وخضنا في أمور فرعية كما خاضوا هم فيها ..
ـ شاركنا وخضنا في معترك السياسة ، ولم ندر عنه شيئا ، ولم نسمع أحدا ممن تربينا على يديه أنه كان يتكلم أو يشغل في السياسة منصبا ، إلا أننا كنا في دعوة بل وقصّرنا جدا فيها وأخذنا ندعو أنفسنا سنين طويلة ، فكلما جاء البلاء افتضحنا وتعرّينا ولم نُصلح الخطأ ، فتَضطرب الأمور عند فُقدان الشيخ المُرَبّي ، وكأن الدعوة هي دعوته ( فإذا فُقد فُقدت ). واضطربت الدروس العلمية وتشتتنا وضعفنا عن مواجهة الناس والتغيير ...
ولم نُربي جيلا ليحمل هَمّ الدعوة إلى الله تعالى، بل ربيناه على دعوة نفسه في حلقة دائرية لا يخرج منها إلا عند الموت ،
وما هكذا الدعوة ، إنما الدعوة : التعلم والخروج بين الناس لنشر ما تعلمناه وفهمناه لطلب هدايتهم ، إلا أن الراسخ في الذّهن أن مُنتهى الدعوة حضور الدروس العلمية وحفظ القرآن والمتون العلمية والتصدّر للإمامة والخُطب ... أما النّزول إلى الناس وأمرهم ونهيهم فهذه مرحلة لا يُتطلع إليها ولا تُفكر الدعوة فيها ...فهي بمعزل عن الواقع، تعيش بين الكتب والفتاوى والمساجد ، فإذا ما وَضع أصحابها أحد أرجلهم خارج المسجد ترك هذه الدعوة في المسجد وأَغلق عليها الأقفال ، وإن شئت فقل : خرجت معه الدعوة إلى منزله بصورة مشوّهة غير التي كان يُلقيها ويَصرخ ويُنادي بها في الخطب والدروس والمواعظ ، فحدث انفصام نكد في العقول والواقع ، وحدث فصل بين الدعوة والواقع ...
ـ وعندما أُتيحت لنا الفرصة وخُلي بيننا وبين الناس خُضنا مع أقوام خَاضوا في أمور مُستحدثة لدينا وأنشأنا الأحزاب وتسابقنا في دفع الأموال ونَسينا إنماء ما لدينا من علم ودَعوة تَعلمناها وكانت الظروف مُيسرة ومُؤهلة لنشرها وتطبيقها بين الناس ...
ولكن بَريق المنصب ولمعان اسم الحزب وكثرة استمارات المُنتمين إليه أبهرت العيون والعقول والقلوب ، فانسقنا وراءها تِلقائيا وراء الشائع في هذا الوقت وهو تأسيس الحزب والخوض في نشره كما خاض الكثيرون في ذلك ، وأوهمنا أنفسنا أن فوائد الحزب وتكوينه تعود على الدعوة إلى الله تعالى في استخدام الفروع والمكاتب في شتى المحافظات في الدروس والندوات الدعوية ـ وإن كان هناك شيئا ضئيلا فعل في ذلك ـ وفتح جريدة شهرية نستخدمها في الدعوة إلى الله تعالى ...
ـ إن علينا أن نعي جيدا أن تغيير المجتمع وتغيير قيمه وآدابه التي لُوثت وتعدّى الكثيرون على الصافي منها وتلطخت بسبّ الدين والتبرج والتعري وأكل الربا وترك الواجبات والاقبال على المحرمات .... إن ابتداء التغيير ليس في وقت السعة ، ولكن في وقت التضييق ، فإذا ما وسع الله علينا نشرنا ما بدأناه برسوخ ووعي وإصلاح ومبدإ ولم ننشغل بأمور فرعية انشغل الكثيرون بها وجعلوها أصلا تُنفق عليه الأموال وتعظم....
ونسير في طريق مألوف قد درّبنا أنفسنا عليه وأرسلنا إلى المجتمع فكرة ونبذة عنه أننا نريد الخير له بدون أجر ولا مقابل ولا منصب ،
فإذا ما جاءت التوسعة ازدادت الصلة بيننا وبين المجتمع ولم نجد الفرق الكبير بيننا وبينه في شغل المناصب السياسية ولا التضاد في التنافس ولا التعدي على بعضنا البعض ...
فتسير الجهود متناسقة مثمرة يساند بعضها البعض ، ويحفز بعضها البعض دعوة وعلم وسياسة واقتصاد وتربية وأمر ونهي وحضارة وأمن ,,,....
حياكم الله ...
د/أبو مسلم خالد مصطفى الوكيل.
تعليق