كتب ملك قشتاله في أواخر القرن السادس إلى السلطان المسلم أبي يوسف المراكشي يُهدده ويُعنّفه ويَطلب منه تسليم بعض بلاد المسلمين ، وكان فيما قال في غطرسةٍ وكبرياء : أراك تُماطل نفسك تُقدم رِجلاً وتؤخر أخرى ، فما أدري الجبن بطَّأ بِكَ ، أم التّكذيب بما وعدك نبيك . فلمّا قرأ أبو يوسف الكتاب تَنمَّرَ وغضب وتَربَّدَ وجهه وأرغى وأزبد ثم مزَّقه وكتب على رقعة منه بقلم يفتك الشعور ويفلق الصخر : ارجع إليهم فلنأتينَّهم بجنودٍ لاقِِبل لهم بها ولنُخرجنَّهم مِنْها أذِلَّةً وهم صاغرون ، الجوابُ ما ترى لا ما تسمع.
فلا كُتْبَ إلاّ المَشْرَفيّةَ عندنا ****** ولا رُسْلَ إلاّ للخَميسِ العَرَمْرَم
وقام قيام الليث فارق غِيلَهُ ، وقد بُرّزَتْ أنيابه ومخالبه ، استنفر الناس ودعا للجهاد ورغب في الشهادة وحاله :
أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما ***** قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَ
دَوَّت بكل قبيلةٍ ومَحلَّةٍ صيحاتُه .. فتجاوبت أصداؤها ..
سارع مائة ألف مسلم متطوع للبذل والتضحية ..
والذَبِّ عن بَيْضَةِ المسلمين ..
وإعزاز دين رب العالمين ..
لينضموا إلى الجيش الذي يبلغ مائة ألف من الموحدين ..
حالُ كلّ واحدٍ منهم :
ارمني بكل عدو فأنا السهم السريع .. وإلاّ فلا نَعِمَتْ نَفْسٌ .. ولا أَفْلَحَ امرؤٌ .. ولا انْهالَ هَطَّالٌ .. ولا لاحَ مَشْرِقُ ..
مضى الليث إلى الأندلس بجيش يؤمن بالله .. ويستقي من نبع وحي الله ..
شعارهم تكبيرُ الله .. وهذا ما وعدنا الله .. وصدق الله .. وحسبنا الله ..
فكانت الملحمة التي تَنـزَّل معها نصر الله .. على حزب الله ..
فقتلوا من العدو مائة وستة وأربعين ألفا من أعداء الله .. وأسروا من أسروا نصرا من الله ..
وحقت كلمة الله .. وما النصر إلا من عند الله .
( نقلا عن محاضرة بعنوان السما والسماوة ، لفضيلة الدكتور الشيخ / علي بن عبد الخالق القرني )
خواطر وشوارد ..
سطَّر المسلمون للتاريخ أمجاداً لا تنسى ، فحتّى زمَنٍ غيرِ بعيد كنا سادة الدنيا ، وصنَّاع التاريخ ، وهداة الناس ، وقادة العالم ، كنا في الأمام يوم كانت دول الكفر متخلفة ، وكنا ننير الدرب للأنام يوم كانوا غارقين في الظلام ...
كنا نقول فَيُنصت الغير ، ونتكلم فتُصغي الأسماع ..
كان ذلك يوم كان في الأمة رجال ، ويوم أن كان أبناؤها أبطال ، تراهم بالليل ساجدين قائمين ، ذاكرين خاشعين ، وبالنهار تُبصرهم آساداً في ميادين الوغى تصول وتجول ، لا الموت يهابون ، ولا العدو يخافون ، فأعزَّ الله بهم الإسلام ، وأذلَّ الكفر وعبدة الأوثان .
ثم خَبت تلك الأمجاد بعد أن صار الأمر إلى أشباه رجال بل لا رجال ، وانقلب الحال فصرنا على الزمان عاراً ، فليلنا لهوٌ ومجون ، ونهارنا نومٌ ومَلءٌ للبطون .
فما أحوجنا في هذا الزمان إلى رجلٍ مثل أبي يوسف ، زمنٌ تكالبت علينا فيه الأمم ، وأنشبت دول الكفر فينا أظفارها ، ومزقت أوصالنا بأنيابها ، حتى غدا أذلَّ شعب الله علينا عزيزا ، فأي ذلٍّ أعظمُ من أن يسودك الذليل ، وأي مهانة أكبرُ من أن يعلوك الحقير .
فهذه يهود علينا استأسدت ، وبجموعنا استحقرت ، فإلى الله الشكوى ، وهو حَسبُنا ..
أما أمريكا فقد صيرت نفسها علينا واليا ، ولأمورنا مدبرا .. فلا حول ولا قوة إلا بالله ، قاصِم ظهور الجبابرة ..
وحلفاءُ الصليب من ورائها ، على الإسلام حاقدين ، ولإطفاء نوره عاملين جاهدين ..
لكن هذا دين الله ، هو له حافظ .. وكتاب الله ، هو له ناصر .. يُؤيّدُه الله بعبادٍ يستخدمهم في طاعته على فترة من الزمان ، ليَميزَ الله الخبيث من الطيب ، وليبتلي من يشاء من عباده ، ليُثيبَ الصابرين ويُخْزي المنافقين . فالله نسألُه الثَباتَ على هذا الدين حتّى الممات .. وأن يجعلنا ممن ينصر بهم هذا الدين ..
فهذا رجلٌ من رجال جيل الأمجاد .. إنه أبو يوسف المراكشي .. جاءه خطاب من ملك الكفر في ذلك الزمان ، يطلب منه تسليم بعض أراضي المسلمين ، ويهدده بجيش جرار ...
عَِلم أبو يوسف أن الموقف ليس موضع أقلام ومفاوضات .. وأن الأرض لا تُسترد بالشعارات ..
ولي وطن آليت ألا أبيعه ***** وألاّ أرى غيري له الدهر مالكا
لم يفكر ، ولم يتردد .. بل أجاب واختصر وأجاز :
فدائي سأمشي في طريقي ***** فإنــي للمنايا خير عـاشق
فدائي لأجلك يا بــــــــلادي ***** أريق دمي لكي تحيا الزنابق
أيقن يقينا لاشك فيه .. أن لا مساومة بأرض الإسلام والمسلمين
وعقد عزما لاريب يثنيه .. أن السيف جواب الطامعين الغاصبين
واختار العزة ولو بموت .. فهي حياة الأحرار الصادقين ..
ونحن أناسٌ لا توسط عندنا ***** لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدا
أدرك أن البيعة قد عُقِدَت ، وأنّ الله اشترى ، فلا إقالة ولا استقالة
تهون علينا في المعالي نفوسنا ***** ومن يخطب الحسناء لم يُغلها المهر
ربح البيع .. وصدق الله وعده .. وخاب المتخلفون .. فلم يزدادوا بالحياة إلا ذلا .. وبالعيش إلا قهرا .. وبالبقاء إلا مهانة ..
وما للمرء خيرٌ في حياة ***** إذا ما عُدّ من سَقطِ المتاع
لله درُّ أبي يوسف طلب الموت .. فوُهب الحياة
نصر الله .. فنصره الله
غضب لله .. فرضَّاه الله
أخلص لله .. فصدقه الله
قدّم القنا على القلم .. فذلت له الروم وقبلت القدم
بادَرَ السيف على الخطب .. فلم يتأخر عنه النصر ولا عجب
سابق بفعله الأقوال .. فصيغت له المدائح الطوال
كان أول من بَذل .. فجاءه القوم على عَجَلْ
فإلى من طلب العزة ولم يسلك مسالكها .. إن السفينة لا تجري على اليبس..
والناظر في هذا الزمان ، لا يرى أشباها لأمثال أبي يوسف ولا أنصاف أشباه ، بل النقيض والضد ، فالحثالة من الناس يبيعون الأرض بأبخس الأثمان بل بلا أثمان .. يخادعون أنفسهم بشعارات جوفاء وعبارات خرقاء .. فالمهانة عندهم عزة ومكانة ..
والذل فخر ولا غضاضة ..
والجبن إقدام وبسالة ..
العميل عندهم شريف نظيف ..
والخائن يعدونه تاجرا ظريفا ..
والبائع لأرضه شاطر بفنون الرياضة ..
واللؤم والوضاعة من سمات الحكمة والشجاعة ..
وما دروا أنهم لكرامتهم يبيعون ، وعن أعراضهم يتنازلون ، وعلى أنفسهم وحدهم يضحكون ..
جعلوا من أنفسهم لأعدائهم عبيدا وقد خلقهم الله أحرارا ..
وضعوا أنفسهم بموضع مهانة وقد جعل الله لهم في الإسلام عزا ومكانة ..
فإلى الله نشكو حالنا ، وضعفنا ، وقلة حيلتنا ، وهواننا على الناس ..
فلا كُتْبَ إلاّ المَشْرَفيّةَ عندنا ****** ولا رُسْلَ إلاّ للخَميسِ العَرَمْرَم
وقام قيام الليث فارق غِيلَهُ ، وقد بُرّزَتْ أنيابه ومخالبه ، استنفر الناس ودعا للجهاد ورغب في الشهادة وحاله :
أجِّجوها حِمَما وابعَثُوها هِمَما ***** قَرِّبُوا مني القَنا قد كَسَرْتُ القَلَمَ
دَوَّت بكل قبيلةٍ ومَحلَّةٍ صيحاتُه .. فتجاوبت أصداؤها ..
سارع مائة ألف مسلم متطوع للبذل والتضحية ..
والذَبِّ عن بَيْضَةِ المسلمين ..
وإعزاز دين رب العالمين ..
لينضموا إلى الجيش الذي يبلغ مائة ألف من الموحدين ..
حالُ كلّ واحدٍ منهم :
ارمني بكل عدو فأنا السهم السريع .. وإلاّ فلا نَعِمَتْ نَفْسٌ .. ولا أَفْلَحَ امرؤٌ .. ولا انْهالَ هَطَّالٌ .. ولا لاحَ مَشْرِقُ ..
مضى الليث إلى الأندلس بجيش يؤمن بالله .. ويستقي من نبع وحي الله ..
شعارهم تكبيرُ الله .. وهذا ما وعدنا الله .. وصدق الله .. وحسبنا الله ..
فكانت الملحمة التي تَنـزَّل معها نصر الله .. على حزب الله ..
فقتلوا من العدو مائة وستة وأربعين ألفا من أعداء الله .. وأسروا من أسروا نصرا من الله ..
وحقت كلمة الله .. وما النصر إلا من عند الله .
( نقلا عن محاضرة بعنوان السما والسماوة ، لفضيلة الدكتور الشيخ / علي بن عبد الخالق القرني )
خواطر وشوارد ..
سطَّر المسلمون للتاريخ أمجاداً لا تنسى ، فحتّى زمَنٍ غيرِ بعيد كنا سادة الدنيا ، وصنَّاع التاريخ ، وهداة الناس ، وقادة العالم ، كنا في الأمام يوم كانت دول الكفر متخلفة ، وكنا ننير الدرب للأنام يوم كانوا غارقين في الظلام ...
كنا نقول فَيُنصت الغير ، ونتكلم فتُصغي الأسماع ..
كان ذلك يوم كان في الأمة رجال ، ويوم أن كان أبناؤها أبطال ، تراهم بالليل ساجدين قائمين ، ذاكرين خاشعين ، وبالنهار تُبصرهم آساداً في ميادين الوغى تصول وتجول ، لا الموت يهابون ، ولا العدو يخافون ، فأعزَّ الله بهم الإسلام ، وأذلَّ الكفر وعبدة الأوثان .
ثم خَبت تلك الأمجاد بعد أن صار الأمر إلى أشباه رجال بل لا رجال ، وانقلب الحال فصرنا على الزمان عاراً ، فليلنا لهوٌ ومجون ، ونهارنا نومٌ ومَلءٌ للبطون .
فما أحوجنا في هذا الزمان إلى رجلٍ مثل أبي يوسف ، زمنٌ تكالبت علينا فيه الأمم ، وأنشبت دول الكفر فينا أظفارها ، ومزقت أوصالنا بأنيابها ، حتى غدا أذلَّ شعب الله علينا عزيزا ، فأي ذلٍّ أعظمُ من أن يسودك الذليل ، وأي مهانة أكبرُ من أن يعلوك الحقير .
فهذه يهود علينا استأسدت ، وبجموعنا استحقرت ، فإلى الله الشكوى ، وهو حَسبُنا ..
أما أمريكا فقد صيرت نفسها علينا واليا ، ولأمورنا مدبرا .. فلا حول ولا قوة إلا بالله ، قاصِم ظهور الجبابرة ..
وحلفاءُ الصليب من ورائها ، على الإسلام حاقدين ، ولإطفاء نوره عاملين جاهدين ..
لكن هذا دين الله ، هو له حافظ .. وكتاب الله ، هو له ناصر .. يُؤيّدُه الله بعبادٍ يستخدمهم في طاعته على فترة من الزمان ، ليَميزَ الله الخبيث من الطيب ، وليبتلي من يشاء من عباده ، ليُثيبَ الصابرين ويُخْزي المنافقين . فالله نسألُه الثَباتَ على هذا الدين حتّى الممات .. وأن يجعلنا ممن ينصر بهم هذا الدين ..
فهذا رجلٌ من رجال جيل الأمجاد .. إنه أبو يوسف المراكشي .. جاءه خطاب من ملك الكفر في ذلك الزمان ، يطلب منه تسليم بعض أراضي المسلمين ، ويهدده بجيش جرار ...
عَِلم أبو يوسف أن الموقف ليس موضع أقلام ومفاوضات .. وأن الأرض لا تُسترد بالشعارات ..
ولي وطن آليت ألا أبيعه ***** وألاّ أرى غيري له الدهر مالكا
لم يفكر ، ولم يتردد .. بل أجاب واختصر وأجاز :
فدائي سأمشي في طريقي ***** فإنــي للمنايا خير عـاشق
فدائي لأجلك يا بــــــــلادي ***** أريق دمي لكي تحيا الزنابق
أيقن يقينا لاشك فيه .. أن لا مساومة بأرض الإسلام والمسلمين
وعقد عزما لاريب يثنيه .. أن السيف جواب الطامعين الغاصبين
واختار العزة ولو بموت .. فهي حياة الأحرار الصادقين ..
ونحن أناسٌ لا توسط عندنا ***** لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدا
أدرك أن البيعة قد عُقِدَت ، وأنّ الله اشترى ، فلا إقالة ولا استقالة
تهون علينا في المعالي نفوسنا ***** ومن يخطب الحسناء لم يُغلها المهر
ربح البيع .. وصدق الله وعده .. وخاب المتخلفون .. فلم يزدادوا بالحياة إلا ذلا .. وبالعيش إلا قهرا .. وبالبقاء إلا مهانة ..
وما للمرء خيرٌ في حياة ***** إذا ما عُدّ من سَقطِ المتاع
لله درُّ أبي يوسف طلب الموت .. فوُهب الحياة
نصر الله .. فنصره الله
غضب لله .. فرضَّاه الله
أخلص لله .. فصدقه الله
قدّم القنا على القلم .. فذلت له الروم وقبلت القدم
بادَرَ السيف على الخطب .. فلم يتأخر عنه النصر ولا عجب
سابق بفعله الأقوال .. فصيغت له المدائح الطوال
كان أول من بَذل .. فجاءه القوم على عَجَلْ
فإلى من طلب العزة ولم يسلك مسالكها .. إن السفينة لا تجري على اليبس..
والناظر في هذا الزمان ، لا يرى أشباها لأمثال أبي يوسف ولا أنصاف أشباه ، بل النقيض والضد ، فالحثالة من الناس يبيعون الأرض بأبخس الأثمان بل بلا أثمان .. يخادعون أنفسهم بشعارات جوفاء وعبارات خرقاء .. فالمهانة عندهم عزة ومكانة ..
والذل فخر ولا غضاضة ..
والجبن إقدام وبسالة ..
العميل عندهم شريف نظيف ..
والخائن يعدونه تاجرا ظريفا ..
والبائع لأرضه شاطر بفنون الرياضة ..
واللؤم والوضاعة من سمات الحكمة والشجاعة ..
وما دروا أنهم لكرامتهم يبيعون ، وعن أعراضهم يتنازلون ، وعلى أنفسهم وحدهم يضحكون ..
جعلوا من أنفسهم لأعدائهم عبيدا وقد خلقهم الله أحرارا ..
وضعوا أنفسهم بموضع مهانة وقد جعل الله لهم في الإسلام عزا ومكانة ..
فإلى الله نشكو حالنا ، وضعفنا ، وقلة حيلتنا ، وهواننا على الناس ..