لي صديق يعمل طبيبا في بلدتنا بالصعيد كان كثيرا ما يسافر خصيصا إلى القاهرة مصطحبا ولده لسماع خطبة الجمعة عند الشيخ علي جمعه في مسجده الشهير... وفي آخر مرة حضرها قال له ولده أنني أشعر في خطبة الجمعة هذه المرة تغيرا في خطاب الشيخ فلم تكن هذه الخطبة هي ما اعتدناه منه... ووافق الأب على ذلك وإن لم يعرفا ساعتها سببا لذلك... ولم تمض بضعة أيام حتى نشرت الصحف خبر تبوأ الشيخ مقعد دار الإفتاء الذي كان شاغرا بخروج المفتي الأسبق للمعاش.
توقع محبوا الشيخ – وما أكثر محبيه ساعتئذ – في تولية هذا المنصب خيراً بينما أصاب القلق البعض الآخر ممن استشعروا ما استشعره صديقي وولده.. ولكن الأيام أثبتت أن القلق له ما يبرره.
وهكذا تتابعت الفتاوى مثل إباحة ربا البنوك التجارية، والقول بحرمة ختان الإناث، وإثبات خلاف غير حقيقي في إمامة المرأة للرجال، وهي فتاوى يدرك من له أقل مسحة من العلم الشرعي أنها من الفتاوى السياسية التي لم يقل بها عالم معتبر من السلف ا والخلف... ومع تتابع هذه الفتاوى احتفى الإعلام العلماني بالشيخ وأصبح في نظره انموذجاً لعالم الدين المستنير وصار ضيفاً دائماً علي التلفاز والقنوات الفضائية وجلس الشيخ يحكي عن جهوده الكبيرة في هداية الآلاف من (العيال عديمي العلم – الصيع)، هذه هي التعبيرات التي استخدمها الشيخ الجليل في الحديث عن ادعائه المشاركة في توجيه شباب الجماعات الإسلامية في السجون إلي ترك العنف ويعلم الله أن إخواننا ما التقوا بالمفتي ولا بأي أزهري علي خلفية هذه الدعوى فضلاً عن أن يكون سبباً في هدايتهم.
وهكذا خرجت إلينا الفتوى الأخيرة عن دار الإفتاء – وإن كنا لم نفاجأ بها - والتي قالت بحرمة الإنتماء للجماعات التي تعمل للإسلام – والإسلام فقط بالطبع – والتي تعارض بالسلاح أو حتى بالسياسة ما وصفه بإجماع الأمة – وهو يقصد بالطبع الحكومة – ووصفهم بأنهم خوارج.
ونحن في الحقيقة نوافق الشيخ في القول بحرمة المعارضة المسلحة لما تؤدي إليه من فتن وإراقة دماء وتمزيق للمجتمع وتدمير لمقدراته، هذا لا خلاف عليه، أما المعارضة السياسية غير المسلحة فليسمح لي السيد المفتي ولجنة الإفتاء أن أقول أن ذلك لم يقل به أحد إلا هم.. وقد أغربوا في ذلك كثيراً.
ولأن الشيء ما بشيء يذكر، ولكي تستكمل الفتوى أطرافها، وتعم فائدتها، نسأل فضيلته عن حكم الانتماء للجماعات والأحزاب اليسارية بأطيافها المختلفة، من شيوعية ملحدة وناصرية وغيرها، سواء منها ما تحزب في تجمعات وافقت عليه لجنة الأحزاب، أو تجمعات لم توافق عليها بعد، وهي كلها بالمناسبة معارضة لما سميته إجماع الأمة، وكذا التجمعات والأحزاب الليبرالية التي تدعو لفصل الدين عن الدولة، وحصر دور الدين في المسجد دون المجتمع، وكذا الأحزاب التي تدعو لحكم البلاد بشرائع مستوردة من الشرق اوالغرب، ثم ماذا عن الأحزاب والتجمعات ذات المرجعية الإسلامية والتي يسعى أصحابها للحصول علي شرعية قانونية – لم يحصلوا عليها بعد –، ويجمعون الناس باعتبارهم تحت التأسيس، وهي بالطبع معارضة كسابقتها لإجماع الأمة كما تسميه، ثم ما رأيك في الإنتماء للطرق الصوفية؟
هل هؤلاء جميعاً خوارج يحرم الانتماء إليهم ويجب حربهم وقتالهم باعتبارهم تنظيمات وتجمعات خارجة فكراً وسلوكاً عما سميته إجماع الأمة؟
ثم ما هي مناسبة هذه الفتوى بالضبط؟!، ولماذا خرجت في هذه الأيام؟!
لقد أوقف إعلامنا حربه علي جماعة حماس وصارت الدولة تتفاوض معهم بصورة رسمية اسكتت الإعلام الذي اعتاد وصفهم بعدم الشرعية والخروج علي الأمة – يقصد عباس وحزبه -.
وكذا فالحكومة في هذه الأيام في حالة هدوء مع الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة.
وبالتاكيد لا أعتقد أن لجنة الفتوى تتصور أن من ينتمون لتلك الجماعات من الشباب سيسارعون بالانصراف عنها بمجرد سماع تلك الفتوى الرسمية – الميري – مستغفرين من إثم مخالفتها.. وقد جربتم من قبل أثر مثل هذه الفتاوى الصادمة لما اعتاده الناس في مسألة حرمة الختان ومشروعية الربا، وكيف أن الناس لم تستجب لها بينما خسرتم الكثير من ثقة الناس؛ إذ أنه مما استفاض بين الناس علمه حتي صار كالمعلوم بالضرورة مشروعية ختان الإناث وحرمة ربا البنوك.
قهل تتوقعون أن يصدق الناس لجنة الفتوى وهم يرون في هذه الجماعات انموذجاً راقياً للعمل للدين في الالتزام بالطاعات، والبعد عن المعاصي، ودعوة الناس للخير، ومساعدة المحتاجين، وقضاء حوائج الناس، وغير ذلك مما أحبه الناس فيهم وفي دعوتهم.
هل تتوقعون أن يصدق الناس لجنة الفتوى وهذه الجماعات تعمل للدين منذ سنوات، وقد شاركهم صفوة المجتمع من أطباء ومهندسين وصيادلة وعلماء دين ودنيا لسنوات طوال، وتلقاهم المجتمع بعلمائه وعامته بالقبول والحب، وما ادعى عليهم أحد من أهل العلم علي مر سنوات طوال ما ادعيتموه عليهم من اتهام... إذًا ما هو المقصود بالضبط من هذه الفتوى؟!
هل يراد بمثل هذه الفتوى تحريض الحكومة علي هذه الجماعات بعد أن هدأت الأجواء بينهم واحتلت الثقة والإحترام مكان الاحتراب والخلاف؟!
أليس من الأولى أن توجه لجنة الفتوى جهودها للسعي لاسترداد ثقة هذا الشباب فيها، والسعي من خلال هذه الثقة إلي جمع الشباب من حولهم، وتوجيهه وتصحيح ما يطرأ عليه من أخطاء بدلاً من تعريض هذه الثقة للتآكل بمثل هذه الفتاوى المستفزة الصادمة؟!
هل تنكرون علي بعض الشباب والجماعات تكفير المجتمع وتخوينه ورميه بالضلال والمروق وتقعون في نفس الخطيئة باتهامه بمثل هذه التهم وتلك الأوصاف الجائرة {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة: 44].
يا لجنة الفتوى.. ويا فضيلة المفتي
الشباب محتاج لأشياء أخرى غير الهجوم عليه وتسفيهه والاستعلاء عليه.. الشباب محتاج أن يستعيد الثقة في علمائه من خلال إحساسه أولاً بصدقهم وتجردهم وتبنيهم لقضاياه.. الشباب محتاج أن تصغوا إليه وتحسنوا سماعه لا أن تعاملوه من برج عاجي واستعلاء مستفز.. محتاج لعلماء يشفقون عليهم ويسعون في حمايتهم غير مستعلين ولا مستكبرين.
ويا لجنة الإفتاء لقد خسرت كثيراً بهذه الفتوى ولم تبلغي من أثرها مما رجوت شيئاً.
توقع محبوا الشيخ – وما أكثر محبيه ساعتئذ – في تولية هذا المنصب خيراً بينما أصاب القلق البعض الآخر ممن استشعروا ما استشعره صديقي وولده.. ولكن الأيام أثبتت أن القلق له ما يبرره.
وهكذا تتابعت الفتاوى مثل إباحة ربا البنوك التجارية، والقول بحرمة ختان الإناث، وإثبات خلاف غير حقيقي في إمامة المرأة للرجال، وهي فتاوى يدرك من له أقل مسحة من العلم الشرعي أنها من الفتاوى السياسية التي لم يقل بها عالم معتبر من السلف ا والخلف... ومع تتابع هذه الفتاوى احتفى الإعلام العلماني بالشيخ وأصبح في نظره انموذجاً لعالم الدين المستنير وصار ضيفاً دائماً علي التلفاز والقنوات الفضائية وجلس الشيخ يحكي عن جهوده الكبيرة في هداية الآلاف من (العيال عديمي العلم – الصيع)، هذه هي التعبيرات التي استخدمها الشيخ الجليل في الحديث عن ادعائه المشاركة في توجيه شباب الجماعات الإسلامية في السجون إلي ترك العنف ويعلم الله أن إخواننا ما التقوا بالمفتي ولا بأي أزهري علي خلفية هذه الدعوى فضلاً عن أن يكون سبباً في هدايتهم.
وهكذا خرجت إلينا الفتوى الأخيرة عن دار الإفتاء – وإن كنا لم نفاجأ بها - والتي قالت بحرمة الإنتماء للجماعات التي تعمل للإسلام – والإسلام فقط بالطبع – والتي تعارض بالسلاح أو حتى بالسياسة ما وصفه بإجماع الأمة – وهو يقصد بالطبع الحكومة – ووصفهم بأنهم خوارج.
ونحن في الحقيقة نوافق الشيخ في القول بحرمة المعارضة المسلحة لما تؤدي إليه من فتن وإراقة دماء وتمزيق للمجتمع وتدمير لمقدراته، هذا لا خلاف عليه، أما المعارضة السياسية غير المسلحة فليسمح لي السيد المفتي ولجنة الإفتاء أن أقول أن ذلك لم يقل به أحد إلا هم.. وقد أغربوا في ذلك كثيراً.
ولأن الشيء ما بشيء يذكر، ولكي تستكمل الفتوى أطرافها، وتعم فائدتها، نسأل فضيلته عن حكم الانتماء للجماعات والأحزاب اليسارية بأطيافها المختلفة، من شيوعية ملحدة وناصرية وغيرها، سواء منها ما تحزب في تجمعات وافقت عليه لجنة الأحزاب، أو تجمعات لم توافق عليها بعد، وهي كلها بالمناسبة معارضة لما سميته إجماع الأمة، وكذا التجمعات والأحزاب الليبرالية التي تدعو لفصل الدين عن الدولة، وحصر دور الدين في المسجد دون المجتمع، وكذا الأحزاب التي تدعو لحكم البلاد بشرائع مستوردة من الشرق اوالغرب، ثم ماذا عن الأحزاب والتجمعات ذات المرجعية الإسلامية والتي يسعى أصحابها للحصول علي شرعية قانونية – لم يحصلوا عليها بعد –، ويجمعون الناس باعتبارهم تحت التأسيس، وهي بالطبع معارضة كسابقتها لإجماع الأمة كما تسميه، ثم ما رأيك في الإنتماء للطرق الصوفية؟
هل هؤلاء جميعاً خوارج يحرم الانتماء إليهم ويجب حربهم وقتالهم باعتبارهم تنظيمات وتجمعات خارجة فكراً وسلوكاً عما سميته إجماع الأمة؟
ثم ما هي مناسبة هذه الفتوى بالضبط؟!، ولماذا خرجت في هذه الأيام؟!
لقد أوقف إعلامنا حربه علي جماعة حماس وصارت الدولة تتفاوض معهم بصورة رسمية اسكتت الإعلام الذي اعتاد وصفهم بعدم الشرعية والخروج علي الأمة – يقصد عباس وحزبه -.
وكذا فالحكومة في هذه الأيام في حالة هدوء مع الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة.
وبالتاكيد لا أعتقد أن لجنة الفتوى تتصور أن من ينتمون لتلك الجماعات من الشباب سيسارعون بالانصراف عنها بمجرد سماع تلك الفتوى الرسمية – الميري – مستغفرين من إثم مخالفتها.. وقد جربتم من قبل أثر مثل هذه الفتاوى الصادمة لما اعتاده الناس في مسألة حرمة الختان ومشروعية الربا، وكيف أن الناس لم تستجب لها بينما خسرتم الكثير من ثقة الناس؛ إذ أنه مما استفاض بين الناس علمه حتي صار كالمعلوم بالضرورة مشروعية ختان الإناث وحرمة ربا البنوك.
قهل تتوقعون أن يصدق الناس لجنة الفتوى وهم يرون في هذه الجماعات انموذجاً راقياً للعمل للدين في الالتزام بالطاعات، والبعد عن المعاصي، ودعوة الناس للخير، ومساعدة المحتاجين، وقضاء حوائج الناس، وغير ذلك مما أحبه الناس فيهم وفي دعوتهم.
هل تتوقعون أن يصدق الناس لجنة الفتوى وهذه الجماعات تعمل للدين منذ سنوات، وقد شاركهم صفوة المجتمع من أطباء ومهندسين وصيادلة وعلماء دين ودنيا لسنوات طوال، وتلقاهم المجتمع بعلمائه وعامته بالقبول والحب، وما ادعى عليهم أحد من أهل العلم علي مر سنوات طوال ما ادعيتموه عليهم من اتهام... إذًا ما هو المقصود بالضبط من هذه الفتوى؟!
هل يراد بمثل هذه الفتوى تحريض الحكومة علي هذه الجماعات بعد أن هدأت الأجواء بينهم واحتلت الثقة والإحترام مكان الاحتراب والخلاف؟!
أليس من الأولى أن توجه لجنة الفتوى جهودها للسعي لاسترداد ثقة هذا الشباب فيها، والسعي من خلال هذه الثقة إلي جمع الشباب من حولهم، وتوجيهه وتصحيح ما يطرأ عليه من أخطاء بدلاً من تعريض هذه الثقة للتآكل بمثل هذه الفتاوى المستفزة الصادمة؟!
هل تنكرون علي بعض الشباب والجماعات تكفير المجتمع وتخوينه ورميه بالضلال والمروق وتقعون في نفس الخطيئة باتهامه بمثل هذه التهم وتلك الأوصاف الجائرة {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة: 44].
يا لجنة الفتوى.. ويا فضيلة المفتي
الشباب محتاج لأشياء أخرى غير الهجوم عليه وتسفيهه والاستعلاء عليه.. الشباب محتاج أن يستعيد الثقة في علمائه من خلال إحساسه أولاً بصدقهم وتجردهم وتبنيهم لقضاياه.. الشباب محتاج أن تصغوا إليه وتحسنوا سماعه لا أن تعاملوه من برج عاجي واستعلاء مستفز.. محتاج لعلماء يشفقون عليهم ويسعون في حمايتهم غير مستعلين ولا مستكبرين.
ويا لجنة الإفتاء لقد خسرت كثيراً بهذه الفتوى ولم تبلغي من أثرها مما رجوت شيئاً.
تعليق