عرفـــــــــــــــــــــــــات ....... عبـــــــــــر وعبــــــــــــــــــــــرات
عرفـــــــــــات عبر وعبــــــــــرات
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران: 102).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء: 1)
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: 70، 71).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وبعد:
ماذا عسى لقائل أن يقول عن مشهد يعجز أبلغ البلغاء أن يصفه، وعن مشاعر فياضة يعجز الأديب والأريب أن يفصح عنها إنه مشهد يوم عرفة، يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، إنه عيد الإسلام، إنه يوم عرفة، أعظم الأيام وأفضلها، إنه يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عن الخطوب، والستر على العيوب، والفوز بالمحبوب، إنه يوم العتق من النيران، والمباهاة بأهل الموقف من قبل الرحمن، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء) رواه مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان يوم عرفة ينزل الله إلى سماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب فلان مرهق فيقول: قد غفرت لهم، فما من يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة) (1).
وفي رواية: (أشهدكم يا عبادي أني غفرت لمحسنهم وتجاوزت عن مسيئهم).
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رئي يوم بدر) (2).
*أعمــــــــــــــــــــال يوم عرفة:
* إذا صليت الفجر وطلعت الشمس فانطلق إلى عرفة وأنت تلبي وتكبر فتقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ترفع بذلك صوتك.
* من السنة أن تنزل في نمرة إلى الزوال. [1] إن أمكن ذلك.
* ثم تكون هناك خطبة وبعدها تصلى الظهر والعصر([2]) جمع تقديم ركعتين بأذان وإقامتين، ولا يصلى بينهما ولا قبلهما شيئاً من النوافل.
* ثم تدخل داخل عرفة وتتأكد من دخولها بالحدود الموجودة لأن وادي عرنة ليس من عرفة.
* تتفرغ بعد ذلك للذكر والتضرع إلى الله - عز وجل - والدعاء بخشوع وحضور قلب.
* عرفة كلها موقف وإن تيسر لك أن تقف عند الصخرات أسفل الجبل الذي يسمى جبل الرحمة وتجعله بينك وبين القبلة فهو أفضل.
* ليس من السنة صعود الجبل كما يفعله بعض عامة الناس.
* تكثر من قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
* لا تخرج من عرفة إلا بعد غروب الشمس.
* بعد الغروب تنطلق إلى مزدلفة بهدوء وسكينة، وإذا وجدت متسعاً فأسرع قليلاً لأنها السنة.
* حين تصل إلى مزدلفة تصلي المغرب والعشاء، والسنة أن تجمع بينهما بأذان وإقامتين المغرب ثلاث، والعشاء ركعتين ولا تصل بينهما شيئاً، فإن كنت تخشى أن لا تصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل بسبب الزحام أو غيره فإنه يجب عليك أن تصلي في الطريق ولو لم تصل إلى مزدلفة قبل خروج الوقت.
* ثم تنام حتى الفجر، أما الضعفاء والنساء فيجوز لهم الذهاب إلى منى بعد غياب القمر والله أعلم.
* أســـــــــــــــباب مغفرة الذنوب في يوم عرفة
أيها الحاج المبارك: من طمع في العتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة ومنها:
أولاً: أن تحفظ جوارحك من المحرمات في هذا اليوم: عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان فلان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة قال فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن قال وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجهه بيده من خلفه مراراً قال وجعل الفتى يلاحظ إليهن قال فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له). [3]
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بين في هذا الحديث أموراً ثلاثة من فعلها غفر الله له وهي:
أ- غض البصـــــــــــــــــــر:
فلا تنظر إلى ما حرم الله فإنه في مثل هذا الموقف يبتلى الإنسان بالنظر إلى ما حرم الله من النساء الأجانب فتنظر إلى هذه وتمعن النظر في الأخرى ويذهب يومك بالنظر الغادي والرائح من النساء، والمراد بغض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه، ولا ينظر إلا لما أبيح له النظر إليه، ويدخل فيه أيضاً إغماض الأبصار عن المحرمات، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره سريعاً ([4]) قال - تعالى -: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (النور: 30)، وقال - تعالى -: ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)) (النور: من الآية31).
فأمر الله - تعالى -بغض البصر لأن البصر سهم من سهام إبليس.
قال ابن القيم - رحمه الله -: (أمر الله - تعالى -نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدماً على حفظ الفروج، فإن الحوادث مبدؤها من النظر، فتكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات) ([5])
وقال القرطبي - رحمه الله -: (البصر: هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، ويحسب ذلك كثرة السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى منه الفتنة من أجله). ([6])
ولذا ضمن النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنة لم غض بصره كما في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)[7]
وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - غض البصر من حق الطريق فقال عند سأله أصحابه فقالوا وما حق الطريق؟ قال: (غض البصر) الحديث رواه البخاري ([8])
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (الإثم حواز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع) ([9]) وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه - (إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك). ([10])
ب- حفظ الســـــــــــــــــــمع:
فلا تسمع ما حرم الله من أغاني ماجنة، أو أحاديث فاسدة قال - تعالى -: ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) (الإسراء: من الآية36).
أي يسأل كل واحد منهم عما اكتسب فالفؤاد عما افتكر فيه واعتقده والسمع والبصر عما رأى من ذلك وسمع، ومثل هذه الأمور محرمة في كل الأحوال وفي مثل هذا اليوم - يوم عرفة أشد لأنه يوم يتجلى فيه الرب والله - تعالى -يدعو عباده ليسألوه ليغفر لهم ومع ذلك يصر على العناد والعصيان والله إن هذا لهو الخسران المبين، نسأل الله السلامة والعافية.
ح- حفظ اللســــــــــــــــــــــان:
اللسان، الذي تستجير به جميع الأعضاء ويقلن له: اتق الله فينا فإنما نحن بك إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ اللسان وضبطه هو منشأ كل خير وأصل كل فضيلة وملاك جميع آداب الدنيا والدين فمن ملك لسانه فقد ملك أمره قال - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)رواه البخاري.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) متفق عليه.
ويقول - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه أحمد عن أنس - رضي الله عنه -: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه). ([11])
واستقامة اللسان بقول الحق دائماً وتجنب قول السوء خاصة في مثل هذا اليوم العظيم الذي قد ينسي الإنسان نفسه من شدة وهج الشمس وحرها وزحمة الناس وسوء معاملتهم مما قد يتسبب لبعضهم بالسب والشتام واللعن والتلفظ بسيئ الكلام أو جلوس بعضهم مع بعض بالمجالس العامرة بالضحك والغيبة والنميمة والكذب ونحوها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل فيها في النار أبعد مما بين المشرق) رواه البخاري ومسلم.
ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. فاحفظ لسانك أيها الحاج من كل شيء يشوبه.
ثانياً: الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق:
فإنها أصل الذي أكمله الله في مثل هذا اليوم، قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
ثالثاً: الإلحاح على الله - تعالى -بالدعاء:
فإن الله قريب من عباده ويجيب - سبحانه - الملحين.
لا تسألن بُني آدم حـاجـة * * * وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله * * * وإذا سألت بُني آدم يغضب
قال - تعالى -: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) (غافر: من الآية60).
ويقول - سبحانه -: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) (النمل: من الآية62) النمل
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة)) رواه الترمذي. [12]
وروي عن عمر رضي الله أنه قال: (إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه).
ارفع يديك إلى السماء * * * في لهفة مشرعا
ارفع يديك فربـمـا * * * تلقى قبولا ربما
يا من قضيت العمر * * * من كلأ أو مشربا
العيش في الأخرى * * * فأدرك في معادك مغنما
ولعلي أن أذكرك أخي الحاج ببعض آداب الدعاء فمنها: [13]
1- أن تسأل الله - تعالى -بأسمائه الحسنى لقوله - تعالى -: ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) (لأعراف: من الآية180).
2- البدء بحمد الله - تعالى -والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله.
3- الصدق والإخلاص لله في الطلب.
4- الإلحاح وعدم الاستعجال.
5- تكرار الدعاء ثلاثاً.
6- كون المطعم والمشرب والملبس من الحلال.
7- رفع الأيدي في الدعاء واستقبال القبلة.
8- الوضوء قبل الدعاء.
9- خفض الصوت في الدعاء.
10- عدم تكلف السجع في الدعاء.
11- عدم الاعتداء في الدعاء أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.
12- لا تسال إلا الله - تعالى -وحده.
احذر أيها الحاج، يا من تكلفت المشاق وأجهدت نفسك وأنفقت مالك احذر أن تفسد عملك بالذنوب والمعاصي فإنها حاجبة الدعاء وجالبة الشقاء.
كيف نرجو إجابة لدعاء قد ســـــــــــددنا طريقها بالذنوب
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)) (المؤمنون: 51)، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ))
(البقرة: من الآية172) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) رواه مسلم.
قيل لإبراهيم بن أدهم - رحمه الله - ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلو تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس).
فيا من يطمع في العتق من النار، ثم يمنع نفسه من الرحمة بالإصرار على كبائر الإثم والأوزار: تالله ما نصحتك نفسك، توبق نفسك بالمعاصي، فإذا حرمت المغفرة قلت: أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم؟
إن كنت تطمع في العتق من النار فاشتر نفسك من الله
((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)) (التوبة: من الآية111)، من عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل! ويحك يا مسكين لقد رضي منك في نفع نفسك بالندم، واكتفي منك في ثمنها بالتوبة والحزن، وفي مثل هذا اليوم قد رخص السعر: (من ملك سمعه وبصره ولسانه غفر له).
أيها الحاج الكريم: مد إلى ربك الاعتذار، وقم على بابه بالذل والانكسار، ولتسل منك الدموع الغزار وقل: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (لأعراف: من الآية23)
أحوال الســـــــــــــــــــلف في موقف عرفة:
أيها الحاج المبارك: لقد كانت أحوال أسلافنا الأوائل في مثل هذا اليوم محل العجب، فها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل البشرية، وأزكى البرية، يقف بعد انتهائه من خطبته وصلاته رافعا يديه، يدعو ربه - عز وجل - إلى أن غربت شمس ذلك اليوم وهو على ناقته، يدعو ربه ويلح عليه بالدعاء، ويتضرع بين يديه وهو من قد غفر له ذنوبه كلها ما تقدم منها وما تأخر، وله المقام المحمود، ومع ذلك كله يستمر - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء حتى الغروب فما ذا نقول نحن؟ ! وما عسانا أن نفعل؟!
وعند ما وقف الفضيل بن عياض - رحمه الله - بعرفة ورأى الناس يدعون ويبكون بكى بكاء الثكلى المحترقة حتى حال البكاء بينه وبين الدعاء فهلا فعلت مثل فعلهم؟
وهذا سفيان الثوري - رحمه الله - رئي بعرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فمن منا سيجثو على ركبتيه ليدعو ربه ويتضرع بين يديه؟ !!
* وقفة تـــــــــــــــــــــــــأمل
أيها الحاج: الله الله في هذا اليوم لقد حرمه غيرك وفزت أنت في شرف الوقوف فيه، فجأر إلى الله بقلب خاشع، وعين دامعة، ونفس وآجلة، أحسن الظن بالله، تب إلى الله - عز وجل -، أري الله من نفسك خيراً ولتكن عوناً لإخوانك، انشغل بالدعاء والاستغفار، وقراءة القرآن، دع عنك القيل والقال وكثرة المقال والسؤال، والانشغال بما لا ينفع الحال والمآل فما هي والذي نفسي بيده إلا لحظات ثم ينتهي هذا اليوم العظيم، فما موقفك إذا فاز الناس وخسرت؟ فازوا بالرضى والرضوان والفوز بالجنان والنجاة من النيران وخسرت أنت كله؟
أما آن لك أن تنفك الدمعة من آسارها؟ أما آن للقلب القاسي الغافل أن يخشع لربه ويخضع؟ أما آن للنفس الجموحة التي غفلت وظلمت أن ترجع إلى ربها: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) (الذاريات: 50)
بلى قد آن فهذا يوم الرحمات والبركات والتجليات والكرم من رب البريات.
* أخطاء تقع من بعض الحجاج يوم عرفة. [14]
1- نزول بعض الحجاج خارج حدود عرفة وبقاؤهم حتى تغرب الشمس دون أي يقفوا بعرفات وهذا خطأ فادح لأن الحج عرفة وهم لم يقفوا فيها.
2- انصراف بعض الحجاج قبل غروب الشمس وهذا حرام لأنه خلاف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث وقف إلى أن غربت الشمس.
3- أن بعض الحجاج يستقبلون الجبل جبل عرفة عند الدعاء ولو كانت القبلة خلف ظهورهم أو على أيمانهم أو شمائلهم، وهذا خلاف السنة فإن السنة استقبال القبلة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -
4- يعتقد بعض الحجاج أنه لا بد في الوقوف بعرفة من رؤية جبل الرحمة أو الذهاب إليه وهذا كله غير مقصود.
5- يخطئ بعض الحجاج في يوم عرفة فيبقى يومه ذاك في مسجد نمرة في الجزء الخارج من عرفات.
6- انشغال بعض الحجاج بالضحك والمزاح وفضول الكلام وإضاعة الوقت بالنوم عن الدعاء والذكر.
7- يلاحظ أن بعض الحجاج هداهم الله يلتقطون لهم صوراً (فوتوغرافية) ويسمونها صوراً تذكارية وهذا منكر.
8- يرى من كثير من الحجاج الإسراع والمسابقة بالسيارات حين الإفاضة، علماً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الموضع: (السكينة السكينة).
9- يعتقد بعض الحجاج أن الأشجار في عرفة كالتي في الحرم من أنه لا يجوز قطعها وليس بصواب.
10- يكره للحاج صيام يوم عرفة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف مفطراً إذ أرسل إليه قدح لبن فشربه.
عرفـــــــــــات عبر وعبــــــــــرات
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران: 102).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء: 1)
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: 70، 71).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وبعد:
ماذا عسى لقائل أن يقول عن مشهد يعجز أبلغ البلغاء أن يصفه، وعن مشاعر فياضة يعجز الأديب والأريب أن يفصح عنها إنه مشهد يوم عرفة، يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، إنه عيد الإسلام، إنه يوم عرفة، أعظم الأيام وأفضلها، إنه يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عن الخطوب، والستر على العيوب، والفوز بالمحبوب، إنه يوم العتق من النيران، والمباهاة بأهل الموقف من قبل الرحمن، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء) رواه مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان يوم عرفة ينزل الله إلى سماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب فلان مرهق فيقول: قد غفرت لهم، فما من يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة) (1).
وفي رواية: (أشهدكم يا عبادي أني غفرت لمحسنهم وتجاوزت عن مسيئهم).
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رئي يوم بدر) (2).
*أعمــــــــــــــــــــال يوم عرفة:
* إذا صليت الفجر وطلعت الشمس فانطلق إلى عرفة وأنت تلبي وتكبر فتقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ترفع بذلك صوتك.
* من السنة أن تنزل في نمرة إلى الزوال. [1] إن أمكن ذلك.
* ثم تكون هناك خطبة وبعدها تصلى الظهر والعصر([2]) جمع تقديم ركعتين بأذان وإقامتين، ولا يصلى بينهما ولا قبلهما شيئاً من النوافل.
* ثم تدخل داخل عرفة وتتأكد من دخولها بالحدود الموجودة لأن وادي عرنة ليس من عرفة.
* تتفرغ بعد ذلك للذكر والتضرع إلى الله - عز وجل - والدعاء بخشوع وحضور قلب.
* عرفة كلها موقف وإن تيسر لك أن تقف عند الصخرات أسفل الجبل الذي يسمى جبل الرحمة وتجعله بينك وبين القبلة فهو أفضل.
* ليس من السنة صعود الجبل كما يفعله بعض عامة الناس.
* تكثر من قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
* لا تخرج من عرفة إلا بعد غروب الشمس.
* بعد الغروب تنطلق إلى مزدلفة بهدوء وسكينة، وإذا وجدت متسعاً فأسرع قليلاً لأنها السنة.
* حين تصل إلى مزدلفة تصلي المغرب والعشاء، والسنة أن تجمع بينهما بأذان وإقامتين المغرب ثلاث، والعشاء ركعتين ولا تصل بينهما شيئاً، فإن كنت تخشى أن لا تصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل بسبب الزحام أو غيره فإنه يجب عليك أن تصلي في الطريق ولو لم تصل إلى مزدلفة قبل خروج الوقت.
* ثم تنام حتى الفجر، أما الضعفاء والنساء فيجوز لهم الذهاب إلى منى بعد غياب القمر والله أعلم.
* أســـــــــــــــباب مغفرة الذنوب في يوم عرفة
أيها الحاج المبارك: من طمع في العتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة ومنها:
أولاً: أن تحفظ جوارحك من المحرمات في هذا اليوم: عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان فلان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة قال فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن قال وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجهه بيده من خلفه مراراً قال وجعل الفتى يلاحظ إليهن قال فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له). [3]
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بين في هذا الحديث أموراً ثلاثة من فعلها غفر الله له وهي:
أ- غض البصـــــــــــــــــــر:
فلا تنظر إلى ما حرم الله فإنه في مثل هذا الموقف يبتلى الإنسان بالنظر إلى ما حرم الله من النساء الأجانب فتنظر إلى هذه وتمعن النظر في الأخرى ويذهب يومك بالنظر الغادي والرائح من النساء، والمراد بغض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه، ولا ينظر إلا لما أبيح له النظر إليه، ويدخل فيه أيضاً إغماض الأبصار عن المحرمات، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره سريعاً ([4]) قال - تعالى -: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (النور: 30)، وقال - تعالى -: ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)) (النور: من الآية31).
فأمر الله - تعالى -بغض البصر لأن البصر سهم من سهام إبليس.
قال ابن القيم - رحمه الله -: (أمر الله - تعالى -نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدماً على حفظ الفروج، فإن الحوادث مبدؤها من النظر، فتكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات) ([5])
وقال القرطبي - رحمه الله -: (البصر: هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، ويحسب ذلك كثرة السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى منه الفتنة من أجله). ([6])
ولذا ضمن النبي - صلى الله عليه وسلم - الجنة لم غض بصره كما في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)[7]
وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - غض البصر من حق الطريق فقال عند سأله أصحابه فقالوا وما حق الطريق؟ قال: (غض البصر) الحديث رواه البخاري ([8])
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (الإثم حواز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع) ([9]) وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه - (إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك). ([10])
ب- حفظ الســـــــــــــــــــمع:
فلا تسمع ما حرم الله من أغاني ماجنة، أو أحاديث فاسدة قال - تعالى -: ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)) (الإسراء: من الآية36).
أي يسأل كل واحد منهم عما اكتسب فالفؤاد عما افتكر فيه واعتقده والسمع والبصر عما رأى من ذلك وسمع، ومثل هذه الأمور محرمة في كل الأحوال وفي مثل هذا اليوم - يوم عرفة أشد لأنه يوم يتجلى فيه الرب والله - تعالى -يدعو عباده ليسألوه ليغفر لهم ومع ذلك يصر على العناد والعصيان والله إن هذا لهو الخسران المبين، نسأل الله السلامة والعافية.
ح- حفظ اللســــــــــــــــــــــان:
اللسان، الذي تستجير به جميع الأعضاء ويقلن له: اتق الله فينا فإنما نحن بك إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ اللسان وضبطه هو منشأ كل خير وأصل كل فضيلة وملاك جميع آداب الدنيا والدين فمن ملك لسانه فقد ملك أمره قال - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)رواه البخاري.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) متفق عليه.
ويقول - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه أحمد عن أنس - رضي الله عنه -: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه). ([11])
واستقامة اللسان بقول الحق دائماً وتجنب قول السوء خاصة في مثل هذا اليوم العظيم الذي قد ينسي الإنسان نفسه من شدة وهج الشمس وحرها وزحمة الناس وسوء معاملتهم مما قد يتسبب لبعضهم بالسب والشتام واللعن والتلفظ بسيئ الكلام أو جلوس بعضهم مع بعض بالمجالس العامرة بالضحك والغيبة والنميمة والكذب ونحوها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل فيها في النار أبعد مما بين المشرق) رواه البخاري ومسلم.
ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. فاحفظ لسانك أيها الحاج من كل شيء يشوبه.
ثانياً: الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق:
فإنها أصل الذي أكمله الله في مثل هذا اليوم، قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
ثالثاً: الإلحاح على الله - تعالى -بالدعاء:
فإن الله قريب من عباده ويجيب - سبحانه - الملحين.
لا تسألن بُني آدم حـاجـة * * * وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله * * * وإذا سألت بُني آدم يغضب
قال - تعالى -: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) (غافر: من الآية60).
ويقول - سبحانه -: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) (النمل: من الآية62) النمل
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة)) رواه الترمذي. [12]
وروي عن عمر رضي الله أنه قال: (إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه).
ارفع يديك إلى السماء * * * في لهفة مشرعا
ارفع يديك فربـمـا * * * تلقى قبولا ربما
يا من قضيت العمر * * * من كلأ أو مشربا
العيش في الأخرى * * * فأدرك في معادك مغنما
ولعلي أن أذكرك أخي الحاج ببعض آداب الدعاء فمنها: [13]
1- أن تسأل الله - تعالى -بأسمائه الحسنى لقوله - تعالى -: ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) (لأعراف: من الآية180).
2- البدء بحمد الله - تعالى -والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله.
3- الصدق والإخلاص لله في الطلب.
4- الإلحاح وعدم الاستعجال.
5- تكرار الدعاء ثلاثاً.
6- كون المطعم والمشرب والملبس من الحلال.
7- رفع الأيدي في الدعاء واستقبال القبلة.
8- الوضوء قبل الدعاء.
9- خفض الصوت في الدعاء.
10- عدم تكلف السجع في الدعاء.
11- عدم الاعتداء في الدعاء أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.
12- لا تسال إلا الله - تعالى -وحده.
احذر أيها الحاج، يا من تكلفت المشاق وأجهدت نفسك وأنفقت مالك احذر أن تفسد عملك بالذنوب والمعاصي فإنها حاجبة الدعاء وجالبة الشقاء.
كيف نرجو إجابة لدعاء قد ســـــــــــددنا طريقها بالذنوب
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)) (المؤمنون: 51)، وقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ))
(البقرة: من الآية172) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) رواه مسلم.
قيل لإبراهيم بن أدهم - رحمه الله - ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلو تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس).
فيا من يطمع في العتق من النار، ثم يمنع نفسه من الرحمة بالإصرار على كبائر الإثم والأوزار: تالله ما نصحتك نفسك، توبق نفسك بالمعاصي، فإذا حرمت المغفرة قلت: أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم؟
إن كنت تطمع في العتق من النار فاشتر نفسك من الله
((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)) (التوبة: من الآية111)، من عرف ما يطلب هان عليه كل ما يبذل! ويحك يا مسكين لقد رضي منك في نفع نفسك بالندم، واكتفي منك في ثمنها بالتوبة والحزن، وفي مثل هذا اليوم قد رخص السعر: (من ملك سمعه وبصره ولسانه غفر له).
أيها الحاج الكريم: مد إلى ربك الاعتذار، وقم على بابه بالذل والانكسار، ولتسل منك الدموع الغزار وقل: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (لأعراف: من الآية23)
أحوال الســـــــــــــــــــلف في موقف عرفة:
أيها الحاج المبارك: لقد كانت أحوال أسلافنا الأوائل في مثل هذا اليوم محل العجب، فها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل البشرية، وأزكى البرية، يقف بعد انتهائه من خطبته وصلاته رافعا يديه، يدعو ربه - عز وجل - إلى أن غربت شمس ذلك اليوم وهو على ناقته، يدعو ربه ويلح عليه بالدعاء، ويتضرع بين يديه وهو من قد غفر له ذنوبه كلها ما تقدم منها وما تأخر، وله المقام المحمود، ومع ذلك كله يستمر - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء حتى الغروب فما ذا نقول نحن؟ ! وما عسانا أن نفعل؟!
وعند ما وقف الفضيل بن عياض - رحمه الله - بعرفة ورأى الناس يدعون ويبكون بكى بكاء الثكلى المحترقة حتى حال البكاء بينه وبين الدعاء فهلا فعلت مثل فعلهم؟
وهذا سفيان الثوري - رحمه الله - رئي بعرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فمن منا سيجثو على ركبتيه ليدعو ربه ويتضرع بين يديه؟ !!
* وقفة تـــــــــــــــــــــــــأمل
أيها الحاج: الله الله في هذا اليوم لقد حرمه غيرك وفزت أنت في شرف الوقوف فيه، فجأر إلى الله بقلب خاشع، وعين دامعة، ونفس وآجلة، أحسن الظن بالله، تب إلى الله - عز وجل -، أري الله من نفسك خيراً ولتكن عوناً لإخوانك، انشغل بالدعاء والاستغفار، وقراءة القرآن، دع عنك القيل والقال وكثرة المقال والسؤال، والانشغال بما لا ينفع الحال والمآل فما هي والذي نفسي بيده إلا لحظات ثم ينتهي هذا اليوم العظيم، فما موقفك إذا فاز الناس وخسرت؟ فازوا بالرضى والرضوان والفوز بالجنان والنجاة من النيران وخسرت أنت كله؟
أما آن لك أن تنفك الدمعة من آسارها؟ أما آن للقلب القاسي الغافل أن يخشع لربه ويخضع؟ أما آن للنفس الجموحة التي غفلت وظلمت أن ترجع إلى ربها: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) (الذاريات: 50)
بلى قد آن فهذا يوم الرحمات والبركات والتجليات والكرم من رب البريات.
* أخطاء تقع من بعض الحجاج يوم عرفة. [14]
1- نزول بعض الحجاج خارج حدود عرفة وبقاؤهم حتى تغرب الشمس دون أي يقفوا بعرفات وهذا خطأ فادح لأن الحج عرفة وهم لم يقفوا فيها.
2- انصراف بعض الحجاج قبل غروب الشمس وهذا حرام لأنه خلاف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث وقف إلى أن غربت الشمس.
3- أن بعض الحجاج يستقبلون الجبل جبل عرفة عند الدعاء ولو كانت القبلة خلف ظهورهم أو على أيمانهم أو شمائلهم، وهذا خلاف السنة فإن السنة استقبال القبلة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -
4- يعتقد بعض الحجاج أنه لا بد في الوقوف بعرفة من رؤية جبل الرحمة أو الذهاب إليه وهذا كله غير مقصود.
5- يخطئ بعض الحجاج في يوم عرفة فيبقى يومه ذاك في مسجد نمرة في الجزء الخارج من عرفات.
6- انشغال بعض الحجاج بالضحك والمزاح وفضول الكلام وإضاعة الوقت بالنوم عن الدعاء والذكر.
7- يلاحظ أن بعض الحجاج هداهم الله يلتقطون لهم صوراً (فوتوغرافية) ويسمونها صوراً تذكارية وهذا منكر.
8- يرى من كثير من الحجاج الإسراع والمسابقة بالسيارات حين الإفاضة، علماً أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الموضع: (السكينة السكينة).
9- يعتقد بعض الحجاج أن الأشجار في عرفة كالتي في الحرم من أنه لا يجوز قطعها وليس بصواب.
10- يكره للحاج صيام يوم عرفة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف مفطراً إذ أرسل إليه قدح لبن فشربه.
تعليق