إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة آفات العلم <<المراء و المخاصمة و الجدال>>

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة آفات العلم <<المراء و المخاصمة و الجدال>>








    المراء و المخاصمة و الجدال




    المراء: طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير و إظهار مزية الكياسة.
    و الجدال: عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب و تقريرها.
    و المجادلة: عبارة عن قصد إفحام الغير و تعجيزه و تنقيصه بالقدح في كلامه، و نسبته إلى القصور و الجهل فيه.
    و الخصومة: لجاج في الكلام ليُستَوفَى به مال أو حق مقصود، و ذلك تارة يكون ابتداءا، و تارة يكون اعتراضا، و المراء لا يكون إلا باعتراض على كلام سبق، فالخصومة وراء الجدال و المراء.
    قال أبو حامد رحمه الله:" حد المراء هو: كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه، إما في اللفظ، و إما في المعنى، و إما قصد المتكلم.
    و ترك المراء بترك الإنكار و الإعتراض، فكل كلام سمعته، فإن كان حقا فصدق به، و إن كان باطلا أو كذبا، و لم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه.
    و الطعن في كلام الغير تارة يكون في لفظه، بإظهار خلل فيه من جهة النحو، أو من جهة اللغة، أو من جهة العربية، أو من جهة النظم و الترتيب بسوء تقديم أو تأخير، و ذلك يكون تارة من قصور المعرفة، و تارة يكون بطغيان اللسان، و كيفما كان فلا وجه لإظهار خلله.
    و أما في المعنى، فبأن يقول: ليس كما تقول، و قد أخطأت فيه من وجه كذا و كذا. و أما في قصده، فمثل أن يقول: هذا الكلام حق، و لكن ليس قصدك منه الحق، و إنما أنت صاحب غرض، و ما يجري مجراه.
    و هذا الجنس إن جرى في مسألة علمية ربما خص باسم الجدل، و هو أيضا مذموم، بل الواجب السكوت، أول السؤال في معرض الإستفادة لا على بوجه العناد و الإنكار، أو التلطف في التعريف لا في معرض الطعن.
    و
    أما المجادلة: فعبارة عن قصد إفحام الغير و تعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه، و نسبته إلى القصور و الجهل فيه.
    و آية ذلك أن يكون تنبيهه للحق من جهة أخرى مكروها عند المجادل، يحب أن يكون هو المظهر له خطأه، ليبين به فضل نفسه، و نقص صاحبه، و لا نجاة من هذا إلا بالسكوت عن كل ما لم يأثم به لو سكت عنه.
    و أما الباعث على هذا فهو الترفع بإظهار العلم و الفضل، و التهجم على الغير بإظهار نقصه، و هما شهوتان باطنيتان للنفس قويتان لها، أما إظهار الفضل فهو من قبيل تزكية النفس، و هي من مقتضى ما في العبد من طغيان دعوى العلو و الكبرياء، و هي من صفات الربوبية، و أما تنقيص الآخر فهو من مقتضى طبع السبعية، فإنه يقتضي أن يمزق غيره و يقصمه و يصدمه و يؤذيه.
    و هاتان صفتان مذمومتان مهلكتان، و إنما قوتهما المراء و الجدال، فالمواظب على المراء و الجدال مقو لهذه الصفات المهلكة، و هذا مجاوز حد الكراهية، بل هو معصية مهما حصل فيه إيذاء للغير، و لا تنفك المماراة عن الإيذاء و تهييج الغضب و حمل المعترض عليه أن يعود فينصر كلامه بما يمكنه من حق أو باطل، و يقدح في قائله بكل ما يتصور له، فيثور الشجار بين المتماريين كما يثور الهراش بين الكلبين، يقصد كل واحد منهما أن يعض صاحبه بما هو أعظم نكاية، و أقوى في إفحامه و إلجامه.
    فإن قلت: فإذا كان للإنسان حق فلابد من الخصومة في طلبه أو في حفظه مهما ظلمه ظالم، فكيف يكون حكمه؟ و كيف تذمٌ خصومته؟
    فاعلم أن هذا الذم يتناول الذي يخاصم بالباطل، و الذي يخاصم بغير علم، و يتناول الذي يمزح بالخصومة بكلمات مؤذية لا يحتاج إليها في نصرة الحجة و إظهارالحق و يتناول الذي يحمله على الخصومة محض العناد لقهر الخصم.
    و أما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع، من غير لدد و إسراف و زيادة لجاج على قدر الحاجة، و غير قصد عناد و إيذاء، ففعله ليس بحرام، و لكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا، فإن ضبط اللسان في الخصومة على حد الإعتدال متعذر"
    إحياء علوم الدين(3/113).
    و في الشرع ترهيب شديد من تلك الأخلاق المذمومة، و الخصال المرذولة، ففي "
    صحيح البخاري" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:" خرج النبي صلى الله عليه و سلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال:" خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان و فلان فرفعت، و عسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها في التاسعة و السابعة و الخامسة" رواه مسلم.
    و عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" متفق عليه.الألدٌ:الشديد الخصومة، و الخصم: الذي يحج من يخاصمه.و عن أبي سعيد الخدري رحمه الله قال: كنا جلوسا عند باب رسول الله صلى الله عليه و سلم نتذاكر، ينزع هذا بآية، و ينزع هذا بآية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم كأنما يفقأ في وجهه حب الرمان، فقال:" يا هؤلاء بهذا بعثتم، أم بهذا أمرتم؟ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" صحيح الترغيب و الترهيب(1/61).
    و
    عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل". ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية:" ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون" الزخرف58. حسنه الألباني رحمه الله.
    و عنه أيضا أنه قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا، و ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا، و ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " صححه الألباني رحمه الله.
    قال الراغب رحمه الله:" الخصومة عديمة الفائدة قليلة العائدة، فإن الجدل مع ما فيه قد يوقظ الفهم و يثير الأنفة لإقتباس العلم، و الخصومة لا تثمر إلا بالعداوة و إنكار الحق، و لهذا جعلها الله شرا من الجدال فقال تعالى:" بل هم قوم خصمون ". و قال:" فإذا هو خصيم " أي جيد الخصومة، " مبين " يس77. و لم يذكر الخصام في موضع إلا عابه.
    و أيضا، فالمتجادلان يجريان مجرى فحلين تعاديا، و كبشين تناطحا، و رئيسين تحاربا، و كل واحد منهما يجتهد أن يكون هو الفاعل، و صاحبه المنطبع، و القائل كالمؤثر، و السامع كالمتأثر، و لم يتولد منهما خير بوجه.
    و
    قال حكيم: المجادل المدافع يقع في نفسه عند الخوض في الجدال ألا يقنع بشيء، و من لا يقنعه إلا أن يقنع، فما إلى إقناعه سبيل، و لو اتفقت عليه الحكماء بكل بينة، بل لو اجتمعت عليه الأنبياء بكل معجزة كما قال تعالى:" و لو أننا نزلنا إليهم الملائكة و كلمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله و لكن أكثرهم يجهلون " الأنعام111.

    علاج المراء و الجدال و المخاصمة:

    علاج هذه الأدواء مبني على أن " يكسر الكبرَ الباعث له على إظهار فضله، و السبعية الباعثة له على تنقيص غيره.
    فإن علاج كل علة بإماطة أسبابها، و سبب المراء و الجدال ما ذكرناه، ثم المواظبة عليه تجعله عادة و طبعا حتى يتمكن من النفس و يعسر الصبر عنه.
    روي أن
    أبا حنيفة رحمه الله قال لداود الطائي: لم آثرت الإنزواء؟ قال: لأجاهد نفسي بترك الجدال. قال: احضر المجالس، و استمع لما يقال، و لا تتكلم. قال: ففعلت ذلك، فما رأيت مجاهدة أشد علي منها.
    و هو كما قال، لأن من سمع الخطأ من غيره، و هو قادر على كشفه، تعسر عليه الصبر عند ذلك جدا، و لذلك قال صلى الله عليه و سلم:"
    من ترك المراء و هو المحق بني له بيت في وسط الجنة ". لشدة ذلك على النفس، و أكثر ما يغلب في المذاهب و العقائد، فإن المراء طبع، فإذا ظن أن له عليه ثوابا اشتد عليه حرصه، و تعاون الطبع و الشرع عليه، و ذلك خطأ محض، بل ينبغي للإنسان أن يكف لسانه عن أهل القبلة، و إذا رأى مبتدعا تلطف في نصحه في خلوة لا بطريق الجدال، فإن الجدال يخيل إليه أنها حيلة منه في التلبيس، و أن ذلك صنعة يقدر المجادلون من أهل مذهبه على أمثالها لو أرادوا، فتستمر البدعة في قلبه بالجدل و تتأكد، فإذا عرف أن النصح لا ينفع اشتغل بنفسه و تركه و كل من اعتاد المجادلة مدة و أثنى الناس عليه، و وجد لنفسه بسببه عزا و قبولا قويت فيه هذه المهلكات، و لا يستطيع عنها نزوعا إذا اجتمع عليه سلطان الغضب و الكبر و الرياء و حب الجاه و التعزز بالفضل، و آحاد هذه الصفات يشق مجاهدتها، فكيف بمجموعها؟! " إحياء علوم الدين(3/114).

    التعامل مع أهل اللجاج:

    وصف
    الراغب رحمه الله سبيل التعامل مع أهل اللجاج لا الحجاج، و مع أهل المراء و العناد فقال:" ذا ابتليت بمهارش مماحَكِ مناوش، قصده اللجاج لا الحجاج، و مراده مناوأة العلماء، و مماراة السفهاء، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم:" من تعلم العلم ليباهي به العلماء، و يماري به السفهاء، و يصرف به وجوه الناس، أدخله الله جهنم " صحيح الترغيب و الترهيب(1/47).

    تراه معدا للخلاف كأنه..............بردٍ على أهل الصواب موكل

    فحقك أن تفر منه فرارك من الأساود و الأسود، فإن لم تجد من مزاولته بدا، فكابر إنكاره الحق بإنكارك الباطل، و دفاعه الصدق بدفاعك الكذب، معتبرا في ذلك قوله تعالى:"
    و مكرنا مكرا " النمل50. و قوله:" و مكر الله " آل عمران54. و قوله تعالى حكاية عن المنافقين:" إنا معكم إنما نحن مستهزءون(14) الله يستهزىء بهم " البقرة14-15 . و بالغ في ذلك معه، و إياك أن تعرج معه إلى بث الحكمة، و أن تذكر له شيئا من الحقائق ما لم تتحقق له قلبا طاهرا لائقا للحكمة، و قد قال صلى الله عليه و سلم:" لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب " رواه البخاري3053. فإن لكل تربة غرسا، و لكل بناء أسا، و ما كل الرؤوس تستحق التيجان، و لا كل طبيعة تستحق إفادة البيان.
    و إن كان لابد فاقتصر معه على إقناع يبلغه فهمه، فقد قيل: كما أن لب الثمار مباح للنحل، و التبن معدود للأنعام، كذلك لب الحكمة معد لذوي الألباب و قشورها مجعولة للأنعام، و كما أنه من المحال أن يشم الأخشم ريحانا فمحال أن يفيد الحمار بيانا "
    الذريعة إلى مكارم الشريعة(ص129).

    بيان آداب المجادل:

    فصّل
    الخطيب البغدادي رحمه الله آدابَ الجدال، و ما ينبغي للمجادل أن يأخذ به نفسه فقال رحمه الله:" ينبغي للمجادل أن يقدم على جداله تقوى الله تعالى لقوله سبحانه:" فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن16. و لقوله تعالى:" إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون " النحل128.
    و يخلص النية في جداله بأن يبتغي به وجه الله تعالى، و ليكن قصده في نظره إيضاح الحق و تثبيته دون المغالبة للخصم.
    قال الشافعي رحمه الله: ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق و يسدد و يعان، و تكون عليه رعاية الله و حفظ، و ما كلمت أحدا قط إلا و لم أبال بيّن الله الحق على لساني أم لسانه.
    و يبني أمره على النصيحة لدين الله و الذي يجادله، لأنه أجمع في الدين، مع أن النصيحة واجبة لجميع المسلمين، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:"
    بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على النصح لكل مسلم " رواه مسلم56.
    و كان
    الشافعي رحمه الله يحلف و يقول: ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.
    و
    قال أيضا: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطىء.
    و يستشعر في مجلسه أي: المجادل- الوقار، و يستعمل الهدي، و حسن السمت، و طول الصمت، إلا عند الحاجة إلى الكلام، و إن ندرت من خصمه في جداله كلمة كرهها أغضى عليها، و لم يجاز بمثلها، فقد قال تعالى:"
    ادفع بالتي هي أحسن السيئة " المؤمنون96. و قال تعالى:" و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " الفرقان63.
    و ينبغي ألا يتكلم بحضرة من يشهد لخصمه بالزور، أو عند من إذا وضحت لديه الحجة دفنها و لم يتمكن من إقامتها، فإنه لا يقدر على نصرة الحق إلا مع الإنصاف و ترك التعنت و الإجحاف، و يكون كلامه يسيرا جامعا بليغا، فإن التحفظ من الزلل مع الإقلال دون الإكثار، و في الإكثار-أيضا-ما يخفي الفائدة و يضيع المقصود.
    و ينبغي أن لا يكون معجبا بكلامه مفتونا بجداله، فإن الإعجاب ضد الصواب و منه تقع المعصية و هو رأس كل بلية.
    و إذا وقع له شيء في أول كلام الخصم فلا يعجل بالحكم به، فربما كان في آخره ما يبين أن الغرض بخلاف الواقع له، فينبغي أن يتثبت إلى أن ينقضي الكلام.
    و يكون نطقه بعلم، و إنصاته بحلم، و لا يعجل إلى جواب، و لا يهجم على سؤال، و يحفظ لسانه من إطلاقه بما لا يعلم، و من مناظرته فيما لا يفهمه، فإنه ربما أخرجه ذلك إلى الخجل و الإنقطاع، فكان فيه نقصه و سقوط منزلته عند من كان ينظر إليه بعين العلم و الفضل "
    الفقيه و المتفقه بتصرف(ص2/25).


    نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبصّرنا بديننا و أن يجعلنا هداة مهتدين





    التعديل الأخير تم بواسطة حفيدالحسين; الساعة 02-06-2014, 06:39 AM.

  • #2
    رد: سلسلة آفات العلم &lt;&lt;المراء و المخاصمة و الجدال&gt;&gt;

    نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبصّرنا بديننا و أن يجعلنا هداة مهتدين

    جزاك الله خيرا أخي الحبيب
    مجهود طيب اللهم بارك
    جعله الله في ميزان عملك يوم القيامة
    و جمعنا جميعا في الجنة على سرر متقابلين

    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة آفات العلم &lt;&lt;المراء و المخاصمة و الجدال&gt;&gt;

      المشاركة الأصلية بواسطة حفيدالحسين مشاهدة المشاركة
      نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبصّرنا بديننا و أن يجعلنا هداة مهتدين

      جزاك الله خيرا أخي الحبيب
      مجهود طيب اللهم بارك
      جعله الله في ميزان عملك يوم القيامة
      و جمعنا جميعا في الجنة على سرر متقابلين
      اللهم آمين
      بوركت أخونا الحبيب هشام

      تعليق

      يعمل...
      X