فوائد الذكر
ومنها: أن ذكر الله - عز وجل- يطرد الشيطان، ويرضي الرحمن، ويزيل الهمّ، ويجلب الفرح، ويقوي القلب والبدن، ويحييهما، وينوِّر الوجه والقلب، ويجلب الرزق، ويكسو الذاكر المهابة، ويورثه محبة الله التي هي روح الإسلام، ويورثه مراقبة ربه، والإنابة إليه، والقرب منه، ومعرفته حق المعرفة، ويورثه الهيبة لله، وذكر الله له، ومعرفته له وقت شدته، ويزيل الوحشة بينه وبين ربه. وذكر الله يحط الخطايا، ويذهبها، وينجي من عذاب الله. وهو سبب لتنزل السكينة، وغشيان الرحمة، ولأن تحف الملائكة بالذاكر، ولانشغال اللسان عن الكلام فيما حرم الله. وهو من أسباب رحمة الله للعبد، وقبول دعائه، حينما يتقدم الثناء على الدعاء، فيعطيه الله أفضل ما يعطي السائلين. والمداومة على الذكر أمان من نسيان العبد لربه، ونسيان المرء لربه سبب شقائه في معاشه ومعاده، وسبب لنسيان الله له،
قال تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)) [طه: 124- 126]. قال ابن القيم - رحمه الله- في معنى الآية: (أي: من أعرض عن كتابي، لم يتله، ولم يتدبره، ولم يعمل به، ولم يفهمه، فإن حياته ومعيشته لا تكون إلا مضيقة عليه، منكدة، معذبًا فيها).
وقد وصف الله - سبحانه وتعالى - المنافقين بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، فكثرة ذكر الله أمان من النفاق. وقال - رحمه الله-: (فمحبة الله، ومعرفته، ودوام ذكره، والسكون إليه، والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد، وعزماته، وإرادته، هو جنة الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين).
والذكر أيسر العبادات، وهو من أجلِّها وأفضلها، يفعله العبد، وهو في فراشه، وفي سوقه، وطريقه، وفي حال صحته وسقمه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه). أخرجه مسلم، وأبو داود من حديث عائشة - رضي الله عنها-.
والذكر نور للذاكر في الدنيا، وفي قبره، وفي معاده، وعلى حسب قوة إيمان العبد، ونوره في قلبه، تكون أعماله وأقواله.
وفي القلب حاجة لا يسدها إلا ذكر الله، فهو الذي يوقظ القلب من نومه وغفلته، ويذيب قسوته، ويشفيه من أمراضه. والذاكر قريب من ربه، وربه معه، معية خاصة، بالقرب، والولاية، والمحبة، والتوفيق، وهي غير معية العلم والإحاطة. قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا)) [النحل: 128]. ((واللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [البقرة: 249]. ((وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))[العنكبوت:69]. وذكر الله - عز وجل - قرين شكره، وما شكر الله تعالى من لم يذكره، وهما جماع السعادة والفلاح: ((فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ))[البقرة: 152].
وأكرم الخلق على الله تعالى من عباده المتقين، من لا يزال لسانه رطبًا بذكره. فإذا اتقى العبد ربه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره، أدخله الله الجنة، وأنجاه من النار، وصار قريبًا من ربه - سبحانه وتعالى-. والذكر خير ما استجلبت به نعم الله، واستدفعت به نقمه - عز وجل-. والله - سبحانه وتعالى- يصلي هو وملائكته على المؤمنين الذاكرين الله كثيرًا، والذين يسبحونه بكرة وأصيلا، ويخرجهم من الظلمات إلى النور. ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)) [الأحزاب: 41-43]. وذكر الله - عز وجل- من أكبر ما يستعين به الإنسان على طاعة ربه، إذ يحببها إليه، ويسهِّلها عليه، ففي حديث عبد الله بن بسر- رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله, إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبَّث به، قال - صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله). قال ابن القيم - رحمه الله - تعليقًا على الحديث: (فدله - صلى الله عليه وسلم - على شيء يبعثه على شرائع الإسلام، والحرص عليها، والاستكثار منها، فإذا اتخذ ذكر الله شعارًا، أحبه، وأحب ما يحب، ولا شيء أحبّ إليه من التقرب بشرائع الإسلام). وذكر الله يذهب مخاوف القلب، وله تأثير عجيب في حصول الأمن للخائف، حيث يزول خوفه بحسب ذكره لربه، وقوة إيمانه به، ويكفي في فضل الذكر أن الذاكرين هم السابقون لغيرهم ممن يريد الآخرة: (سبق المفردون).
تعليق