إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كن صحابيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كن صحابيا

    السلام عليكم

    انا قرأت جزء من السلسه دى وهى بقلم د\راغب السرجانى وعجبنى اسلوبها جدا فحبيت انقلها فى هيئة حلقات عسى الله ان ينفع بها احدا.


    جيل فريد :


    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
    فهذا البحث في الحقيقة هو محاولة للإقتراب كثيرًا من جيل الصحابة، هذا الجيل الراقي الرفيع المستوى الذي لم يتكرر مثله في التاريخ، سواء في السابق لجيل الصحابة، أو في اللاحق له، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لن يأتي جيل مثله إلى يوم القيامة.

    وعظمة هذا الجيل، وقيمته تأتي من كونه بأكمله يتصف بصفات معينة، من سلامة العقيدة، وكمال الأخلاق، وأمانة النقل، وصفاء القلب، وقوة العزيمة، وحب الجهاد، جيل بأكمله على هذه الدرجة الراقية من الأخلاق والصفات.
    قد يظهر إنسان نابغة في زمان من الأزمان، أو تظهر مجموعة من الأمناء الصادقين الأبرار في جيل من الأجيال، أما أن يكون الجيل بكامله على هذه الصورة من النقاء، والبهاء، فهذا هو الغريب حقًا، وهذا هو اللافت للنظر فعلًا في أمر هذا الجيل الفريد.
    فلو ظهر في زمن من الأزمان رجل مثل عمر بن الخطاب مثلا، فهذا من سعادة هذا الجيل، ومن سعادة هذا الزمن، وكذا لو ظهر رجل مثل أبي بكر الصديق، أو رجل مثل طلحة بن عبيد الله، أو مثل خالد بن الوليد، أو مثل أبي هريرة، وهكذا لو ظهر رجل واحد فقط من هذا الصنف من الرجال، لأصبح من سعادة هذا الجيل أن ظهر فيهم مثل هذا الإنسان.

    لكن أن يظهر كل هؤلاء في زمن واحد هذا هو الأمر العجيب حقًا والفريد حقا.
    وليس الغرض في هذا البحث أن نسرد الأقوال، والأفعال التي قام بها الصحابة، فهو ليس مجرد سِيَرٍ ذاتية لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود منه التعرض لكل الأحداث التي مرّ بها الصحابة رضي الله عنهم، ولكن المقصود هو أن نتعلم كيف نقلّد جيل الصحابة؟
    كيف نكون كجيل الصحابة؟
    كيف نسير في طريق الصحابة؟
    كيف نصل إلى ما وصل إليه الصحابة سواء في الدنيا أو في الآخرة؟


    لبثت ثوب الرجا و الناس قد رقدوا و قمت أشكو إلى مولاي ما أجد
    و قلت يا عدتي في كل نائبة و من عليه لكشف الضر أعتمد
    أشكو إليك ذنوبا أنت تعلمها ما لي على حملها صبر و لا جلد

  • #2
    2- قيمة جيل الصحابة

    *الجزء القادم طويل شوية بس لازم اضعه لانه اقل واجب تجاه الصحابة رضى الله عنهم وارضاهم اجمعين وان شاء الله الاجزاء القادمة هتكون ممتعه .

    قيمة جيل الصحابة

    ولكن قبل أن نتعلم كيف وصل الصحابة إلى هذا المستوى الراقي، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، قبل أن نتعلم كيف يمكن أن نسير في طريقهم، أريد في البداية أن أتحدث عن قيمة هذا الجيل.
    قيمة هذا الجيل في ميزان الإسلام.
    قيمة هذا الجيل في ميزان التاريخ.
    بل قيمة هذا الجيل في ميزان الله عز وجل.
    وسبحان الله، هذا هو الجيل الوحيد الذي تستطيع أن تعرف قيمته في ميزان الله عز وجل؛ لأن هذا لا يتأتى، ولا يمكن معرفته أبدًا على وجه اليقين إلا بإخبار من الله عز وجل في القرآن الكريم، أو عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما عموم البشر بعد هذا الجيل فلا يمكن الجزم أبدا بأن هذا الجيل جيل ثقيل في ميزان الله عز وجل، فمن أين نعرف هذا؟!

    من الممكن أن نرجح أن هذا إنسانٌ فاضل، أو أنه يسير على طريق الهدى، لكن لا يمكن الجزم بأنه فعلا على طريق الله عز وجل؛ لأن التقييم الإلهي للفرد لا يعتمد فقط على ظاهر الأعمال التي نراها نحن بأعيننا، وإنما يعتمد أيضا على القول، وعلى النيات، وهذا لا يمكن للبشر أن يتيقنوا منه أبدا.
    نعم هناك شواهد تشير إلى فضائل الرجال والنساء، ولكن هذا كما ذكرنا لا يمكن أن يكون على وجه اليقين، ومن الممكن أن نرى إنسانًا ما، ظاهر الصلاح بينما هو في حقيقته يختلف تمامًا، ولا يعلم ذلك إلا الله عز وجل.
    تعالوا بنا نقرأ ونتدبر ما قاله الله عز وجل عن أصحاب بيعة الرضوان:
    [لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبً] {الفتح:18} .
    هذه الآية لم تُذكر في حق صحابي واحد، أو اثنين، بل ذُكرت في حق ألف وأربعمائة من الصحابة، وقد رضي الله عنهم جميعًا.
    أيضا اسمع وتدبر قول الله تعالى:
    [لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:117} .
    فهذه الآية نزلت في حق ثلاثين ألفًا من الصحابة رضي الله عنهم، وهم من شارك في غزوة تبوك.
    أما الأجيال التي جاءت بعد جيل الصحابة رضي الله عنهم، فمن المستحيل أن نصل إلى يقين أن الله عز وجل تاب على فلان بعينه، لأن الإنسان مهما بلغ من العمل في الدنيا، لا يستطيع أحد أن يجزم بخيريته، أو مكانته عند الله أو درجته في الجنة، أو يتيقن من نجاته من النار.

    وقد غرس الرسول صلى الله عليه وسلم في صحابته رضي الله عنهم هذا المعنى اللطيف، والذي نستطيع أن نستوعبه مما رواه البخاري عن خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ- امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ.
    أي أنه لما ذهب المهاجرون إلى المدينة، قام النبي صلى الله عليه وسلم بتقسيم المهاجرين على دور الأنصار، وذلك عن طريق القرعة، تقول السيدة أم العلاء رضي الله عنها:
    فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ:
    رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ.
    فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ.
    وسبحان الله من يستطيع منا أن يصل إلى ما وصل إليه عثمان بن مظعون رضي الله عنه، من سَبْقٍ إلى الإسلام، وهجرةٍ إلى الحبشة، وهجرةٍ إلى المدينة، وقد فقد رضي الله عنه عَيْنَهُ في سبيل الله، من يستطيع منا أن يصل إلى ما وصل إليه عثمان بن مظعون رضي الله عنه من ثبات وعزيمة وجهاد وصحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، إنسان متكامل حقًا، ومع هذا كله يقول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة أم العلاء عندما سمعها تقول هذا الكلام:
    وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ.
    تقول السيدة أم العلاء:
    فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟
    فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ.
    فعثمان بن مظعون من أهل الجنة فعلا، ويرجو له الرسول صلى الله عليه وسلم الخير كله، لكنه يريد أن يزرع في قلب أم العلاء، وفي قلوب كل المسلمين أننا لا يمكن أبدًا أن نجزم يقينًا أن إنسانًا معينا قد أكرمه الله عز وجل إلا عن طريق الوحي، وعن طريق إخبار الله عز وجل في القرآن، أو إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة المطهرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم قولة عجيبة جدًا، بل في منتهى الغرابة، وهذا من تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
    وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي.
    يتحدث عن نفسه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ما زال على قيد الحياة:
    وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي.
    فقالت السيدة أم العلاء:
    فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا.
    فقد فهمت رضي الله عنها الدرس، واستوعبت الحكمة التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك نفهم ما قاله الصحابي الكريم أبو بكرة رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في البخاري ومسلم قَالَ:
    أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
    وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ.
    مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ:
    مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ.
    والشاهد من كل هذه الروايات أن الأجيال التي جاءت بعد جيل الصحابة لا يمكن أبدا الجزم بخيريتها، ولا يمكن الجزم بخيرية رجل بعينة ما دام القرآن، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجزم بذلك، ولم يذكر ذلك بوحي، أو بدليل من عند الله عز وجل، وبالطبع هذا ليس مع جيل الصحابة، لأنه قد عُلم على وجه اليقين أنهم سبقوا، وقد عُلم على وجه اليقين أن الله عز وجل قد زكّاهم، فلا يصح أن يقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا.
    لأن عمر بن الخطاب قد زكاه الله عز وجل، وزكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه خاصية فريدة جدًا جدًا لجيل الصحابة، فجيل الصحابة هذا جيل فريد، فريد حقًا، ولن يتكرر، ولأسباب هامة لن يتكرر في التاريخ.

    فلماذا وصل هذا الجيل إلى هذا المستوى الراقي جدًا؟

    أنا أعتبر وصول هذا الجيل إلى هذا المستوى الراقي راجع إلى أسباب ثلاثة:

    السبب الأول: أن هذا الجيل جيل مختار من الله عز وجل، وهذا يعني أن هؤلاء الصحابة بأعيانهم خُلقوا ليكونوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا بد من وجود أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن له دورًا لا بدّ له من أن يؤديه، لا بد من وجود عمر بن الحطاب رضي الله عنه؛ لأن عليه دورًا يجب أن يقوم به، ولن يقوم به غيره، لا بد من وجود عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وبلال، وخالد، والسيدة خديجة، والسيدة عائشة، كل الصحابة لا بد من وجودهم بأعيانهم، فالله عز وجل كما يصطفى رسله من الملائكة، ويصطفى رسله من البشر، فكذلك هو يصطفي أصحاب رسوله
    [اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ]{الحج:75} .
    لنتدبر كيف يتحدث الله عز وجل عن أصحاب عيسى عليه السلام:
    [وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ]{المائدة:111} .
    أي أن الله عز وجل خاطب أصحاب عيسى عليه السلام عن طريق الإلهام، أو الوحي غير المباشر، لا بد أن يعينه على تبليغ رسالته، فيختارهم الله عز وجل بطريقة معينة، بل ما هو أصعب، أصحاب موسى عليه السلام وكلنا يعرف ما اشتهروا به من الشر، والأذى، وسوء الأدب، ومع ذلك يقول الله عز وجل عنهم في كتابه:
    [وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى العَالَمِينَ(32)وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ] {الدُخان:32،33} .
    هذا في حق أصحاب موسى عليه السلام مع ما اشتهروا به من الأذى والشر.
    أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الإمام أحمد بسنده عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ:
    فَقَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً أَصْحَابُهُ، وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا أَنْزَلُوهُ أَوْسَطَهُمْ.
    فهم يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسطهم حمايةً له صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظوا من نومهم في جوف الليل، ولم يجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عبادة بن الصامت:
    فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا غَيْرَهُمْ، فَإِذَا هُمْ بِخَيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَبَّرُوا حِينَ رَأَوْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْفَقْنَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتَارَ لَكَ أَصْحَابًا غَيْرَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    لَا، بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
    الصحابة مختارون؛ لأن على أكتافهم تبعة حمل هذا الدين كاملًا من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض أجمعين، ليس هناك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول فماذا لو كان أصحابة يتصفون بكذب، أو بخيانة، أو بكسل، أو بفتور، أو بحبٍ للدنيا، أو انغماس فيها، ماذا سيكون حال الأرض إلى يوم القيامة لو نقل إلينا الدين مشوهًا؟ أو نقل إلينا الدين مغيرًا أو مبدلًا، لذلك اختار الله عز وجل من البشر من يستمعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإنصات، ويستمعون إليه بإمعان وتقدير ثم ينقلون هذا الذي ،استمعوا إليه جميعا فيقيمون بذلك الحجة على أهل الأرض أجمعين، وإلا كيف يحاسب الله أهل الأرض؟
    كيف يحاسب من يأتي من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    وقد قال الله عز وجل:
    [وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولً] {الإسراء:15} .
    إذن لا بد أن يوجد جيل يحمل الأمانة، ويُحمّل الأجيال التي تأتي من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة تمامًا كأن في وسطهم رسول، وليس هناك رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الأمر الأول الذي من أجله كان هذا الجيل فريدًا، وغير متكرر، إنه جيل اختاره الله عز وجل بعناية لصحبة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.


    السبب الثاني: هو أن هذا الجيل مرّ بتجربة فريدة تمامًا ، تراكم خبرات لم يرها أحد من المسلمين بعدهم، هذا الجيل مرّ بتجربة في غاية الندرة، تعالوا بنا نرى هذه التجربة، وهذا الجيل الفريد:

    أولا: رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوه رأي العين، واجتمعوا به، وتعاملوا معه، وصلوا خلفه، واستمعوا إلى حديثه، وهذا الأمر هائل في حد ذاته، إن المؤمن بعد جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جيلنا الآن، وإلى يوم القيامة إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يعتبر هذا حدثًا ضخمًا، وهو بالفعل حدث ضخم، والرسول صلى الله عليه وسلم يهتم جدًا بهذا الحدث، تخيل مجرد رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، هذا أمر يهتم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي.
    وأعظم من ذلك ما رواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فَي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي.
    وفي رواية: فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ.
    فمجرد الرؤية أمر جليل، وعظيم جدًا فما بالكم بمن كان يراه بعينه في كل يوم، وفي كل لحظة ليس في المنام فحسب، بل في الحقيقة، وليس ساعة أو ساعتين لا، بل عمرًا كاملًا.
    وأريد منك أن تتخيل معي هذا الموقف:
    عندما أصف لك إنسانًا ما أنه أسدى إلى أحد الناس معروفًا، فإنك تحبه لهذه الصفة الحسنة، فماذا يكون منك إذا كان هذا الإنسان قد أسدى هذا المعروف إليك أنت، هذا بلا شك يزرع محبته في قلبك.
    إذا سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، غُرسَت محبته في قلبك، فما بالك إذا كان هذا العطاء لك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعطيك بنفسه، وأنت الذي تأخذ منه بنفسك.
    عندما تسمع ما قاله عبد الله بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه كما جاء في الترمذي يقول:
    مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    عندما تعرف هذا الأمر تزداد محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالك إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم لك، وأنت بنفسك ترى وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم يبتسم في وجهك.
    عندما أقول لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعود المرضى، ويشهد الجنائز، لا شك أنك تحبه فما بالك إذا كنت أنت المريض الذي زاره النبي صلى الله عليه وسلم، وما بالك إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهد جنازة قريبٍ لك، كيف ستكون علاقتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم تكون درجة إيمانك به.
    والنظر في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم له تأثير خاص، لنسمع عبد الله بن سلام يصف لنا شعوره عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف كما في الترمذي قَالَ:
    لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ. قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، فمجرد الرؤية لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تترك في القلب أثرًا لا ينسى، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.
    كما أن رؤية خاتم النبوة تترك في نفس من يراه أثرًا لا ينسى، وكثير من صحابة النبي صلى الله عليه رأوا بأعينهم خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الصحابة الذين رأوا هذا الخاتم سلمان الفارسي رضي الله عنه، وعبد الله بن سرجس رضي الله عنه، وعمرو بن أخطب رضي الله عنه، وغيرهم كثير رأوا هذا الخاتم، ولا شك أن رؤية هذا الخاتم تترك أثرًا في نفس من يراه، وليس من رأى كمن سمع.
    فهذا هو الأمر الأول في التجربة الفريدة التي مرّ بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثانيًا: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعايشون القرآن، فإذا كنا نحن نقرأ القرآن، ونسمع عن أسباب النزول، فإن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عاشوا هذه الأسباب، وتعايشوا مع القرآن، وهو ينزل في الأوقات المختلفة، رأوه حال حدوثه، ولا شك أن هذه الرؤية وهذه المعايشة كانت ترفع درجة إيمانهم إلى أكبر درجة يمكن أن نتخيلها.
    لنتخيل معًا أمر هذه المرأة التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها، ومدى تفاعلها مع الآيات التي نزلت في حقها، وتخيّل حالها وهي تصلى بسورة المجادلة أو تقرأها أو تسمعها "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها" هي بنفسها السيدة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها وأرضاها تقرأ قد سمع الله:
    [قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] {المجادلة:1} .
    من المؤكد أن تفاعلها مع كل كلمة مختلفٌ تمامًا عن تفاعل بقية المسلمين مع نفس الآيات، وتخيل أيضًا تفاعل زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه مع الآيات، تخيل وهو يسمع هذا التحذير الإلهي:
    [الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ القَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ] {المجادلة:2} .
    لا شك أنه وهو يسمع هذه الآيات ليس كأحد منا، لأنه عاش هذه الآيات حال حدوثها وحال نزولها.

    تخيل أيضًا تفاعل جيران السيدة خولة بنت ثعلبه رضي الله عنها وأرضاها، وهم يقرءون صدر سورة المجادلة، يعلمون أنها نزلت في جارتهم هذه بعينها خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، تخيل تفاعل المجتمع المسلم بكامله مع هذه الآيات.
    خرج عمر بن الخطاب، ومعه الناس فمرّ بعجوز فاستوقفته، فوقف فجعل يحدثها وتحدثه فقال له رجل:
    يَا أَمِيرُ الْمَؤُمِنِيَن، حبست الناس على هذه العجوز. كان لا يعرفها، فقال: ويلك، تدري من هي؟
    سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات هذه خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها :
    [قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] {المجادلة:1} .
    والله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا للصلاة، ثم أرجع إليها.
    أرأيت مدى تعظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لأمر هذه السيدة؛ لأن هذه الآيات نزلت في حقها.
    ضع هذا المفهوم على كل آيات القرآن الكريم، لأن كل آيات القرآن نزلت في حوادث معينة، أو في ظروف معينة، أو في وقت معين كان الصحابة رضي الله عنهم يعيشون مع كل كلمة، لا أقول مع كل آية، بل مع كل كلمة في كل آية تنزل من عند الله عز وجل.
    تخيل نفسك أنك تشارك في غزوة بدر، ثم تسمع سورة الأنفال بعد هذه المشاركة، من المؤكد أن إحساسك بالآيات سيكون مختلفا تمامًا عن إحساس عامة المسلمين الذين يقرءون سورة الأنفال، ويتخيلون- مجرد تخيل- ما حدث للمسلمين في بدر.
    الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتخيلون هذا الأمر، بل إنهم عاشوا هذه التجربة كاملة، عاشوا غزوة بدر من أولها إلى آخرها
    [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {الأنفال:1} .
    فالصحابي عندما يقرأ هذه الآيات، أو يسمعها يتذكر ما حدث عند تقسيم الأنفال، وما حدث من مشادة عندها.
    [وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ] {الأنفال:7} .
    فالصحابي عندما يقرأ هذه الآيات يتذكر أنهم إنما كانوا يريدون القافلة، ومع ذلك أراد الله أمرًا آخر، فهم يعيشون مع كل كلمة من كلمات الله عز وجل.
    [إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ] {الأنفال:11} .
    النعاس نزل على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وتكرر ذلك في غزوة أحد، كما قال الله عز وجل:
    [ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً] {آل عمران:154} .
    قال أبو طلحة الأنصاري:
    كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مرارًا يسقط، وآخذه، يسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون، وهم تحت الحجب، فسيدنا أبو طلحة الأنصاري عندما يقرأ هذه الآيات
    [ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً] {آل عمران:154} .
    ويكون هو ممن غشيه النعاس في هذه الغزوة ويقصّ لمن حوله من الناس انظر كيف يكون تفاعلهم مع الآيات.
    [وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ] {الأنفال:44}
    هذه الآيات نزلت في غزوة بدر، وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لقد قُلّلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تُراهم سبعين؟ ألف من المشركين يراهم المسلمون سبعين فقط، فقال له الرجل:
    أراهم مائة. قال : فأسرنا رجلًا منهم فقلنا: كم هم؟
    قال: ألفًا.
    كان الصحابة رضي الله عنهم يتفاعلون مع الحديث القرآني عن أحد، وعن تبوك، وعن غيرها من المواقف، والغزوات، والأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعايشون كل آيةٍ من القرآن الكريم معايشةً كاملةً، وهذا يعطي بعدًا آخر لهذا الجيل الفريد.
    عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، هذا الصحابي الجليل الذي نزلت فيه صدر سورة (عبس) وكلنا يعرف هذه القصة المشهورة، تخيلوا عبد الله بن أم مكتوم وهو يقرأ [عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:1، 2،3} إلى آخر الآيات.
    هل يمكن أن يسهو في الصلاة؟!
    كيف لا يخشع في صلاته؟!
    وتخيل أيضًا الرجل الذي يقف بجواره في الصلاة، خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسمع الآيات من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم أن المقصود بهذه الآيات هو عبد الله بن أم مكتوم الذي يقف بجواره في الصف.
    تخيل حال سيدنا أبي بكرٍ صديق ودرجة إيمانه ودرجة قربه من الله عز وجل وهو يقرأ قول الله تعالى:
    [وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى]. {الليل:17: 21}.
    ويعلم أن هذه الآيات نزلت فيه هو شخصيًا، كيف يكون إحساسه وهو يقرأ هذه الآيات؟
    تُرى ما هو إحساس زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه وهو يقرأ:
    [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولً] {الأحزاب:37} .
    كيف يكون إحساسه رضي الله عنه وهو يقرأ هذه الآيات ويعلم أن الله عز وجل قد سمّاه باسمه.
    إنه أمر هائل، يقول الله عز وجل:
    [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ] فالله عز وجل سمى زيدًا باسمه في القرآن، وتخيل إحساس السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، وأرضاها وهي تقرأ:
    [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَ] من السيدة زينب [وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَ] أي زوجناك السيدة زينب بنت جحش، كانت السيدة زينب بنت جحش تفخر على زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول لهن:
    زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات.
    تخيل معايشة السيدة زينب، ومعايشة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومعايشة كل نساء المسلمين أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يجلسون مع السيدة زينب بنت جحش، وهم يعرفون فيمن نزلت هذه الآيات، ويعرفون أحداث هذه القصة بالتفصيل.
    إذن فالصحابة كانوا يعايشون القرآن تمامًا، ويتفاعلون مع كل آية، ومع كل كلمة، وينصتون إلى الخطاب الإلهي لهم بأذن تختلف كثيرًا عن آذان غيرهم من المسلمين، وبقلوب تختلف كثيرًا عن قلوب كثير من المسلمين، فهؤلاء هم الصحابة رضي الله عنهم.
    الأمر الثالث الذي يضيف بُعدًا آخر لتجربة الصحابة الفريدة أن الصحابة رضي الله عنهم رأوا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب،
    نحن أيضًا نسمع عن ذلك، لكن ليس من رأى كمن سمع، فالذين يعيشون في الحدث، ويتشوقون لمعرفة ما يحدث على بعد مئات، أو آلاف الأميال، ليس كمن يسمع عن هذا الأمر بعد مائة سنة، أو مائتين، أو بعد ألف سنة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر صحابته بأمر حدث على بعد مئات أو آلاف الأميال.
    تعالوا بنا نرى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقفون حوله في المدينة المنورة، وهو يصف لهم ما يحدث في سرية مؤتة على بعد مئات الأميال من المدينة المنورة.

    وتخيلوا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم يستمعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف لهم أحداث المعركة يقول صلى الله عليه وسلم: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ الرَّايَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ فَأُصِيبَ- وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان الدمع- ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
    وبعد ذلك يرجع الجيش المسلم، ويعرف المسلمون في المدينة المنورة أن كل كلمة قالها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم كانت كلمة صدق، وكلمة حق
    كم يكون إيمان الصحابة بهذا الرسول وبهذا الدين؟!
    لقد عاشوا رضي الله عنهم رؤية إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب.
    تخيلوا عندما يأتي عاملا كسرى يطلبان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب معهما إلى كسرى فارس، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    إِنَّ رَبِّي قَتَلَ رَبَّكُمَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ.
    وهذا الكلام كان ليلة الثلاثاء 10 جمادى الأولى في سنة 7 من الهجرة، وحدد الصحابة هذه الليلة وعُلم أن كسرى فارس كان قد قُتل في ذات الليلة.
    نحن نسمع الآن عن الحدث، لكن الصحابة عاشوا في الحدث، وانتظروا مرور الأيام وعلموا أن كسرى فارس قُتل في هذه الليلة، إن هذا الأمر يعمق الإيمان في قلوب الصحابة رضي الله عنهم.
    الصحابة شاهدوا المعجزات الحسية أيضا التي نسمع عنها الآن.
    لا شك أن القرآن الكريم أعظم معجزة بين أيدينا، لكن الصحابة رضي الله عنهم مع القرآن الكريم شاهدوا المعجزات الحسية، مثل:
    - معجزة انشقاق القمر
    وقد حُكي ذلك من روايات عدة في البخاري وغيره، يقول جبير بن مطعم: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا:
    سحرنا محمد.
    وقالوا: إن كان سحرنا، فإنه لا يسحر الناس كلهم.
    فقالوا: انظروا السفار- أي المسافرين- القادمين من خارج مكة، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق- صلى الله عليه وسلم- وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به.
    فسُئل السفار، وكانوا قد قدموا من كل جهة فقالوا:
    رأينا.
    أي رأوا انشقاق القمر، فأنزل الله عز وجل:
    [اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ] {القمر:1} .
    أنا أريدك أن تتخيل نفسك تعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في داخل مكة، وأنت ترى القمر يُشق إلى فرقتين، هذا يغرس الإيمان العجيب القوي جدًا في قلوب الصحابة.
    - شاهدوا حنين جذع النخلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
    روى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ، فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ- صدر مه صوتُ حنينٍ وألمٍ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم- فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَضَنَهُ، فَسَكَنَ، وَقَالَ:
    لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
    وفي رواية جابر بن عبد الله يقول:
    حتى سمعه- أي سمع حنين الجذع- أهلُ المسجد.
    تخيّل نفسك في المسجد، وفد سمعت بأذنيك حنين جذع النخلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    - شاهدوا البركة في الطعام، والشراب، والسلاح، والصحة، وفي كل شيء
    أمثلة كثيرة لا تحصى، وكلها عجيب.
    موقف جابر بن عبد الله في الأحزاب، رأى رضي الله عنه وأرضاه جوعًا شديدًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه سرًا ليأكل في بيته من طعام قليل عنده طعام قليل جدا (ماعز وخبز) حتى أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه سماه طعيمًا
    قال: يا رسول الله عندي طُعَيم.
    ودعا رسول الله، واثنين، أو ثلاثة على الأكثر من أصحابه صلى الله عليه وسلم، قال جابر بن عبد الله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الخندق جميعًا، فجاء من سمع النداء، وكانوا قد تجاوزوا الألف، فأكلوا جميعًا من الطعام وشبعوا، وبقيت برمة اللحم ملأى بما فيها حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر زوجة جابر أن توزّع الطعام على جيرانها، تخيل نفسك ممن أكل من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهويمسك ببرمة طعام صغيرة لا تكفي إلا لإطعام ثلاثة أو أربعة ومع هذا يأكل منها ألف ويتم توزيع الباقي، على جيران جابر بن عبد الله.
    - موقف قتادة بن النعمان رضي الله عنه وأرضاه في غزوة أحد لما سقطت عينه على وجنتيه، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل عينه على يده، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى مكانها، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما.
    تخيّل نفسك قتادة بن النعمان أو تخيل نفسك من أصحاب قتادة الذين شاهدوا عينه تقع على وجنته، وشاهدوا عينه بعد ذلك، وهي صحيحة في مكانها كم يكون الإيمان في قلبك؟.
    ومن هذا القبيل من الأحداث ما لا يحصى، الصحابة رأوا بأعينهم صورًا يستحيل على غيرهم أن يراها.
    - شاهدوا الملائكة في بدر
    في صحيح مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ:
    أَقْدِمْ حَيْزُومُ.
    فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
    صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ.
    وتخيل مدى إحساس هذا الصحابي بمعايشة الملائكة له في أرض المعركة وفي أرض القتال، يقول أبو داود المازني رضي الله عنه وأرضاه من المسلمين الذين شاركوا في بدر:
    إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري.
    من قتله؟ لا شك أنه ملك من الملائكة.
    الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرون جبريل عليه السلام، وقد أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صورة رجل، وبعد أن يذهب من بينهم كانوا يعرفون أن من كان يقف بينهم منذ قليل هو جبريل عليه السلام أعظم الملائكة على الإطلاق.
    روى مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ:
    بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ- وصف دقيق فهو يعيش التجربة كلها- وَقَالَ:
    يَا مُحَمَّدُ ،أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ...
    قَالَ عمر: ثُمَّ انْطَلَقَ- أي الرجل- فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي:
    يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟
    قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
    قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.
    وكان جبريل عليه السلام يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة أحد الصحابة الذين اشتهروا بالجمال وهو (دحية الكلبي) رضي الله عنه وأرضاه، وكان الصحابة يعرفون على أي صورة كان يأتي جبريل عليه السلام، ومن لم ير الموقف أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه على صورة دحية الكلبي، وكلهم يعرفه، فيتخيلون موقف مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة هذا الصحابي الذي يعرفونه جميعًا.
    وهذا الموقف تكرر كثيًرا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    - تخيلو أيضًا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحدّث المسلمين عن عمرو بن لُحَي، وهو أول من جمع العرب على الأصنام، وجاء بعبادة الأصنام من الشام إلى مكة، ويحكي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن لُحَي، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَكْثَمَ.
    وهو أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فيتعايش الصحابة مع قصة هذا الرجل الذي أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب معايشة أكبر بتخيلهم له، وهو على صورة رجل منهم يعرفونه جميعًا، فيسأل معبد بن أكثم، وكان جالسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول معبد بن أكثم:
    أي رسول الله، يُخشى عليَّ من شبهه؟
    قال: لَا، أَنْتَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ.
    - بل أكثر من ذلك، فتنة الدجال الضخمة التي ستأتي بعد ذلك، وهي من علامات الساعة الكبرى، تخيلوا الرسول صلى الله عليه وسلم يحكي لصحابته عن الدجال، وكما نقرأ نحن الأحاديث الصحيحة التي جاءت في وصف الدجال، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يضيف نقطة أخرى استفاد منها صحابة النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    فَإِنَّهُ- أي الدجال- أَعْوَرُ الْعَيْنِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ- أي يوجد انحصار لمقدمة الرأس من الشعر، أي نصف أصلع- عَرِيضُ النَّحْرِ، فِيهِ دَفَأٌ- أي انحناء في الجسد- كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى.
    وفي رواية أخرى: كَأَنَّهُ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ قَطَنٍ.
    وهو أحد الصحابة، فقال هذا الصحابي:
    يا رسول الله، هل يضرني شبهه؟
    قال: لَا، أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ.
    أي أن الصحابة رضي الله عنهم يعرفون كيف يكون شبه الدجال، نحن نتخيل الدجال من الأحاديث التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الصحابة فكانوا يعرفون ملامحة دون تخيّلٍ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَبّهه في هيئته بأحد الصحابة، وهم يعرفونه جميعًا، وهذا الأمر يضيف بُعدًا آخر لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    شيء آخر انفرد به صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم بُشّروا بالجنة وهم ما زالوا أحياء.

    كان الصحابي يسير على الأرض، وهو يعلم علم اليقين أنه من أهل الجنة،
    كيف يصبر على الحياة بعد ذلك؟!
    هذا ليس فقط في حق العشرة المبشرين بالجنة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة، وسعيد بن زيد، بل إن كثيرًا من صحابته صلى الله عليه وسلم بُشرّوا بالجنة وهم أحياء.
    في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ:
    يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ- يَعْنِي تَحْرِيكَ- نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ.
    قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.
    فكان رضي الله عنه يعيش في الدنيا وهو يعلم أنه من أهل الجنة، لأجل هذا وعند موته رضي الله عنه كانت زوجته تبكي وتصرخ فقال لها:
    لماذا تبكين؟ غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه.
    انظروا إلى أي مدى يقبل بلال على الموت، فهو رضي الله عنه يقبل على الموت بفرحة شديدة؛ لأنه على يقين أنه ذاهب إلى الجنة، لقد أخبره بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
    عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، كان يجلس مع الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، فصعد شجرة ليأتي بعود من الأراك، أو بتمر من نخلة- على اختلاف الروايات- فضحك الصحابة من دقة ساقيْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
    وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ.
    تخيّل كيف يعيش عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعد ذلك في الدنيا وهو يعلم أنه أثقل في ميزان الله من جبل أحد.
    - الحسن والحسين:
    روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
    كم تكون قيمة الدنيا في عين الحسن والحسين وقد علما أنهما سيدا شباب أهل الجنة.
    - السيدة خديجة رضي الله عنها.
    يخاطب جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري عن أبي هريرة:
    أَقْرِئْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ- أي لؤلؤ- لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
    أي لا ضوضاء ولا تعب في هذا البيت، فالسيدة خديجة رضي الله عنها تعلم أنها من أهل الجنة، بل يُقرأ عليها السلام من ربها ومن جبريل، ولها قصر في الجنة من لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب، فكيف تتعلق بالدنيا مع هذا كله ؟!
    كيف لا تخشع في صلاتها؟
    كيف لا تكثر من الإنفاق في سبيل الله؟
    كيف لا تشتاق إلى الجنة؟
    فهي رضي الله عنها بُشرت بالجنة باسمها.
    - ولما تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، قال له عكّاشة بن محصن:
    ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم.
    قال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ.
    ولما قام رجل آخر يطلب نفس الطلب قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.
    من هذا نستطيع أن نفهم لماذا عاش عكاشة رضي الله عنه حياتا كلها جهاد في سبيل الله، فشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمرّ على ذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى استشهد في اليمامة، وهو يحارب المرتدين؛ لأنه يعلم أنه من أهل الجنة.
    وهذا الأمر نقل الصحابة رضي الله عنهم من المرحلة الإيمانية المسماة بعلم اليقين، إلى المرتبة الإيمانية الأعلى المسماة بمرتبة عين اليقين
    [كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ(5)لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ] {التَّكاثر:5: 7}.
    فالصحابة كانوا يرون كل شي بأعينهم، وحتى أمور الغيب رأوا منها الكثير بأعينهم بوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إذن فهذه تجربة فريدة جدًا مرّ بها جيل الصحابة، وهو جيل مختلف عن كل الأجيال التي سبقته والتي لحقته في أنه:
    أولًا: جيل مختار، اختاره الله عز وجل لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    ثانيًا: أنه عاش تجربة فريدة لم يعشها جيل سابق، أو لاحق على جيلهم رضي الله عنهم.
    ثالثًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرّح بأن هذا الجيل هو خير الأجيال، روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ.
    هذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمران:
    فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرة أو ثلاثة.
    فخير الأجيال وخير الناس هم قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جيل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ.
    تخيل أن لك مثل جبل أحد ذهبًا وأنقفته كله في سبيل الله، فهذا لا يساوي ملء الكفين من إنفاق أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
    لماذا؟
    لأن لهم أجرالسبق فهم الذين علمونا الإنفاق، وعلمونا قهر النفس، وانفاق الأموال في سبيل الله عز وجل، وهذا يعطيهم الأجر العظيم ويصل بهم إلى أن يكونوا خيرالناس وخير القرون وخير الأجيال.

    من كل ما سبق يتضح لنا أننا نتعامل مع أرقى جيل في الوجود، مع الجيل الذي يصلح تمامًا أن يُتخذَ قدوة، كما قال عبد الله بن مسعود:
    من كان مستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحيّ لا تُؤمن عليه الفتنة.
    ونحن نرى عظماء كثيرين يعيشون بيننا، لكننا لا نعرف من فيهم سيثبت على الحق، ومن فيهم سيغيّر ويبدّل بعد ذلك، لكن من مات فقد علمنا أنه قد مات على الحق وخاصّة جيل الصحابة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا يستطيع أحد أن يقول أنه يذكر ذلك تعظيمًا لنفسه، بل إنه يذكر حقيقةً لا بدّ أن يعلمها كل المسلمين وإذا علموها استفادوا منها استفادة جمة لذلك وجب عليه أن يذكر هذا الأمر، وكتمان هذه الحقيقة إنما هو كتمان لعلم هام جدًا هو علم تقدير الصحابة، وتعظيمهم، وتكريم هذا الجيل بأكمله، لأنهم جيل القدوة، يقول عبد الله بن مسعود:
    كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
    لذلك علينا أن نجعل هدفنا من مطالعة هذا البحث أن نتعلم كيف نكون مثل الصحابة؟
    وهذا معناه أننا نريد أن نتعلم كيف نكون مسلمين حق الإسلام؟
    كيف نؤمن بالله عز وجل حق الإيمان؟
    كيف نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الحب؟
    كيف نفهم هذا الدين حق الفهم؟
    دراسة حياة الصحابة هي دراسة الإسلام، السير في طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم هو السير في طريق الجنة.
    نسأل الله عز وجل أن يلحقنا بهم في أعلى عليين في صحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

    لبثت ثوب الرجا و الناس قد رقدوا و قمت أشكو إلى مولاي ما أجد
    و قلت يا عدتي في كل نائبة و من عليه لكشف الضر أعتمد
    أشكو إليك ذنوبا أنت تعلمها ما لي على حملها صبر و لا جلد

    تعليق


    • #3
      ماشاء الله و لا قوة الا بالله
      ربنا يعزك اخي يارب,انا كنت سمعت السلسلة دي من فترة و كنت بدور عليها مكتوبة حتي استطيع مراجعتها
      جزاكم الله خيرا عنا اللهم امين
      كمان انا بحب اسلوب دكتور راغب جدااا في سرد الاحداث و تأريخها ربنا يبارك فيه يارب..
      في انتظار باقي السلسلة ان شاء الله
      اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان.اللهم من خذلهم فاخذله، ومن أسلمهم فأسلمه إلى نفسه، ومن كادهم فَكِِدْهُ، ومن عاداهم فعادِهِ،ومن تَتَبَّعَ عوراتهم فافضحه على رؤوس الخلائق أجمعين.

      اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك.

      تعليق


      • #4
        هى كل الموضوع ده حلقة واحده بس

        أنا قلت إنك كتبت لكتاب كله

        طبعا الكلام رائع لكن كان يحتاج منك مجهود فى الإختصار

        وفى انتظار المزيد إن شاء الله
        سبحان الله وبحمده ::. . .:: سبحان الله العظيم
        الحمد لله عدد ما خلق . الحمد لله ملء ما خلق . الحمد لله عدد ما في السموات و ما في الأرض . الحمد لله عدد ما أحصى كتابه و الحمد لله ملء ما أحصى كتابه . و الحمد لله عدد كل شيئ والحمد لله ملء كل شيئ



        تعليق


        • #5
          هل أنت صحابى ؟؟

          والله يا ابو يحيى صعب قوى انى اختصر جزء منه لان الكلام معظمه مهم وعلى العموم الجاى هيبقى اقل ان شاء الله

          (القابضون على الجمر)

          هل أنت صحابي ؟؟


          قد يستغرب كثير من الناس هذا السؤال:
          هل أنت صحابي؟
          وهذا الأمر في مصطلح أهل الحديث مستحيل، فالصحابي أو الصحابية هو رجل أو امرأة عاشا في حقبة معينة من الزمان توافرت فيه، أو فيها شروط معينة، هذه الحقبة من الزمان مرت، ولا يمكن أن تعود، وهذه الشروط من المستحيل أن تتوفر فينا، لهذا ففي مصطلح أهل الحديث لا يمكن لنا أن نكون صحابة، فما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الإنسان عند علماء مصطلح الحديث حتى يكون صحابيا؟

          الشرط الأول

          أن يكون قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، أو اجتمع به، فلا بد من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون صحابيا من عاصر الرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره أبدا حتى، وإن كان في زمانه، فالنجاشي ليس بصحابي مع أنه كان معاصرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمن به في حياته، لكن لم يره، ويقول علماء الحديث:
          أو اجتمع به.
          ليدخل في هذا المعنى من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يره لضعف أو لفقد لنعمة البصر، مثل عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه، اجتمع بالرسول، لكنه لم يره؛ لأنه ضرير، ولا بد أن تكون الرؤية رؤية يقظة، وليست رؤية المنام.

          الشرط الثاني

          أن يكون آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته صلى الله عليه وسلم، فليس بصحابي من كان معاصرًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورآه، أو اجتمع به، لكنه ظل كافرًا سنوات طويلة إلى أن مات الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم آمن الرجل، فهو ليس من الصحابة، ولكن يكون من التابعين الذين تعلموا على يد الصحابة.
          الشرط الثالث
          أن يموت على هذا الإيمان، فهو قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ثم مات على هذا الإيمان.
          هذه الشروط الثلاثة لو تحققت في واحد، فهو صحابي، والصحابة كثيرون جدا، أكثر من مائة وأربعة عشر ألفا تحققت فيهم هذه الشروط، ونحن لسنا من الصحابة؛ لأننا لم نعاصر رسول صلى الله عليه وسلم، ولم نره، ولا مرت بنا هذه التجربة، كما ذكرنا، فبمصطلح الحديث مستحيل أن نجاوب عن سؤال: هل أنت صحابي؟ بإجابة نعم.
          ولكن ما القصد من السؤال:
          هل أنت صحابي؟
          إذا كان مستحيل أن نكون صحابة في مصطلح الحديث، فما المقصود بكلمة كن صحابيًا؟
          المقصود أن تكون صحابيا في عقيدتك، في إيمانك، في أفكارك، في فهمك لهذا الدين، في طموحاتك، وأهدافك، في حميتك للإسلام، في غيرتك على حرمات المسلمين، في التطبيق لكل صغيرة وكبيرة في هذا الدين.

          المقصود في هذا البحث أن نفقه الأسباب الحقيقة التي جعلت من الصحابة صحابة، لم يكن فضل فقط أنهم عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عاشوا معه في نفس الفترة الزمنية، فقد عاصره أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم من أولئك المشركين.

          إنما يرجع فضل الصحابة إلى التزامهم بتعاليم هذا الدين التزامًا حرفيًا، واتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم اتباعًا دقيقًا، وحبهم لهذا الشرع حبًا خالصًا صادقًا حقيقيًا.
          المقصود في هذا البحث أن نكون قومًا عمليين، لا يكون همنا سماع الحكايات، والتندر بالروايات، لكن يكون همنا أن نصل إلى ما وصل إليه هؤلاء العملاقة، أو قربيًا مما وصلوا إليه، وهو المقصود من كلمة:
          كن صحابيًا.
          وهو المقصود من سؤال:
          هل أنت صحابي؟

          قال لي أحد أصحابي شيئًا غريبًا، ولعل هذا الشيء الغريب هو السبب في إعداد هذا البحث، يقول: إنني كلما قرأت قصص الصحابة، أو استمعت إليها أصابني اليأس، والإحباط.
          قلت: هذا عكس المراد تمامًا، إنما نقرأ سير الصحابة، والصالحين لنتحمس للعمل، لننشط من الفتور، فلِمَ تشعر بهذا الإحساس؟
          قال: كلما قرأت عن الصحابة وجدت أعمالًا يستحيل علينا فعلها، فبصراحة حاجة تعقد.
          يقول: وجدت إصرارًا على الجهاد، وجدت ثباتا على الإيمان، وجدت عزيمة على صيام، وقيام، وبذل، وعطاء، وجدت مواصلة لأعمال البر، والخير ليل نهار، صيف شتاء، لا يوجد فرق بين مرحلة طفولة، ومرحلة شباب، ومرحلة كهولة أو شيوخة، الجهد كله لله عز وجل، المال كله في سبيل الله، الفكر كله في سبيل الله، الحياة كلها في سبيل الله.
          فعندما أجد ذلك أشعر بضعفي الشديد، وبعدي عن طريقهم، فيسيطر عليّ الإحباط، واليأس.
          انتهى كلام صاحبي.
          قلت لصاحبي:
          نصف كلامك أنا معك فيه أقبله، واتفق معك فيه تمامًا، والنصف الثاني اختلف معك فيه اختلافًا جذريًا، فكما تقول فعلا الصحابة جيل فريد حياتهم عجيبة، عطائهم ما انقطع لحظة، ولذلك قيمته عالية جدا وغالية جدا، يكفي أن تسمع إلى ما يقول الله في حقهم إجمالًا:
          [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ]
          {التوبة:100} .
          ولم يذكر الله عز وجل شرط الإحسان في عمل الصحابة، فقال:
          [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ]
          {التوبة:100}.
          كلهم على هذه الوتيرة، والذين اتبعوهم شرط لهم الإحسان [وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ] {التوبة:100} .

          لأن الصحابة السابقون، والمهاجرون والأنصار، كلهم عملوا بإحسان
          هذا معلوم ضمنًا لحال الصحابة، فدرجتهم عالية، وغالية عند ربنا سبحانه وتعالى، وعند الرسول، وعند كل المؤمنين، درجة في منتهى الجمال، هذا ما اتفق فيه معك أنهم وصلوا لدرجة عالية جدًا، لكن ما اختلف فيه مع صاحبي هو الشعور بالإحباط، واليأس عند سماع هذه الحكايات، وعند قراءة هذه السير، فبدلا من الإحباط، واليأس، الأفضل أن نشغل أنفسنا بمعرفة كيف سبق السابقون؟
          وكيف اللحاق بهم؟

          فكر في المسألة بعقلك، ما دام الصحابة ساروا في طريق معروف واضح، وهذا الطريق موصوف لنا، كما وُصف لهم، وذلك في كتاب الله عز وجل، وفي سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إذا كان الأمر كذلك فالتعرف على الطريق، والسير فيه يضمن أن نصل إلى ما وصلوا إليه، فمثلا،
          لو قلت لك:
          امش في هذا الطريق لا تحيد عنه يمينًا أو شمالا، وستجد نفسك في الإسكندرية.
          طريق مستقيم من هذه نقطة إلى هذه النقطة يصل بك إلى الإسكندرية، فكل من سار في هذه الوصفة وصل.
          فالصحابي مشي في الطريق، ولم يحد يمينا أو شمالا، فوصل إلى ما كان يريد أن يصل إليه، ونحن إذا سلكنا نفس الطريق من غير ما نحيد يمينا أو شمالا سنصل لنفس ما وصل إليه الصحابي، المشكلة أننا كثير ما نحيد يمينا وشمالا، أحيانا تحب أن تستكشف طرق جانبية، فتبعد عن الطريق المستقيم،
          قد تفكر أنك أذكى من الشرع، أحيانًا نفكر بهذا التفكير تسطيع أن تأخذ طرق مختصرة فتصل أسرع، بينما الأصل أن الطريق المستقيم، هو أقصر الطرق، وطريق الشرع هو دائمًا الطريق المستقيم من غير يمين ولا شمال، يقول الله عز وجل:
          [اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ]
          {الفاتحة:6} .
          تقولها 17 مرة على الأقل كل يوم في صلاتك، 17 ركعة مفروض عليك أن تقرأ الفاتحة، ليربيك سبحانه وتعالى [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {الأنعام:153} .
          ودائمًا يوصف الطريق أو الصراط بأنه مستقيم، ومن يحاول أن يأخذ طريقا مختصرا فرعيا من الطريق المستقيم، فلا يصل أبدًا، ومن انحرف ولو درجة لا يرجى له وصول، ومن يرى طريق التربية الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أنه طريق طويل، فيه دعوة، وابتلاء، وصبر، وكفاح، ولما يجد الطريق طويل يقول:
          آخذ طريقًا مختصرًا، سأدخل مباشرة على بدر، أغير بالسيف مثلما غيّر الرسول صلى الله عليه وسلم.

          غَيّر في بدر، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم مشي في طريق طويل، قبل بدر، ولكنه يريد أن يسلك الطريق المختصر، وتكون النتيجة لا وصول، ولن يصل لأن الطريق المستقيم هو أقصر الطرق، كمن يحمل الناس على الإيمان قسرًا بالعنف بالزجر بالتخويف، ويقول إن هذا أسرع، وهذا أكثر اختصارًا، بينما طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم نعرفه كلنا هو الرفق، واللين، والبشاشة، والابتسامة، والحب، والمودة، قد تبدوا من أول وهلة أنها أطول، لكن الحقيقة هذه أقصر الطرق إلى القلوب.
          الصحابة كانوا يسيرون في الطريق المستقيم لا يمين ولا شمال، هذا الرجل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
          أخبرني أمرًا في الإسلام لا أسأل عنه أحد بعدك.
          قال صلى الله عليه وسلم:
          قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ.

          وهذا هو الدين لا يمين ولا شمال، وإلى هذا المعنى لفت النبي صلى الله عليه وسلم الأنظار في حواره الرائع مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، حذيفة بن اليمان الذي كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه، حوار طويل جدًا، وجميل جدًا، لن نذكره كله وهو في البخاري لمن أراد الرجوع إليه، لكن نقطة مهمة جدًا تخصنا الآن، فبعد أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي زمان على أمتي سيكون فيه الخير ولكن سيكون فيه دخن سأل حذيفة:
          وهل بعد ذلك الخير من شر؟
          قال: نَعَمْ.
          وتفكر في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يصف واقع نعيشه الآن قال:
          نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا.
          قلت: يا رسول الله صفهم لنا.
          من هم هؤلاء الدعاة الذين على أبواب جهنم؟
          قال: هُمْ مِنْ بَنِي جِلْدَتِنَا- يعني أنهم مسلمين- وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا.
          سبحان الله، دعاة على أبواب جهنم، تجدهم يزينون لك المعاصي، فمنهم من يعمل لتكون مدمنًا للخمر، أو للسجائر، أو المخدرات، ومنهم من يزين في عينيك إضاعة الوقت، وإهدار المال، والبعض يزين في عينيك الرشوة،
          وهكذا دعاة على أبواب جهنم، القضية في منتهى الخطورة، نحن في هذا البحث لا نبحث عن فضائل الأعمال، نحن نبحث عن النجاة من جهنم، نبحث عن الطريق المستقيم، ولا يوجد غير هذا الطريق، فأي طريق غيره هو باب من أبواب جهنم، الطريق الإسلامي طريق مستقيم وواضح، أما من يسلك طريق الإشتراكية مرة، وطريق الرأسمالية مرة، ويفتح باب العلمانية مرة أخرى، لن يرجى له وصول، نحن هنا نريد أن نتعرف على معالم طريق الصحابة، الطريق المستقيم الذي مشي في الصحابة، لا نريد طرقا مختصرة أو انحرفات، لا نريد أن ندخل في التيه، ونتخبط، كما دخل فيه بنو إسرائيل عندما رفضوا الطريق المستقيم [يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ] {المائدة:21}.

          رفضوا، وعاندوا، واستكبروا، واقترحوا خططًا بديلة، وأساليب مختلفة، وكانت النتيجة الدخول في التيه، وبعد أن سلكوا كل الطرق، وجربوها في النهاية لم يدخلوا القرية المقدسة، إلا من حيث أمرهم نبيهم؛ لأنه طريق واحد يوصل للحق، الطريق المستقيم الذي أمر به الأنبياء.
          ما مفهوم الصحابة عن الإخلاص؟
          ومفهومهم عن العلم؟
          وعن العمل؟
          عن االدنيا؟
          عن الجنة؟
          عن الأخوة؟
          عن التوبة؟
          عن هذه المعاني وغيرها، الطريق المستقيم في كل معنى من هذه المعاني، وهذا هو المقصود أن نعرف الطريق؛ لنسير فيه، لا لمجرد المعرفة النظرية، أو لحشو العقل بكمية ضخمة جدًا من المعلومات، ليس هذا غرضنا.
          وقبل أن نتعرف على معالم هذا الطريق، نقف وقفة، ونحلل لماذا دب الإحباط واليأس في القلوب عند سماع قصص الصحابة؟
          حتى وإن قلتا لا داعي لليأس أو الإحباط فلا بد وأن نبحث عن أسباب الإحباط لنستطيع معالجة المسألة علاجا متكامل



          لبثت ثوب الرجا و الناس قد رقدوا و قمت أشكو إلى مولاي ما أجد
          و قلت يا عدتي في كل نائبة و من عليه لكشف الضر أعتمد
          أشكو إليك ذنوبا أنت تعلمها ما لي على حملها صبر و لا جلد

          تعليق


          • #6
            جزاكم الله خيرا كلام قيم

            انا بحترم الدكتور راغب السرجانى جدااااا ربنا يحفظه
            هذا طريق السالكين لربهم *** فاسلك حباك الله بالإيمان
            ولتتبع هدى النبى المصطفى *** فبهديه تنجو من النيران
            وازهد أخى فى متاع ذائل *** واقهر غرور النفس والشيطان
            واعمل لجنات النعيم وطيبها *** فنعيمها يبقى وليس بفان

            تعليق


            • #7
              * وجزاكم الله مثله ويارب نستفيد من هذا الكلام فعلا

              (القابضون على الجمر )

              أسباب الإحباط واليأس


              والحقيقة هناك بعض الأسباب التي أورثت اعتقاد كثير من المسلمين أنه من الصعب تقليد الصحابة:

              أولًا: موت الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ربّى الصحابة، والرسول صلى الله عليه وسلم غير موجود، فلن نكون كالصحابة، وهذا الفكر قد تسرب إلى عقول كثير من الناس، ولكن هل وجود الرسول حتمي للدلالة على الطريق الصحيح؟
              ولكي نعرف الطريق الذي أراد الله أن نسير فيه، فهل من اللازم أن يكون الرسول بنفسه موجود بيننا؟ فإذا كان حتميًا فلا أمل في الوصول؛ لأنه مات صلى الله عليه وسلم، وهذه حقيقة، ولن يعود صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وإذا لم يكن ذلك حتميًا، فهناك أمل أن نصل إلى ما وصل إليه الصحابة.

              ولنجيب عن هذا السؤال بوضوح، بداية لا ينكر أحد أهمية وجود النبي صلى الله بالنسبة للجيل الأول؛ لأنه لا لن يوجد دين بدون النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يتلقى عن رب العالمين، ثم إنه كان القدوة الكاملة الحسنة لكل المؤمنين، قدوة في كل شيء على إطلاق الكلمة [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرً] {الأحزاب:21} .
              لكن اسأل نفسك: هل اختفت القدوة النبوية من حياتنا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
              أبدًا مازالت سنته، وطريقته، وكلماته حية بين أظهرنا، وستظل حية إن شاء الله إلى يوم القيامة، ولقد أنكر الله عز وجل بشدة على أولئك الذين فتروا عن العمل لما غاب عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى معلقًا على غزوة أحد:
              [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ]
              {آل عمران:144} .
              هذه الآية نزلت عندما أشيع يوم أُحُد أن رسول صلى الله عليه وسلم قد قتل، وأحبط بعض الصحابة، وجلسوا في أرض القتال، وفقدوا كل حمية للقتال، فقدوا كل رغبة في النصر، وكل أمل في الحياة.

              فالحياة بالنسبة للصحابة في الأرض ساعة واحدة بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الخلود في الأرض بغير الرسول صلى الله عليه وسلم، مصيبة كبيرة جدًا فَقْد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن المصيبة على الصحابة أشق بكثير من المصيبة علينا؛ لأن هؤلاء سلبوا بعد العطاء، فقد عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خالطوه، تعاملوا معه، صلوا خلفه، استمعوا لحديثه، عاشوا حياة كاملة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قيل قُتِل صلى الله عليه وسلم، مصيبة ضخمة جدًا، ومع عظم هذه المصيبة ما عُذروا، لم يعذرهم ربهم سبحانه وتعالى، لم يعذروا في العمل بنفس الحمية، حتى مع المصيبة الكبيرة اعتبر أن ما فعله هؤلاء الصحابة قصورًا في الفهم يستحقون عليه اللوم الشديد، والتهديد المرعب [وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا ] {آل عمران:144} .

              وعلى العكس من ذلك تمامًا كان الصحابي االجليل ثابت بن الدحداح رضي الله عنه وأرضاه عميق الفهم، واضح الرؤية، مر على هؤلاء الذين قعدوا بعد ما سمعوا إشاعة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال لهم:

              إن كان محمد قد قتل، فإن الله حي لا يموت، قاتلوا عن دينكم فإن الله مظفركم وناصركم.
              ثم قاتل رضي الله عنه وأرضاه حتى استشهد، فثابت بن الدحداح رجل مؤمن، رجل واقعي، يتعامل مع الواقع الذي يعيشه بكل ظروفه وملابسته، يعمل في وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل أيضًا في غيابه، يتأقلم بسرعة مع الأحداث، يعمل بكل طاقاته فيها، ليس هناك أمرًا مستحيل الحدوث، ليس هناك معنى لكلمة لو في حياة المسلم، يقول أحدهم لو كنت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعلت كذا وكذا، ولكن قدر الله وما شاء فعل أنا لست بصحابي، فلن أستطيع أن أكون كالصحابي، وهذا وهم، و(لو) كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم:

              تفتح عمل الشيطان، ومن أدراك أنك لو كنت في زمان رسول الله أنك كنت تتبعه، فآلاف المشركين عاصروه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم, آلاف المنافقين عاشوا في المدينة، وصَلّوا في مسجد النبي، وخلف النبي مباشرة، ومع ذلك ما آمنوا، ما أدراك أنك كنت ستتغلب على فتنة ترك دين الآباء، وفتنة اتباع نبي من قبيلة أخرى، وفتنة المحاربة من أهل الأرض أجمعين، وفتنة التعذيب، وفتنة التجويع، وفتنة الهجرة، من أدراك؟

              اليقين أن ما اختاره الله لك هو الأفضل، فلا يُقبل أن يتعلل المسلم بغياب الرسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم تقليد الصحابة.
              نفس الفهم الذي كان عند ثابت بن الدحداح، وأعظم منه كان عند أبي بكر الصديق يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعتقد أن بشرًا على وجه الأرض حزن على رسول الله مثلما حزن عليه أبو بكر الصديق؛ لأنه كان أكثر من يحبه فعلًا، وكان أبو بكر أقرب الرجال إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يمنع هذا الحزن العميق من وضوح الرؤيا، وعمق الفهم، وخطب في الناس قائلًا:

              من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت.
              هذه هي حقيقة الرسالة، وحقيقة الرسول، هذه هي حقيقة العبودية لله عز وجل، فنحن لا نعبد الرسل، ولا نربط أعمالنا بوجودهم، بل نعبد الله عز وجل، ونربط أعمالنا به سبحانه وتعالى، فهو سبحانه الحي الذي لا يموت، الباقي الذي لا يفنى، فلماذ يفتر الناس عن العمل في غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
              [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ]
              {آل عمران:144} .

              لا نريد أن نكون كأصحاب موسى عليه السلام لما ذهب لتلقي الألواح
              لم يصبروا على فراقة، وعبدوا العجل، ونحن لم نعبد العجل ولن نعبده إن شاء الله، ولكن منا من يعبد هواه، ويعبد شهواته، ويعبد رغباته، يقول تعالى: [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ] {الجاثية:23}.
              فلو أمره الله بأمر وهواه في أمر آخر، فيتبع هواه، ويترك أمر الله، وهذا لا يعبد الله حق العبادة؛ لأن العبودية اتباع، وليست مجرد كلمات تطلق في الهواء [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {آل عمران:31} .
              فالاتباع ليس مجرد كلام، والدين أتمه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
              [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينً]
              {المائدة:3} .
              وهذا الدين ليس قابلا للزيادة كما أنه ليس قابلا للنقصان.

              واضح جدًا أن ما طلب من الصحابة من أحكام وتشريعات، هو نفس ما يطلب منا، نفس التكاليف، الصلاة هي الصلاة، الصيام هو الصيام، الإنفاق هو الإنفاق، الجهاد هو الجهاد، المعاملات هي المعاملات، الأخلاق هي الأخلاق، الدين هو هو لم يتغير، ولم يتبدل، ولم يزد، ولم ينقص، وقد عُلم أن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فإن كان الله يعلم فينا ضعفًا يقود إلى استحالة التطبيق لشرائع الإسلام في غياب النبي صلى الله عليه وسلم لكان خفف عنا هذه الشرع لأنه عادل لا يظلم سبحانه وتعالى، فالصحابة تصلي خمسًا، فنصلي نحن ثلاثة، الصحابة يدعون إلى الله، ونحن ترفع عنا الدعوة، الصحابة يدافعون عن الأمة، يجاهدون في سبيل الله، ينشرون كلمة الله عز وجل في الأرض، يفتحون البلاد بالإسلام، يعبّدون الناس كلهم لله، ونحن لا نفعل ذلك؛ لأننا أضعف، ولم يحدث هذا الكلام.

              فالله عز وجل الحكيم القدير العليم بخلقه، وأحوالهم، وشئونهم، وقدراتهم سبحانه وتعالى فرض علينا نفس الدين، ونفس الشريعة، ونفس التكاليف، إذًا نستطيع أن نطبق نفس التطبيق، وما كان الله عز وجل ليفرض علينا شيئًا لا نقدر عليه [لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ] {البقرة:286}.

              وهل يوجد يوم القيامة حساب مختلف، أو ميزان مختلف، الحساب هو الحساب، والميزان هو الميزان، فليس هناك ميزان للجيل الأول، وميزان للجيل الثاني، وميزان للجيل العاشر، بل هو ميزان واحد، فأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وبلال، وسعد، وأبو هريرة، وخالد، وخديجة، وعائشة، وأم عمارة رضي الله عنهم أجمعين، كل هؤلاء توزن أعمالهم في نفس الميزان الذي يوزن فيه بعد ذلك موسى بن نصير، وطارق بن زياد، وصلاح الدين الأيوبي، وابن كثير، والنووي، والبخاري، وقطز، وكل الصالحين، وكل الطالحين، كل الناس ستوزن أعمالهم في نفس الميزان، وفي نفس الميزان توزن أعمالي، وأعمالك، وأعمال كل الحضور، وكل السامعين، وأهل الأض أجمعين، نفس الميزان، الأمر بهذه البساطة، وبهذه الخطورة أيضًا، لا بد أن تعرف أنت تقارن بمن، ولهذا ففي أمور الإيمان انظر إلى من هو أعلى منك، فهذا أدعى إلى العمل، وفي أمور الدنيا انظر إلى من هو أسفل منك، فهذا أجدر ألا تزدري نعمة الله عز وجل عليك.
              فإذا كان الله عز وجل سينصب ميزانًا واحدًا، ويحاسب حسابًا واحدًا، وفرض شرعًا واحدًا، وخلق طريقًا مستقيمًا واحدًا، وعلم سبحانه وتعالى أن رسول الله سيموت بعد سنوات معدودات من بعثته 23 سنة، ومع كل ذلك لم يخفف عن اللاحقين شيئًا من الشرع، لم يخفف عنهم ولن يخفف عن كل من سيأتي إلى يوم القيامة، إذا كان كل ذلك حقيقيًا، فلا شك أن اللاحقين مِن أمثالنا، ومَن سبقنا ومَن سيلحق بنا، كل هؤلاء يستطيعون التعرف على معالم الطريق الذي سار فيه الصحابة، ويصلون إلى ما وصل إليه الصحابة، حتى في غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
              وهذا أمر ظاهر للعقل، ومفهوم، وواضح، ولا يوجد في دين الله إبهام، أوغموض، وليس في دين الله عز وجل ظاهر وباطن، إنما كله ظاهر واضح جلي، لا يوجد عندنا أسرار خفية، يطلع عليها بعض الصالحين، فيعبدون الله عز وجل بطريقة غير معلومة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] {النحل:89} .

              فأول سبب يحبط الناس من تلقيد الصحابة هو غياب الرسول صلى الله عليه وسلم.
              ثانيًا: الخروج بالصحابة عن دائرة البشرية.
              فالناس تعتقد أنهم طراز مختلف من البشر، خلق آخر ليست لهم النوازع الإنسانية المزروعة في داخل كل منا، وهذا كلام غير صحيح، وتفكر في حقيقة الصحابة، بل تفكر في حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، أليس بشرًا له خاصية البشر؟
              يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويتزوج، وينجب، ويحب، ويكره، ويفرح، ويحزن، ويتألم، بشر بنص كلام الله عز وجل في أكثر من موضع في كتاب الله عز وجل في القرآن الكريم:
              [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ]
              {الكهف:110}.
              الاختلاف الوحيد بيني وبينكم [يُوحَى إِلَيَّ]
              فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر نزل عليه الوحي
              [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً]
              {الكهف:110} .

              فلا تنشغل عن العمل بأي أعذار، فلا تحتج أنك لا تسطيع تقليد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رسول، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا كما أمر أن يقول أنا بشر مثلكم، وهذا سبحان الله لحكمة، وهي أن نستطيع أن نقلده، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من البشر لكان لدينا عذر في تقليده؛ لذلك لم ينزل الله علينا ملكًا بالرسالة، فلو قام ملك بالشرائع لقال الناس إنما يستطيع ذلك لأنه ملك، بينما نحن فلا نستطيع، وإذا امتنع الملك عن المعاصي، قالوا إنما يمتنع لأنه ملك بينما نحن لا نستطيع، لذلك لا بد أن يكون الرسول من جنس من يرسل إليهم
              [قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولً]
              {الإسراء:95} .

              لهذا فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر لكي نقلده، فليس من المعقول أن نضيع الحكمة من كون الرسول صلى الله عليه وسلم بشرًا فلا نقلده بزعم أنه رسول، ونحن لسنا مرسلين، فإذا كان هذا الكلام يصح مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن باب أولى أن يصح مع الصحابة الكرام، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرًا وجب تقليده واتباعه فعُلم يقينًا أن الله ما أوجب شيئًا إلا وكنا عليه قادرين.

              والصحابة بشر لهم أجساد كأجسادنا، ولهم فطرة كفطرتنا، ولهم غرائز كغرائزنا، لهم احتياجات كاحتياجاتنا، ومع كل هذه الأمور البشرية، والنوازع الإنسانة، إلا أنهم قهروا أنفسهم على اتباع الحق، وإن كان مرًا، وعلى السير في طريق الله عز وجل، وإن كان صعبًا، وليس معنى ذلك أن نقول كالذين قل أدبهم وانعدم حيائهم فقالوا:
              الصحابة رجال، ونحن رجال.

              وسوغوا لأنفسهم بذلك الطعن في الًصحابة، وانتقاص بعضهم، فليس هذا المقصود، فالمقصود عكس ذلك بالضبط، إنما نقول هم أعظم البشر مطلقًا بعد الأنبياء، وكونهم أعظم البشر لا يلغي بشريتهم، ولا يقلل من شأنهم.
              فهذا يرفع جدًا من قيمتهم لأنهم انتصروا على أنفسهم في امتحان عسير ما استطاعت السموات والأرض أن يدخلن فيه أصلًا.

              فتقليدهم ممكن، بل تقليدهم ضروري؛ لأنهم بشر نجحوا في امتحان وضعه الله عز وجل، وهو أعلم بقدرات البشر، ومع ذلك فأنا لا أدعي أن نكون مثل أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، إنما أقول إنما يجب أن نتخذهم قدوات عملية، قدوات صالحة، وإننا نستطيع بإمكانياتنا البشرية، ومنهج الإسلام الواضح أن نسير في نفس الطريق الذي ساروا فيه، ونصل بإذن الله إلى ما وصلوا إليه، هذا لو كانت لدينا عزيمة أن نمشي في الطريق فعلًا.
              فالسبب الثاني في إحساس بعض المسلمين أن تقليد الصحابة عسير هو نسيان هؤلاء المسلمين أن الصحابة بشر لهم كل طبائع البشر، وليسوا خلقًا خاصًا، وليسوا جنًا، وليسوا ملائكة، إنما هم بشر نجحوا في حمل الأمانة، وقبل أن أترك هذه النقطة أحب أن أشير إشارة سريعة، أشير إلى أن بعض الدعاة يساهمون في هذه المشكلة بذكرهم مبالغات شديدة في حق الصحابة، هذه المبالغات إما أن تكون غير صحيحة أصلًا فقد يكون موضوع على الصحابة، فمن باب أولى يجب ألا تذكر هذه المبالغات، والصحيح في حق الصحابة والحمد لله يكفي الصحابة، ولا نحتاج مبالغة لنعظمهم، هم عظماء بأحوالهم الحقيقية، فمثلًا بعض الدعاة يذكر قصة سيدنا خالد رضي الله عنه وأرضاه أنه علم أن هناك سم في كوب من الأكوب قدم عن طريق أحد أعدائه، فلكي يثبت لعدوه أن الله لا يضر مع اسمه شيء قال:

              بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء.
              وشرب السم، ولم يحدث له شيء، هذا الأمر يضر ولا ينفع، ومثل هذه الروايات، وطبعًا هذه الرواية غير صحيحية، وهذه الرواية مخالفة للسنة فسيدنا خالد بن الوليد لابد أن يأخذ بالأسباب، فلا يشرب السم، ويطلب النجاة، لابد أن يأخذ بالأسباب، الرسول صلى الله عليه وسلم لما أكل من الشاة المسمومة، وأخبر أنها مسمومة لفظ قطعة اللحم التي أكلها ولم يبلعها مع أنه الرسول، والله عز وجل يحميه، ولكن لا بد أن يأخذ بالأسباب، هذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يعلمنا ما نعمله، وهذا هو المفروض أن نقوله على الصحابة، الصحابي رجل يأخذ بكامل الأسباب، ويسير في طريق واضح، لذا لا يأتي من يشرب السم، ويقول بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء أنا أقلد الصحابي، أنا أقلد سيدنا خالد، فهذا الكلام غير صحيح.

              أحيانًا تكون هذه المبالغات حقيقية فعلًا، وحدثت، لكنها كرامات خاصة جدًا لبعض الصحابة، والكرامة شيء خارق للعادة يحدث للصحابي، أو للصالح بدون قصد منه، وهذه مهمة جدًا، بمعنى أن الصحابي لا يتعمد الشيء، هذا الأمر هبة من الله سبحانه وتعالى، إكرام، هدية، نعمة من الله عز وجل على بعض أوليائه، على بعض الصحابة، وعلى بعض الصالحين.
              وهم بأنفسهم هؤلاء الصالحون، وهؤلاء الصحابة، لايستطيعون أن يكرروا هذه الكرامة إلا إذا أراد الله عز وجل كعمر بن الخطاب لما نادى من المدينة وقال:
              يا سارية، الجبل.
              فسمعه سارية، وهو على بعد مئات الكليو مترات من المدينة المنورة، فهذه كرامة ثابتة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، لكن لا يطلب منك أن تعمل مثلها، فأنت تستعمل لاسلكي، تستعمل تليفون، تسعمل قمر صناعي، وتستعمل كل التقنيات الحديثة، وغير مطلوب منك أن تفعل مثل عمر بن الخطاب، وهذه المخاطبة كانت خاصة جدًا بعمر بن الخطاب في هذه الحادثة فقط، ولم تكرر مرة ثانية مع عمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب عاش كل حياته يتعامل بالبريد الذي كان عامة أهل زمانه يتعاملون به، يأخذ بكل الأسباب، حدثت الكرامة مرة واحدة، فواجب على الدعاة حين يحكون الحكاية يفسروا للناس أن هذا شيء خاص جدًا حدث مرة واحدة، وأن كل حياة الصحابي تسير بالقوانين الإلهية الثابتة في هذا الكون، وأحيانًا تكون المبالغات حقيقية، لكنها مبالغة غير مقبولة من الصحابي، بمعنى
              أن الصحابة خالفوه فيها، أو النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه نهى عن استخدام هذه المبالغة، مثل شدة زهد أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه، فأبو ذر كان يعتبر إدخار المال فوق اليوم الواحد كنز للمال، حتى لو كنت قد أخرجت زكاته، وبالطبع معظم الصحابة خالفوا أبا ذر في هذا الاعتقاد.

              وكعبد الله بن عمرو بن العاص كان يقوم الليل كل يوم حتى تتفطر قدماه يختم القرآن كل ليلة، ويصوم كل يوم، وهذا الفعل ليس حميد، والرسول صلى الله عليه وسلم نهاه عن هذا الأمر، وأمره بالاقتصاد في العبادة، يصوم يومًا، ويفطر يوما، وهذا أقصى شيء، وفي بادئ الأمر أمره بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ثم يومين في الأسبوع، ثم يوم ويوم، وعن ختم القرآن أمره بأن يختم كل شهر، ثم كل أسبوع، ثم كل ثلاثة أيام، هذه قواعد وضعها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتكلم أحد عن عبد الله بن عمر أنه كان يقوم الليل، وكل يوم يختم القرآن، ويصوم كل يوم، كثير من الناس عند سماعها هذه القصص تصاب بالإحباط واليأس من تقليد الصحابة.
              فلابد أن تعرف هل هذا الفعل موافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أم نهى عن ذلك الفعل؟

              أحيانا تكون المبالغات حقيقية، والصحابة فعلا فعلوها، ولم يؤمروا بعدم إتيانها، لكن أنت كداعية، لا بد أن تعرف من تكلم؟ على الداعية ألا يصعب الأمور، قد يكون الشخص الذي يحدثه في بداية طريقه للإلتزام، فالداعية الحكيم هو من يذكر من القصص ما يناسب الشخصية التي يتحدث معها، وهذا ما أردنا التكلم عليه.
              فالمبالغات الشديدة في وصف الصحابة، والمبالغات الشديدة في الأفعال التي كان يقوم بها الصحابة، سواء أكانت هذه المبالغات حقيقية، أو غير حقيقية أدت إلى اعتقاد بعض الناس أن الصحابة ليسوا بشرًا، وليست عندهم نفس النوازع التي عندنا، وبالتالي لن نستطيع أن نقلدهم.

              ثالثا: يشعر بعض المسلمين بالصعوبة في تقليد الصحابة، لأنهم ينظرون إلى إمكانيات جيل الصحابة بأكمله على أنها إمكانيات رجل واحد، أو امرأة واحدة.
              طبعًا هذا الكلام ليس بصحيح، الصحابي أو الصحابية شخصية متكاملة إلا انه لم يكن متفوقا في كل المجالات بدرجة واحدة، إنما كان يبرز في مجال، ويتفوق عليه غيره في مجال آخر، هناك من تفوق في جانب الجهاد كخالد بن الوليد رضي الله عنه، والقعقاع بن عمرو التميمي، والزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين، عبقريات عسكرية فذة، لكن في نفس الوقت خالد بن الوليد عندما كان يصلي بالناس كان يخطئ في القرآن لا يحفظ كثيرًا من القرآن، وكان يقول للناس:
              إنما شغلت عن القرآن بالجهاد.
              لكن في مجال القرآن وعلوم القرآن تجد زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري علماء أفذاذ، لكن تفوقهم في المجال العسكري غير بارز.

              وفي مجال الحديث وحفظ الأحاديث ونقل العلم تجد أبا هريرة أسطورة علمية، مكتبة حافظة، كمبيوتر متحرك، لكن في مجال الإفتاء والأحكام الشرعية تجد غيره أبرز منه، تجد عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، تجد علي بن أبي طالب.
              وفي مجال الإنفاق أبو بكر الصديق، وإن كان أبو بكر الصديق تفوق في كل المجالات، وتجد عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف.

              وفي مجال الإدارة عمر بن الخطاب، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم في إدارة الأمور، كل واحد تفوق في شيء، كل واحد بارز في شيء،
              ونحن أيضًا فينا من ينفق في سبيل الله ببساطة وبسرعة، لكن حظه من العلم قليل، وتجد خطيبًا مفوهًا، لكن ليس له في السياسة، وآخر بارز في علوم القرآن، لكن ليس له في القضاء، توجد إمكانيات مختلفة، مواهب مختلفة، حصيلة علمية مختلفة، تربية مختلفة، وتوجد ثغرات كثيرة، ونحتاج كل المواهب لسد هذه الثغرات.

              عندما تنظر إلى جيل الصحابة بهذه الصورة، وإن كنت ستتخذ هذا الجيل بصفة عامة قدوة إلا أنك ستتخذ منهم قدوة خاصة في المجال الذي تبرز فيه، فلو أنت قائد في الجيش سيكون قدوتك خالد، ولو كنت إداريا فقدوتك عمر، وهكذا فمن الصعب أن يتسلل الإحباط إلى قلبلك.

              رابعا: إحباط البعض من إمكانية تقليد جيل الصحابة يأتي أيضا نتيجة أن كثيرا من العلماء والدعاة يغفل عمدًا أخطاء الصحابة، يخاف على اهتزاز صورة الصحابة، فلا يتحدث عن ذنوبهم، ولا يتحدث عن اجتهاداتهم التي تخطئ أحيانًا، أو يحاول أن يتعسف في إيجاد المبرر للخطأ، وهذا كله غير صحيح، وغير حكيم، هذا كله محاولة لإلغاء بشرية الصحابة، ولا يعيب الصحابة مطلقًا أن نتحدث عن بعض أخطائهم، أو عن بعض الهفوات في حياتهم، وكفى بالمرء خيرًا أن تحصى معايبه، وبالذات أنهم كانوا سريعي العودة إلى الله عز وجل، وسريعي التوبة، ومع ذلك، وعند ذكر هذه الأخطاء يجب مراعاة الأدب الكامل، والاحترام العظيم لمقام هؤلاء الأخيار، وهذه سيئات تذوب في بحار حسناتهم.

              فهذه أربع أسباب أدت إلى إحباط بعض المسلمين من إمكانية تقليد الصحابة.
              وخلصنا إلى أن تقليد الصحابة ليس فقط أمرا ممكنًا، بل أمر مطلوب شرعًا،
              ومن هنا كانت هذا البحث بعنوان كن صحابيًا، وبهذا المعنى لو سئلت هل أنت صحابي؟ تستطيع أن تقول أنا صحابي في الفهم، صحابي في الجهاد، صحابي في التوبة، صحابي في الأخوة.

              ونستطيع بعد ذلك قراءة قصص الصحابة بفكر جديد، فكر البحث عن الطريق الذي وصل بالصحابي إلى هذه الدرجة العالية، وفكر الاجتهاد الحقيقي المخلص للسير في هذا الطريق الذي سار فيه الصحابة.
              أحب أن أنقل لكم حديثين رائعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أما الحديث الأول فهو الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
              بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ.

              فهذه بشرى يكشف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن واقعنا الذي نعيش فيه الآن، فكما كان أهل مكة، والعرب بصفة عامة، والعالم أجمع يستغرب الرسالة الإسلامية عند نزولها، ويستنكر تعاليمها، ويحشد كل الجنود لحرب هذه الدعوة، عادت هذه الأيام كما كانت من قبل، وأصبح عموم الناس يستغرب الأحكام والتعاليم الإسلامية.
              أصبح الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر غريبًا وسط الناس، فمن يقول نترك شرب الخمر، والتعامل بالربا أصبح غريبًا، ومن يقاوم العري في الأفلام والمسرحيات والإعلانات لأن هذا حرام يصبح غريبًا، ومن نادى برجوع فلسطين للمسلمين أصبح غريبًا وسط الناس.

              وبالفعل رجع الإسلام غريبًا كما بدأ لكن البشارة:
              فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ.
              سيكون هناك غرباء، وسيوجد أمثال الصحابة، ومن يكافح مثل كفاح الصحابة، ويجاهد مثل جهاد الصحابة، ويدعو إلى الله عز وجل دعوة الصحابة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما كان يفعل الصحابة،
              سيوجد الغرباء الذين يحبون الدين كما أحبه الصحابة، وسيوجد الغرباء الذين يحبون الرسول وسنته كما فعل الصحابة، لأن هذا هو دين الله عز وجل، وهو الذي يُسَخّر من يدافع عن هذا الدين، ويحمل الأمانة.

              فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ.

              وفي رواية الترمذي عن عمرو بن عوف رضي الله عنه وأرضاه
              زيادة في الحديث وزيادة لطيفة جدًا سأله الصحابة:
              من الغرباء؟
              فقال: الْغُرَبَاءُ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي.
              فلماذا لا نكون نحن من هؤلاء الغرباء؟
              ونكون نحن الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس، ونكون كالصحابة
              [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ]
              {العنكبوت:69} .

              فهذه الهدية الأولى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الحديث الثاني والهدية الرائعة من النبي صلى الله عليه وسلم، فرواه أبو داود، والترمذي عن ثعلبة الخشني رضي الله عنه وأرضاه حديث طويل جاء في آخره كلام جميل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:

              فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مَثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ.
              فأصاب العجب الصحابة، فقالوا:
              يا رسول الله أجر خمسين رجلًا منا، أو منهم؟
              قال: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلٍ مِنْكُمْ.

              فمن تمسك بدينه في مثل هذا الزمن له أجر خمسين من الصحابة، فمن أحبط لتقليد صحابي واحد، فلديه فرصة أن يكون كخمسين صحابي، ولا تستعجب فالله عز وجل عادل لا يظلم مثقال ذرة، وفوق ذلك هو الكريم سبحانه وتعالى، فارق ضخم جدا بين الصحابي الذي يعيش في معسكر إيماني كامل، كلما سار في اتجاه رأى مؤمنًا، بل رأى رجالًا الواحد منهم يوزن بأمة كاملة، إذا سار هنا رأى الصديق، والفاروق، وعثمان، وعلي، وإذا سار هناك رأى أبا عبيدة، وسعد، والزبير، إذا دخل المسجد وجد سعد بن معاذ، وعبد الله بن مسعود، إذا حضر درس علم سمعه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس إلى جواره أبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، يصلي الجماعة مع أبي ذر، وأبي الدرداء، ويسمع الأذان من بلال، إذا جاهدت جاهدت تحت راية خالد بن الوليد، وإذا سافرت فمع أبي موسى الأشعري، معسكر إيماني كامل، وأي عون على الخير كهذا.

              قارن هذا بمن يعيش في المجتمع لا يجد فيه أعوانًا على الخير إلا القليل، بل قليل القليل، ومع ذلك يصبر على طاعة ربه، يصبر على الدعوة، يصبر على الإسلام، أيام الصبر يقبض على الجمر تمامًا كما وصف رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قارن بين الصحابي الذي يعيش في مجتمع قلما تقع فيه عينه على معصية قلما يسمع منكرًا قارن هذا بالذي يطيع ربه ويقبض على دينه في مجتمع تقتحم فيه المعصية عينك اقتحامًا، تمشي في الشارع تجد معاصي، وتشاهد التليفزيون فتجد معاصي، وحتى الجامعة دار العلم لم تخلو من المعاصي، ففي كل مكان تجد المعاصي، وفي هذا الوسط أنت تقبض على دينك، تقبض على الجمر، وعلى قدر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبجل ويعظم من يعمل حسنة أو فضيلة ففي زماننا على قدر هذا الأمر يحارب الدعاة، وتجد إهانة، وتشريد، وتعذيب للدعاة؛ لأنهم يأمرون بما كان يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم
              أخرجوا آل [أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] {النمل:56} .

              هذه مشكلة أهل الخير في زماننا، وعلى قدر ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعظم الصحابي إذا فعل الخير على قدر ما يحارب الداعية في هذا الزمان، عندما تضع كل هذه الملابسات والظروف في ذهنك، وأنت تعلم أن الله عز وجل عادل لا يظلم مثقال ذرة تستطيع أن تفهم بشارة النبي صلى الله عليه وسلم للعامل فيهن أجر خمسين رجلًا منا أو منهم يا رسول الله بل أجر خمسين منكم.

              هذاه البحث غرضه أن نكون من هؤلاء القابضين على الجمر، من هؤلاء الذين يصلحون ما أفسد الناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من هؤلاء الغرباء الذين لا يعتبرون بنظر الإسلام لديهم إنما فقط يعتبرون بنظر الله عزوجل لهم من هؤلاء الذين يحلمون أن يكونوا صحابة، بل من أولئك من الذين إذا عملوا أجروا ليس كأجر صحابي واحد بل كأجر خمسين من الصحابة، نسأل الله عز وجل أن نكون منهم، وأن يجمع بيننا وبين حبيبنا، وقائدنا، وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، إن الله عز وجل على كل شيء قدير.


              لبثت ثوب الرجا و الناس قد رقدوا و قمت أشكو إلى مولاي ما أجد
              و قلت يا عدتي في كل نائبة و من عليه لكشف الضر أعتمد
              أشكو إليك ذنوبا أنت تعلمها ما لي على حملها صبر و لا جلد

              تعليق


              • #8
                صناعة الرجال

                صناعة الرجال

                مقدمة
                تحدثنا في السابق عن موضوع أسميناه القابضون على الجمر، والقابضون على الجمر هم المسلمون الذين يتمسكون بدينهم في زمان كثر فيه الشر، وانتشرت فيه المعاصي، وتعددت فيه الفتن، القابضون على الجمر هم الذين يسيرون في طريق الصحابة حتى بعد ألف وأربعمائة سنة أو أكثر من انتهاء جيل الصحابة، القابضون على الجمر أجرهم ليس كأجر صحابي واحد، بل يأخذ أجرهم أجر خمسين صحابيا.

                وعلى النقيض من هذه الطائفة الرائعة من المسلمين طائفة القابضون على الجمر، هناك طائفة أخرى من المسلمين تعاني من مشكلة هي في الحقيقة خطيرة، وهي مشكلة الإحباط من إمكانية تقليد جيل الصحابة، أو التعامل معه كقدوة عملية نستطيع أن نتشبه بهم، فيوجد من يأخذ كخمسين صحابي، ويوجد المُحْبَط الذي لا يعرف أن يقلد صحابيا واحدا.
                ولماذا يعتقد هؤلاء المسلمون أنه من المستحيل أن نفعل مثلما يفعل الصحابة، أو نفكر مثلما كانوا يفكرون، أو نعبد الله عز وجل كما كانوا يعبدون؟

                لماذا يوجد هذا الإحساس في نفوس بعض المسلمين؟

                تكلمنا في السابق عن أربع أسباب لهذا الأمر، هم باختصار:

                1-الاعتقاد بأن وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم حتميا للوصول إلى هذا المستوى الراقي عند الصحابة، ذكرنا أن وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هاما جدا، لكنه ليس حتميا لتطبيق شرائع الدين، وإلا لما أمر الله عز وجل اللاحقين بنفس التكاليف التي أمر بها الصحابة.
                2-الخروج بالصحابة عن دائرة البشرية، والحديث عنهم بشيء من المبالغة التي تؤدي إلى استحالة التطبيق.
                3-الاعتقاد بأن كل الصحابة تفوقوا في كل المجالات بصورة واحدة، ونسيان أن كل صحابي قد تفوق في مجال من المجالات، وتفوق عليه غيره في مجال آخر، ولم تستطيع كإنسان أن تحصل إنفاق أبي بكر، مع إدارة عمر، مع جهاد خالد، مع علم عائشة، مع فقة عبد الله بن عباس، مع حياء عثمان، مع قضاء علي، مستحيل، الناس التي تنظر للجيل كله كوحدة واحدة، صعب عليها أن تقلد كل الجيل، إنما تقلد واحد، من تشعر بأن إمكانياتك، وقدراتك، ومواهبك، موافقة للمجال المتفوق فيه.
                4- تعمد بعض العلماء إغفال أخطاء الصحابة الناتجة عن كونهم من البشر، والبشر جمعيا يصيبون ويخطئون.
                وقد أغفل العلماء الأخطاء بنية طيبة حرصا على تنزيه الصحابة، لكن هذا الإسلوب من التربية أدى إلى اعتقاد أن الصحابة لا يخطئون أبدا، وبالتالي إذا أخطأ المسلم الآن فإنه يحبط في أن يصل يوما ما إلى ما وصل إليه الصحابي.

                فهذه أربع أسباب أدت إلى إحساس بعض المسلمين، أو كثير من المسلمين، أنهم من الصعب جدا أن يقلدوا الصحابة.
                والبعض لا يفعل كثير من الطاعات، فإذا ذكرته بصحابي ما، كان يفعل كذا وكذا، يحتج بأنه ليس من الصحابة، وأنه ليس عبد الله بن عمرو، ولا أبا ذر، والبعض يرتكب المنكرات، فإذا ذكرته بصحابي تغلب على شهوته، وامتنع عن المنكر، قال أنا لست بصحابي، هو كان صحابيا، لا أنا أبو بكر، ولا أنا عمر.

                الحقيقة أن هذا شيء خطير أن يفتقد المسلمون قدوتهم الصالحة, شيء خطير أن يعتقد المسلمون أن هذه القدوات قدوات غير عملية، أو أن اتباعها ضرب من الخيال.

                ملحوظة :
                طبعا محدش بيقرأ الان..... بصراحة انا شايف الموضوع طويل بس المرحلة القادمه رائعه وعلى العموم انا هكمل السلسلة علشان لما واحد يفضى كده ويشعر ان عنده صحه وعايز يضيعها وهو قدام الكمبيوتر يقرا المقال ده :(ضحك):

                لبثت ثوب الرجا و الناس قد رقدوا و قمت أشكو إلى مولاي ما أجد
                و قلت يا عدتي في كل نائبة و من عليه لكشف الضر أعتمد
                أشكو إليك ذنوبا أنت تعلمها ما لي على حملها صبر و لا جلد

                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة SlaveOfAllah
                  فمن تمسك بدينه في مثل هذا الزمن له أجر خمسين من الصحابة، فمن أحبط لتقليد صحابي واحد، فلديه فرصة أن يكون كخمسين صحابي، ولا تستعجب فالله عز وجل عادل لا يظلم مثقال ذرة، وفوق ذلك هو الكريم سبحانه وتعالى، فارق ضخم جدا بين الصحابي الذي يعيش في معسكر إيماني كامل، كلما سار في اتجاه رأى مؤمنًا، بل رأى رجالًا الواحد منهم يوزن بأمة كاملة، إذا سار هنا رأى الصديق، والفاروق، وعثمان، وعلي، وإذا سار هناك رأى أبا عبيدة، وسعد، والزبير، إذا دخل المسجد وجد سعد بن معاذ، وعبد الله بن مسعود، إذا حضر درس علم سمعه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس إلى جواره أبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، يصلي الجماعة مع أبي ذر، وأبي الدرداء، ويسمع الأذان من بلال، إذا جاهدت جاهدت تحت راية خالد بن الوليد، وإذا سافرت فمع أبي موسى الأشعري، معسكر إيماني كامل، وأي عون على الخير كهذا.

                  قارن هذا بمن يعيش في المجتمع لا يجد فيه أعوانًا على الخير إلا القليل، بل قليل القليل، ومع ذلك يصبر على طاعة ربه، يصبر على الدعوة، يصبر على الإسلام، أيام الصبر يقبض على الجمر تمامًا كما وصف رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قارن بين الصحابي الذي يعيش في مجتمع قلما تقع فيه عينه على معصية قلما يسمع منكرًا قارن هذا بالذي يطيع ربه ويقبض على دينه في مجتمع تقتحم فيه المعصية عينك اقتحامًا، تمشي في الشارع تجد معاصي، وتشاهد التليفزيون فتجد معاصي، وحتى الجامعة دار العلم لم تخلو من المعاصي، ففي كل مكان تجد المعاصي، وفي هذا الوسط أنت تقبض على دينك، تقبض على الجمر، وعلى قدر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبجل ويعظم من يعمل حسنة أو فضيلة ففي زماننا على قدر هذا الأمر يحارب الدعاة، وتجد إهانة، وتشريد، وتعذيب للدعاة؛ لأنهم يأمرون بما كان يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم
                  أخرجوا آل [أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] {النمل:56} .

                  هذه مشكلة أهل الخير في زماننا، وعلى قدر ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعظم الصحابي إذا فعل الخير على قدر ما يحارب الداعية في هذا الزمان، عندما تضع كل هذه الملابسات والظروف في ذهنك، وأنت تعلم أن الله عز وجل عادل لا يظلم مثقال ذرة تستطيع أن تفهم بشارة النبي صلى الله عليه وسلم للعامل فيهن أجر خمسين رجلًا منا أو منهم يا رسول الله بل أجر خمسين منكم.

                  عجبتنى اوى القطعتين دول ، ربنا يرزقنا قلوب كقلوب ابو بكر وعمرو ، كانت اخت ليا فى الله ربنا يبارك لها بتوضحلى هو احنا احسن من الصحابه فى ايه ؟؟ مافيش غير اننا عندنا ايمان بالغيب ( لم نر الرسول صلى الله عليه وسلم واتبعناه ) ، وبردو عشان مانعقدش نفسنا فعلا هما كان الجو اللى عايشين فيه ايمانى ميه فى الميه (ناس عاشو مع الرسول صلى الله عليه وسلم) والله يكفى روية وجهه عليه الصلاة والسلام .

                  هو فعلا الموضوع طويل بس مهم جداااا ، ورجاء بس بلاش اللون البرتقالى ده لانو بيتعب وبضطر اظلل الكلام عشان اقرئه
                  هذا طريق السالكين لربهم *** فاسلك حباك الله بالإيمان
                  ولتتبع هدى النبى المصطفى *** فبهديه تنجو من النيران
                  وازهد أخى فى متاع ذائل *** واقهر غرور النفس والشيطان
                  واعمل لجنات النعيم وطيبها *** فنعيمها يبقى وليس بفان

                  تعليق


                  • #10
                    وجزاكم مثله , على فكرة الدرس ده رائع فعلا يا جماعه
                    **********
                    صناعة الرجال

                    بدايتك وبداية الصحابي

                    نتكلم هنا عن سبب خامس وهام جدا أدى إلى اعتقاد كثير من المسلمين إلى استحالة تقليد الصحابة، وعندما نعالج هذا السبب في اعتقادي سيؤدي إن شاء الله إلى خير كثير، اعتقد أن بعد علاج هذا السبب كثير منا سيكون عنده أمل في الوصول إلى ما وصل إليه الصحابة إن شاء الله. هذا السبب هو أن كثير من المسلمين يأخذ قصة الصحابي من نصفها، يبدأ دراسة حياة الصحابي منذ لحظة إسلامه، يغفل تماما الفترة التي عاشها الصحابة قبل أن يكونوت صحابة، ينسى كيف كان الصحابي قبل أن يصير إلى ما صار إليه.

                    وإذا درست حياة الصحابي كوحدة متكاملة، درسته في جاهليته، ثم درسته في الإسلام، قرأت عن أخلاقة قبل الهداية، وأخلاقه بعد الهداية، علمت أهدافه وطموحاته قبل أن يمُنّ الله عز وجل عليه بهذا الدين، وقارنتها بأهدافه وطموحاته بعد أن أصبح مسلما، إذا فعلت ذلك علمت إن شاء الله أن الوصول إلى ما وصل إليه الصحابة ليس بمستحيل, لأن كثير من الصحابة بدءوا بدايات أصعب بكثير من بداياتنا.

                    فأنت طوال حياتك ما سجدت لصنم، أو عبدت شجرة, لم يكن كل المسلمين مدمني خمر قبل الهداية، لم يظل كثير من المسملين سنوات لا بأس بها من عمره يُعذب ويَقْتل المؤمنين.

                    أنت لست من قبيلة بينها وبين قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عداء طويل، وقديم، ومستحكم، يصدك عن الإيمان.

                    كثير منا بدايتهم فعلا أفضل بكثر من بدايات الصحابة، فإذا كان الصحابة الذين بدءوا هذه البدايات الشاقة وصلوا إلى هذه الدرجة، فمن البديهي أن الذي بدأ من درجة أفضل يستطيع أن يصل إلى ما وصلوا إليه، بشرط أن يسير في نفس الطريق.
                    الإسلام يصنع الإنسان
                    ببساطة شديدة إن الذي غَيّر الصحابة، ونقلهم هذه النقلة الهائلة من عُبّاد الحجر إلى قواد البشر، من أزل الناس إلى أعز الأولين والآخرين، من أمة لا يؤبه بها، ولا يعتد برجالها، ولا نسائها، ولا يعتد بوجودها أصلا إلى أمة تسود البلاد، والعباد، وتبني حضارة ما عرف التاريخ مثلها أبدا، ولم يكن ذلك في ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة، بل في سنوات معدودات، فهذا الدين، الإسلام الذي غيرهم كتاب ربنا سبحانه وتعالى، الذي نقلهم اتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أعزهم هذه الكلمة الخالدة العظيمة الثقيلة جدا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة يقول للناس كثيرًا ومرارًا وتكرارًا: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا لا إله إلا الله تملكوا العرب والعجم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قال الكلمة بصدق ملك العرب والعجم.

                    حديث في مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
                    إِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

                    كلمة ثقيلة جدا، والقرآن الكريم كتاب عجيب، كتاب معجز، لا تنتهي عجائبه، ولا تنقضي غرائبه [قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُو بِمِثْلِ هَذَ القُرْآَنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا] {الإسراء:88} . تخيل نفسك تحمل كتابا لا يستطيع أهل الأرض جميعا على اختلاف علومهم، وخبراتهم، وفنونهم، ومعارفهم، وبلادهم، وأزمانهم، لا يستطيعون الإتيان بمثله كتاب معجز، وإعجازه متجدد، وإعجازه متعدد:

                    إعجاز لغوي،إعجاز بلاغي، إعجاز علمي، إعجاز تاريخي، إعجاز تشريعي، إعجاز غيبي يخبرك بما يحدث، وما سيحدث ليوم القيامة، هذا إنباء العليم القدير سبحانه وتعالى، أنواع مختلفة ومتعددة من الإعجاز، لكن تبقى معجزة القرآن الكبرى، ومعجزة الإسلام العظمي هي صناعة الإنسان، شتان بين الرجل قبل إسلامه، وبعد أن يسلم، وكأنك جئت برجل جديد تماما، اختفت الذلة، اختفت السلبية، اختفت الأنانية، اختفت الغلظة، اختفت حقارة الأهداف، وتفاهة الطموح، اختفت كل هذه المظاهر المنكرة، وظهر خلق جديد اسمه الإنسان, لقد أصبح الإنسان إنسانًا بعد إسلامه، قبل الإسلام الإنسان كان مفتقدا لأهم شيء يميزه كأنسان، كان يفتقد عقله.

                    ولقد وصف ربنا سبحانه وتعالى من لم يؤمن، ومن لم يعرف كلمة التوحيد، ومن لم يوجه حياته كلها لله رب العالمين، بقوله عز وجل في كتابه: [وَلَقَدْ ذَرَأْنَ لِجَهَنَّمَ كَثِيرً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَ يَفْقَهُونَ بِهَ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَ يُبْصِرُونَ بِهَ وَلَهُمْ آَذَانٌ لَ يَسْمَعُونَ بِهَ أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ]{الأعراف:179}.

                    فكل من لا يعرف الله، ولا يشغل باله بشرع، أو دين، ولا إسلام، لا يستحق لقب إنسان، مهما كان شكله جميلًا، أو لبسه فخم، أو أمواله كثيرة، أو سلطانه ضخم عظيم، مهما تحرك، وأكل، وتكلم كالإنسان، لكن فَقَد أغلى نعمة عند الإنسان، فَقَد الدليل على إنسانيته، فقد العقل الذي يختار به طريق الله عز وجل [أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ] {الأعراف:179} .

                    فالإنسان قبل الالتزام بهذا الدين، وكأنه ميت موتا حقيقيا، وإن كان ظاهرا يقوم، ويقعد، ويمشي، ويتحرك، ويأكل، ويشرب، لكنه ميت، ميت القلب، ميت الإحساس، ميت المشاعر، ميت العقل، ميت الغاية، ميت الهدف، جماد، ميت، ليس له أي قيمة.
                    ثم بعد الالتزام بالإسلام تدب فيه الحياة، فجأة الإنسان يولد من جديد، الإنسان بعث من جديد، الإنسان أصبح إنسانًا.

                    نورت في عينيه الدنيا، وأصبح يرى بعد سنوات، وسنوات من الظلام، ويصف الله سبحانه وتعالى في كتابه هذه الحالة فيقول:
                    [أَوَمَنْ كَانَ مَيْتً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَ لَهُ نُورً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَ كَانُو يَعْمَلُونَ]
                    {الأنعام:122}.
                    كيف يسلم الإنسان، وينتقل من الكفر إلى الإيمان؟

                    كيف ينتقل من لا إنسانية إلى الإنسانية؟

                    طريقة رائعة اختارها سبحانه وتعالى لعباده إذا أرادوا أن يخرجوا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام.
                    الخطوة الأولى

                    من أراد الدخول في هذا الدين فأول ما يفعله أن يغتسل، وليس المقصود من الاغتسال التطهر من نجاسات الجسد الخارجية، أو المتعلقات الظاهرة من الخارج، فالاغتسال له معنى جميل جدا، فالماء وهو نازل فوق رأس الإنسان ويغمر الجسد كله ينظفه من كل متعلقات الكفر، والرذيلة، وهذه بداية جديدة. فلا بد من أن تدخل على البداية الجديدة طاهر القلب، ونظيف الجسد.
                    الخطوة الثانية

                    وبعد أن تطهر نفسك من الرذائل، وجسدك من النجاسات ما ظهر منها وما بطن، تلبس الملابس الطاهرة، وهذه أيضًا بداية جديدة.
                    الخطوة الثالثة

                    ثم يقول بلسانه وقلبه وجوارحه وكل ذرة في كيانه: أشهد أن لا إله الله، الكلمة ثقيلة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبذلك أصبحت مسلما، وولدت من جديد، وبعثت من جديد، الآن وبعد هذه الكلمة أصبحت إنسانًا.
                    الخطوة الرابعة

                    وبعد كل هذا عليك بمقابلة من أسلمت نفسك له الله رب العالمين، وببساطة شديدة صل ركعتين، وقل له:

                    يا رب لقد رجعت لك بعد سنوات من الهروب، أتقرب منك بعد سنوات طويلة من البعد.
                    وستقرأ القرآن أعظم نعمة التي تجعل من الإنسان إنسانًا، ومن غير قرآن لن يكون هناك إنسان، لهذا قدم الله سبحانه وتعالى نعمة القرآن، على نعمة خلق الإنسان فقال:
                    [الرَّحْمَنُ(1)عَلَّمَ القُرْآَنَ]
                    {الرَّحمن:1،2} ثم [خَلَقَ الإِنْسَانَ] {الرَّحمن:3} . فلن يكون إنسان من غير قرآن.
                    هذه هي صناعة الإنسان في الإسلام، وهذا هو الإسلام، سؤال أطرحه عليكم وتفكروا فيه، هل أسلمنا الإسلام الحقيقي؟
                    أعرف أن كلنا لدينا أسماء إسلامية، وكلنا وُلدنا مسلمين.

                    ألا تتمنى أن تبدأ بداية كبداية الصحابي الذي اغتسل وطهر الثياب وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلى ركعتين ثم باع نفسه بعد ذلك كلية لله عز وجل؟
                    ماذا يُعني إسلام؟
                    ولمَ سمي الإسلام إسلاما؟
                    هو إسلام لمن؟
                    أليس الإسلام أن تسلم لله رب العالمين؟
                    معنى الإسلام الكامل لله رب العالمين أن تسلم نفسك له، فلا يفقدك حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، تقف عند حدوده، تنفذ أوامره، تجتنب نواهيه، هذا هو الإسلام.
                    [قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَأُمِرْنَ لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمِينَ]
                    {الأنعام:71}.
                    [بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَ هُمْ يَحْزَنُونَ]
                    {البقرة:112} .
                    والمسلم الذي يسلم إسلامًا صحيحًا لا يجادل في أوامر الله عز وجل
                    [فَلَ وَرَبِّكَ لَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَ شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَ يَجِدُو فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجً مِمَّ قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُو تَسْلِيمًا]
                    {النساء:65}.

                    معنى الإسلام أن تحوطه من جميع جوانبه، وتأخذه كلية، لا تأخذ جانبًا وتترك فيه جوانب، ألا تقدم أمرًا على أمر الله ورسوله، وليست لدينا فرصة للاختيار من أوامر الله عز وجل، ومن أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، أو قواعد الإسلام
                    [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا]
                    {الأحزاب:36} .

                    أما من أسلم حياته لشهوته، أو أسلم حياته لمنصبه، أو أسلم حياته لزوجته، وأولاده، أو أسلم حياته لماله، فليس بالمسلم الذي أراده الله عز وجل، كثير من الناس ترتكب كل المنكرات، ولما تُذَكّرها يحتج بأنه ضعيف، وعبد المأمور، وهو الذي قال لي: اعمل كذا ولا تفعل كذا.

                    شيء جميل أن تكون صادقًا مع نفسك، فأنت عبد للمأمور، ولست عبدًا حقيقيًا لله عز وجل، وراجع نفسك يوم القيامة، فكل نفس بما كسبت رهينة، وكل إنسان سيحاسب بمفرده، المأمور بمفرده، وعبد المأمور يحاسب لوحده، ولن تُعْذَر يا أخي في أنك لم تسلم لله عز وجل إسلامًا حقيقيا كإسلام الصحابة.

                    هذه هي الخطوة التي غيرت الصحابة، فبدايتهم كانت صعبة، صعبة جدا، أصعب من بدايات معظمنا، لكنهم فهموا الدين كما ينبغي أن يُفْهم، فكان الصحابة كما عرفناهم.
                    ولنرى الصحابي قبل أن يكون صحابي، وقبل الإسلام، وبعد أن أسلموا أنفسهم لله عز وجل

                    لبثت ثوب الرجا و الناس قد رقدوا و قمت أشكو إلى مولاي ما أجد
                    و قلت يا عدتي في كل نائبة و من عليه لكشف الضر أعتمد
                    أشكو إليك ذنوبا أنت تعلمها ما لي على حملها صبر و لا جلد

                    تعليق


                    • #11
                      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
                      من قال أستغفر الله الذى لا اله الا هو الحى القيوم وأتوب اليه ثلاثا غفرت ذنوبه وان كان فر من الزحف

                      لبثت ثوب الرجا و الناس قد رقدوا و قمت أشكو إلى مولاي ما أجد
                      و قلت يا عدتي في كل نائبة و من عليه لكشف الضر أعتمد
                      أشكو إليك ذنوبا أنت تعلمها ما لي على حملها صبر و لا جلد

                      تعليق


                      • #12
                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                        جزاكم الله خيرااااااااا

                        شريط : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للشيخ نبيل العوضي

                        تعليق

                        يعمل...
                        X