كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
ـ تذكير وتصبير لكل غيور على الدين بما تعرضت له دعوة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.
المقدمة:
ـ السيرة النبوية منهج حياة يُقتدى به في كل زمان: قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)، وقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:90).
- جملة مختصرة جدًّا عن بداية الدعوة الإسلامية.
1- الأمر بإظهار الدعوة النبوية:
- لما تكونت جماعة من المؤمنين تتحمل عبء تبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها نزل الوحي: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(الشعراء:214).
- مضمون سورة الشعراء مثال لما سيلقونه من التكذيب والاضطهاد حينما يجهرون بالدعوة: "قصة موسى عليه السلام ـ مآل المكذبين للرسل من قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة": (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)(الشعراء:105)، (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:123)، (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:141)، (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ)(الشعراء:160).
ـ على جبل الصفا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (وَأَنْذِرْ عشيرتك الأَقْرَبين) صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: (يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ) لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟) قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلا صِدْقًا، قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) (متفق عليه)، ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله، فخص وعم.
ـ الجهر بالدعوة في مجامع المشركين ونواديهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59).
ـ الدعوة تلقى مزيدًا من القبول وقريش تعلن المواجهة الأثيمة بالتكذيب: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (سبأ:34).
2- أسباب العداوة والتكذيب للدعوة النبوية:
أولاً: الجهل بحقيقة الدين:
- كانت حجتهم أنهم على دين إبراهيم -الذي حرفوه- فأنكروا واستغربوا ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ)، فَدَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. (رواه البخاري).
ثانيًا: الكِبْر:
ـ المتكبر يستنكف أن يكون مع الناس أو تابعًا لأحد منهم: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31)، (قصة إسلام جبلة بن الأيهم).
ثالثًا: حب الرياسة والجاه:
ـ يتصورون أن اتباعهم للمنهج الإسلامي يسلبهم جاههم وسلطانهم؛ ولذلك يقاومونه ويعادونه، ويأتون بالأباطيل لتبرير عداوتهم:(وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (ص:6)، جاء في تفسير القرطبي -رحمه الله-: "أي يريد محمد بما يقول الانقياد له؛ ليعلو علينا ونكون له أتباعًا فيتحكم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه!"، (حديث أبي جهل لعمرو بن العاص).
3- وسائل شتى لمحاربة الدعوة النبوية:
- قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، وتخويفهم؛ لينصرفوا عن الدعوة.
السخرية والتحقير والتكذيب:
- كانوا يصمونه بالسحر والكذب: (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (ص: 4).
- كانوا ينادونه بالمجنون: (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر:6).
- كان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزؤوا بهم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَء لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ)(المطففين:29-33).
الحيلولة بين الناس وبين سماعهم تعاليم الإسلام:
ـ العمل على منع كل وسائل وصول الدعوة للجماهير: قال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت:26).
ـ نشر وسائل اللهو وشغل الجماهير بها عن تعاليم الإسلام: "كان النضر بن الحارث أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني؟!" (الرحيق المختوم).
وفي رواية عن ابن عباس: "أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنِّيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (لقمان: 6).
إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة:
- حملة إعلامية لتشويه صورة الدعوة وحاملها: لما قرب موسم الحج وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب في شأن محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب - اجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة، فقال لهم الوليد: أجمعوا فيه رأيًّا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا. قالوا: فأنت فقل وأقم لنا رأيًّا نقول به. قال: بل أنتم فقولوا أسمع.
قالوا: نقول: كاهن. قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزَمْزَمَة الكاهن ولا سجعه. قالوا: فنقول: مجنون. قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخَنْقِه ولا تَخَالُجِه ولا وسوسته. قالوا: فنقول: شاعر. قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه، وقَرِيضَه ومَقْبُوضه ومَبْسُوطه، فما هو بالشعر. قالوا: فنقول: ساحر. قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنَفْثِهِم ولا عقْدِهِم.
قالوا: فما نقول؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لعَذَق، وإن فَرْعَه لجَنَاة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر، جاء بقول هو سحر، يفرِّق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك!" (الرحيق المختوم).
وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدِموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره!.
4- كيف واجه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك؟
- التزود بالصبر وكثرة الطاعة: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:97-99)، (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طه:130)، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90).
ـ المضي بالدعوة إلى آخر العمر: قال في الرحيق المختوم: "أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج يتبع الناس في منازلهم، وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذي المَجَاز يدعوهم إلى الله، وأبو لهب وراءه يقول: "لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب!".
5- وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم:
وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها، وأسلم كثير من أفاضل العرب.
ـ دعاية مجانية للإسلام: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) (فاطر:43).
- إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي: كان الطفيل قد قدِم مكة في هذا الموسم فوجدهم يقولون: احذروا محمدًا، احذروا فتى عبد المطلب، إنه يفرق بين المرء وأخيه، والمرء وأبيه، والمرء وزوجته، يقول: حتى جعلتُ الكرسف في أذني حتى لا أسمع محمدًا! فقلتُ لنفسي: أنت رجل من أهل الشعر والبلاغة واللغة؛ فكيف لا تسمع كلامه وتحكم عليه؟! قال: فذهبت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقلت: اعرض عليَّ ما عندك، قال: فعرض عليَّ الإسلام وقرأ عليَّ القرآن، فأسلمت وشهدت الشهادتين، فقلت: يا رسول الله علمني من الإسلام ما أدعو به قومي".
- إسلام ضماد الأزدي: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ ضِمَادًا، قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ) قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَعَلَى قَوْمِكَ)، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي" (رواه مسلم).
- إسلام عمرو بن عبسة السلمي: قال عمرو بن عبسة -رضي الله عنه-: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلالَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَخْفِيًا جُرَآءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: (أَنَا نَبِيٌّ)، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟! قَالَ: (أَرْسَلَنِي اللهُ)، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ، قَالَ: (أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ)، قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: (حُرٌّ، وَعَبْدٌ)، قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: (إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي) (رواه مسلم).
خاتمة:
ـ اصبروا وأحسنوا وسترون الثمرة: قال -تعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90).
ـ اصبروا وأحسنوا ولن يضركم كيد المفسدين: قال -تعالى-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) (آل عمرن:120).
فاللهم اجعل كيد المفسدين في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
ـ تذكير وتصبير لكل غيور على الدين بما تعرضت له دعوة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.
المقدمة:
ـ السيرة النبوية منهج حياة يُقتدى به في كل زمان: قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)، وقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:90).
- جملة مختصرة جدًّا عن بداية الدعوة الإسلامية.
1- الأمر بإظهار الدعوة النبوية:
- لما تكونت جماعة من المؤمنين تتحمل عبء تبليغ الرسالة وتمكينها من مقامها نزل الوحي: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(الشعراء:214).
- مضمون سورة الشعراء مثال لما سيلقونه من التكذيب والاضطهاد حينما يجهرون بالدعوة: "قصة موسى عليه السلام ـ مآل المكذبين للرسل من قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة": (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)(الشعراء:105)، (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:123)، (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء:141)، (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ)(الشعراء:160).
ـ على جبل الصفا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (وَأَنْذِرْ عشيرتك الأَقْرَبين) صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: (يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ) لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَقَالَ: (أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟) قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلا صِدْقًا، قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) (متفق عليه)، ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله، فخص وعم.
ـ الجهر بالدعوة في مجامع المشركين ونواديهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59).
ـ الدعوة تلقى مزيدًا من القبول وقريش تعلن المواجهة الأثيمة بالتكذيب: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (سبأ:34).
2- أسباب العداوة والتكذيب للدعوة النبوية:
أولاً: الجهل بحقيقة الدين:
- كانت حجتهم أنهم على دين إبراهيم -الذي حرفوه- فأنكروا واستغربوا ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ)، فَدَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. (رواه البخاري).
ثانيًا: الكِبْر:
ـ المتكبر يستنكف أن يكون مع الناس أو تابعًا لأحد منهم: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31)، (قصة إسلام جبلة بن الأيهم).
ثالثًا: حب الرياسة والجاه:
ـ يتصورون أن اتباعهم للمنهج الإسلامي يسلبهم جاههم وسلطانهم؛ ولذلك يقاومونه ويعادونه، ويأتون بالأباطيل لتبرير عداوتهم:(وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (ص:6)، جاء في تفسير القرطبي -رحمه الله-: "أي يريد محمد بما يقول الانقياد له؛ ليعلو علينا ونكون له أتباعًا فيتحكم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه!"، (حديث أبي جهل لعمرو بن العاص).
3- وسائل شتى لمحاربة الدعوة النبوية:
- قصدوا بها تخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، وتخويفهم؛ لينصرفوا عن الدعوة.
السخرية والتحقير والتكذيب:
- كانوا يصمونه بالسحر والكذب: (وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) (ص: 4).
- كانوا ينادونه بالمجنون: (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (الحجر:6).
- كان إذا جلس وحوله المستضعفون من أصحابه استهزؤوا بهم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَء لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ)(المطففين:29-33).
الحيلولة بين الناس وبين سماعهم تعاليم الإسلام:
ـ العمل على منع كل وسائل وصول الدعوة للجماهير: قال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت:26).
ـ نشر وسائل اللهو وشغل الجماهير بها عن تعاليم الإسلام: "كان النضر بن الحارث أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسًا للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني؟!" (الرحيق المختوم).
وفي رواية عن ابن عباس: "أن النضر كان قد اشترى قَيْنَةً، فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول: أطعميه واسقيه وغنِّيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وفيه نزل قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) (لقمان: 6).
إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة:
- حملة إعلامية لتشويه صورة الدعوة وحاملها: لما قرب موسم الحج وعرفت قريش أن وفود العرب ستقدم عليهم، فرأت أنه لابد من كلمة يقولونها للعرب في شأن محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى لا يكون لدعوته أثر في نفوس العرب - اجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة يتداولون في تلك الكلمة، فقال لهم الوليد: أجمعوا فيه رأيًّا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا. قالوا: فأنت فقل وأقم لنا رأيًّا نقول به. قال: بل أنتم فقولوا أسمع.
قالوا: نقول: كاهن. قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزَمْزَمَة الكاهن ولا سجعه. قالوا: فنقول: مجنون. قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخَنْقِه ولا تَخَالُجِه ولا وسوسته. قالوا: فنقول: شاعر. قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه، وقَرِيضَه ومَقْبُوضه ومَبْسُوطه، فما هو بالشعر. قالوا: فنقول: ساحر. قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنَفْثِهِم ولا عقْدِهِم.
قالوا: فما نقول؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لعَذَق، وإن فَرْعَه لجَنَاة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر، جاء بقول هو سحر، يفرِّق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك!" (الرحيق المختوم).
وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدِموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره!.
4- كيف واجه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك؟
- التزود بالصبر وكثرة الطاعة: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:97-99)، (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طه:130)، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90).
ـ المضي بالدعوة إلى آخر العمر: قال في الرحيق المختوم: "أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج يتبع الناس في منازلهم، وفي عُكَاظ ومَجَنَّة وذي المَجَاز يدعوهم إلى الله، وأبو لهب وراءه يقول: "لا تطيعوه فإنه صابئ كذاب!".
5- وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم:
وأدى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها، وأسلم كثير من أفاضل العرب.
ـ دعاية مجانية للإسلام: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) (فاطر:43).
- إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي: كان الطفيل قد قدِم مكة في هذا الموسم فوجدهم يقولون: احذروا محمدًا، احذروا فتى عبد المطلب، إنه يفرق بين المرء وأخيه، والمرء وأبيه، والمرء وزوجته، يقول: حتى جعلتُ الكرسف في أذني حتى لا أسمع محمدًا! فقلتُ لنفسي: أنت رجل من أهل الشعر والبلاغة واللغة؛ فكيف لا تسمع كلامه وتحكم عليه؟! قال: فذهبت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقلت: اعرض عليَّ ما عندك، قال: فعرض عليَّ الإسلام وقرأ عليَّ القرآن، فأسلمت وشهدت الشهادتين، فقلت: يا رسول الله علمني من الإسلام ما أدعو به قومي".
- إسلام ضماد الأزدي: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ ضِمَادًا، قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ) قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَعَلَى قَوْمِكَ)، قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي" (رواه مسلم).
- إسلام عمرو بن عبسة السلمي: قال عمرو بن عبسة -رضي الله عنه-: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلالَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَخْفِيًا جُرَآءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: (أَنَا نَبِيٌّ)، فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟! قَالَ: (أَرْسَلَنِي اللهُ)، فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ، قَالَ: (أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ)، قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: (حُرٌّ، وَعَبْدٌ)، قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: (إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي) (رواه مسلم).
خاتمة:
ـ اصبروا وأحسنوا وسترون الثمرة: قال -تعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:90).
ـ اصبروا وأحسنوا ولن يضركم كيد المفسدين: قال -تعالى-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) (آل عمرن:120).
فاللهم اجعل كيد المفسدين في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم.
تعليق