الحمــد للــه رب العالميــن
لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد أي لا يكن تأخر وقت العطاء المطلوب مع الإلحاح أي المدوامة في الدعاء موجبا ليأسك من إجابة الدعاء فهو سبحانه ضمن لك الإجابة بقوله : { ادعوني أستجب لكم } ( 60 ) غافر فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك فإنه أعلم بما يصلح لك منك . فربما طلبت شيئا كان الأولى منعه عنك فيكون المنع عين العطاء
من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان أي من لم يقبل على الله تعالى بسبب ملاطفاته هي الإحسان قيد بالبناء للمفعول أي قاده الله إليه بالامتحانات الشبيهة بالسلاسل . فالنفوس الكريمة تقبل على الله لإحسانه والنفوس اللئيمة لا ترجع إليه إلا ببلائه وامتحانه . ومراد الرب من العبد رجوعه إليه طوعا أو كرها
تنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال أي اختلفت أجناس الأعمال الظاهرة لاختلاف الواردات التي هي الأحوال القائمة بالقلب فإن الواردات ما يرد على القلب من المعارف والأسرار والأعمال الظاهرة تابعة لأحوال القلب فإذا ورد على القلب العلم بفضائل قيام الليل توجه إليه وآثره على غيره فتقوم به الجوارح . وكذلك الصدقة والصيام وباقي الأعمال
ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه أي ادفن - أيها المريد - نفسك أي شهرتها في الخمول الذي هو كالأرض للميت في التغطية التامة بأن لا تتعاطى أسباب الشهرة . فإن الخمول مما يعين على الإخلاص بخلاف حب الظهور فإنه من جملة القواطع القاصمة للظهور . فما نبت من الحب مما لم يدفن في الأرض لا يتم نتاجه بل يخرج مصفرا . وكذلك أنت - أيها المريد - إذا تعاطيت أسباب الشهرة في بدايتك قل أن تفلح في نهايتك
ما توقف مطلب أنت طالبه بربك ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك أي ما تعسر مطلب من مطالب الدنيا والآخرة أنت طالبه بربك أي بالاعتماد عليه والتوسل إليه . فمتى أنزلت حوائجك به فقد تمسكت بأقوى سبب وفزت بقضائها من أفضاله بغير تعب . { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ( 3 ) الطلاق ومعنى قوله : ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك أنك لو اعتمدت - أيها المريد - على حولك وقوتك تعسرت عليك المطالب ولم تتحصل على بغيتك
أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها . ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه فأي علم لعالم يرضى عن نفسه ؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ؟
تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب تشوفك بالفاء في الموضعين أي تطلعك بعين البصيرة إلى ما بطن أي خفي فيك من العيوب والأمراض القلبية كالكبر والحقد والعجب والرياء والسمعة والمداهنة وحب الرياسة والجاه ونحو ذلك حتى تتوجه همتك إلى زوال ذلك بالرياضة والمجاهدة خصوصا على يد شيخ عارف خير لك من تطلعك إلى ما حجب عنك من الغيوب أي ما غاب عنك كالأسرار الإلهية والكرامات الكونية لأن هذا حظ نفسك وذلك واجب عليك لربك
من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات وترك الندم على ما فعلته من وجود الزلات أي إن عدم حزنك على ما فاتك من الموافقات بكسر الفاء أي الطاعات الموافقة للشرع وترك ندمك على ما فعلته من وجود الزلات أي المعاصي التي توجد منك علامة موت قلبك
لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله أي لا صغيرة من ذنوبك بل كلها كبائر إذا قابلك عدله تعالى . فإن صفة العدل إذا ظهرت على من أبغضه الله تلاشت حسناته وعادت صغائره كبائر لأنه يعذبه على أصغر ذنب . ولا كبيرة إذا واجهك فضله وهو إعطاء الشيء بغير عوض فإن صفة الفضل إذا ظهرت لمن أحبه اضمحلت سيئاته وبدلت حسنات
تعليق