الصفة الثانية من صفات الطائفة المنصورة
الجهاد فى سبيل الله
عن معاوية بن قرة : عن أبيه - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : «إذا فَسَدَ أهْلُ الشام فلا خير لكم ، ولا تزال طائفة من أمتي منصورين ، لا يضرهم مَنْ خَذَلَهُم حتى تقوم الساعة ». رواه الترمذى وابن ماجه وقال الشيخ الألباني : صحيح
عَنْ جَابِرِ ابْنِ سَمُرَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ."رواه مسلم وغيره
عن سلمة بن نفيل الكندي - رضي الله عنه - :قال: كنتُ جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رَجُلٌ : يا رسولَ اللّه ، أَذال الناسُ الخْيلَ ، ووضَعوا السلاح،قالوا : لا جهادَ ، قد وضَعَتِ الحربُ أوْزارَها ، فأَقْبلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوجهه،وقال : « كذَبوا ، الآنَ جاءَ القتالُ ، ولا تزالُ من أُمَّتي أُمَّةٌ يقاتلون على الحق ، ويُزيغُ الله لهم قلوب أقوام ويرزُقُهم منهم ، حتى تقوم الساَّعةُ ، وحتى يأْتِىَ وعدُ اللهِ، الخْيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة ، وهو يُوحى إليَ : إني مقبوضٌ غيرُ مُلَبَّث، وأَنتم تتَّبِعوني ، أَلاَ، فلايضربْ بعضُكم رِقَابَ بعضٍ ، وعُقْرُ دارِ المؤمنين الشامُ». أخرجه النسائي.قال الشيخ الألباني : صحيح
عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال - وهو يخطب - سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : « لا تزال من أمتي أمَّة قائمة بأمر الله لا يضرهم مَن خَذَلهم ولا مَن خالَفَهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ».
قال ابن يُخامِر : سمعت معاذا يقول : هم أهل الشام - أو بالشام - فقال معاوية: هذا مالك بن يخامر يزعم أنه سمع معاذا يقول : وهم بالشام.
وفي رواية قال : قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : « مَن يُرِدِ الله به خَيْرا يُفَقِّهْهُ في الدِّين ، ولا تزالُ عِصَابة من المسلمين يقاتلون على الحق : ظاهرين على من ناوَأهُمْ إلى يوم القيامة » أخرجه البخاري ومسلم.
والأحاديث فى ذلك كثيرة والدلالة فيها واضحة على أن من أخص خصائص الطائفة المنصورة أنهم يقومون بواجب الجهاد فى سبيل الله وإن تركه أكثر الناس أو تخاذلوا عنه ،أو تأولوا فى تركه ،مع دلالة الأحاديث على دوام واستمرار هذه الطائفة فى رفع راية الجهاد فى كل مكان ،فليس لهم بلد يقيمون فيها ويتخذونها وطنا لهم بل ديارهم وأوطانهم هى التى يقام فيها الجهاد لذلك تجدهم ينتقلون من بلد إلى آخر سعيا لإقامة الفريضة الغائبة عن الناس الحاضرة فى الشرع الحنيف
ولأهمية هذه الصفة من صفات الطائفة المنصورة أريد أن أتناولها فى عدة مسائل وفوائد :
المسألة الأولى :هل ثبت فى القرآن الكريم أن الجهاد فى سبيل الله من صفات الطائفة المنصورة ؟
والجواب : أن هذا ثابت فى مواضع فى القرآن الكريم ، أن الجهاد فى سبيل الله من صفات حزب الله
قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة 54: 56
دلت الآية على أن من صفات حزب الله وهم الطائفة المنصورة :الجهاد فى سبيل الله " يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ"
المستفاد من هذه الآية :
الفائدة الأولى : دلالة الآية على صحة إمامة الخلفاء الأربعة ،وفى هذا رد على الشيعة الأشرار- قاتلهم الله
قال الإمام الجصاص – رحمه الله –" وفي الآية دلالة على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وذلك لأن الذين ارتدوا من العرب بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم - إنما قاتلهم أبو بكر وهؤلاء الصحابة"اهـ أحكام القرآن ج4ص101
وذكر الطبرى فى تفسيره عن الضحاك في قوله:"فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم"، قال: هو أبو بكر وأصحابه. لما ارتد من ارتدَّ من العرب عن الإسلام، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردَّهم إلى الإسلام."اهـ جامع البيان ج10ص412
تعليق :
كل من فعل كفعل الصحابة من قتال المرتدين فهو بدون شك من الطائفة المنصورة
وقد أحسن الشوكانى – رحمه الله - فى قوله تعليقا على هذه الآية
" وهذا شروع في بيان أحكام المرتدّين ، بعد بيان أن موالاة الكافرين من المسلم كفر ، وذلك نوع من أنواع الردّة . والمراد بالقوم الذين وعد الله سبحانه بالإتيان بهم هم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجيشه من الصحابة والتابعين ، الذين قاتل بهم أهل الردّة ، ثم كل من جاء بعدهم من المقاتلين للمرتدّين في جميع الزمن "اهـ فتح القدير ج2ص323
الفائدة الثانية " أن الله تعالى يستبدل الطالحين بالصالحين
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله –
"يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى: ** وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد: 38]
وقال تعالى: ** إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } [النساء:133]
وقال تعالى:** إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [إبراهيم:19 ، 20] أي: بممتنع ولا صعب.
وقال تعالى هاهنا: ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } أي: يرجع عن الحق إلى الباطل." تفسير ابن كثير ج3ص135
الفائدة الثالثة : دلالة الآية على إعجاز القرآن وأيضا معجزة للنبى – صلى الله عليه وسلم
قال الإمام القرطبى – رحمه الله –
" وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم: إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبا، فكان على ما أخبر بعد مدة، وأهل الردة كانوا بعد موته صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحق: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد، مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جؤاثى ، وكانوا في ردتهم على قسمين: قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها، قالوا نصوم ونصلي ولا نزكي،
فقاتل الصديق جميعهم، وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم، على ما هو مشهور من أخبارهم." اهـ تفسير القرطبى ج6ص219
الفائدة الرابعة "من صفات حزب الله الذين هم الطائفة المنصورة أنهم يحبون الله تعالى ،
ولأجل هذه المحبة يحملون لواء هذا الدين دفاعا عنه ونصرة له " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"فمن أحب الله تعالى أحب دينه وشرعه لأن من أحب الله أحب ما يحبه الله ويرضاه
وقد أحسن الإمام ابن القيم حين قال:
[ لمَّا كثر المدعون للمحبة طولبوا بالإقامة البينة على صحَّة الدعوى ، فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخليُّ حرقة الشجي ، فتنوع المدَّعون في الشهود ، فقيل : لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة [ قل إن كنتم تحبُّون الله فاتبعوني يحببكم الله ] آل عمران[31]
فتأخر الخلق كلَّهم ، وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البيِّنة بتزكية [ يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم]المائدة[54] اهـ مدارج السالكين ج3ص9
الفائدة الخامسة : من صفات الطائفة المنصورة تحقيقهم للولاء والبراء
" أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"
قال ابن كثير – رحمه الله –
"وقوله تعالى:** أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه، كما قال تعالى: ** مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29].
وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه: "الضحوك القتال" فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه." اهـ تفسير ابن كثير ج3ص136
وقال ابن كثير أيضا " فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقا لأخيه المؤمن، غليظًا على عدوه الكافر، كما قال تعالى: ** فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]
وقال تعالى: ** مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح: 29]
وقال تعالى:** يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 73، والتحريم: 9]
وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا الضَّحوك القَتَّال"، يعني: أنه ضَحُوك في وجه وليه، قَتَّال لهامة عدوه." اهـ تفسير ابن كثير ج4ص239
وقال الفخر الرازى – رحمه الله –
" ثم قال تعالى : ** أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } وهو كقوله ** أَشِدَّاء عَلَى الكفار رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ]
قال صاحب «الكشاف» أذلة جمع ذليل ، وأما ذلول فجمعه ذلل ، وليس المراد بكونهم أذلة هو أنهم مهانون ، بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب ، فإن من كان ذليلاً عند إنسان فإنه ألبتة لا يظهر شيئاً من التكبر والترفع ، بل لا يظهر إلا الرفق واللين فكذا ههنا ، فقوله ** أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين } أي يظهرون الغلطة والترفع على الكافرين . وقيل : يعازونهم أي يغالبونهم من قولهم : عزه يعزه إذا غلبه ، كأنهم مشددون عليهم بالقهر والغلبة .
فإن قيل : هلا قيل : أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين .
قلنا : فيه وجهان : أحدهما : أن يضمن الذل معنى الرحمة والشفقة ، كأنه قيل : راحمين عليهم مشفقين عليهم على وجه التذلل والتواضع ، والثاني : أنه تعالى ذكر كلمة ** على } حتى يدل على علو منصبهم وفضلهم وشرفهم ، فيفيد أن كونهم أذلة ليس لأجل كونهم ذليلين في أنفسهم ، بل ذاك التذلل إنما كان لأجل أنهم أرادوا أن يضموا إلى علو منصبهم فضيلة التواضع . وقرىء ( أذلة وأعزة ) بالنصب على الحال ."اهـ مفاتيح الغيب6ص85
الفائدة السادسة : دلالة الآية على أن الجهاد فى سبيل الله من صفات الطائفة المنصورة
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -
** يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } أي: لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وقتال أعدائه، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل."ج3ص136
فالطائفة المنصورة يجاهدون في سبيل الله ; لا في سبيل أنفسهم ; ولا في سبيل قومهم ; ولا في سبيل وطنهم ; ولا في سبيل جنسهم . . ولا فى سبيل حزب ، ولا فى سبيل جماعة أو راية 0
في سبيل الله . لتحقيق منهج الله , وتقرير سلطانه , وتنفيذ شريعته , وتحقيق الخير للبشر عامة عن هذا الطريق . .
وليس لهم في هذا الأمر شيء , وليس لأنفسهم من هذا حظ , إنما هو لله وفي سبيل الله بلا شريك .
وهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم . .
المسألة الثانية : أهمية الجهاد فى سبيل الله
وقد وردت نصوص كثيرة جداً في فضيلة الجهاد نذكر طرفاً منها:
أولا :اقتران محبة الجهاد بمحبة الله ورسوله
قال تعالى"قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة : 24
مفهوم الآية الكريمة :
كما أن المسلم لا يقدم هذه المحاب المذكورة فى الآية على محبة الله ورسوله ،فكذلك لا يقدمها على محبة الجهاد فى سبيل الله تعالى
والسؤال ها هنا :لماذا خص الله تعالى الجهاد فى سبيله بالذكر دون بقية العبادات الأخرى مثل الصلاة والصيام والحج ؟
والجواب :أن ذلك لعدة وجوه :
الوجه الأول :لأن المجاهد فى سبيل الله بجهاده يدلل على صدق محبته لربه ولرسوله ولدينه
الوجه الثانى :أن المجاهد فى سبيل الله بجهاده يدلل على صدقه فى إيمانه بربه وإيمانه برسوله – كما قال الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{ [سورة الحجرات: 15]
الوجه الثالث : أن المجاهد فى سبيل الله يدلل بجهاده على إيثاره الآخرة على الدنيا الفانية ،لأن المجاهد فى سبيل الله يبيع نفسه للهرب العالمين
قال تعالى "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 111
الوجه الرابع : أن المجاهد فى سبيل الله يدلل بجهاده على محبته لحفظ دين المسلمين ونشره فى الأرض والدفاع عن المستضعفين من المسلمين فى أرض الله تعالى
الوجه الخامس :أن عبادة الجهاد فى سبيل الله من العبادات المتعدية ،فنفع الجهاد يكون عام لجميع المسلمين ولكسر شوكة الكافرين من جانب آخر ،أما الصلاة والصوم والحج فلا يتعدى إلى الغير
ثانيا :الجهاد فى سبيل الله تعالى هو التجارة الرابحة
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {11}يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {12} وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{ [سورة الصف:10-13].
فوائد حول هذه الآية :
الفائدة الأولى : التجارة فى القرآن الكريم لقوله تعالى ""هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ"
( بصيرة فى التجارة )
وقد ذكرها الله تعالى فى ستَّة مواضع.
الأَوّل: تجارة غُزَاة المجاهدين بالرُّوح، والنفْس، والمال: {هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إِلى قوله: {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُم}.
الثانى: تجارةُ المنافقين فى بَيْع الهدى بالضَّلالة: {اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ}.
الثالث: تجارة قراءَة القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} إِلى قوله: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}.
الرّابع: تجارة عُبّاد الدّنيا بتضييع الأَعمال، فى استزادة الدرهم والدّينار: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا}.
الخامس: فى معاملة الخَلْق بالبيع والشِّرَى: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ}.
السّادس: تجارة خواصّ العباد بالإِعراض عن كلّ تجارة دنيويّة: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}اهـ بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز ج1ص549
الفائدة الثانية :هذه التجارة سبب فى النجاة من العذاب الأليم
لقوله تعالى" تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ"
فالجهاد فى سبيل الله تعالى مع الإيمان الصحيح ينجى من العذاب الأليم الذى أعده الله لغير المؤمنين
الفائدة الثالثة : أن الجهاد فى سبيل الله تعالى لا يعدله شئ من بقية العبادات
وهذا واضح فى الآية الكريمة وفى غيرها بدليل أن الله تعالى ذكر الجهاد فى سبيله بعد الإيمان به – جل وعلا – والإيمان برسوله – صلى الله عليه وسلم – دون بقية العبادات
قال تعالى" تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ"
قال ابن دقيق العيد رحمه الله : " الجهاد لا يقاومه شيء من الأعمال "اهـ شرح الأربعين ص 169 .
وذلك لأن فيه بذل المهج التي ليس شيء أنفس منها, ولا يعادلها شيء البتة, فيبذل مهجته, ويبذل ماله لظهور الدين وتأييده,ولما فيه من جهاد الكفار والمنافقين, فبذلك استحق أن يكون من الدين بهذه المكانة
روى البخارى ومسلم ومالك فى الموطأ والنسائى فى سننه
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : « قيل : يا رسول الله، ما يَعْدِل الجهادَ في سبيل الله ؟ قال : لا تستطيعونه ، فأعادوا عليه مرتين ، أو ثلاثا ، كلُّ ذلك يقول : لا تستطيعونه ، ثم قال : مَثَلُ المجاهد في سبيل الله ، كمثل الصائم القانِتِ بآيات الله، لا يَفْتُر من صيام ولا صلاة ، حتى يرجعَ المجاهدُ في سبيل الله » أخرجه مسلم والترمذي.
وفي رواية « الموطأ » : أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : « مَثَلُ المجاهدِ في سبيل الله، كَمَثَلِ الصائمِ الدائمِ لا يَفْتُر من صلاة ولا صيام حتى يرجع ».
منقول
تعليق