بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والرشاد، وشرها أوعاها للشر والفساد، وسلط عليها الهوى وامتحنها بمخالفته لتنال بمخالفته جنة المأوى. وحرم عليها أشياء لكن عوضها خيرًا مما حرم عليها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ{ [النُّور: 30] وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: «غضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم» صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
*هذه فوائد جمعها عالم جليل مشهود له بالعلم والفهم وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام بن تيميه عليهم رحمة الله ، قرأتها وأحببت أن يقرأها إخواني الأحبة وأخواتي الغاليات، ووجدت فيها الأثر البالغ في معالجة مشكلة يعاني منها الكثير وقد تصدى لها عالمنا الجليل بهذه الكلمات النيره المباركه والتي أتمنى أن تسخدم في الدعوة الى الله بيننا لما لها من الآثر البالغ في علاج بعض الأمور الباطنه وحفظ الجوارح الظاهره فإليكم ما قاله رحمه الله:-
((الفوائد العشرة لمن غض بصره 00((
(( 1 امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، وليس للعبد في دنياه وآخرتهأنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلابامتثال أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
(( 2 يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
(( 3 أنه يورثالقلب أنسا بالله وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ، ويبعده منالله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
(( 4 يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
(( 5 أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر الله آية النور عقيبالأمر بغض البصر ، فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) ، ثمقال اثر ذلك : ( الله نور السماوات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) ، أي مثلنوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلبأقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشرعليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى ، واجتناب هدى ، وإعراض عنأسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
6 )) أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل ، والصادق والكاذب ،وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة؛ وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة .
(( 7 أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ،ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقور ، كما في الأثر : " الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله " ، وضد هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفسووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ، وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قالالحسن : " إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لايفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه " ، وقد جعل الله سبحانه العز قرينطاعته والذل قرين معصيته ، فقال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ، وقالتعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ، والإيمان قولوعمل ، ظاهر وباطن ، وقال تعالى : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ، إليهيصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعةالله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح ، وفي دعاء القنوت : " إنه لا يذل منواليت ولا يعز من عاديت " ، ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه، وله من العز سبطاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وعليه من الذل بحسب معصيته .
8 )) أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معهاإلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور غليه ويزينها ، ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نارالشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ، فيصيرالقلب في اللهب ، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ، وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب ، فهو وسطها كالشاة في وسط التنور ، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة : أن جعل لهم في البرزختنوراُ من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ، أراها الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- في المنام في الحديث المتفق على صحته .
((9 أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول بينه وبينه افتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه ، قال تعالى : ( ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) ، وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه.
((10 أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجباشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر ، يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسدالنظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ، فإذا خربت العين وفسدتخرب القلب وفسد ، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ ، فلايصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه ، والأنس به ، والسرور بقربه ، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك .
للإمام : ابن القيِّم بن الجوزيه - رحمة الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تعليق