Tweet
مذكرات تجربة
(الحلقة السادسة)
تحول جذري !!
أضحت أجواء المسجد وما يغمرها من عبق معاني الأخوة الصادقة هي المسيطرة تماماً على مشاعري؛ بعدما زحفت إلى قلبي شيئاً فشيئاً، لتطرد منه في المقابل أجواء الفتنة بعالم الأضواء، لاسيما بعدما صار يمثل بالنسبة لي؛ عالم الشحناء والبغضاء والتنافس الغير شريف؛ مقارنة بأجواء المسجد الروحانية الصافية!!
فبدأ حرصي على الذهاب إلى التدريب يقل نوعاً ما، ولم يعد يشكل لديَّ أولوية كما كان الحال في السابق!! بل ولم يعد بإمكان أحد من إخواني تهديدي بالحرماني من الذهاب إلى النادي؛ لو لم أقم بتنفيذ أوامره، كما كان الحال في السابق، وإلا سارع بالشكوى لوالدتي؛ كي تحرمني من الذهاب إليه!!
فكل المبادئ والأولويات أخذت طريقها إلى التغيير!! بعدما بدأ حنيني إلى أجواء المساجد يجذبني إليه جذباً؛ حتى توالت الاتصالات على والدي(رحمهالله) من إدارة النادي بالشكوى؛ نظراً لتغيبي عن التدريب!!
حتى أتذكر أنهم قالوا له يوماً : (ابنك هذا سيجعلكم أصحاب ملايين، فلا تدعونه يفلت من بين أيديكم ويتبع أصحاب الأفكار المتطرفة) وذلك بسبب ما قمت به يوماً من قيادة حركة تمرد ضد مدرب الفريق الذي أمرنا ذات يوم بالصعود إلى الباص المتجه للاستاد الرياضي وقت صلاة الجمعة، والناس يصلون أمامنا عند بوابة النادي، فقلت له : نصلي الجمعة أولاً ثم نصعد، فجن جنونه، وقال لي : صلي في بيتكم بعدين ليس لدينا وقت، فقلت له : ربنا حرَّم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة، وهو في الأصل حلال، فكيف نذهب إلى اللعب ونترك هذه الصلاة الهامة؟!
حتى أتذكر أنهم قالوا له يوماً : (ابنك هذا سيجعلكم أصحاب ملايين، فلا تدعونه يفلت من بين أيديكم ويتبع أصحاب الأفكار المتطرفة) وذلك بسبب ما قمت به يوماً من قيادة حركة تمرد ضد مدرب الفريق الذي أمرنا ذات يوم بالصعود إلى الباص المتجه للاستاد الرياضي وقت صلاة الجمعة، والناس يصلون أمامنا عند بوابة النادي، فقلت له : نصلي الجمعة أولاً ثم نصعد، فجن جنونه، وقال لي : صلي في بيتكم بعدين ليس لدينا وقت، فقلت له : ربنا حرَّم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة، وهو في الأصل حلال، فكيف نذهب إلى اللعب ونترك هذه الصلاة الهامة؟!
فقال لي : (إنت ستعملني الدين ولا إيه؟ قلتلك اصعد إلى الباص مع زملائكلابد أن نصل إلى الاستاد قبل دخول الجماهير) وكان ذهابنا بقصد إقامة مبارة بين الأشبال قبل مباراة الأهلي ونادي جزائري في مسابقة أفريقية؛ فالتفتُّ إلى زملائي في تحدٍ صارخ له، وقلت لهم : يا جماعة اللي عاوز ينزل يصلي الجمعة الأول يأتي معي، حرام نترك صلاة الجمعة ونروح نلعب، فوالله ما هي إلا ثواني حتى نزل ثلث الفريق تقريباً، وتفرقنا منه وسط صفوف المصلين؛ فأصابته ردة فعلي بشيءٍ من الذهول، ووقف لا يدري ماذا يفعل، إلا أنه رضخ في نهاية المطاف لقرارنا بالصلاة غصباً عنه، ومن يومها وهو يعتبرني متشدداً في أمر الدين!!
وفي الطريق سألني : هل أنت أدرى من الكبار بالدين؟ فألقمته حجراً بسؤال مقابل : وهل تحافظ أنت يا كابتن على أداء الصلوات الخمس؟ فقال لي : لا، ولكن هذا لا ينفي أنني مسلم وأعرف الإسلام أحسن منك! فقلت له : حين تحافظ على أداء الصلوات الخمس أولاً، يمكنك أن تتحدث معي في أمر الدين!! فنظر إليَّ مبهوتاً لا يعرف بمَ يرد!!
رجعت إلى مسجد (محمد علي) في اليوم التالي، وكان لدينا حلقة بعد صلاة العصر من كتاب (رياض الصالحين) اعتاد أحد الإخوة الذين يكبرونا سناً إقامتها لنا يومياً، وكان يعمل طبيباً بيطيراً، وهو من جماعة التبليغ والدعوة، فلما تجاذبنا جميعاً أطراف الحديث بعد تلك الجلسة؛ وقصصت لهم ما كان بيني وبين المدرب البارحة، قال لي الدكتور/ أحمد زكي، وكان يعرف جيداً مدى تعلقي بالكرة من ناحية، وحداثة عهدي بالالتزام من جهة أخرى، ما رأيك أن نذهب الخميس القادم لمسجد التبليغ بالمهندسين، ونسأل الشيخ / إبراهيم عزت عن الحكم الشرعي للعب في النادي؟ فقلت له : ماذا تعني؟ وهل لعب الكرة حرام؟
فقال لي لم أقصد ذلك، ولكن المسلم يجب أن تكون أفعاله كلها موافقة لمرضاة الله تعالى، لذا علينا أن نسأله، فإن قال : لا بأس، فالحمد لله، وعلى الأقل تعرف أنك لا تغضب الله بوجودك في هذه البيئة، أما إذا قال أن الأمر فيه شبهة أو معصية، سألناه عنها، فما رأيك؟
فنظرت حولي، فإذا بالأنظار كلها تحيط بي؛ وكأنها تريد معرفة ردة فعلي!! فقلت له : ما في مشلكة إن شاء الله، نذهب، وكان هذا الشيخ له مكانة خاصة في قلبي، من شدة تأثيري بكلماته النورانية التي تجلي القلوب، حيث كنت من أشد المحافظين على حضور خطبته كل جمعة.
وجاء اليوم المشهود لنهاية عهدي بعالم الرياضة، وإقبالي بل وتعلقي بقافلة الغرباء، الذين يحبون الله ورسوله، حيث ذهبنا إلى الشيخ إبراهيم عزت (رحمه الله) وعانينا طويلاً حتى نجحنا في الوصول إليه وسط جموع المحيطين به من محبيه بعد درس صلاة العشاء، وسألته، فقال لي : المسلم القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المسلم الضعيف، ولكن حافظ على صلاتك!!
لم تكد الدنيا تسعني من شدة الفرحة، فلقد منحني هذا الشيخ الطيب بكلماته الموجزة، فرصة رائعة للجمع بين ما أهواه من رياضتي المفضلة، والحفاظ على بيئة الطهر والأخوة الصادقة في نفس الوقت، فما أطيبه من شيخ جليل، وما أجملها من كلمات موجزة جامعة!!
خرجت أنا ومن كان معي من إخواني من بين تلك الجموع المزاحمة تتقاذفني قدماي فرحاً، وكأنني قد عرفت نتيجة نجاحي بتفوق في الامتحان، وذلك للبحث عن الدكتور/ أحمد؛ كي نبشره بفتوى الشيخ/ إبراهيم،حتى وجدناه جالساً بالمسجد؛ فالتففنا حوله بعفوية طفوليه؛ لنخبره الخبر، فوالله ما رأيت على وجهه إلا ابتسامة سمحة، ولكن وقع في قلبي أنها تخبئ وراء قسماتها سراً ما تمنيت معرفته، فقال لي بأسلوب رقيق : ما شاء الله . . بارك الله فيك أخي الحبيب، وطالما أننا بالمسجد فما رأيك أن ننتهز تلك الفرصة أيضاً ونسأل الشيخ/ أحمد أحد دعاة الأقصر المعروفين، فهو من أعلم الناس هنا بالحلال والحرام؛ وذلك حتى نتأكد فقط من مقصود كلام الشيخ/ إبراهيم، فرحبت على الفور، لاسيما وأن الخطوط العريضة أضحت ظاهرة البيان أمامي من كلام الشيخ/ إبراهيم عزت (رحمه الله) أن الإسلام يحث على القوة بالتريض.
صعدنا بالطابق الثاني من المسجد، وبجوار أحد النوافذ المفتوحة، وجدت شيخاً وقوراً يجلس وحوله عدد من أصحابه، فجلس الدكتور/ أحمد بجواره، وبدأ يعرفه عليَّ بمقدمة حانية، فرحب بي ترحيباً طيباً، وسألته عن حكم اللعب في النادي، فقال لي : يا ولدي يبدو لي أنك ما شاء الله عليك حريص على أمر الدين، ولذلك لابد أن تعرف أن اليهود هم أول من ابتداع هذه اللعبة؛ ليشغلوا شعوب العالم الإسلامي بها عن قضيتهم الأساسية في الدعوة إلى الله، وأن الله حذرنا حتى من التشبه بهم، وعليه فيمكنك ممارسة الرياضة، ولكن ما أخشاه فقط هو انخراطك في بيئة الأندية والفتنة، التي سوف تبتعد بك عن طريق الالتزام والصدق مع الله، ولذلك فأنا أجد في الأمر حرمة من هذا الجانب، وأنصحك بترك النادي!!
نزلت على مسامعي تلك الكلمات كالصاعقة، فوالله لا زلت أتذكر نفسي الآن، وقد التصق بصري بالنظر إلى السماء الصافية ليلتها من خلال النافذة المفتوحة بجواره، وقد دار حديث صادقٌ بيني وبين نفسي : هه . . ماذا أنت فاعل، هل ستترك النادي والشهرة والأضواء، أم أنك بالفعل تحب الله ورسوله وبيئة الصلاح الطاهرة النقية؟!
هل ستضحي من أجلها بما تهواه نفسك؟! هذا أول اختبار لك في الصدق مع الله تعالى، فماذا أنت فاعلٌ؟! نظرت إلى الشيخ وهززت رأسي في إشارة لتأكيد استيعابي لكلماته، وشكرته قائلاً له : خيراً إن شاء الله، جزاك الله خيراً.
انصرفت مع إخواني، والحزن قد خيم تماماً على الموقف، وبدت نظراتهم ترقبني بشفقة، وكأنها تقول لي : ماذا أنت فاعلٌ في هذا الاختبار الصعب؟! هل ستتركنا وتذهب بعيداً إثر هذه الفتوى الشديدة عليك بعدما أحببناك وأحببتنا، أم ستختار الله ورسوله وتبقى بيننا؟! وفي المقابل، كان الله قد أنعم عليّ بقوة خفية، كان صداها ينبعث من صميم أعماق قلبٍ ذاق حلاوة الإيماني، وعاين بيئة الأخوة الصافية النقية، وعليه أضحى تجاوز هذا الاختبار بنجاح؛ حتمية لا حياد عنها بحال، فغلب صوت الخير على مشاعري، وأخذ صداه يجلل بين جنبات نفسي قائلاً : (بل الله ورسوله والمؤمنون)!!
طابت نفسي بالجلوس في المسجد تلك الليلة، حيث كانوا يعتكفون فيها حتى الصباح، وأبديت لأخواني الرغبة في عدم العودة معهم، على أن ألحق بهم بعد قضاء بعض الوقت بالمسجد؛ ظناً مني أن بإمكاني التأخر وإدراك آخر المواصلات إياباً، إلا أن الوقت قد مرَّ بي سريعاً وأنا أنهل من روحانيات تلك البيئة الطاهرة الجميلة، فهذا الطبيب المخضرم يخدم إخوانه من بسطاء الحال، ويضع لهم طعام العشاء، وهذا المهندس الشهير صاحب السيارة الفارهة، يغسل الصحون بالطابق السفلي مع بيقة إخوانه، وهذا الأخ التركي ذو الوجه الأنور، يتسامر مع إخوانه المصريين وتتعالى ضحكاتهم، وهذا الصيني وذاك الفلبيني وآخر الباكستاني!! إنها عالمية الإسلام، بل روح الجسد الواحد لهذه الأمة!!
فكيف لي أن أترك هذه الأجواء التي تروي ظمأ أشواق روحي لهذه الإيمانيات؟! بل كيف لي أن أنصرف منها وقد عشقتها روحي؟! تأخر بي الوقت حتى توقفت جميع المواصلات، وانتبهت أنني لم أترك خبراً لأسرتي بالمبيت في مكان آخر، حيث لم أفعل ذلك في حياتي، وكذا لم تكن الهواتف المتحركة متاحة في ذاك الزمان، فانصرفت مشياً على الأقدام، وأنا أرتدي القميص والعمامة؛ تشبهاً بأهل التبليغ والدعوة، ولم أعرف في أي اتجاه أمشي، بل لم أجد أحداً حولي بالشارع لأسأله من الأساس، فالساعة متأخرة جداً في هذه المنطقة المترفة، والوقت يقترب من صلاة الفجر ، حتى ساقتني قدماي عن طريق الخطأ؛ لأجد نفسي وأنا على هذه الهيئة، في مواجهة قصر رئيس الجمهورية محمد أنور السادات!!
فوالله ما هي إلا ثوانٍ، حتى شعرت بحركة غريبة، وكأن أشباحاً خرجت لي من تحت الأرض، فاستوقفني أمين شرطة قائلاً : (رايح فين يا ابني؟) فقلت له : أنا كنت في مسجد أنس بن مالك بتاع التبليغ بالمهندسين، وعاوز أرجع بيتنا، ولكن وجدت المواصلات كلها خلصانه، فقال لي : هات بطاقتك، وسبحان الله أن هذا اليوم كان موافقاً تماماً ليوم ميلادي الذي أتممت فيه الـ 16 عاماً، وهو العمر الذي يتم بعده استخراج البطاقة الشخصية، فقلت له : اليوم فقط بلغت الـ 16 سنة، وذكرت له تاريخ ميلادي، فنظر إليَّ متحيراً وقال : (ماشي لي من غير بطاقة، ولابس لي جلابية وعمامة، وجاي لي مشي لغاية بيت الرئيس الساعة 3 بالليل، عايزني أعمل فيك إيه أنا؟!)
قلت له : أنا أصلاً تايه وما أعرف الطريق لبيتنا، وما عارف كيف أتيت إلى هنا أصلاً؟! فسألني عن عنوان سكني، فقلت له في شبرا، ووصفت له المنزل بالتحديد، فأخرج اللاسلكي، وتحدث مع قيادته على ما يبدو، وسألهم عن كيفية التصرف معي؟ ويبدو أنهم نصحوه بأن يأخذ بياناتي ويسمح لي بالانصراف، فطلبت منه وصف الطريق الذي أمشي فيه، حتى أصل إلى التحرير، حيث أعرف طريق بيتي من هناك، وهذا بحكم ذهابي اليومي للنادي الأهلي بالتحرير، فوصف لي الطريق، وواصلت سيري، ولكني توقعت تكرار الموقف معي من أي نقطة تفتيش أخرى بالطريق؛ فأخذت ادعو الله بالتيسير؛ حتى وصلت إلى أول شبرا، فوالله ما هي إلا لحظات، حتى ظهر بيتنا بالأفق البعيد، وقد أضاءت جميع نوافذه التي كانت تطل على ثلاث شوارع، وتراءى لي في كل نافذة رأس أو رأسين يقفون فيها، وحينما اقتربت، وتأكدوا أنني الذي أسير في الشارع، حتى زاد عدد الرؤوس على كل نافذة، وكأنهم قد استنفروا جميع من في المنزل (الذي لم ينم فيه أحد هذه الليلة على ما يبدو) ليتأكدوا من عودتي بعد كل هذا التأخير!!
حفلة ترحيب (علقة سخنة) ولا في الأحلام!!
كان الاستقبال حافلاً، بعد إمهالي فقط للإجابة عن تساؤلهم بمكان تواجدي حتى هذه الساعة المتأخرة دون إخبارهم، والسبب في ذلك؛ فوالله ما هو إلا أن أجبتهم أنني كنت بالمسجد، وذهب مني الوقت دون أن أشعر؛ حتى بدأت فعاليات حفلة (أسأل الله ألا يريها لأحدكم)!! ما بين ضرب وتعنيف وتهديد ووعيد، مع اتهام بالجنون وشتى أنواع التوبيخ!!
المهم حمداً لله أنني خرجت من بين أظافرهم وأياديهم وأنا لا زلت على قيد الحياة!! ولكن الطريف في الموضوع أنني تذكرت تحت وطأة ذلك الضرب الشديد، وفي تلك اللحظات العصيبة معاناة الصحابي الجليل بلال ابن رباح (رضي الله عنه) فواسيت نفسي به، ولكن كان ينقصني فقط قول، أحدٌ أحد، غير أني تذكرت أن من يضربونني هم أهلي وعشيرتي من المسلمين، فالحمد لله أنني لم أكفرهم من شدة الضرب!! (مزاح)
بدأت في اليوم التالي تطبيق قراري على أرض الواقع؛ بالامتناع التام عن الذهاب للنادي، واستعرت الاتصالات من الإدارة بوالدي، وكان قراري الحاسم بالرفض، ومرت الأيام، وفي هذه الأثناء؛ بدأت حال والدي المادية تسوء بشكل ملحوظ؛ نظراً لظهور الموتور الكهربائي لسحب الماء، والذي قضى تماماً على الطرمبات المائية التي كان يقوم بصناعتها (رحمه الله) فنادتني أمي، وقالت : يا ولدي، هل تعلم أن النادي قد اتصل على والدك أكثر من مرة، وقال له كذا وكذا، وأنت ترى ما وصلت إليه حالنا، ووالدك يتمنى أن يكبر أحدكم؛ ويأتي اليوم الذي يجد من أبنائه من يقف بجواره!!فهل سترجع للنادي مرة أخرى وتتابع تدريبات؟!
كانت هذه الكلمات كفيلة بترقيق الحجر، وبالأخص مع من يكنون لأبيهم حباً جماً مثلي، ولكن أجواء الكآبة والطبقية والمظاهر الخداعة التي عاينتها بالنادي؛ مقارنة بأجواء الأخوة الصافية التي استشعرتها بقلبي في أجواء المساجد لم تتح أمامي أي فرصة لوصول هذا الصوت العاطفي من والدتي الحبيبة إلى عقلي؛ أو مجرد التفكير فيه!! حيث كان قراري حاسماً بعدم العودة إلى تلك البيئة العفنة مكرراً مهما كلفني ذلك من تبعات!!واعتبرت أنه تركاً لله، وأن الله سوف يعوض والدي ويعوضني خيراً من تلك الأمنيات والوعود بكثير!!
فما كان من والدتي (رحمها الله) حينما رأت دموعي تنحدر لا إرادياً من عيني وأنا أوضح لها مدى حزني على حال والدي من جهة، وحرصي على طاعة لله ورسوله، أملاً في بذل أولى التضحيات لهذا الدين من جهة أخرى؛ إلا أن تبنت موقفي تماماً، بل وراحت تشرح لوالدي الأمر بأسلوبها، منهية حديثها بالقول : خلاص يا يوسف اتركه يفعل ما يشاء، فلن نغصبه على فعل شيء لا يريده!!
كان هذا الموقف من والدتي (رحمها الله) أولى بشائر نجاحي في تجاوز أول اختبار للصدق مع الله، والحرص على مرضاته، فما أسعدها من لحظات، وما أعظمها من معاني تأصل في القلوب حب الله ورسوله!!
فاللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب والأبصار، صرِّف قلوبنا إلى طاعتك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ما جاء في هذه الحلقة من العبر:
·الهداية من أعظم نعم الله على العبد، وعليه أن يحرص على أسباب دوامها، وأهم تلك الأسباب الصحبة الصالحة!!
·الفارق بين الهداية والغواية، كالفارق بين ظلام الليل ونور النهار!!
·الابتلاء مقرون بصدق الإيمان؛ كدليل على مصداقية العبد في توجهه إلى الله عملياً، وليس بمجرد الادعاء!!
·حلاوة هذا الدين، لا يتذوقها إلا من عاش له، وبذل الغالي والنفيس في سبيل نصرته!!
واستودعكم الله إلى لقاء قريب مع الحلقة السابعة إن شاء الله
..
..
تعليق