مذكرات تجربة
الحلقة الرابعة عشر
حين تختلط أحرف التأريخ!!
كان يوم السادس من أكتوبر عام 1981م يوماً فاصلاً في إعادة كتابة أحرف التأريخ الذي أراده العملاء أن يكون ذكرى تخليد لهم، فإذا به ينقلب ليكون ذكرى دفن لهم في مزبلته، على يد فتية آمنوا بربهم، وسطروا أروع ملحمة بطولية على مر التأريخ!! خلطوا فيها جميع أوراق الاستخبارات المصرية والإسرائيلية والأمريكية بل والعالمية!!
وذلك بعدما أفلح السادات في إتمام كامل فصول المسرحية التي صاغها له شياطين الإنس والجن لتأصيل العداون الصهيوني على أرض فلسطين، وجعله واقعاً مسلماً به، حيث بدأ فصلها الأول بحرب السادس من أكتوبر عام 1973م التي تغنى بها العرب ظناً منهم أنها كانت حرباً حقيقية ضد إسرائيل (ولم تكن كذلك)!! ثم انتهى فصلها الأخير بتوقيع اتفاقية الخزي والعار عام 1981م والتي سلمهم بموجبها فلسطين على طبق من ذهب، تقرباً لدويلة بني صهيون!!
فإذا بمجموعة من الشباب المسلم أبت عليها كرامتها ورجولتها قبول ذلك الخزيوالعار، فتعاهدت على الشهادة في سبيل الله، وعقدت العزم على قطع رأس الأفعى قبلما يسدل الستار على الحفل الختامي لمسرحيته الهزيلة!! فكان لهم بالفعل ما أرادوا!!
تفاصيل عملية اغتيال السادات!!
كان الفكر الجهادي منتشراً في معظم أرجاء مصر، وبالأخص في منطقة الوجه القبلي، وهم أهل الصعيد المعروفين برجولتهم وشهامتهم، وكانت المجموعات التي تتبنى ذلك الفكر حيينها تتسم باللامركزية؛ نظراً لما تقتضيه طبيعة العملالجهادي من سرية تامة، فكانت كل مجموعة تتحرك بناء على رؤيتها الخاصة، دون أدنى تنسيق أو ارتباط بالمجموعات الأخرى!! وكانت مجموعة الأخ/ محمد عبد السلام في منطقة بولاق الدكرور من أنشط المجموعات في وسط القاهرة، حيث ذاع صيطه بين الإسلاميين بعد نشره لكتيب صغير بعنوان : (الفريضة الغائبة) ويعني بها فريضة الجهاد، حيث ذكر فيه الأدلة الشرعية على وجوب تلك الفريضة، وما آل إليه حال المسلمين من ضعفٍ وهوان؛ بسبب تقاعسهم عن القيام بها!!
فقام الرئيس المصري بشن حملة اعتقالات واسعة على كل رموز المعارضة المصرية وبالأخص الإسلامية منها، بعدما كشف عن وجهه القبيح المعادي للإسلام ودعاته، وقام في الناس مستهزئاً بالحجاب واصفاً إياه بالخيمة، كما توعد العلماء بالسجن والإذلال علانية، غير مبال بوصف أحدهم، وهو (الشيخ الجليل/ المحلاوي) بقوله : (أنه مرمي في السجن زي الكلب)!! فثارت عليه ثائرة الشباب المسلم، وصدرت ضده الفتاوى من هنا وهناك تحكم عليه بالكفر والردة، لاسيما وقد جمع بين موالاة اليهود والاستهزاء بأحكام الله، والحكم بغير ما أنزل الله، فضلاً عن توعده واضطهاده (للدعاة والعلماء)!!
وكان الأخ/ محمد عبد السلام ضمن المطلوبين للاعتقال، غير أنه تمكن من الهرب في اللحظات الأخيرة، إلا أن اعتقال صديقه الحميم الأخ/ محمد شوقي الإسلامبولي، كان بمثابة التوجيه الرباني، للخلاص من هذا الطاغيةالمجرم، ومحو جبروته وسلطانه من على وجه الأرض!! حيث كان الأخ/ خالد الإسلامبولي شقيق الأخ/ محمد شوقي الإسلامبولي يعمل ملازماً بالقوات المسلحة، وكان من شدة تعلقه بأخيه محمد بمثابة الروح من الجسد!!
فلما تم اعتقال شقيقه وهو خارج في إحدى المأموريات العسكرية، رجع من مأموريته وحاول الاتصال على الفور بالأخ/ محمد عبد السلام من خلال أحد الإخوة الموثوقين؛ ليخبره على وجه السرعة بأنه قد تم اختياره ضمن إحدى المجموعات العسكرية المشاركة في العرض العسكري الخاص بإحياء ذكرى حرب السادس من أكتوبر!!
وأنه على استعداد تام للقيام باغتيال السادات أثناء ذلك العرض إذا أراد، وتسهيل مهمة من سيقع عليهم اختياره من الشباب المدربين، حيث أن لديه فرقة مكونة من سبعة أفراد ستشارك في هذا العرض تحت قيادته، ويمكنه تسريح ثلاثة منهم بطريقة أو بأخرى؛ واستبدالهم بمجموعة من الشباب!! فرحب الأخ/ محمد عبد السلام بهذا الطرح، وأبلغه بموافقته على الفور، ثم بدأ في اختيار المجموعة المرشحة للقيام بهذه المهمة الصعبة!!
وقع اختياره بعد تمحيص شديد على ثلاثة من الشباب الملتزم والذين لمس فيهم حرصهم الشديد على الشهادة في سبيل الله، في مقدمتهم معلم قناص (أي من يقوم بتدريب القناصة على دقة التصويب) وهو الأخ/ حسين عباس، الحاصل على المركز الأول عالمياً في الرماية، والضابط السابق بالقوات المسلحة، الأخ/ عبد الحميد عبد السلام، والذي تم فصله من الجيش بسبب إصراره على إطلاق اللحية، والأخ/ عطا طايل حميده رحيل، والذي قد أنهى دراسته، وحصل على التدريبات اللازمة بالرماية خلال فترة التجنيد، فاجتمع بهم كل من الأخ/ محمد عبد السلام والملازم/ خالد الإسلامبولي، وأخبروهم بتفاصيل العملية، وكيفية دخولهم إلى المعسكر.
تفاصيل الخطة
كانت المهمة المتعلقة بمجموعة الملازم/ خالد الإسلامبولي تتمثل في المرور بشاحنة عسكرية أثناء العرض العسكري أمام المنصة التي يجلس فيها السادات، وكان الترتيب أن يجلس الملازم/ خالد الإسلامبولي في الأمام مع السائق، وفي الخلف يجلس ستة عساكر (ثلاثة مقابل ثلاثة) وحين تبلغ الشاحنة نقطة الصفر المواجهة تماماً للمنصة، يقوم الملازم/ خالد الإسلامبولي بشد فرامل اليد، وتهديد السائق الذي لم يكن ضمن المجموعة بالمسدس الذي بيد الملازم/ خالد الإسلامبولي؛ حتى لا يتحرك بالشاحنة، وفي هذه اللحظة يقوم القناص/ حسين عباس بتصويب طلقة (خارقة حارقة) إلى نقطة قاتلة بجسد السادات، ليتوالى بعدها إطلاق النار من بقية أفراد المجموعة!!
معوقات وكرامات!!
كان هناك الكثير من المعوقات التي تعترض الطريق أمام تنفيذ تلك الخطة، تمثل أولها في الحصول على إبر ضرب النار، حيث عادة ما يتم نزع جميع إبر ضرب النار من الأسلحة التي يحملها الجنود المشاركين في العروض العسكرية، غير أن الأخ/ محمد عبد السلام نجح في الحصول على تلك الإبر، وقام بتسليمها إلى الملازم/ خالد الإسلامبولي الذي أخفاها في مكان خاص؛ حتى يأتي يوم العرض، وجاء وقت استبدال المجندين بالشباب الثلاثة الذين وقع عليهم الاختبار، فأعطى الملازم/ خالد الإسلامبولي إجازة لثلاثة منهم لمدة يومين، وقام بعمل بطاقات مزروة للشباب البدلاء، وبالفعل نجحوا في دخول المعسكر!!
ولكن بقيت مهمة وضع الأبر في الأسلحة، ثم تسليمها للشباب أمام قائد الكتيبة بالطريقة التي لا تثير الريبة، فوضع الملازم/ خالد الإسلامبولي الإبر في ثلاثة منها، وألقاها جميعاً على الأرض، بعد أن قام بوضع علامة على الأسلحة الثلاثة التي بها إبر ضرب النار، وهي عبارة عن قطعة قماشية صغيرة، ثم أمر العساكر الستة أمام قائد الكتيبة بأخذ الأسلحة؛ فقام الشباب باختيار الأسلحة الثلاث المعلمة بالقماش دوناً عن غيرها؛ مما جعل الأمر يبدو طبيعياً تماماً في الظاهر!!
ومن المفارقات العجيبة التي حدثت أثناء تواجدهم بالمعسكر، أن ضابطاً من الضباط الذين يتولون التفتيش على الخيام، كان زميلاً للأخ/ عبد الحميد عبد السلام في نفس فرقته العسكرية سابقاً، ويعرف جيداً أنه فصل من الجيش، فلما رآه الأخ/ عبد الحميد، سارع بالتواري عن الأنظار تماماً؛ قبلما يراه ذلك الضابط؛ وينكشف كل شيء!!
صعد الشباب الثلاث إلى الشاحنة، وجلسوا سوياً في الناحية التي ستواجه المنصة عند مرور الشاحنة، وجلس مقابلهم الثلاثة جنود الآخرين، وبدأت الفرق العسكرية في التحرك، وكان عليهم المرور على أكثر من 21 نقطة تفتيش، للتأكد من خلو جميع الأسلحة من إبر ضرب النار، وسبحان من إذا أراد شيئاً أن يقول له : (كن فيكون)!! فلقد قضى الله بفضله ورحمته أن تمر شاحنتهم على جميع تلك النقاط دون أدنى تفتيش!! حيث كانوا كلما جاء درو شاحنتهم عند نقطة التفتيش، أشار إليهم الضابط المكلف بالمرور، فتأكدوا أن الأمور تسير بفضل الله في الاتجاه الصحيح!!
طلقة خارقة حارقة واحدة قتلته ذبحاً!!
وجاءت اللحظة الفاصلة، وكان عليهم أن يقوموا بشد الأجزاء في الأسلحة الثلاث قبل الوصول إلى المنصة؛ لكي تكون مهيئة لإطلاق الرصاص، وهذا بالطبع سيصدر صوتاً عالياً، وسيلحظ الجنود الثلاثة المقابلين لهم تلك الحركة التي تعني ببداهة شديدة أنهم يستعدون لإطلاق النار، وربما أحدثوا إرباكاً للموقف تماماً!!
فجاء الحل من عند الله تبارك وتعالى، حيث مرَّ فوقهم في نفس اللحظة سربٌ من الطائرات الحربية، مصدراً ضجيجاً كبيراً في السماء، فتوافق الثلاثة شباب (دون سابق اتفاق أو تنسيق) على استثمار تلك اللحظة التي مرت فيها الطائرات، وهي اللحظة نفسها التي سبقت وصولهم إلى المنصة بثوانٍ معدودة؛ لشد أجزاء البنادق الثلاثة، مستغلين انشغال الجنود الثلاثة بالنظر إلى السماء!!
وما هي إلا برهة من الزمن؛ حتى قام الملازم/خالد الإسلامبولي بشد فرامل اليد موقفاً السيارة أمام المنصة التي يجلس فيها السادات بالتحديد؛ بعدما هدد السائق بمسدسه، فظن السادات أن تلك الشاحنة توقفت لأن جنودها يريدون النزول لتحيته؛ فأقامه الله واقفاً من مقعده لتحيتهم، لينكشف جسده تماماً أمام قناص الأمة (حسين عباس) والذي وجه نحوه بأريحية كبيرة طلقة خارقة حارقة، قطعت منه الوريد الأيمن تماماً، كأنها عملية ذبح احترافية، كما عبر عنها طبيب التشريح فيما بعد، وعلى الرغم من أن تلك الطلقة وحدها كانت كفيلة بالقضاء عليه، إلا أن الشباب الثلاثة ومعهم الملازم/خالد الإسلامبولي، أصروا على التأكد التام من هلاكه، فقفزوا كالأسود من شاحنتهم في جرأة وشجاعة فائقة غير آبهين بما كانوا يتوقعون من رصاصات الحراسة والمخابرات، وأسرعوا نحو المنصة، مصوبين وابلاً من النيران عليه؛ حتى جعلوا جسده كالغربال!!
ومما يذكر أن الملازم/ خالد الإسلامبولي وجد (المجرم مبارك) مختبئاً تحت أحد الكراسي، وهو ملقى على الأرض بجوار الهالك أنور السادات، وكان ينظر إلى الملازم/ خالد نظرة ترجي وعطف، وكأنه يقول له : (لا تقتلني أرجوك) فضربه الملازم/ خالد بقدمه في وجهه قائلاً : (ابتعد أنا أريد هذا الكلب)!!
العجيب بالفعل أنهم لم يواجهوا أي نيران مقابلة من حرس الرئيس أو المخابرات المتعددة التي كانت تحيط بالرئيس ذلك اليوم كما كانوا يتوقعون!!
والأعجب أن الهتافات المدوية التي كانت تهتف بحياة الرئيس قبل ذلك الانقضاض الأسطوري لأسود التوحيد بثوانٍ معدودة قائلة : (بالروح بالدم نفديك يا سادات) قد تلاشت تماماً، وفرَّ أصحابها من المنافقين والأفاكين مولين الأدبار، غير آبهين إلا بالنجاة بأرواحهم!!
أما الأكثر عجباً، فهو أن الثلاثة الذين شاركوا الملازم/ خالد الإسلامبولي في قتل السادات وهم الإخوة حسين عباس وعطا طايل وعبد الحميد عبد السلام، قد باتوا تلك الليلة في بيوتهم آمنين مطمئنين!! حيث أفلحوا في الهروب من ساحة العرض العسكري وسط تلك الحشود الفارة من الجنود والجماهير ذات اليمين وذات الشمال، ولم يتم القبض سوى على الملازم/ خالد الإسلامبولي فقط، الذي ظن إخوانه أنه قتل بعدما جاءت صورته في التلفاز والجرائد وهو في حالة غياب تام عن الوعي، وعليه اعتبروا أن همزة الوصل الوحيدة التي ستمكن المخابرات من الوصول إليهم قد فقدت بما ظنوه من موته، وعليه قرروا العودة إلى بيوتهم؛ حتى لا يلفتوا الأنظار إليهم!!
أما عن كيفية الوصول إليهم واعتقالهم فيما بعد، وما تم أثناء محاكمتهم واعتقالهم ثم إعدامهم، فسيكون موضوع حلقتنا القادمة بإذن الله تعالى. وأترككم في رعاية الله وأمنه.
خلاصة ما جاء في هذه الحلقة من فوائد وعبر :
· يأبى التأريخ إلا أن يفضح عمالة العملاء، وخيانة الخونة؛ مهما طال الزمن، ومهما حاولوا تغليف خيانتهم وعمالتهم بالتضليل والزيف الإعلامي!!
وإلى لقاء قريب في الحلقة الخامسة عشر بإذن الله تعالى، وجزاكم الله خيراً على المتابعة· الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة، وهذا الدين يقيض الله له رجالاً يعزهم بدينه، ويشرفهم بنصرته، حتى لو لم يكن لهم في الناس قبل ذلك ذكر أو أثر، فالله يعلم أين يضع رسالته!!
· يذلل الله الصعاب أمام المخلصين من عباده؛ بحسب قوة يقينهم فيه سبحانه!!
· ولله جنود السماوات والأرض، وحين يأذن لقضائه أن ينفذ، يمرره على يد الفئة القليلة؛ لكي ينهار أمامها كيد الفئة الكثيرة بإذنه سبحانه!!
· حين تتطلع أشواق الصالحين إلى الجنان، تنزع الدنيا من قلوبهم؛ لتسكن مزابل الهوان!!
تعليق