متفرقات من اقوال ابن القيم رحمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
1- قد يأتي المحبوب من قبل المكروه وقد يأتي المكروه من قبل المحبوب
في قوله تعالى:{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }.
في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد, فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب, والمحبوب قد يأتي بالمكروه, لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرّة, ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب, فإن الله يعلم منها مالا يعلمه العبد أوجب له ذلك أمورا: منها: أنه لا أنفع له من امتثال الأمر وإن شق عليه في الابتداء, لأم عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وإن كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع. وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهي وإن هويته نفسه ومالت إليه, وإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب
ومن أسرار هذه الآية أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور, والرضا بما يختاره له ويقضيه له, لما يرجو فيه من حسن العاقبة. ومنها: أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه ولا يسأله ما ليس له به علم, فلعل مضرّته وهلاكه فيه وهو لا يعلم, فلا يختار على ربه شيئا بل يسأله حسن الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك. ومنها: أنه إذا فوَّض إلى ربه ورضي بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر, وصرف عنه الآفات, التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه
فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميتة, فإن السبع لا يرضى بأكل الجيف.
2- التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة
قال:"ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها بي يسمع بي يبصر بي يبطش وبي يمشى ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن من يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه".
فتضمن هذا الحديث الشريف الإلهي- الذي حرام علي غليظ الطبع كثيف القلب فهم معناه والمراد به- حصر أسباب محبته في أمرين: أداء فرائضه والتقرب إليه بالنوافل.
وأخبر سبحانه إن أداء فرائضه أحب مما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل وأن المحب لا يزال يكثر من النوافل حتى يصير محبوبا لله فإذا صار محبوبا لله أوجبت محبة الله له محبة منه أخرى فوق المحبة الأولى فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه وملكت عليه روحه ولم يبق فيه سعة لغير محبوبه البتة فصار ذكر محبوبه وحبه مثله الأعلى مالكا لزمام قلبه مستوليا علي روحه استيلاء المحبوب علي محبه الصادق في محبته التي قد اجتمعت قوى حبه كلها له.
ولا ريب أن هذا المحب إن سمع سمع لمحبوبه وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشي مشي به فهو في قلبه ومعه ومؤنسه وصاحبه
3- سوء الظن بالله
, وهو أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به, فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس, فظن به ما يناقض أسماؤه وصفاته, ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم, كما
قال تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} وقال تعالى: لمن أنكر صفة من صفاته
{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. وقال تعالى: عن خليله إبراهيم إنه قال: لقومه {مَاذَا تَعْبُدُونَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
أي فما ظنكم أي يجازيكم به إذا لقيتموة وقد عبدتم غيره وماذا ظننتم به حتى عبدتم معه غيره؟ وماظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره؟ فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم, وهو على كل شيء قدير, وأنه غني عن كل ما سواه, وكل ما سواه فقير إليه,
وأنه قائم بالقسط على خلقه, وأنه المتفرد بتدبير خلقه لا يشرك فيه غيره, والعالم بتفاصيل الأمور, فلا يخفي عليه خافية من خلقه, والكافي لهم وحده, فلا يحتاج إلى معين, والرحمن بذاته, فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه, وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرؤساء, فأنهم يحتاج إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم, إلى من قضاء حوائجهم, وإلى من يسترحمهم وإلى من يستعطفهم بالشفاعة, فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وضعفهم وعجزهم وقصور علمهم, فأما القادر على كل شيء الغني عن كل شىء, الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء, فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه نقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده وظن به ظن سوء, وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده, ويمتنع في العقول والفطر وقبحه مستقر في السليمة فوق كل قبيح.
4- أيهما افصل الغني الشاكر أم الفقير الصابر
ليس لأحدهما على الاخرى فضيلة الا بالتقوى فإيهما أعظم ايمانا وتقوى كان افضل فإن استويا فى ذلك استويا فى الفضيله قال وهذا أصح الاقوال لأن نصوص الكتاب والسنة انما تفضل بالايمان والتقوى وقد قال تعالى {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} وقد كان فى الانبياء والسابقين الاولين من الاغنياء من هو أفضل من أكثر الفقراء وكان فيهم من الفقراء من هو أفضل من أكثر الاغنياء والكاملون يقومون بالمقامين فيقومون بالشكر والصبر على التمام كحال نبينا وحال أبى بكر وعمر رضى الله عنهما
ولكن قد يكون الفقر لبعض الناس أنفع والغنى لآخرين أنفع كما تكون الصحة لبعضهم أنفع والمرض لبعضهم أنفع كما فى الحديث الذى رواه البغوى وغيره عن النبى فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى: "ان من عبادى من لا يصلحه الا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وان من عبادى من لا يصلحه الا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وان من عبادى من لا يصلحه الا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وان من عبادى من لا يصلحه الا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك انى أدبر عبادى انى بهم خبير بصير".
5-أنواع هجر القرآن
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه.
الثاني: هجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.
الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم منه.
الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به، في جميع أمراض القلوب وأداوائها.
وكل هذا داخل فى قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان: 30].
وإن كان بعض الهجر أهون من بعض".
6- الغناء
"قال ابن القيم رحمه الله: "الغناء هو
جاسوس القلوب، وسارق المروءة، وسُوسُ العقل،يتغلغل في مكامن القلوب، ويدب إلى محلالتخييل، فيثير ما فيه من الهوى والشهوةوالسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة،فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار، وبهاءالعقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام،وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليهنقص عقله، وقل حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه
بهاؤه، وتخلى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله إيمانه، وثقل عليه قرآنه...
7- الشرك في العبادة
وأما الشرك في العبادة: فانه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلاّ الله, وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطى ولا يمنع إلاّ الله, وأنه لا إله غيره ولا رب سواه, ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته, بل يعمل لحظ نفسه تارة, وطلب الدنيا تارة, ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة, فلله من عمله وسعيه نصيب, ولنفسه وحظه وهواه نصيب, وللشيطان نصيب, وللخلق نصيب,
هذا حال أكثر الناس, وهو الشرك الذي قال: فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه"الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل, قالوا: وكيف ننجوا منه يا رسول الله؟ قال: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم, وأستغفرك لما لا أعلم"فالرياء كله شرك,
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} أي كما أنه إله واحد, لا إله سواه, فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده, فكما تفرد بالإلهية يحب أن يفرد بالعبودية, فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة, وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"اللهم اجعل عملي كله صالحا, واجعله لوجهك خالصا, ولا تجعل لا حد فيه شيئا".
وهذا الشرك في العبادة يبطل ثواب العمل, وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجبا, فإنه ينزله منزلة من لم يعلمه, فيعاقب على ترك الأمر, فان الله سبحانه إنما أمر بعبادته خالصة, قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} فمن لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به, بل الذي أتي به شيء غير المأمور به, فلا يصح, ويقبل منه, ويقول الله تعالى"أنا أغني الشركاء عن الشرك, فمن عمل عملا أشرك معي فيه غيري, فهو للذى أشرك به, وأنا منه برئ".
8- رحمة الله بعبادة
وما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين حيث قال : \" وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي , وأمه خلفه تطرده حتى خرج , فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقفمتفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , ولا من يؤويه غير والدته , فرجع مكسور القلب حزينا . فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام , وخرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه , والتزمته تقبله وتبكي وتقول : يا ولدي , أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟ ألم اقل لك لا تخالفني , ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك . وارادتي الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت .
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم \" الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها \" وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟
فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد أستدعى منه صرف تلك الرحمة عنه , فإذا تاب إليه فقد أستدعى منه ما هو أهله وأولى به .
ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : \" لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح – \"
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
تعليق