******
أخي في الله
تعليقك يهمني جدا ويزيد من عزيمتي لتقديم المزيد فأرجو كتابة رأيك
*********
ما إن تقبل الإجازة الصيفية إلا وتجد الغيورين والمهتمين بأمر أبنائهم وبناتهم في همّ وقلق من آثار مثل هذا الفراغ الذي سيبدأ فور انتهائهم من اختبارات نهاية العام!
إنه قلق من ذهاب نحو من 130.000 دقيقة هي وقت الإجازة الصيفية تقريباً.
ووجود القلق له جانب إيجابي إنْ حمَلَ على أن يبحث ركنا الأسرة ـ من أم وأب ـ على ما يعين على استثمار هذا الفراغ في النافع المفيد، وإلا ربما أصبح أثرُه السلبي خطيراً وكبيراً، أما إن كان القلق لمجرد القلق فقط من غير عمل ـ مع القدرة على ذلك ـ فهذا قلق العاجزين، وهو قلق سلبي لا يقدِّم ولا يؤخِّر!
إن كثيراً من الناس - وللأسف - لا زال يتعامل مع الوقت على أنه شيء ثانوي، ولا يتحرج من إهداره، والعبث به، فضلاً عن أن تتحرك فيه الغيرة عليه. ومن المحزن أن تنقلب الإجازة عند بعض الناس إلى محضن للكسل، والتربية على الغفلة والدعة واللامبالاة، والاستغراق في الترفيه غير المنضبط في وقته ومضمونه!
ولا ريب أن الترفيه من الحاجات النفسية المهمة، والإنسان والأسرة بحاجة إلى الاستجمام والراحة، لكن الترفيه لا يكون بالمحرمات، والراحة لا تعني الكسل، وغياب الهدف، كما أن الاستجمام لا يعني العبث، وضياع الدين، أو ضعف الفاعلية والعطاء.
إن العناية بالوقت - كما أنه ديانة وتعبد - فهو ثقافة وتربية، والإحساس بقيمة الوقت هو بداية التصحيح، وبعث الهمم.
إن الحديث في هذا الموضوع طويل جداً، ومتشعب، وحسبنا في هذا المقام أن نذكّربأمرين مهمين جداً؛ يعينان على الاستفادة من هذه الإجازة:
أولاً: من أهم ما تُربى عليه الأسرة في جميع أوقات السنة ـ فضلاً عن فترة الإجازة ـ أن الحياة بلا هدف؛ حياة لا قيمة لها!
إن من تأمل في واقع كثير من الناس، فسيجد أنهم يعيشون ـ في هذه الحياة ـ بلا هدف يُذكر أو طموح، فغاية الأكثرين: أن يوفر لقمة عيشة له ولأولاده فقط!
وقد يتساءل كثيرون: لماذا يكون لي هدف؟ وما العائد الذي سأجنيه من ذلك الهدف؟ وهل الطموح سيجعلني مميزاً عن الآخرين؟ ولماذا نرى الكثير من الناس يعيش في هذه الحياة ويجني النجاحات وهو إنسان غير طامح ولا يعيش لهدف؟ والإجابة على هذه التساؤلات معروفة، ولكن لا مانع من التذكير بها:
إن تحديد الهدف في الحياة يحقق لك أموراً عظيمة، من أهمها:
1 ـ يختصر لك الجهد والوقت: فتتوجه نحو هدفك مباشرة، وتسعى بكل قوتك لتحقيقه.
2 ـ تتعرف على طريقك: سأل رجلٌ يوماً صديقَه وهو يقف على مفترق الطرق: أين أذهب؟ وأي طريق أختار؟ فقال: وأين وجهتك؟ قال: لا أدري! فقال له: فاذهب في أي طريق! وهكذا هي حياتك؛ إن لم يكن لك هدف فاذهب حيثما تشاء، ولا يهم ما هو الطريق الذي ستختاره.
3 ـ تحديد الهدف يشعرك بالإنجاز: فعندما يكون هناك هدفٌ تسعى لتحقيقه، وطموح تسعى للوصول إليه؛ تشعر بالإنجاز، وأنك حققتَ شيئاً يُذكر، ولكن إذا لم يكن لك هدف يُذكر، وأيامك متكررة؛ فكل من حولك يستطيع أن يمثلك ويعوض غيابك!
فما أجمل أن تكون الإجازة فرصةً لتربية الأسرة على هذا المعنى العظيم!
وجميلٌ أن يحدد رب الأسرة - بالمشاورة مع بقية أفراد الأسرة - هدفاً يريدون تحقيقه في هذه الإجازة، وليكن هذا الهدف بحسب المرحلة العمرية، والقدرات.
إن حفظ بعض أجزاء من القرآن، أو ضبط ما سبق حفظه هدف!
وإتقانَ التعامل مع الحاسب الآلي هدف!
وإنهاءَ مجموعة من الكتب المفيدة في هذه الإجازة هدف!
والالتحاقَ بدورة تدريبية أو أكثر هدف!
وتقويةَ الصلة ببعض الأقارب هدف!
وتعويدَ الأبناء على تحملّ بعض مسؤوليات المنزل الملائمة لسِنِّهم وقدراتهم هدف!
وهكذا، يمكن وضع مجموعة من الأهداف المناسبة للوقت والقدرات، وحينما تنتهي الإجازة فسيجد كلُّ فرد من أفراد الأسرة أنه قد حقق هدفاً أو أكثر، وسيشعر بتطور ذاتي، وانتقال من مرحلة إلى أخرى، وما بناء الذات إلا هكذا .
وثمة أمرٌ آخر لكي ننجح في تحقيق أهدافنا لا بد من توافره ووجوده، وهو محور حديثنا في الأسبوع القادم إن شاء الله الله.
(2/2)
ذكرتُ في الجزء الأول من هذه المقالة ضرورة العناية بالتربية على أهمية الوقت، وتنشئة الأسرة على هذا المعنى، وأشرتُ إلى أنه حتى نستفيد من الإجازة؛ لا بد من مراعاة أمرين:
أحدهما: أهمية تحديد هدف أو أكثر في الإجازة لتحقيقه، وذكرت بعضاً من فوائد تحديد الأهداف، وقلتُ في خاتمة المقالة: وثمة أمرٌ آخر لكي ننجح في تحقيق أهدافنا لا بد من توافره ووجوده، وهو الأمر الثاني الذي سيكون محور هذا الجزء الأخير من هذه الهمسات، وهو:
أنه يجب أن يكون البيت مهيئاً من الناحية النفسية والعاطفية بين الأبوين وبين بقية أفراد الأسرة؛ فإن الإبداع لا ينبت في بيئة مليئة بالصراخ الذي لا ينتهي بين الأبوين.. والتميز لا يظهر في بيت لا يقوم أفرادُه على احترام بعضهم البعض.
ماذا تتوقع من شاب أو شابة يرون والديهم في شجار ونزاع وصراخ من الطرفين أو أحدهما؟ وكيف تتصور شخصاً في مقتبل شبابه يحطِّم فيه والدُه أجنحة الإبداع التي بدأ الابن يطير بها بكلمات تجريح وإهانة؟!
لنكن واقعيين ـ أيها الآباء والمربون ـ ما الذي يرغب الابنَ في الجلوس في بيتٍ هذه بعض أحواله؟! وما الذي يجذب الابن إلى بيت جمع بين جفاف العواطف، وحرارة الصيف؟ فلا برامج مناسبة في البيت، ولا عواطف، ولا جو أسري جيد!!
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ ** فليسعد النطق، إن لم يسعد الحالُ!
إن الملاحظ أن كثيراً من أفراد المجتمع تربى بطريقة أو بأخرى على العجز، وانتظار ماذا يصنع له الغير؟ حتى صار يود أن يجد أناساً يُربُّون له أبناءه بدلاً من معاناة ذلك بنفسه، مع أن الله تعالى وجّه الخطاب لكل من ولاّه أمراً من هذه الأمور فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))([1])!
بعض الناس صار ينتظر من المؤسسات الحكومية أو الجهات الخيرية أن تتولى تربية أبنائه وبناته، فإذا انتهت المدرسة؛ بدأ بعض الآباء يترقب برامج التنشيط السياحي! أو المراكز الصيفية، أو حلق تحفيظ القرآن؛ ولذا تجده محتاراً بعد انقضاء هذه المناشط، لا يدري ماذا يفعل!
وما هكذا يكون حال الذين يدركون عظم الأمانة الملقاة على عواتقهم.
المشكلة كبيرة بلا ريب، ولكن علينا أن نفكر بجدٍ - لا تردد فيه - في حل هذه المشكلة التي يكوّن زمنها قرابة رُبعِ أيام السنة، وأن نتدارس المسألة مع من نثق بهم من المربين والمصلحين -إن كان أحدنا لا يجد من نفسه قدرة على تشخيص المشكلة وإيجاد الحل-.
ما لم نقتنع بإمكانية التغيير فهذا أول الفشل، فإن التغيير يبدأ من الذات، فهو يبدأ من النفس، لا من الخارج.
وبعد هذا كله، فمهما اجتهد الإنسانُ وتعب ورتّب ونظّم، فهو مضطر إلى أن يتعلق بربه، يدعوه ويسأله، وينطرح بين يديه في سؤال صلاح الذرية، كما كان الأنبياء والصالحون: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، وليردد بصدق: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، ولا تخل دعاءك من: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾،
وإن رجلاً يلح على الله بمثل هذه الدعوات، مع فعل ما يستطيعه من أسباب؛ لا يخذله الله إن شاء الله! وربنا الرحمن المستعان.
***********
أقول قولى هذا شريطتى على قارىء موضوعى عدم التقصى فى البحث عن أخطائى و الصفح عما يقف عليه من إغفالى ، و التجاوز عما اهملته ، و إن أداه التصفح إلى صواب نشره ، أو إلى خطأٍ ستره ؛ لأنه قد تقدمنا بالإقرار بالتقصير إذا رأى القارىء أى شىء يُنسب إلى الإغفال و الإهمال ، و قلما نجا كاتب موضوعاً من راصدٍ بمكيدة أو باحث عن خطيئة . و يحضرنى قول أبى القاسم الحريرى :
و إن تـجــد عـيبـــــاً فـسـد الخــــللا فـجـل من لا عـيـب فـيـه و عــلا
وقد ذكرت الذى تقدم عملاً بقوله تعالى (فستذكرون ما أقول لكم و أفوض أمرى إلى الله..الآية)و قوله تعالى (ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حى عن بينة و إن الله لسميع عليم ...الآية) و قوله سبحانه ( معذرة إلى ربكم و لعلهم يتقون..الآية)
و أسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يجعل عملى خالصاً لوجهه الكريم ، و أسأله سبحانه العفو و العافية لى و لوالدىّ و لأهلى و لمن دخل بيتى مؤمناً و للمؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات من الإنس و الجن من لدن آدم إلى قيام الساعة و لا تزد الظالمين إلا تباراً اللهم آمين
سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
ومن بركة العلم أن نذكر أهله
مصدر هذه المادة
المصدر
تعليق