النيَّاتُ . . مآلات!!
ينحصر مفهوم النية لدى كثير من المسلمين، في أمرين لا ثالث لهما :
· الأول : تحديد وجهتها (لله أم لغيره)
· الثاني : خلوها من الرياء أو عدمه
كشرط أساسي لقبول العمل (الموافق للشرع) عند الله تعالى، وهذا بلا شك أمرٌ لا جدال فيه فيما يتعلق بالجزاء الأخروي، أما المقصود من تلك الكلمات، هو تسليط الضوء على تلك الساحة الرحبة لمفهوم النية بمجالها الواسع، ليس في حدود قبول العمل من عدمه في الدار الآخرة فحسب، وإنما الذي يترتب عليها أيضاً في هذه الحياة الدنيا من عواقب ومآلات!!
وهنا اضرب مثالاً للتوضيح بقوله تعالى : (أن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) فلقد رد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعض من قاموا بمحاولة الإصلاح بين زوجين مختلفين، بعدما فشلوا في مهمتهم، وطالبهم بإعادة المحاولة مرة ثانية، شريطة إخلاص النية؛ يقيناً منه رضي الله عنه بصدق قوله تعالى : (يوفق الله بينهما) فجعل تحقق الإصلاح مرتبطاً بصدق نية المصلحين، وعليه فقد أرجع فشلهم إلى عدم صدق نيتهم في إتمام تلك المصالحة!! ومن أجل ذلك أمرهم بتصحيح النية أولاً، ثم إعادة المحاولة مجدداً!!
هذه الإشارة النورانية الحاذقة من الفاروق رضي الله عنه، تفتح أمامنا الباب واسعاً لفهم المآلات التي تترتب على حسن النيات أو سوئها في حياتنا اليومية!!
فالتاجر إذا أخلص لشريكه في التجارة، وتبادلا معاً نفس المصداقية والشفافية في التعاملات، كان الله ثالثهما كما ورد في الحديث، وحلَّت البركة في تجارتهما، أما إذا غدر أحدهما بالآخر، وقام بخيانته، فإن الله ينزع تلك البركة، وينصف المظلوم من الظالم بهتك ستره، وفضح أمره!!
وهذه إحدى صور تلك المآلات!!
وكذا فإن المرأة التي تدخل على أهل زوجها، وفي نيتها بناء جسور من المودة والمحبة مع أهله؛ بإعانة زوجها على بر أمه، وتوثيق روح المحبة بينه وبين أخواته، يلقي الله محبتها في قلوبهم، ويديم الود بينها بينهم، فيطيب العيش للجميع في تلك الأجواء!!
وهذه إحدى صور تلك المآلات!!
أما المرأة التي تدخل بيت أهل زوجها، وفي نيتها السيطرة عليه، وتبذل وسعها؛ لإجبار زوجها على رفع قدرها على منزلة أمه، بحيث يجعلها المفضلة دوماً حتى على أخواته وأهله!! فإن البغض سيكون أسرع حليف لها، ولن تهنأ أبداً بحال؛ ليس في بيت أهل زوجها فحسب، وإنما سيلاحقها الشقاء حتى إلى عقر دارها!!
وهذه أيضاً إحدى صور تلك المآلات!!
والأمثلة على ذلك لا تعدُّ ولا تُحصى، غير أن الخلاصة من ذلك تنحصر في أن صاحب النية الطيبة في تعامله مع الناس لن يضيعه الله إبداً، حتى ولو ابتلي في بداية الأمر ببعض المنغصات، إذ سيجعل الله مآله السلامة حتماً من كل مكروه وسوء، وسوف يظهر الحق ويعلي قدره في أعين الخلق!!
أما صاحب نية السوء، فمآلة الفضيحة وهتك الستر لا محالة، وذلك لأن الله لا يحب المعتدين، ولا تجدي معه حيل المخادعين، وقديماً قالوا : (على نياتكم ترزقون) وهنا نؤكد على نفس المعنى بقولنا : (النيات مآلات) فانظر إلى أي المآلات تريد أن يصير حالك في دراستك أو في عملك أو في تجارتك أو بين جيرانك وأصدقائك، واعقد لذلك ما يناسبه من النيات!!
واعلم أن المجال متاحٌ أمامك؛ لكي تتقلب في ألوان النعيم بمآلات الخير وعواقبه كلها في هذه الحياة؛ من خلال حرصك الدائم على عقد النية الطيبة دائماً وأبداً!!
كما أن بيدك أيضاً معاينة ألوان التعاسة والشقاء كلها، بغفلتك عن عقد تلك النية، وترك منافذ قلبك مفتوحة أمام الشيطان والنفس والهوى؛ لغرس ألوان سوءالنية فيه!!
وأخيراً . . إياك ثم إياك أن تجعل للازدواجية سبيلاً في عقد أي من تلك النيات؛ فتخلط فيها بين الخير والشر، وذلك لأنه سبحانه وبحمده، كما أنه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه، فإنه لا يعين المخادعين أبداً على إمضاء نية الشر تحت مظلة الخير خداعاً للناس، وسيكون هتك الستر هو نصيب صاحب تلك النية المزدوجة لا محالة!! حيث لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله!! لذا عليك أن تتذكر دائماً وأبداً أن . .
النيات . . مآلات!!
تعليق