وترى في حديث قصة كعب بن مالك ثبات ونهوض وجرأة ..
ـ ـ وأنت أيها القاريء المتأمل ترى أن كعب بن مالك أقرّ خطأه وتقصيره ولم يلتمس المعاذير والتأويل ويمشي وينتهج منهج العامة في الاستراحة من التأنيب والتوبيخ ... ولكنه لم يفعل ذلك وصارح النبي بما فعل ....
ـ ـ وترى أيضا ضغط الكثرة على الفرد من الاستمرار في عمله الفرديّ الصائب والطلب منه أن يرجع عنه ويلتمس لنفسه المعاذير التي يلتمسها الكثرة ....
ـ ـ وترى أيضا بحث الفرد عن فرد مثله ليعاضده ويسانده ويقويه رغم نظر الكثرة له بضرورة تغيير ما عليه من الفعل ....
وقوله : ( فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ).
ـ ـ وترى أيها المتابع الصابر .... شدة البلاء وقوة الامتحان وحِدّته لمن اتخذ أمرا وصبر عليه وانفرد عنه الناس ولم يشاركوه ...
وقوله : ( قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا ).
ـ ـ وترى يا أيها الصابر الثابت ... تنوع البلاء بدخول الفتنة وعرض المعصية على صاحب الحق الثابت عليه ، وطلب أهل الفتنة إراحته من استكمال مشواره في الصدع بالحق والثبات عليه ...
وقوله : ( حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لَا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا ).
ـ ـ وترى اعتزال أهل البيت لصاحب الحق والمبتلى بصدقه ... ابتلاء آخر ، فمن جعلهم الله للرجل السكن والمودة والرحمة ينفروا منه ويعتزلوه ويتركوه وحيدا ... ليوقع في النفس الأسى والحزن والتردد في استكمال مشوار الحق وترك الطريق والقعود مع القاعدين ...
وقوله : ( فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ ).
ـ ـ وترى ما فعله الكثرة ـ بعد ظهور الحق وإشاعته بين الناس ووضوحه ـ بالفرد من إكرامه وتبشيره والفرح به وبما فعل وحفظ ما فعل للأجيال حتى صار رمزا للصبر والصدق والإخلاص ....
د/ أبو مسلم خالد مصطفى الوكيل.
تعليق