إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبادة السر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبادة السر



    عبادات الخفاء وقُرَب السِّر المشتملة على تعظيم أمر الله - تعالى - ونهيه ، والإكثار من مناجاته فهي عمل آخر جاءت النصوص والآثار مكثرة من الحثّ عليه ، فمن ذلك قوله - تعالى - : { إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ } (فاطر:18) ، أي : يخافونه سبحانه حال خلوتهم به بعيداً عن أعين الخلق ، وقوله - عزَّ وجلَّ - : { إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (البقرة : 271) ، والآية الكريمة ظاهرة في تفضيل صدقة السِّر ، والتي ثبت أنها تطفئ غضب الرب سبحانه ، وجاء من السبعة الذين يظلّهم الله - تعالى - يوم القيامة في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه : « رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه » .
    وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقه، والمسرُّ بالقرآن كالمسرِّ بالصدقه» ، قال الترمذي : « ومعنى هذا الحديث أن الذي يسرُّ بقراءة القرآن أفضلُ من الذي يجهر بقراءة القرآن ؛ لأن صدقة السِّر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية » .
    وما ذاك إلا لما في قُرْبَة السِّرِّ بعيداً عن رؤية الخلق من عظم إيمانٍ ، وكمال أدبٍ مع الله - تعالى - وتعظيمٍ له سبحانه ، ولما فيها من حضور قلبٍ واجتماع هَمٍّ وابتعادٍ عن القواطع والمشتتات ، وثقةٍ بالله - تعالى - ، وأُنْسٍ به ، واطمئنانٍ إليه ، ومراقبةٍ له ، ومخافةٍ منه ، ومطالعة مِنَّتِه ، وتطلعٍ للظفر بمحبته وثوابه ، ولما فيها من تخليصٍ للنفس من الطمع بثناء الخلق وحب مدحهم وكراهية ذمّهم ، وضمان سلامتها من بعض دسائس السوء من رياء وسمعة وتصنُّع ، فهي أبلغ في التضرع والخشوع ، وأمكن في التذلّل والخضوع .
    ولذا ؛ فقد جاء التوجيه النبوي الكريم بحثِّ العبد المؤمن على أن يكون له عبادة في السِّر ، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه مرفوعاً قال : « من استطاع منكم أن يكون له خِبءٌ من عملٍ صالحٍ فليفعل » ، وكان الفضيل بن عياض يقول : ( كان يقال : من أخلاق الأنبياء والأصفياء الأخيار الطاهرةِ قلوبهم خلائقُ ثلاثة : الحلم ، والأناة ، وحظٌّ من قيام الليل ) ، ويحكي الخريبي عن السلف أنهم كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئةٌ من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها ، وقال مسلم بن يسار : ( ما تلذّذ المتلذّذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عزَّ وجلَّ ).
    ومن تأمَّل سير السلف وجد اهتماماً بليغاً بعبادة القلب ، التي هي روح العبودية ولبّها ، بل هي الأصل وإنما أعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة لها ، فهذا الصحابي الجليل والإمام الجِهْبِذ ابن مسعود رضي الله عنه يقول : « من صلى صلاة عند الناس لا يصلي مثلها إذا خلا ، فهي استهانة استهان بها ربه » ، ثم تلا قوله - تعالى - : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } (النساء : 108) ، وفي يوم قال رضي الله عنه لأصحابه : « أنتم أكثر صلاة وأكثر جهاداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم كانوا خيراً منكم ، قالوا : ِبمَ ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة » .

    ويقول وهب بن منبه : ( يا بُنيّ أخلص طاعة الله بسريرة ناصحة يصدق الله فيها فعلك في العلانية ، .. ولا تظنن أن العلانية هي أنجح من السَّريرة ، فإن مَثَلَ العلانية مع السَّريرة كمَثَلِ ورق الشجر مع عِرْقها : العلانية ورقها ، والسَّريرة عِرْقها . إن نُخِر العِرْق هلكت الشجرة كلها ؛ ورقها وعودها ، وإن صلحت صلحت الشجرة كلها ؛ ثمرها وورقها ، فلا يزال ما ظهر من الشجرة في خير ما كان عِرْقها مستخفياً لا يُرى منه شيء . كذلك الدين لا يزال صالحاً ما كان له سريرة صالحة يصدق الله بها علانيته ، فإن العلانية تنفع مع السَّريرة الصالحة كما ينفع عِرْقَ الشجرة صلاحُ فرعها ، وإن كان حياتها من قبل عِرْقها فإن فرعها زينتها وجمالها ، وإن كانت السَّريرة هي ملاك الدين فإن العلانية معها تُزَيِّن الدين وتجمله إذا عملها مؤمن لا يريد بها إلا رضاء ربه عزَّ وجلَّ » ، وهذا الإمام أحمد يوصي ابن المديني قائلاً : ( ألزم التقوى قلبك ، وانصب الآخرة أمامك ) ، فمراد الله - تعالى - ومطلوبه من عباده صلاح قلوبهم ، والتي لا صلاح لها إلا بأن يستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه ، ويمتلئ من ذلك ، يقول ابن رجب : ( فأفضل الناس من سلكَ طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وخواصّ أصحابه في الاقتصاد في العبادة البدنية والاجتهاد في الأحوال القلبية ؛ فإن سفر الآخرة يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان ) .
    كما يجد المطالع لسيرهم عنايةً فائقة بعبادة السِّر وعمل الخفية ، فعن محمد بن إسحاق قال : ( كان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل ، وعن زائدة :( أن منصور بن المعتمر مكث ستين سنة يقوم ليلها ويصوم نهارها ، وكان يبكي ،فتقول له أمه : يا بني ! قتلت قتيلاً ؟ فيقول : أنا أعلم بما صنعت بنفسي .
    فإذا كان الصبح كحل عينيه ، ودهن رأسه ، وبرق شفتيه ، وخرج إلى الناس ) .
    وقال محمد بن واسع : ( لقد أدركت رجالاً ، كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة ، قد بلَّ ما تحت خدّه من دموعه لا تشعر به امرأته .
    ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خدّه ولا يشعر به الذي إلى جانبه ، وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ، ويخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح رفع صوته ، كأنه قام تلك الساعة ، والأمر أكثر من أن يحصر .


    عبادة السر حبل متين بين العبد وبين ربه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يكون له خبيء من عمل صالح فليفعل)




    اللهم صل على محمد
    سيأتي اليوم الذي سترحل عن هذه الدنيا ويبقى خلفك ذكرك واخلاقك واعمالك
    فحسنها وجملها لتلقى الله بما هو حسن وجميل ولعله يتقبل منك
    Abo Nour

  • #2
    رد: عبادة السر

    جزاك الله خيراً
    جعله الله في ميزان حسناتك

    اللهمّ صلّ على محمد
    عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
    اللهم اغفر لي ولأبي ولأمي ولجميع المسلمين والمسلمات


    تعليق

    يعمل...
    X