أنواع الأمراض
د.أحمد مصطفى متولي
أنواع الأمراض:
قال ابن القيم رحمه الله:
المرض نوعان: مرض القلوب، و مرض الأبدان.
و هما مذكوران في القرآن.
مرض القلوب:
مرض القلوب نوعان:
مرض شبهة و شك
مرض شهوة و غي، و كلاهما في القرآن.
قال تعالى في مرض الشبهة:" في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا " البقرة10.
و قال تعالى:" و ليقولن الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا " المدثر31.
و قال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن و السنة فأبى و أعرض:" و إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون(48) و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين(49) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله بل أولئك هم الظالمون " النور. فهذا مرض الشبهات و الشكوك.
و أما مرض الشهوات، فقد قال تعالى:" يا نساء النبيء لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " الأحزاب32. فهذا مرض شهوة الزنى، و الله أعلم.
مرض الأبدان:
و أما مرض الأبدان، فقال تعالى:" ليس على الأعمى حرج و لا على الأعرج حرج و لا على المريض حرج " النور61.
و ذكر مرض البدن في الحج و الصوم و الوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن، و الإستغناء به لمن فهمه و عقله عن سواه.
و ذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة:
1-حفظ الصحة
2-الحمية من المؤذي
3-و الإستفراغ من المواد الفاسدة
فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة:
فقال في آية الصوم:" فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " البقرة184.فأباح الفطر للمريض لعذر السفر، و للمسافر طلبا لحفظ صحته و قوته لئلا يذهبها الصوم في السفر، لإجتماع شدة الحركة و ما يوجبه من التحليل، و عدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل فتخور القوة و تضعف، فأباح للمسافر الفطر حفظا لصحته و قوته عما يضعفها.
و قال في آية الحج:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو نسك " البقرة196. فأباح للمريض و من به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه بإحتقانها تحت الشعر. فإذا حلق رأسه تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها، فهذا الإستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه.
و الأشياء التي يؤذي انحباسها و مدافعتها عشرة:
1-الدم إذا هاج.
2- و المني إذا تبيغ.
3-و البول، و الغائط، و الريح، و القيء، و العطاس، و النوم، و الجوع، و العطش، و كل واحد من العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه.
و قد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، و هو البخر المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه، كما هي طريقة القرآن بالتنبيه بالأدنى على الأعلى.
فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله و سلامه عليهم، و لا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم و على أيديهم.
فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها و فاطرها، و بأسمائه و صفاته، و أفعاله و أحكامه، و أن تكون مؤثرة لمرضاته، و محابه، متجنبة لمناهيه و مساخيطه، و لا صحة لها، و لا حياة البتة إلا بذلك. و لا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل.
و ما يُظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط ممن يظن ذلك، و إنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، و صحتها و قوتها، و حياة قلبه و صحته، و قوته عن ذلك بمعزل.
و من لم يميز بين هذا و هذا فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات، و على نوره، فإنه منغمس في بحار الظلمات.
و أما طب الأبدان: فإنه نوعان:
1-نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه و بهيمه، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب كطب الجوع و العطش و البرد و التعب بأضدادها و ما يزيلها.
2-ما يحتاج إلى فكر و تأمل، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج، بحيث تخرج بها عن الإعتدال إما إلى الحرارة أو برودة أو يبوسة أو رطوبة، أو ما يتركب من اثنين منها.
و هي نوعان: إما مادية و إما كيفية.
أعني إما أن يكون بانصباب مادة، أو بحدوث كيفية.
و الفرق بينهما أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال المواد التي أوجبتها فتزول موادها و يبقى أثرها كيفية في المزاج.
أمراض المادة أسبابها معها، و إذا كان سبب المرض معه، فالنظر في السبب أن يقع أولا، ثم في المرض ثانيا، ثم في المرض ثالثا، أو الأمراض الآلية، و هي التي تخرج من العضو من هيئته، إما في شكل أو تجويف أو مجرى أو خشونة أو عدد أو عظم أو وضع، فإن هذه الأعضاء إذا تألفت، و كان منها البدن، سمي تألفها اتصالا، و الخروج عن الإعتدال فيه يسمى تفرق الإتصال أو الأمراض العامة، التي تعم المتشابهة و الآلية.
و الأمراض المتشابهة: هي التي تخرج بها المزاج عن الإعتدال، و هذا الخروج يسمى مرضا بعد أن يضر بالفعل إضرارا محسوسا.
و هي على ثمانية أضرب: أربعة بسيطة و أربعة مركبة.
فالبسيطة: البارد، و الحار، و الرطب، و اليابس.
و المركبة: الحار الرطب، و الحار اليابس، و البارد الرطب،و البارد اليابس.
و هي إما أن تكون بإنصباب مادة، أو بغير انصباب مادة، و إن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجا عن الإعتدال.
أحوال البدن:
و للبدن ثلاثة أحوال:
1-حال طبيعية.
2-و حال خارج عن الطبيعية.
3-و حال متوسطة بين الأمرين.
فالأولى يكون بها البدن صحيحا.
و الثانية: بها يكون مريضا.
و الثالثة: هي متوسطة بين الحالتين، فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط.
سبب خروج البدن عن طبيعته:
إما من داخله: لأنه مركب من الحار و البارد، و الرطب و اليابس.
و إما من خارجه: لأن ما يلقاه قد يكون موافقا أو غير موافق.
و الضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الإعتدال، و قد يكون من فساد في العضو، و قد يكون من ضعف في القوى، أو الأرواح الحاملة لها.
و يرجع ذلك إلى زيادة ما الإعتدال في عدم زيادته.أو نقصان ما الإعتدال في عدم نقصانه، أو تفرق ما الإعتدال في عدم تفرقه، أو اتصال ما الإعتدال في تفرقه، أو امتداد ما الإعتدال في انقباضه، أو خروج ذي وضع و شكل عن وضعه و شكله بحيث يخرجه عن اعتداله.
فالطبيب: هو الذي يفرق بين ما يضر الإنسان جمعه، أو يجمع فيه ما يضره، أو ينقص منه ما يضره زيادته، أو يزيد فيه ما يضره نقصه، فيجلب الصحة المفقودة، أو يحفظها بالشكل و الشبه، و يدفع العلة الموجودة بالضد، و النقيض، و يخرجها، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية.
تعليق