Tweet
مذكرات تجربة
(الحلقة الخامسة)
مــــــــع الله !!
انهمك الشباب بعد صلاة العصر في أحاديثهم الجانبية، وبدأ صديقي عماد يعرفني على أبرز الشخصيات المتواجدة بينهم؛ فكان في مقدمتهم الأخ الحبيب الدكتور/ علاء (حفظه الله) وهو طالب في سنة الامتياز الأخيرة بكلية الطب، ووالله الذي لا إله غيره، رأيت وجهاً منيراً بين قسماته روحانية عجيبة!! حيث ارتسمت عليه بشائر نور الإيمان، وسمات الصالحين بحق (نحسبه كذلك والله حسيبه) فشعرت فيه بدفء الأخوة، وعطف الأبوة، والحرص على الآخرين!!
يتضح لك ذلك منذ الوهلة الأولى لحديثه؛ الممتزج بالليونة والابتسامته المشرقة في آنٍ واحدٍ، فرحب بي مبتسماً، وكانت هذه الجلسة الطيبة معه بمثابة إشارة البدء لهجوم بقية الشباب؛ والتفافهم حولي، حيث أدخلوني مباشرة في أجواء مزاحهم ومشاغباتهم الجميلة وكأنهم يعرفونني منذ زمن!!
إذ بدأ اثنان يقدم كل منهما الآخر لي بأكثر الأوصاف إثارة له؛ كنوع من المزاح!! وقد بدا على بقية المجموعة الاعتياد على مزاحهما بهذه الطريقة دوماً؛ لأنهما بمثابة (القط والفأر) في المسجد!! فتعالت أصوات الضحكات من حولهما، وانتعشت الأجواء بنسائم المحبة وصفاء الأخوة.
كل هذا يجري أمامي، وقلبي يقفز في صدري يكاد يطير فرحاً بهذه الأجواء الجديدة وهذه الصحبة الطيبة، فلا أكاد أصدق ما أراه أو ما أعايشه، ولكم أن تتخيلوا نفسية شخص مثلي، قد انتقل من توه وفي لحظة مباغتة من دنيا المظاهر والخداع، والابتسامات الصفراء التي تخفي وراءها اللدغات القاتلة، إلى هذه الأجواء الصافية الجميلة، والمفعمة بعبق الأخوة في الله، وامتزاج الجميع في كيان واحد متحابب ومتآلف، تجمع روح التآخي بين كبيرهم وصغيرهم!! وبين مستور الحال فيهم، وبين فقيرهم!! يفترقون بعد كل صلاة، وكأن أرواحهم تتعانق عناق الوداع شوقاً إلى الصلاة التي تليها أملاً في اللقاء!!
وبدأوا في العودة واحداً تلو الآخر إلى منازلهم، إلا أنني شعرت في قرارة نفسي أن أمامي وقت طويل وطويل!! لابد أن أقضيه في هذا المكان، حيث أن مشاعر الطمأنينة التي سيطرت على نفسي جعلتني أشعر بأنني كالظمآن الذي لم ولن تروي روحه مثل هذه اللحظات البسيطة؛ لإشباع ما كان فيها من ظمأ وشغف لمثل هذه الأجواء الطيبة!!
طلبت من صديقي عماد أن يصف لي بالتفصيل الطريق إلى هذا المسجد، وكيف يمكنني الرجوع إليه مكرراً، حيث كان يبعد بالفعل مسافة لا بأس بها عن منزلي!!
فوصف لي، وعدت إلى المنزل، ولكن بنفسية تختلف تماماً عن عودة كل يوم !!
جاء وقت صلاة المغرب، فتوضأت على غير عادتي في المنزل، ونزلت لأقرب مسجد مجاور لنا، وكانوا يطلقون عليه اسم مسجد (سيدي بدران) حيث كان به ضريح لأحد مشايخ الصوفية من الطريقة الشاذلية، طبعاً كل هذا عرفته بعد فترة من التزامي، حيث كنت لا أفرق حيينها بينه وبين أي مسجد من المساجد!!
ونظراً لأن التهيئة الحافزة عندي وقتها، قد وصلت بي إلى ذروتها، فلقد كنت مهيئاً للانسياق التام لكل ما سوف أجده في المسجد ودون أدنى مقدمات، بل وبلا نقاش!! فقلد كان قرارا حاسماً مني بالعزم على الالتزام بالصلاة في المسجد وليكن ما يكون!!
المصــيدة!!
صلينا المغرب جماعة، وبدأ الشيخ في إلقاء درسه، وكلي آذان صاغية له، وكان صوتاً بداخلي يقول له، زدني زدني ياشخ، فلكم تعطش قلبي لحديث الآخرة!!
انتهى الدرس، وبدأ الرجل يردد بعض الابتهالات والناس تردد خلفه، وكنت أحاول الترديد معهم على الرغم من عدم حفظي لما يقولون!! ثم صلوا العشاء، وبعد الأذكار، قمت فصليت السنة، فلفت انتباهي بعد الصلاة أناس جلسوا يتحلقون وسط المسجد، في هدوء وسكون وصمت تام، وكأن على رؤس الطير!!
فلما رآني احدهم انظر إليهم، وكأن عيني ترسل علامات الاستفهام، أشار إليَّ ودعاني لصحبتهم، وبالطبع كما ذكرت لكم، فلقد كنت مهيأً تماماً لقبول أي شيء، سارعت بالجلوس بينهم، فأفهمني بصوت خافت أن هذه حضرة لأتباع الطريقة الشاذلية!! وأن الإمام الشاذلي هذا الذي يتبعون طريقته، يعتبر أحد أقطاب الكون!!
ونظراً لجهلي وقتها بما يعنيه، فلقد حملت معنى كلمة قطب على أنه ربما يكون القطب السالب أو الموجب!! المهم مررتها له دون سؤال لعدم الإحراج!!
وانتظرنا جالسين حتى اكتمل عددهم، وبدأ هذا الرجل الذي اكتشفت فيما بعد أنه (شيخ الطريقة) في عملية التسخين!! حيث بدأ يردد (الله حي) وكلمة (هو) ثم تابعوه واقفين، وتشابكت أياديهم، وأخذوا يتمايلون ذات اليمين وذات الشمال والعبد الفقير رايح فيها وسطهم لا أدري ماذا أفعل؟!
كل هذا كان غريباً علي جداً، وبشكل كبير!! ولم تألفه نفسي مطلقاً، حيث اعتبرته نوعاً من الرقص الذي يتنافى مع وقار المسجد!! ولكن نظراً لأن العزيمة في قلبي شديدة على سلوك أي طريق للتدين، فلقد حاولت قبول أي شيء، مهما كان، المهم ألا أترك هذا الطريق!!
انتهت حضرتهم، وبدأت معركة دامية!! حيث نزلت صواني ما يسمونها (الفتة) فأكلوا منها بنهم كاسح!! بل وبشكل يؤسفني جداً أن أصفه (بالمقزز) وكأنهم ما عرفوا يوماً مذاق الطعام!! حيث كادوا بالفعل أن يفترسوا الأواني!!
فتعففت نفسي تماماً، بل وعلى الفور عن مجرد حتى التفكير في مد يدي لأي إناء من آنيتهم، ليس تكبراً والله، وإنما تقززاً واشمئزازاً من طريقة أكلهم البشعة!!
صبرت ما شاء الله لي أن أصبر، كنوع من الأدب؛ حتى ينتهون من طعامهم، لنخرج سوياً من المسجد الذي أغلق بابه!! وامتلأت ثنايا حصير المسجد أرزاً إثر هذه المعركة الدامية مع الفتة!! حيث انتهت بالطبع بمحو كل آثار أجدادها وسلالتها منذ آلاف السنين!!
خرجوا من المسجد وكأنهم يتمايلون من شدة الهز والطبل وملئ البطون!! وخرجت من بينهم، تتثاقل بي الخطى، حيث كانت تسائلني نفسي : (وهل هذا أيضاً نوع من العبادة؟!)
لم يطل بي انتظار الجواب طويلاً، حيث رأيت كل واحد منهم يتسابق في وضع سيجارة في يد الشيخ!! ويعتبرون ذلك بركة منه وقربى إليه!! كي يعمر صاحبنا الطاسة، بعدما أنهكه الهز والمواويل، وبالأخص معركة (الفتة)!!
لم تكد عيناي تصدق ما تراه، وبدأ الشك الكبير يدخل إلى قلبي!! شيخ يُدخن سيجارة؟!
وبدأت رحلتي مع التساؤلات والحيرة!! رجعت إلى صديقي عماد في اليوم التالي مباشرة، وأخبرته أنني بدأت والحمد لله في المواظبة على الصلاة في المسجد المجاور لنا، ولكنني رأيت به أناساً يفعلون كذا وكذا!!
فضحك عالياً، وقال :" أنت وقعت بينهم؟! إياك وهؤلاء!! فهؤلاء الصوفية، قومٌ مخرفون، ولديهم شركيات وبدع كثيرة كلها ضلال" فتعجبت وخشيت أن أتلفظ بمثل ما يتلفظ به من هذه الكلمات المغلظة، باعتبار أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ويذكرون الله في نهاية المطاف، فكيف يمكن وقوعهم في الشرك؟! فقال لي : " ما رأيك أن تصلي معنا العصر غداً في مسجدنا، ونسأل الدكتور/علاء؟" فأعجبني مقترحه جداً، لا سيما وقد اشتقت لأجواء ذلك الشباب الطيب!!
سابقت الخطى في اليوم التالي إلى المسجد، فضحك صاحبي؛ حينما دخل ورآني قبله في المسجد الذي يجاوز سكنه!!وانتظرنا قدوم الدكتور/علاء بفارغ الصبر قبل الصلاة فلم يحضر!! وحان وقت الإقامة، فصلينا العصر، ثم التفتنا ذات اليمين وذات الشمال بعد التسليم بحثاً عنه فلم نجده، فلمَّا سألنا عليه، قالوا أنه سيأتي متأخراً اليوم لأن لديه محاضرات كثيرة بالجامعة!!
حزنت في نفسي، وقلت لعله الخير، واتفقت مع عماد على الحضور لاحقاً.
فلما رجعت إلى المسجد المجاور لمنزلنا، تقابلت مع أحد أتباع هذه الطريقة، وتجاذبنا أطراف الحديث بين المغرب والعشاء، فسألته بحسن نية، عن جواز هذا الرقص والهرج الذي حدث بالأمس في المسجد، فقال لي : ألا تعلم أن تفسير قوله تعالى : (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) هو (أغمض عينك وأرني أحلى الرقصات)!! حيينها أيقنت أن الذي أحدثه شخص متخلف عقلياً بالفعل!! إذ لا يعقل أن يقول الله هذا الكلام أبداً!! ثم زادت الطينة بلة؛ بقوله : (ألا تعلم أن شيخنا يرى أقطاب الكون الأربعة، حين يحضرون معنا الحضرة مساء كل أربعاء؟! حيث بمقدوره وحده أن يراهم، ولا يراهم أحد سواه؛ لأنه واصل، عقبالنا يارب) !!
نزلت هذه الكلمات كالصواعق المتتالية على رأسي؛ فقررت إنهاء لقائي به على الفور؛ متذرعاً بالانصراف لتجديد وضوئي أو ما شابه ذلك.
ولفت انتباهي وأنا بالطريق إلى مكان الوضوء مجموعة من الشباب في مثل عمري، يجلسون في مؤخرة المسجد، فذهبت إليهم وسلمت عليهم، وبدأت أتجاذب أطراف الحديث معهم، وكانت هذه بداية العلاقة الطيبة بيننا؛ والتي ازدادت أواصرها مع مرور الأيام، حيث كنَّا جميعاً حديثي عهد بالالتزام، وسبحان من جمع بيننا في هذه الآونة بالذات، حيث أنهم كانوا يعانون في نفس الحيرة التي أعانيها، بل كانوا يتساؤلون عن جواز الصلاة بالمساجد التي بها أضرحة أصلاً!!
حيث سمع أحدهم كلاماً يفيد بعدم جواز ذلك، فتشاورنا فيما بيننا على مدار أيام وأسابيع، وقررنا في نهاية المطاف عدم الصلاة في هذا المسجد بعد ذلك أبداً، واتفقنا على الصلاة في مسجد الآخر، والتابع للجمعية الشرعية المجاور لنا أيضاً، وهو مسجد (محمد علي)!!
كان كلام عماد، وما سمعته من أصحابي الجدد، فضلاً عما ألقاه صاحبنا هذا على مسامعي من صواعق، كفيلاً بصرفي تماماً عن الانخراط مع هذه الطريقة، بل وعن حضور حفلاتهم (الفتا سجائرية) التي يقيمونها كل أسبوع.
وانتظمنا بفضل الله جميعاً في مسجد الجمعية الشرعية، لتبدأ رحلة صراعنا سوياً بين أفكار الجماعات!!
شبرا وما أدراك ما شبرا؟!
وهنا دعوني أعرج بكم على هذا العالم اللا متناهي من عجائب الأحداث، حيث تدفعني ذاكرتي دفعاً؛ كي ألفي لكم الضوء على ما كان من عجائب حي شبرا، وما أتخم به من جماعات متباينة الأفكار في ذلك الحين!!عسى أن تعايشوا أجواء هذا العالم الصاخب باختلاف الآراء والتوجهات، وتتعرفوا كيف كان حفظ الله لنا؛ حين شملنا برحمته من هذه التقاذفات الفكرية الغريبة، ثم أعود أدراجي كي أكمل لكم قصة إنهاء علاقتي بعالم الرياضة، وتجوالي في مختلف الجماعات.
ولن أكون مبالغاً في وصف هذا الحي إذا قلت لكم أنه بمجرد ما تذكر لأي أخ أنك من سكان حي شبرا، حتى تكون ردة فعله التلقائية هي (الضحك) وكأنك قد قلت له نكته!! وسوف يقول لك العبارة الشهيرة: (الفتاوى الكبرى لأهالي شبرا)!!
وذلك لما عرف عن هذا الحي من تعدد الجماعات وتباين وأفكارها، وخروج الفتاوى المثيرة للجدل عنهم، فبغض النظر عن الجماعات الرئيسية المعروفة، كالإخوان والسلفية والجهادية، كانت هناك جماعات أخرى متفرقة. كجماعة الفرماوية، وهي جماعة مخرفة،يدعي مؤسسها واسمه (أحمدالفرماوي) أنه يوحى إليه، ويلزم أتباعه بارتداء الجلاليب والعمامة الخضراء، ولا يمكنهم أكل الخيار مطلقاً إذ يحرمونه هو والباذنجان الطويل!!
وهناك أيضاً جماعة القطبيين، وهم من ينسبون أنفسهم للداعية الجليل (الشيخ /سيد قطب رحمه الله) إلا أنهم جنحوا في كثير من أفكارهم لتكون أقرب ما تكون إلى جماعة التكفير والهجرة!! بالإضافة لجماعة التكفير والهجرة أنفسهم، وهم الذين قتلوا الشيخ الذهبي في الماضي!! هذا فضلاً عن جماعة التوقف والاستبيان، وهم الذين لا يحكمون على أحد بالإسلام، حتى ولو كان يصلي معهم بالمسجد، حتى يسألوه عن عقيدته!! ناهيك عن جماعة التبليغ والدعوة المساكين والمغلوب على أمرهم وسط كل هذه الجماعات!!
أما السلفية المذهبية، فكل جماعة منها لها شيوخها ومدارسها، ولكن المثير في الأمر أن كل ما ذكرت من تلك الجماعات؛ كانوا يتداخلون في نفس المساجد والزوايا؛ نظراً لقلتها، فكنت تراهم يتناوبون على صلاة الجماعة في المسجد الواحد!! لأن بعضهم وللأسف الشديد إما يكفر بعضاً!! أو يحظر الصلاة خلف الجماعات الأخرى؛ لما يعتقد من وقوعهم في البدع أو المحظورات!! وفي هذه الاجواء الغريبة؛ أخذت فتاوى شيوخ حي شبرا تتطاير ذات اليمين وذات الشمال؛ لتحدث بلبلة كبيرة في أوساط الملتزمين في كافة أنحاء مصر!!
فاليوم يصدرون فتوى بتحريم السكر؛ لأن تكريره يتم باستخدام عظام الخنزير، وغداً فتوى أخرى بتحريم الصابون؛ لأن يُصنع بشحوم الخنزير، واليوم الذي يليه فتوى ثالثة بتحريم اللحوم المحلية، لأن الذي يقوم بذبحها جزار، والجزارون في معظمهم يسبون الدين، ولا يجوز أكل ذبيحة المرتد!!
أسطورة شبراوية عجيبة!!
وسط كل هذه العواصف والأجواء المتضاربة؛ كانت تتخبط بنا الآراء بين مؤيد ومعارض، وتزداد الصورة تعقيداً بظهور شيخ كبير لن تنساه ذاكرة شبرا بحال!!فقد كان شيخاً متعدد الأطوار، واشتهر بين عامة الناس باسمالشيخ (آدم) (بتاع سكينة البصل)حسبما كان يحلو لضباط الشرطة وقتها تلقيبه!!
فهو شيخ ثمانيني العمر؛ من أقصى صعيد مصر، لم يتزوج أبداً في حياته!! وليس لديه منزلاً أو بيتاً يسكن فيه!! وإنما كانت عباءته الأزهرية هي كل ما يمكله في هذه الحياة!! فهي بالنسبة له بيته الذي يلتحفه، وينام قرير العين داخله في أي مسجد من بيوت الله!!فكنت تراه في صلاة الفجر يعطي درساً في أحد مساجد الاسكندرية، لتفاجئ به في صلاة المغرب يعطي درساً في أحد مساجد شبرا!! وفي اليوم الذي يليه في أحد مساجد الصعيد!!
وقد ذاع صيته بين الناس من شدة جرأته في الحق، حتى يئست منه الأجهزة الأمنية وقتها، واعتبرته مختلاً عقلياً من سلاطة لسانه عليهم!!بلومن كثرة ما يعتقلونه ويفرجون عنه، دون جدوى!!
ويبدو أن المقام قد طاب له وسط هذه الأجواء الشبراوية؛ فكان يقضي معظم أوقاته هناك؛ بعدمااختص لنفسه أحد الزوايا التي تتوسط موقف الباصات (وما أزحمها) ليخطب فيها كل جمعة!! فتكالب الناس على خطبته؛ لما فيها من عجائب الدنيا الثمانين!!وإليكم هذه الباقة من مواقفه العجيبة والمضحكة، راجياً العفو منكم في ذكرها !!
دخل ذات يوم مسجد أزهري، فكان الإمام ينقر الصلاة بالناس نقراً، من شدة سرعتها!! فلمَّا انتهى من الصلاة، قفز من مكانه وصرخ في الناس طالباً منهم ألا يبرجوا أماكنهم، وتوجه إلى الإمام قائلاً له وبصوت عالٍ أمام الناس :
"قم يا غراب!! دي صلاة دي يا غراب؟!"
ثم قال للناس صلاتكم باطلة وراء هذا الغراب لأنه كان بينقرها نقر!!وأمر المؤذن فأقام وأعاد الصلاة بالناس!!
ومن أشهر قصصه المضحكة التي لا يكاد يصدقها عقل :
أنه وقف يوماً خطيباً بعد توقيع السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل، فضرب بعصاته على المنبر متحسراً وهو يقول : آه . . آه . . الإسلام ضاع!! . .كلكم منافقين ولاد كلب!!وأنا كمان منافق ابن كلب!! . . يا اللا يا ولاد الكلب مافيش صلاة!!
فقال له أحد الحاضرين وكان قريباً من منبره: (يا عم الشيخ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) فقال له الشيخ آدم : (أنا عارفك أنت يا مخبر يا ابن الكلب)!!وراح ضربه بالعصا على رأسه وقال له خذ : ( آدي الحكمة) ثم أمسك بالحذاء الموضوع بجانبه، وضرب به على رأس الرجل قائلاً : (وآدي الموعظة الحسنة)!!كل هذا والناس في ذهول تام مما يحدث!! فهي خطبة الجمعة، وهو الخطيب، فأين يذهبون؟!
ولكن من تعود على خطب هذا الرجل لم يستغرب منه أبداً هذا الأسلوب، حيث كان يتلاعب بمشاعر المصلين بشكل عجيب، فيجعلك تضحك وتبكي ويبلغ بك الحماس مبلغه في نفس الخطبة!! فعرفوا بلا شك أن ما فعله في البداية إنما كان للتعبير عما به من القهر والحسرة على ما آل إليه حال الإسلام والمسلمين، ثم أكمل الصلاة بلا شك بعد ذلك!!
وتجدر الإشارة بي هنا أن أنوه على أنني لا أقر هذه الألفاظ شرعا، وإنما أنا مجرد ناقل فقط لما كان من حكاياته العجيبة، التي لا أظنكم سوف تسمعونها طوال حياتكم من غيري، باعتبارها أحد الأساطير الشبراوية التي لن تتكرر!!
ثم تابع خطبته قائلاً : الإسلام راح . . وهذا السادات كافر كفر بواح . . وخلاص باع فلسطين . . وأنتم ساكتين!! ما في حد فيكم صادق!! . . ولوكان فيكم واحد بس صادق . . لكان راح وقتل هذا الكلب . . ولو بسكينة البصل؟! فأطلق الضباط عليه من يومها ، الشيخ آدم (بتاع سكينة البصل) ومن المواقف النادرة أيضاً لهذا الشيخ الشبراوي العجيب!!
أنه كان يعطي درساً في مسجد فاطمة الزهراء بحي شبرا، وهو المسجد كان مركزاً رئيسياً لاجتماع كافة الجماعات، وبالأخص الإخوان والسلفيين والجهاد والتبليغ.
ولكن نظراً لما عرف عن الرجل من جرأته في الحق، فقد كان حبيب الكل، والجميع يستمتع بحضور دروسه وخطبه، فتوقف فجأة في منتصف الدرس وقال لهم : ما في جماعة واحدة منكم فيها خير، ولو كانت جماعة واحدة فيها خير، لكان ربنا نصرنا ومكن لنا . . وبرضه أتبعها بـ (ياولاد الكلب)!!
ثم خرج ووقف على باب المسجد، وكان يسكن مقابل المسجد مباشرة، مأمور قسم شرطة الساحل، وكان اسمه عبد الستار، فنادى عليه بأعلى صوته : (ياعبد الستار) (ياعبد الستار) فخرج له المأمور من البلكونة وسأله : (عاوز إيه يا عم الشيخ؟) فقال له : (السادات كافر يا عبد الستار)!!فقال له المأمور : (طيب وأنا مالي ياعم الشيخ؟) فقال له : (وأنت كمان كافر يا عبد الستار)!!
كل هذا والشباب داخل المسجد ما بين مذهول من جرأة الرجل، وما بين غارق من شدة الضحك على ما يسمع!!
أختم حلقتي هذه بنوادر الشيخ (آدم) وفي الحلقلة القادمة بإذن الله، أكمل لكم قصة نهايةعلاقتي بعالم الرياضة مجددأ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ما جاء في هذه الحلقة من العبر
· العلم الشرعي كالبصر للأعمى، والروح للميت، وبدونه لا يمكن سلوك الصراط المستقيم!!
· التحول المفاجئ في التوجهات، له قوة اندفاع تفوت على صاحبها الكثير من الاتزان في التصرفات أو اتخاذ القرارات الصحيحة في كثير من المواقف !!
· الصحوة العارمة التي تجرف أفرادها في أمواج عاتية من الحماس؛ تلقي في روعهم الشعور بحجم قوة وهمية؛ يفوق قواهم الحقيقة، مما قد يوقعهم في الكثير من التقديرات الخاطئة!!
· النماذج الفريدة من الناس لا تنسى!!
واستودعكم الله إلى لقاء قريب مع الحلقة السادسة إن شاء الله
تعليق