إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حوار مع الظل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حوار مع الظل

    تلفت حولي فلم أجد ظلي !!
    رفعت بصري إلى السماء وإذا بالشمس في كبد السماء , ولا يوجد أي أثر لغيم أو سحاب , ثم تلفت حولي فلم أجد ظلي .


    سبحان الله !! أين ذهب , لقد كان يسير بجواري .. رجعت على الوراء باحثاً عن ظلي , فوجدته بقرب صخرة .
    قلت له : أين أنت يا ظلي ؟
    لماذا لم تتابع السير معي ؟
    الظل : لقد مللت من السير معك .
    قلت : وما السبب ؟!
    الظل : لأنك ترغمني على أماكن لم أخلق لها , وإنك تفعل أعمالاً في ظاهرها
    الإخلاص وفي باطنها الرياء , فيا ليتني لم أكن ظلك .
    قلت : إنك تتمني فراقي , والناس يتمنون لقائي , فقد أخطأت الحكم يا ظلي .
    الظل : والله لم أخطأ .. فالناس يعرفون مظهرك , وأنا أعرف مخبرك وجوهرك
    قلت : وما قصدك من هذا الكلام ؟
    الظل : قصدي أنت تعرفه جيداً " فإن " جواهر الأخلاق تفضحها المعاشرة "
    والناس لا يعاشرونك مثلي " والخيل أعرف بفرسانها " ولو نظرت إلى قلبك لرأيت فيه السواد .
    قلت : وما سبب سواده ؟
    الظل : هو عدم الإخلاص في الأعمال , والرياء في المعاملات .
    قلت : وهل يؤثر هذا الخلق في القلب على هذه الدرجة ؟
    الظل : نعم , فإن الإخلاص هو أصل العمل ، حتى قيل في الأمثال " قل لمن لا
    يخلص لا تتعب " وقد أمر الله تعالى به بقوله : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله
    مخلصين له الدين "
    قلت : وهل تضرب لي مثلاً على ذلك ؟
    الظل : لا بأس , ولكن تدبر ما أقول : " إن الشجرة إذا تبين عروقها , انقطعت
    عن شربها , وجف ورقها , ولم تثمر , وذهب قدر قيمتها .. أما إذا
    غاصت عروقها , كثر شرابها فاخضر ورقها , وطاب ثمرها , وكثر قدر قيمتها .."
    قلت : ولكن هذا الأمر شديد على نفسي !!
    الظل : صدقت , لأن النية من أكبر الأبواب التي يدخلها الشيطان , فيفسد على
    المرء عمله , ولهذا قال سفيان – رحمة الله –
    " ما عالجت شيئاً أشد علىٌ من نيتي "
    قلت : ولكن الناس لا يعرفون أنني مراءٍ .
    الظل : وهل أنت ممن يتعاملون مع الناس , أم مع رب الناس ؟ .. فالله تعالي لا تخفى عليه خافية " فالكل مكشوف عنده يوم القيامة مكشوف الجسد ,
    مكشوف النفس , مكشوف الضمير , ومكشوف العمل , وتسقط جميع
    الأستار , التي كانت تحجب الأسرار , وتتعرى النفوس و تعرى الأجساد "
    فلا ينفعك الناس يومئذٍ يا صاحبي , بلى أخلص في عملك , وأخفي
    عبادتك , حتى لا يحرق الشيطان عليك حسناتك , كما كان يفعل بعض
    الصالحين " وقد صام أربعين سنة لا يعلم به أحد , كان يخرج من بيته إلى
    سوقه ومعه رغيفان , فيتصدق بهما ويصوم , فيظن أهله أنه أكلهما , ويظن
    أهل سوقه أنه أكل في بيته "
    قلت : لقد غيرت نظرتي لنفسي يا ظلي .. ولكن ما هي علامات المرائي ؟
    الظل : لا تكن قاسياً علىٌ يا ظلي , واخبرني فإنني عزمت على الإخلاص , إن شاء الله .
    الظل : قال على بن أبي طالب – رضي الله عنه –
    " للمرائي ثلاث علامات :
    1-يكسل إذا كانت وحده .
    2-وينشط إذا كان مع الناس .
    3-ويزيد في العمل إذا أثنى عليه وينقص إذا ذم .
    قلت : يا حسرتي .. لقد ضاعت أعمالي .
    الظل : جدد العزم , وجدد العهد مع الله تعالى , واسأل الله دائماً الإخلاص في
    العمل , حتى يبارك لك الله في أعمالك كما بارك لعمر بن عبد العزيز رحمه الله .
    قلت : وكيف بارك الإخلاص في شخصية الخليفة الخامس ؟!
    الظل : لقد وصف هشام بن عبد الملك ابن عمة عمر بن عبد العزيز الأموي – رحمة الله – فقال :
    " ما أحسب عمر خطا خطوة قط إلا وله فيها نية " ولذلك استطاع عمر بن
    عبد العزيز في أقل من سنتين تقويم اعوجاج جبلين , وعلى داعية الإسلام
    اليوم أن لا يستكبر عظم الانحراف الذي عم بلاء الإسلام , فأنه إن قرن
    كل خطوة بينة مثل الراشد الخامس سيهزم حزبين بأذن الله في أقل من
    سنتين قلت بعد تفكير وتدبر : إن كلامك ليحرك الجبل من مكانه وإني
    سأتحرك " بنية " إنشاء الله .
    الظل : فأبدأ يا صاحبي بمجاهدة نفسك على الإخلاص , وتحرك بنية قبل أن
    يحرقك ظلك .
    قلت مستغرباً : ماذا تقول ؟!
    وهل الظل يحرق ؟
    الظل : نعم يا صاحبي .. لأن هناك نوعين من الظل :
    1- ظل مذموم : وهو في قول الله تعالى : " فانطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ,لا ظليل ولا يغني من اللهب "
    " أي انطلقوا على ظل دخان جهنم المتشعب ( لا ظليل ) أي لا يقي حر ذلك
    اليوم ( ولا يغني من اللهب ) أي ولا يدفع من حر النار شيئاً "
    2- وظل محمود : وهو ظل الجنة لقوله تعالى : " في سدرٍ مخضودٍ, وطلح منضودٍ , وظل ممدودٍ , وماءٍ مسكوبً " " والجنة كلها ظل لا شمس فيها "
    فاختر أي الظلين شئت يا صاحبي .
    وقل لمن لا يخلص لا تتعب .
    وتراب الإخلاص خيرو من زعفران الرياء .

    { من كتاب حوارات إيمانية }
    للأستاذ / جاسم المطوع
يعمل...
X