أولئك الحمقى
الفتنة إذا بدت مقبلة ، ولما لم تنزل بالناس بعد ، فإن خواصا يكونون بشأنها محيطين ، وبخبرها عالمين ، وعامة الناس بها وبخطرها جاهلين ، ولذا فالحرص على معرفة الأشرار ، وإدراك الأخطار ، والعلم بنوازل السوء ومسالك الهلاك سنة المشفقين ، الصابرين على سلامة القلوب ، وطهارة الصحائف ...
وإذا ولَّت الفتنة عرفها الناس خصوصهم وعمومهم إلا ....
على الرغم من أنَّ أمرها تبين ، وخطرها اتضح ، وأثارها على شرها تشهد ، إلا أن من الناس يراهن على القائمين بها ، والواقعين فيها ، ويغتر لصلاحهم وحسن سيرتهم ، أولئك أهل الهوى في كل زمان ، والحاقدين في كل آوان ، توقفت عقولهم ، وتجمد تفكيرهم ، وطمس الله بصيرتهم ، وقست قلوبهم ، وصُرفت عن الاعتبار "سأصرف عن أياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ...."
ومن الفتن التي نزلت بالمسلمين فتنة الخروج على صاحب النبي ، وخليفة المسلمين الثالث ، ذي النورين ، مجهز جيش العثرة ، أحد المبشرين بالجنة ، الحيي الذي استحي منه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ؟! ، إنه "عثمان بن عفان" رضي الله عنه ، حصلت فتنة ، وهاجت أمواجها ، وتلاطمت ، ثم غدت ، وراحت وقد خلّفت من ورائها سواد حالك ، وليس المراد من هذه السطور هو سرد القصة أو بيان شيء فيها ، إنما المراد هو أنه بعد هذه الفتنة ، والتي شهد ما بعدها على أن الخارجين غلطهم بين ، وجريمتهم نكراء ، وسعيهم ضال إلا أن من الناس اليوم من يمتدح فعلهم ، ويوافق ما فعلوه وما انتهت به نتائجه.
فإذا سألت ؟! لما ؟! كيف ؟! وتذكرهم بالأمر بتمامه ، وتحكي لهم القصة كاملة ، قاطعوك قائلين إن هذه الثورة خرج فيها من أصحاب النبي فلان وفلان وفلان ومن التابعين فلان وفلان ..... هل كانوا على ضلالة من أمرهم ، أو على خلل في حكمهم ؟!!
- اعترض غير مجيب ، ولا بهذا أقذف هذا الباطل ، لكنه بيان وميزان ، إن التاريخ وقصصه وإن كان غالبه لا يراقب إلا قليلا ، إلا أنه إن كانت الحكاية عن أصحاب النبي رضوان الله عليهم ، فيجب الوقوف والمراجعة ، فكيف إذا كان الناقل أمره معروف مشهور ، وذوي الفضل وحاملي الصدق لنقله تاركين ، ولحالته ناقمين ، فإن القول بمشاركة بعض الصحابة كعمرو بن الحمق ، وابن عديس وغيرهم ، أمر النظر فيه معروف ، والنقل واهٍ، فاعلمه وراجع، فالذي نقل هو الواقدي!! وكفى-
أما الجواب : فلما تتوقفون عند أمر المشاركين وحالتهم التعبدية والخلقية والعلمية ، ولا تتخطون هذا إلى النتائج ، وإلى الممتنعين وقتئذ والناقدين بعدئذ ؟!!
لما لا تتفكرون في ثمار "الثورة" على زعمكم ؟!
لما لا تطالعون ما قال أئمة الدين ، وسلاطين العلم ، من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!
لما لا تنظرون في نهاية الفاعلين ، وخواتمهم ، أو تغير حالتهم إلى ندم أو توبة أو اعتراف أو هلاك أو دمار أو فشل ؟!!
لما بلغ علياً رضي الله عنه أن قتَلَةَ عثمان ندموا؛ تلا قول الله تعالى: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين}
ولما بلغ سعدا رضي الله عنه تلا في حقهم قول الله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا }، ودعا سعد عليهم وهو مجاب الدعوة فقال: اللهم أندمهم ثم خذهم.
فاستجاب الله تعالى دعاء سعد، فما مات أحد من قتلة عثمان إلا مقتولاً؛ كما أقسم على ذلك بعض السلف، وبعضهم قتل شر قتِْلة بعد أن طُورِدوا وعُذِّبوا ومُثِّلَ ببعضهم.
هكذا أصبحت العقول التي تحركها الأهواء ، لا يبصرون الفتن في مبدأها ، ولا يعتبرون حتى بما آل إليه أمرها ، فالله يجمعهم ويسألهم "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" ؟ أي لما لم تؤمنوا إذ أطلعتكم على مصارعهم ؟!.
أما تصنيف من لا يزال يذكر مقتل عثمان ، ومدح فعل الخارجين ، واتخاذهم أسوة من غير نظر إلى النهاية ، ناهيك عن مطالعة النوايا وحامليها من منافقين ومرتدين وندرة لا تعد من المخطئين ، أو نظر إلى فعل العدول الثقات ، من الصالحين ، فلا تصنيف لهم إلا "الحماقة".
وهو داء لا يشتفى منه ، ومرض عضال ليس له علاج إلا إذا أذن الله وأراد.
والله المستعان.
عمرو صالح الأزهري
11/2/2013
تعليق