السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بصمتي في "محاسبة النفس"
المحاسبة مفاعلة من الحساب، ومعنى ذلك: أن الإنسان يعيش مع نفسه في كل لحظة من لحظاته، إن خيراً حمد الله واهب الخير، وإن شراً استغفر الله عز وجل غافر الشر، فيعيش الإنسان مع نفسه في كل حركة وفي كل سكون، وهذه غاية في مراقبة الله عز وجل، ولذلك ما وفق الله عز وجل العبد لمحاسبة النفس إلا وفقه لطريق السلامة، وإذا أردت أن ترى العبد الناجي من عقوبة الله عز وجل -بإذن الله- فانظر إلى ذلك الرجل الذي لا يفتر لحظة إلا وهو يحاسب نفسه، تسره حسنته فيحمد الله، وتسوءه سيئته فيدمع من خشية الله.
والله ما وفق الإنسان لشيءٍ بعد الإيمان مثل محاسبة النفس، وتأديبها بعد الحساب لها، مرحلتان: مرحلة المحاسبة ومرحلة التأديب، لا يحاسب ويسكت، بعض الناس يقول: أنا مقصر، وكذا وكذا، ادع لي ادع لي، ما ينفع!! مقصر وبعيد عن الله، لكن العمل النجاة، محاسبة النفس هي سبيل النجاة، وكما ورد في الآية أن الله تعالى أقسم بالنفس اللوامة: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، هذا إثبات للقسم، ولذلك قيل: إن (لا) زائدة أي: وأقسم بالنفس اللوامة، قال بعض العلماء: أقسم الله بها؛ لكي يدل على عظيم مكانها وجليل منزلتها، فهو الذي يهب هذه النفس.
والنفس اللوامة يهيئوها الله عز وجل أولاً بالإيمان، فما تأتي الملامة إلا بالإيمان، إذا قوي اعتقاد الإنسان بالله، وقوي إيمانه بالله، وعرف الله بأسمائه وصفاته هاب الله، فلما هاب الله إذا بنفسه تناديه: ما الذي فعلته؟ من الذي عصيته؟ فتأتي ثمرة الإيمان؛ وهي محاسبة النفس.
ومحاسبة النفس تكون بالجليل والحقير، والصغير والكبير، تكون للإنسان وهو خالٍ فريد، فيجلس فيقول: يوم كامل -أربعة وعشرون ساعة- فيم قضيته؟ وما الذي كان عليَّ من نعم الله فيها؟ فيعقد موازنة بين أمرين: بين نعم الله عليه وإحسانه عليه، وإساءته في جنب الله، وفي طرفة عين تأتي الآثار المترتبة، دمعة من خشية الله، أو عبرة في جنب الله، هذا بسبب ماذا؟ بسبب المحاسبة الصادقة، ولذلك ورد في أثر عمر أنه قال مخاطباً الناس: (أيها الناس! زنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتهيئوا للعرض الأكبر، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] ).
ومحاسبة النفس نعمة من الله عز وجل، يحاسب الإنسان نفسه خالياً فريداً على ما ضيع من حقوق الله وحقوق العباد، ويحاسب نفسه وهو بين أهله، ويحاسب نفسه وهو بين أصدقائه، ويحاسب نفسه في كل حركاته وسكناته وهذا أكمل ما تكون عليه المحاسبة، يحاسب نفسه في جوارحه؛ في اللسان، كان بعض السلف يعد الكلمات التي يتكلم فيها من الجمعة إلى الجمعة، كما روى ذلك أبو نعيم في الحلية.
أُثر عن ابن دقيق العيد رحمة الله عليه، الإمام الجليل صاحب الإحكام، أنه قضى في قضية، فلما انتهى من القضية اتهمه أحد الخصمين بأنه جار في حكمه، وأنه لم يحسن القضاء، فقال له: أتتهمني؟! والله الذي لا إله إلا هو ما تكلمت بكلمة منذ أربعين عاماً إلا وأعددت لها جواباً بين يدي الله عز وجل.
فكان السلف رحمهم الله يراقبون الله في أقوالهم، يراقبون الله في أسماعهم وأبصارهم وفي قلوبهم، محاسبة النفس تكون في القلوب، فلا يدخل في قلبه غل على مسلم، ويكون قلبه صافياً نقياً يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، يحاسب نفسه في سمعه، ويخشى أنه في يوم من الأيام ينظر الله إليه وقد أصغى إلى حرام، بمجرد إحساسه بالحرام إذا به ينفر عنه، فالحقيقة إذا أراد الله بالعبد خيراً هيأه لمحاسبة نفسه، وشرح صدره لها.
وحال السلف رحمة الله عليهم في المحاسبة حال كمال، وأخبارهم في ذلك يطول ذكرها.
بلغ بعضهم من العلم مبلغاً عظيماً، فلما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: أتبكي وقد وفقك الله لعلم وخير كثير؟! وقد كان إماماً وعالماً جليلاً من العلماء، قيل له: أتبكي وقد وفقك الله لهذا الخير الكثير؟! قال: والله الذي لا إله غيره إني لأتمنى أن أخرج من هذا العلم كفافاً لا لي ولا عليَّ . إحساس منه بالتفريط في جنب الله عز وجل.
وكانت المحاسبة في المال والأهل والولد، وكان الإنسان يحاسب نفسه في كل صغيرة وكبيرة، إذا جاء الأمر من أوامر الشرع امتثلوا وكانوا يخافون أن يقعوا في شيء من محارم الله، يحاسبون أنفسهم على أصغر شيء حتى في جانب الورع، كان الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه يبيع الخز -وكفى له بذلك فضلاً وشرفاً أن يتواضع وأن يأكل من كسب يده، فليس في ذلك منقصة له رحمة الله عليه- فجاءه رجل واستدان منه شيئاً، فأراد أن يأخذ المال من عنده، فذهب إلى الذي عليه الدين في وقت الظهر، وكانت الشمس شديدة، وكان معه أصحابه فقرعوا الباب، فجاء أصحابه تحت المظلة، مظلة بيت المدين هذا الذي عليه الدين، فقالوا: هلم يا إمام إلى الظل، فقال: أخشى أن تكون منفعة لي عليه، فتكون من جنس الربا، فأي محاسبة ومراقبة دقيقة هذه، الآن الإنسان قد يجلس في مكتبه، ويأخذ الأوراق الخاصة والأوراق العامة ويكتب عليها رسائل، ويكتب عليها محاضرات وندوات، وقد يكون من الشباب الطيبين، ولا يحاسب نفسه، وقد ينال من السيئات والأوزار ما الله به عليم؛ فقد يأخذ أشياءً هو مؤتمن عليها، وأشياء تتعلق بها مصالح .. يفعل بها ما يشاء، هذا من ضعف المحاسبة.
المحاسبة: تراقب الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، وتعلم الحلال فتفعله، والحرام فتتركه.
نسأل الله عز وجل أن يحيي قلوبنا وقلوبكم لذلك. والله تعالى أعلم.
بصمتي في "محاسبة النفس"
المحاسبة مفاعلة من الحساب، ومعنى ذلك: أن الإنسان يعيش مع نفسه في كل لحظة من لحظاته، إن خيراً حمد الله واهب الخير، وإن شراً استغفر الله عز وجل غافر الشر، فيعيش الإنسان مع نفسه في كل حركة وفي كل سكون، وهذه غاية في مراقبة الله عز وجل، ولذلك ما وفق الله عز وجل العبد لمحاسبة النفس إلا وفقه لطريق السلامة، وإذا أردت أن ترى العبد الناجي من عقوبة الله عز وجل -بإذن الله- فانظر إلى ذلك الرجل الذي لا يفتر لحظة إلا وهو يحاسب نفسه، تسره حسنته فيحمد الله، وتسوءه سيئته فيدمع من خشية الله.
والله ما وفق الإنسان لشيءٍ بعد الإيمان مثل محاسبة النفس، وتأديبها بعد الحساب لها، مرحلتان: مرحلة المحاسبة ومرحلة التأديب، لا يحاسب ويسكت، بعض الناس يقول: أنا مقصر، وكذا وكذا، ادع لي ادع لي، ما ينفع!! مقصر وبعيد عن الله، لكن العمل النجاة، محاسبة النفس هي سبيل النجاة، وكما ورد في الآية أن الله تعالى أقسم بالنفس اللوامة: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2]، هذا إثبات للقسم، ولذلك قيل: إن (لا) زائدة أي: وأقسم بالنفس اللوامة، قال بعض العلماء: أقسم الله بها؛ لكي يدل على عظيم مكانها وجليل منزلتها، فهو الذي يهب هذه النفس.
والنفس اللوامة يهيئوها الله عز وجل أولاً بالإيمان، فما تأتي الملامة إلا بالإيمان، إذا قوي اعتقاد الإنسان بالله، وقوي إيمانه بالله، وعرف الله بأسمائه وصفاته هاب الله، فلما هاب الله إذا بنفسه تناديه: ما الذي فعلته؟ من الذي عصيته؟ فتأتي ثمرة الإيمان؛ وهي محاسبة النفس.
ومحاسبة النفس تكون بالجليل والحقير، والصغير والكبير، تكون للإنسان وهو خالٍ فريد، فيجلس فيقول: يوم كامل -أربعة وعشرون ساعة- فيم قضيته؟ وما الذي كان عليَّ من نعم الله فيها؟ فيعقد موازنة بين أمرين: بين نعم الله عليه وإحسانه عليه، وإساءته في جنب الله، وفي طرفة عين تأتي الآثار المترتبة، دمعة من خشية الله، أو عبرة في جنب الله، هذا بسبب ماذا؟ بسبب المحاسبة الصادقة، ولذلك ورد في أثر عمر أنه قال مخاطباً الناس: (أيها الناس! زنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتهيئوا للعرض الأكبر، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] ).
ومحاسبة النفس نعمة من الله عز وجل، يحاسب الإنسان نفسه خالياً فريداً على ما ضيع من حقوق الله وحقوق العباد، ويحاسب نفسه وهو بين أهله، ويحاسب نفسه وهو بين أصدقائه، ويحاسب نفسه في كل حركاته وسكناته وهذا أكمل ما تكون عليه المحاسبة، يحاسب نفسه في جوارحه؛ في اللسان، كان بعض السلف يعد الكلمات التي يتكلم فيها من الجمعة إلى الجمعة، كما روى ذلك أبو نعيم في الحلية.
أُثر عن ابن دقيق العيد رحمة الله عليه، الإمام الجليل صاحب الإحكام، أنه قضى في قضية، فلما انتهى من القضية اتهمه أحد الخصمين بأنه جار في حكمه، وأنه لم يحسن القضاء، فقال له: أتتهمني؟! والله الذي لا إله إلا هو ما تكلمت بكلمة منذ أربعين عاماً إلا وأعددت لها جواباً بين يدي الله عز وجل.
فكان السلف رحمهم الله يراقبون الله في أقوالهم، يراقبون الله في أسماعهم وأبصارهم وفي قلوبهم، محاسبة النفس تكون في القلوب، فلا يدخل في قلبه غل على مسلم، ويكون قلبه صافياً نقياً يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، يحاسب نفسه في سمعه، ويخشى أنه في يوم من الأيام ينظر الله إليه وقد أصغى إلى حرام، بمجرد إحساسه بالحرام إذا به ينفر عنه، فالحقيقة إذا أراد الله بالعبد خيراً هيأه لمحاسبة نفسه، وشرح صدره لها.
وحال السلف رحمة الله عليهم في المحاسبة حال كمال، وأخبارهم في ذلك يطول ذكرها.
بلغ بعضهم من العلم مبلغاً عظيماً، فلما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: أتبكي وقد وفقك الله لعلم وخير كثير؟! وقد كان إماماً وعالماً جليلاً من العلماء، قيل له: أتبكي وقد وفقك الله لهذا الخير الكثير؟! قال: والله الذي لا إله غيره إني لأتمنى أن أخرج من هذا العلم كفافاً لا لي ولا عليَّ . إحساس منه بالتفريط في جنب الله عز وجل.
وكانت المحاسبة في المال والأهل والولد، وكان الإنسان يحاسب نفسه في كل صغيرة وكبيرة، إذا جاء الأمر من أوامر الشرع امتثلوا وكانوا يخافون أن يقعوا في شيء من محارم الله، يحاسبون أنفسهم على أصغر شيء حتى في جانب الورع، كان الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه يبيع الخز -وكفى له بذلك فضلاً وشرفاً أن يتواضع وأن يأكل من كسب يده، فليس في ذلك منقصة له رحمة الله عليه- فجاءه رجل واستدان منه شيئاً، فأراد أن يأخذ المال من عنده، فذهب إلى الذي عليه الدين في وقت الظهر، وكانت الشمس شديدة، وكان معه أصحابه فقرعوا الباب، فجاء أصحابه تحت المظلة، مظلة بيت المدين هذا الذي عليه الدين، فقالوا: هلم يا إمام إلى الظل، فقال: أخشى أن تكون منفعة لي عليه، فتكون من جنس الربا، فأي محاسبة ومراقبة دقيقة هذه، الآن الإنسان قد يجلس في مكتبه، ويأخذ الأوراق الخاصة والأوراق العامة ويكتب عليها رسائل، ويكتب عليها محاضرات وندوات، وقد يكون من الشباب الطيبين، ولا يحاسب نفسه، وقد ينال من السيئات والأوزار ما الله به عليم؛ فقد يأخذ أشياءً هو مؤتمن عليها، وأشياء تتعلق بها مصالح .. يفعل بها ما يشاء، هذا من ضعف المحاسبة.
المحاسبة: تراقب الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، وتعلم الحلال فتفعله، والحرام فتتركه.
نسأل الله عز وجل أن يحيي قلوبنا وقلوبكم لذلك. والله تعالى أعلم.