السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صيد الخاطر
لابن الجوزي
فصل: من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه
قدرت في بعض الأيام على شهوة للنفس، هي عندها أحلى من الماء الزلال في فم الصادي. وقال التأويل: ما ههنا مانع، ولا معوق إلا نوع ورع.
وكان ظاهر الأمر امتناع الجواز، فترددت بين الأمرين، فمنعت النفس عن ذلك، فبقيت حيرتي لمنع ما هو الغاية في غرضها من غير صاد بحال إلا حذر المنع الشرعي. فقلت لها: يا نفس والله ما من سبيل إلى تودين ولا ما دونه؟ فتقلقلت، فصحت بها: كم وافقتك في مراد ذهبت لذته وبقي التأسف على فعله؟ فقدري بلوغ الغرض من هذا المراد، أليس الندم يبقى في مجال اللذة أضعاف زمانها؟ فقالت: كيف أصنع؟
فقلت:
صبرت ولا والله مابي جلادة على الحب لكني صبرت على الرغم
وها أنا أنتظر من الله عز وجل حسن الجزاء على هذا الفعل، وقد تركت باقي هذه الوجهة البيضاء، أرجوأن أرى حسن الجزاء على الصبر، فأسطره فيه إن شاء الله تعالى، فإنه قد يعجل جزاء الصبر وقد يؤخره، فإن عجل سطرته، وإن أخر فما أشك في حسن الجزاء لمن خاف مقام ربه،
فإنه من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. والله إني ما تركته إلا لله تعالى، ويكفيني تركه ذخيرة، حتى لو قيل لي: أتذكر يوما آثرت الله على هواك؟
قلت: يوم كذاو كذا. فافتخري أيتها النفس بتوفيق من وفقك، فكم قد خذل سواك.
واحذري أن تخذلي في مقلها، ولا حول ولا قوة إلا با الله العلي العظيم. وكان هذا في سنة إحدى وستين وخمسمائة، فلما دخلت سنة خمس وستين، عوضت خيرا من ذلك بما لا يقارب مما لا يمنع منه ورع ولا غيره. فقلت: هذا جزاء الترك لأجل الله سبحانه في الدنيا، ولأجر الآخرة خير والحمد الله.
تعليق