الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم،
أما بعد..
إلى إخواني وأبنائي الأحباء ممن أنعم الله عليهم ورزقهم بزوجاتهم الفاضلات
وإلى أبنائي الشباب أحبائي المقبلون على الزواج بأمر الله تعالى
حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم
هذه نصيحتي لكم أحبائي في الله، وأفضل القول الذي ما بعده قول، قوله تعالى:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم: 21
ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيهـا الـرجـال- أزواجًا؛ لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن،
وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة، إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون، ويتدبرون. (نقلا من التفسير الميسر)
ولنقف معا هنا في توجيه الخطاب من رب العالمين إلى الرجـال بقوله سبحانه:(خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)، إستنادا لأقوال أعلام أهل التأويل:
قال الإمام بن كثير:
أي خلق لكم من جنسكم إناثا تكون لكم أزواجا "لتسكنوا إليها" كما قال تعالى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا"
يعني بذلك حواء خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر.
وقال الإمام البغوي:
قيل: من جنسكم من بني آدم. وقيل: خلق حواء من ضلع آدم، "لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما.
ومن تفسير الوسيط للشيخ طنطاوي، قال الآلوسى:
قوله : ( مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ) فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم - عليه السلام - متضمن لخلقهن من أنفسكم " فمن "للتبعيض والأنفس بمعناها الحقيقى ، ويجوز أن تكون " من " ابتدائية ، والأنفس مجاز عن الجنس ، أى : خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر ، قيل : هو الأوفق لما بعد .
وقال الإمام القرطبي:
" أزواجا " أي نساء تسكنون إليها. " من أنفسكم " أي من نطف الرجال ومن جنسكم. وقيل : المراد حواء , خلقها من ضلع آدم ; قاله قتادة.
(وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)
قال ابن عباس ومجاهد: المودة الجماع, والرحمة الولد ; وقاله الحسن. وقيل: المودة والرحمة عطف قلوبهم بعضهم على بعض.
وقال السدي: المودة: المحبة , والرحمة: الشفقة ; وروي معناه عن ابن عباس قال:
المودة حب الرجل امرأته , والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
إذن فالمسئولية تقع على عاتق الرجل في إضفاء عطفه وحنانه وتحقيق المودة والرحمة التي أمر الله بها لتدوم العشرة الحسنة بالمعروف بين الزوجين،
فيشتَّد عُودُ الأبناء بين أبويهما على إدراك معاني الرحمة والمودة بين الناس وكل معاني الخلق الحسنة، فينشأ بفضل الله مجتمعاً سوياً تقوى به الأمة الإسلامية.
كيف لا تكون هذه مسئولية الرجل، وقد قال ربنا تبارك وتعالى:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء: 34
وكيف لا تكون هذه مسئولية الرجل، وقد أَوْصَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنِّساء، وأَمَرَ بتَقْوى الله فيهنَّ، حينما خطب في عرفَة في حجة الوداع،
في أكبر تجمُّعٍ إسلامي في عهده صلى الله عليه وسلم، قائلاً، من حديث مطَوَّل عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه:
(( فاتَّقوا اللهَ في النساءِ ، فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانةِ اللهِ ، واستحللتُم فروجَهُنَّ بكلمةِ اللهِ )) رواه الإمام مسلم في صحيحه
ثم كيف لا تكون هذه مسئولية الرجل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ )) رواه الإمام مسلم في صحيحه [1]
فعلينا إذن -معاشر الأزواج- أن نتقي الله في النساء، فلا نهضمهنَّ حقهنَّ، فَنَمْنعهنَّ مِن حقوقِهنَّ، أو نتطاول عليهنَّ باليد أو اللِّسان
أو أشياء أخرى ما أنزل الله بها من سلطان لا تستقيم مع إمتثال أوامر الله تعالى وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم.
فاحـذروا أيها الأزواج الكرام كل الحـذر!
واستعدوا أيها الشباب المقبل على الزواج؛ كل منكم يهيء نفسه أن يتقي الله في زوجه.
تابعوا معي أيها الفضلاء تكملةً للموضوع، أرجو الله تعالى أن يوفقني لتقديم ما يفيد وينفع،
حيث أنقل لكم بعضا من خبراتي المحدودة، وخبرات رجال آخرون عاصرتهم، عسى أن تنفعكم بأمر الله.
يتبع بأمر الله
--------------------------------------
[1] شرح الحديث
فمعنى لا يفرك: لا يبغض، قال النووي في شرح صحيح مسلم:
يفرك بفتح الياء والراء وإسكان الفاء بينهما: قال أهل اللغة فركه بكسر الراء يفركه بفتحها إذا أبغضه والفرك بفتح الفاء وإسكان الراء البغض.
والخلق والعادة معناهما واحد، قال أبو هلال العسكري في كتابه الفروق اللغوية: والخلق العادة التي يعتادها الإنسان ويأخذ نفسه بها على مقدار بعينه.
وفي تاج العروس: والخلق: العادة، ومنه قوله تعالى: إن هذا إلا خلق الأولين. والله أعلم.
المصدر: إسلام ويب- مركز الفتوى
تعليق