إلى مَنْ أَسَاءَ الفَهْم!!
قال تعالى : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) الآية
قد يتوهم العبد أن بوسعه التمادي في ألوان المعاصي دون التعرض لنقمة الله تعالى في الدنيا بمقتضى فهمه لهذه الآية!! فخفي عليه بذلك أن هناك عواقب ملازمة للمعصية؛ تتبعها بمجرد وقوع العبد فيها؛ كضيق الصدر؛ وما يُقذفُ فيه من الخوف والهلع، فضلاً عن الحرمان من الرزق؛ أو حدوث نفور منه في قلوب الخلق؛ وغير ذلك من التوابع التي تلحق العاصي؛ مصداقاً لقوله تعالى :
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)!!
وهذا لا يتنافى مع عفو الله وكرمه، أو إمهاله وحلمه في غالب الأحيان ؛ غير أنها قد تكون للصالح منغصات؛ لعله يستفيق من غيه ويعود لرشده ويستقيم على الجادة، أو تكون للعبد المبعد من رحمة الله (عياذاً بالله تعالى) عقاباً عاجلاً له لجرأته وفجره!!
فالعبد إما أن يكون له عند الله مكانه؛ فيبتليه ببعض المنغصات كعواقب عاجلة لمعصيته؛ تصويباً لمسيرته؛ وإما أن يكون فاجراً بمعصيته؛ فيأبى الله إلا أن يظهر لذلك العبد الفاجر عجزه، وقدرته سبحانه عليه في الدنيا قبل الآخرة!!
ثم إن الدنيا بسرعة زوالها؛ لا تُبقى للعاصي أثراً من لذة معصيته، وإنما تورثه المذلة والخزي والمهانة والعار، وهو ما يجعل قلبه مثقلاً بحمل الجبال!! فتأمل يرحمك الله لذة الطائعين بطاعتهم، وما يتولد عنها من أنس بالله عز وجل، وطمأنينة بذكره، وسكينة بقربه، ووقاية من المصائب والبلايا بفيض كرمه وجوده وحفظه، وقارن بينها وبين ظلمة المعصية وكآبتها، ووحشة ما يتولد عنها من مشاعر الضيق والقلق والحزن والهم والهوان؛ لتعلم أن الحرمان من الطاعة يعني الكثير من فوات الخير، بل إن شئت فقل : (يعني فوات جنة الدنيا قبل دخول جنة الآخرة)!!
إن مراقبة العبد لربه؛ ينتج عنها حالة من الشفافية والصفاء النفسي، يزداد بريقه للدرجة التي تجعل منه نوراً يضيئ له الطريق نحو رضوان ربه، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقال أيضاً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فاستعينوا بالله على طاعته، واعقدوا العزم على مراقبته وتقواه، وحذار من أن يغرنكم الشيطان بأماني تأخير الله لعواقب المعاصي، وسهولة إدراك التوبة قبل الموت!! فمن وقع في ذلك فقد أساء الأدب مع الله قبلما يسيء الفهم لكلامه سبحانه، والله المستعان.
تعليق