السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله العلي الكبير، المتفرد بالخلق والتقدير والتدبير، الذي أعز أولياءه بنصره، وأذل أعداءه بخذله، فنعم المولى ونعم النصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب والمصير وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى واذكروا أيام الله لعلكم تتذكرون، واذكروا أيام الله بنصر أوليائه لعلكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذلان أعدائه لعلكم تتقون، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده فقضى بينهم بفضله وعدله لعلكم توقنون، إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمة هو نصر للحق وذلة للباطل وأخذ للمتكبر ونعمة على المؤمنين إلى قيام الساعة.
لقد أرسل الله موسى صلى الله وسلم عليه وعلى نبينا وإخوانهما من النبيين والمرسلين، أرسله إلى فرعون بالآيات البينات ودعاه إلى توحيد رب الأرض والسماوات، فقال فرعون منكراً وجاحدا: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] فأنكر الرب العظيم الذي قامت بأمره الأرض والسماوات وكان له آية في كل شيء من المخلوقات فأجابه موسى هو: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء: 24]، ففي السماوات والأرض وما بينهما من الآيات ما يوجب الإيقان للموقنين، فقال فرعون لمن حوله ساخراً ومستهزئاً بموسى: {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 25].
فذكره موسى بأصله وأنه مخلوق من العدم وصائر إلى العدم كما عدم آباؤه الأولون فقال موسى هو {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 26]، وحينئذ بُهِت فرعون فادعى دعوى المكابر المغبون فقال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] فطعن بالرسول والمرسل فرد عليه موسى ذلك وبين له أن الجنون إنما هو إنكار الخالق العظيم فقال: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 28].
فلما عجز فرعون عن رد الحق لجأ إلى ما لجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب فتوعد موسى بالاعتقال والسجن وخاب فقال: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، ولم يقل لأسجننك ليزيد في إرهاب موسى، وإن لدى فرعون من القوة والسلطان والنفوذ ما مكنه من سجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حد تهديده وإرهابه، وما زال موسى يأتي بالآيات كالشمس، وفرعون يحاول بكل مجهوداته ودعاياته أن يقضي عليها بالرد والطمس حتى قال لقومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ . فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ . فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ . فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ . فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمثلاً لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 52- 56].
وكان من قصة إغراقهم أن الله أوحى إلى موسى أن يسري بقومه ليلاً من مصر فاهتم لذلك فرعون اهتماماً عظيماً فأرسل في جميع مدائن مصر أن يحشر الناس للوصول إليه لأمر يريده الله، فجمع فرعون قومه وخرج في إثر موسى متجهين إلى جهة البحر الأحمر: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]؛ البحر من أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعون وقومه خلفنا فإن وقفنا أدركنا فقال موسى: {كَلاَ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
فلما بلغ البحر أمره الله أن يضربه بعصاه فضربه فانفلق البحر اثني عشر طريقاً وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين وتكامل فرعون بجنوده داخلين أمر الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنوده فكانوا من المغرقين.
فانظروا رحمكم الله إلى ما في هذه القصة من العبر والآيات كيف كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل خوفاً من موسى فتربى موسى في بيته تحت حجر امرأته، وكيف قابل موسى هذا الجبار العنيد مصرحاً معلناً بالحق هاتفاً به ألا إن ربكم هو الله رب العالمين، فأنجاه الله منه، وكيف كان الماء السيال شيئاً جامداً كالجبال بقدرة الله، وكان الطريق يبساً لا وحل فيه في الحال، وكيف أهلك الله هذا الجبار العنيد بمثل ما كان يفتخر به، فقد كان يفتخر بالأنهار التي تجري من تحته فأُهلِك بالماء.
ولا شك أن ظهور آيات الله في مخلوقاته نعمة كبرى يستحق عليها الحمد والشكر، خصوصاً إذا كانت في نصر أولياء الله وحزبه ودحر أعداء الله وحزبه، ولذلك لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر المحرم، ويقولون إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى شكراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه» (ابن ماجه: 1419، وصححه الألباني).
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» (مسلم: 1162). فينبغي للمسلم أن يصوم يوم عاشوراء وكذلك اليوم التاسع لتحصل بذلك مخالفة اليهود التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الحمد لله العلي الكبير، المتفرد بالخلق والتقدير والتدبير، الذي أعز أولياءه بنصره، وأذل أعداءه بخذله، فنعم المولى ونعم النصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب والمصير وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى واذكروا أيام الله لعلكم تتذكرون، واذكروا أيام الله بنصر أوليائه لعلكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذلان أعدائه لعلكم تتقون، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده فقضى بينهم بفضله وعدله لعلكم توقنون، إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمة هو نصر للحق وذلة للباطل وأخذ للمتكبر ونعمة على المؤمنين إلى قيام الساعة.
لقد أرسل الله موسى صلى الله وسلم عليه وعلى نبينا وإخوانهما من النبيين والمرسلين، أرسله إلى فرعون بالآيات البينات ودعاه إلى توحيد رب الأرض والسماوات، فقال فرعون منكراً وجاحدا: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] فأنكر الرب العظيم الذي قامت بأمره الأرض والسماوات وكان له آية في كل شيء من المخلوقات فأجابه موسى هو: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء: 24]، ففي السماوات والأرض وما بينهما من الآيات ما يوجب الإيقان للموقنين، فقال فرعون لمن حوله ساخراً ومستهزئاً بموسى: {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 25].
فذكره موسى بأصله وأنه مخلوق من العدم وصائر إلى العدم كما عدم آباؤه الأولون فقال موسى هو {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 26]، وحينئذ بُهِت فرعون فادعى دعوى المكابر المغبون فقال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] فطعن بالرسول والمرسل فرد عليه موسى ذلك وبين له أن الجنون إنما هو إنكار الخالق العظيم فقال: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 28].
فلما عجز فرعون عن رد الحق لجأ إلى ما لجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب فتوعد موسى بالاعتقال والسجن وخاب فقال: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، ولم يقل لأسجننك ليزيد في إرهاب موسى، وإن لدى فرعون من القوة والسلطان والنفوذ ما مكنه من سجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حد تهديده وإرهابه، وما زال موسى يأتي بالآيات كالشمس، وفرعون يحاول بكل مجهوداته ودعاياته أن يقضي عليها بالرد والطمس حتى قال لقومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ . فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ . فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ . فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ . فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمثلاً لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 52- 56].
وكان من قصة إغراقهم أن الله أوحى إلى موسى أن يسري بقومه ليلاً من مصر فاهتم لذلك فرعون اهتماماً عظيماً فأرسل في جميع مدائن مصر أن يحشر الناس للوصول إليه لأمر يريده الله، فجمع فرعون قومه وخرج في إثر موسى متجهين إلى جهة البحر الأحمر: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]؛ البحر من أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعون وقومه خلفنا فإن وقفنا أدركنا فقال موسى: {كَلاَ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
فلما بلغ البحر أمره الله أن يضربه بعصاه فضربه فانفلق البحر اثني عشر طريقاً وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين وتكامل فرعون بجنوده داخلين أمر الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنوده فكانوا من المغرقين.
فانظروا رحمكم الله إلى ما في هذه القصة من العبر والآيات كيف كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل خوفاً من موسى فتربى موسى في بيته تحت حجر امرأته، وكيف قابل موسى هذا الجبار العنيد مصرحاً معلناً بالحق هاتفاً به ألا إن ربكم هو الله رب العالمين، فأنجاه الله منه، وكيف كان الماء السيال شيئاً جامداً كالجبال بقدرة الله، وكان الطريق يبساً لا وحل فيه في الحال، وكيف أهلك الله هذا الجبار العنيد بمثل ما كان يفتخر به، فقد كان يفتخر بالأنهار التي تجري من تحته فأُهلِك بالماء.
ولا شك أن ظهور آيات الله في مخلوقاته نعمة كبرى يستحق عليها الحمد والشكر، خصوصاً إذا كانت في نصر أولياء الله وحزبه ودحر أعداء الله وحزبه، ولذلك لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر المحرم، ويقولون إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى شكراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر الناس بصيامه» (ابن ماجه: 1419، وصححه الألباني).
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» (مسلم: 1162). فينبغي للمسلم أن يصوم يوم عاشوراء وكذلك اليوم التاسع لتحصل بذلك مخالفة اليهود التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
تعليق