كم كنت يا رحمة رحيماً!!
حين وطأت قدماي أرض الإمارات قبل 27 عاماً قادماً من أجواء الصراعات والمطاردات الدائرة على أرض مصر، كان في مخيلتي أن الشباب الملتزم في جميع أنحاء العالم دون أدنى شك على وتيرة واحدة، من شدة الحماس، وسرعة التفاعل مع قضايا هذا الدين، ومع كل ما يستجد على الساحة من الصراعات الدائرة بين الحق والباطل.
وشاء الله أن ألتقي بالأخ/ رحمة الشويهي الذي منحني الله من خلاله بعداً أشمل في الدعوة إلى الله، حيث ادخر حماسته وانفعالاته؛ ليعكسها أفعالاً واقعية على ساحة الدعوة بما يخدم هذا الدين، دون الحاجة لإحداث جلبة، أو إظهار انفعالات أو تشنجات أو تضييع أوقات في القيل والقال!!
فكنت أغبطه على تلك العقلانية الراجحة، فضلاً عما كان يمتاز به من دماثة خلق، ورقي في التعامل، وشمولية في الرؤية، تمنيت أن تكون لدي كل داعية، حيث كان قريباً إلى قلب كل من يحدثه، وسرعان ما تجذبك إليه روحه الرقيقة، وسعة صدره، وابتسامته الحانية، مع علو همة في الخير، قلَّ أن ينافسه عليها أحد!! فكان بين أقرانه كالوالد الحنون على الرغم من تقاربه معهم في الأعمار!!
يفرض عليك احترامه وحبه في آن واحدٍ، وعلى الرغم مما عُرف عَني من حبٍ المزاح ومسارعة لكسر حواجز التكلف مع من أحب؛ إلا أنني لم أستطع أبداً تجاوز حدود المزاح معه؛ نظراً لتلك الازدواجية الإيجابية العجيبة التي يمتلكها، والتي يفرض من خلالها على من أمامه مشاعر الحب والاحترام معاً!!
وحين كنت أبالغ في استثارته مازحاً؛ حباً لرؤية ابتسامته التي كانت تمسح عن قلبي الكثير من الهموم والأحزان، فلم تكن ردة فعله تتعدَ تلك الابتسامة الجميلة، وهو يذكر الله تعالى قائلاً (استغفرالله) فيعكس ذلك على نفسي شعوراً بأنني أمام عبدٍ عمد إلى نفسه؛ فبالغ في تزكيتها وطهارتها حتى النخاع!! (نحسبه كذلك والله حسيبه)
كانت مواعظه تخرج من بين شفتيه حية تنبض بالحياة، فتصيب بسهامها مواطن الجرح في القلوب الظمآى؛ لتروي عطشها، أما صوته فكأنك تسمع بين أوتاره أنين بكاءٍ من رقة قلبه (رحمه الله تعالى)!!
كان لمن يعرفه شاطئ أمان، يأوي إليه أصحابه التماساً لمشاعر الطمأنينة والأخوة والحنان، فكان بنياناً شاهقاً بعزيمته وقت المحن، وكان بالله هادياً مهدياً عند حلول الفتن!!
أصابه المرض الخبيث في الكبد وهو في ريعان شبابه، فضرب لإخوانه خاصة وللناس عامة أروع الأمثلة في الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، فكان ذلك الصبر منه مكملاً لمسيرته الطيبة، بصفحاتها البيضاء على ظهر هذه الحياة!!
شاء الله أن يودع أحباءه صابراً محتسباً فجر أمس الجمعة الموافق 25 من أكتوبر 2013م وعلى الرغم من غربتي القهرية عنه لأكثر من 17 عاماً، إلا أن القلب مني قد تقطع ألماً وحزناً على فراقه، وكأني كنت معه بالأمس القريب!!
وأصبحت حقاً أشعر بفقدان شيئ ثمين كان يحيا بيننا على ظهر هذه الحياة، إلا أنه آثر الفراق مودعاً؛ وكأن لسان حاله يقول : (أستودعكم قلوب المسلمين أحبتي، فاستوصوا بها خيراً، فما ألين القلوب وأطوعها إلى الله إذا ما أخذت بالرفق)!!
رحمك الله يا من جعل الله لك من اسمك أعظم القدر والنصيب، فلقد كنت بالفعل رحمة، وكان قلبك من أرحم القلوب على المسلمين من إخوانك!!
تعليق