهم نظرة استحقار بسبب ما يفعلونه ، ولا يذكر أنه ربما في يوم من الأيام كان مثلهم ! ولا يعلم أنه ربما قد يفتن في دينه فيصير مثلهم بل اشد ! فازدرآء اهل المعصية آفة ومرض قال بن عطآء " شتّان بين أهل السعادة وأهل الشقاوة ، فأهل السعادة إذا رأوا إنسانا على معصية أنكروا عليه في الظاهر ودعوا له في الباطن ، وأهل الشقاوة ينكرون عليه تشفيّا ، فهؤلاء لا تنوّر بصائرهم وهم عند الله مبعدون "
لذالك – أخي الحبيب – إحذر أن تعيّر اخاك بذنب رأيته منه فأنت لا تدري من الأقرب عند الله ! قال بن القيم " ذنب تُذل به إليه ، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه ، وإنك إن تبيت نآئما وتصبح نادما ، خير من أن تبيت قآئما وتصبح معجبا ، وإنك إن تضحك وأنت معترف ، خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين "
كتبه : أحمد شقل
يتبع بإذن الله تعالى ...
تعليق